أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رقابة أمنية ؟ ... د. الياس حلياني

كما كنا نرى في الأفلام والمسلسلات، أن المخبر السوري، كان يثقب الصحيفة، ويطل من (البخواش) الثقب، كما يطل الجرذ من البالوعة. ولكن بسبب انتشار الكمبيوتر، وقلة قراء الصحف، أصبح الأمر مكشوفا ومفضوحا، فالصحف السورية، لم تعد موجودة غير لدى باعة الشاورما والفلافل، أو لدى اللفايات، والدهانة. وهنا وقع الأمن في مشكلة عويصة، فمن غير المعقول، أن يُحضروا معهم إلى الحديقة جهاز كمبيوتر، ويقومون بثقبه من أجل مراقبة الناس. وبما أننا من الدول النايمة، والتي تتطور بسرعة السلحفاة، فقد استعاضوا عن مخبرين البلاليع، بمخبرين الموتوسيكلات. ولن تتعب كثيرا أخي المواطن، فعندما ترى اثنين من المخلوقات الترابية، يضعان نظارات سوداء، ويمتطيان حصان بخاري، ويحملان دفترين، بالمقلوب، أي الفتحة للأسفل، وطبعا أقصد فتحة الكتاب، وليس المخبر. فأعلم عندها أنك وقعت في شر أعمالك، وسارع إلى الاعتراف بكل ما كنت تُفكر به بالأمس، أنت وزوجتك وأولادك.
الحمرنولوجيا، وهي فئة من المخبرين، أو معلميهم، لا يُريدون، أن يبذ لوا جهدا كبيرا في المراقبة واللف والدوران، فيُقدموا على تجنيد أتباع لهم.
في المدينة التي أعمل فيها، يبدو أنه لم يبق شخص لا يُراقبني، من عمال البلدية، إلى طلاب المدارس، إلى الفرق الحزبية، إلى المكاتب العقارية، وحتى أصحاب النوفوتية، والملابس الداخلية، بفرعيها النسائي والرجالي.
في الفرقة الحزبية قالوا لهم: انتبهوا هناك شخص ليبرالي في المدينة، وباعتبار جميع الحضور من الذين لا شغلة ولا مشغلة، فقد سروا بهذا التكليف السامي، كيف لا وقد أصبحوا مهمين، وانطلقوا كل بأسلوبه الجيمس بوندي، يراقبون هذا الليبرالي، عميل أمريكا والإمبريالية والصهيونية.
أغلبهم جاؤوا إلى المحلات والمكاتب المجاورة لمكان عملي، وطلبوا منهم أن يراقبوني، ويُراقبوا خاصة من يدخل إلى عندي مرتديا بذلة المار ينز، ويقود سيارة همر، أحدهم ظن الهمر نوع من الهمبرغر، لذلك سارع بالإبلاغ عني، يوم طلبت همبرغر.
الذكي بينهم، جاء إلى المكتب العقاري المجاور، (رجل أمن سياسي) وقال له: عليك أن تراقبه بشكل جيد، نحن نراقبه 24 ساعة باليوم، ما عدا الساعات الإضافية. وكل أجهزته مراقبة. الحقيقة لم أهتم ، لا بالهاتف ولا بالخلوي ولا بالكمبيوتر، الذي أرعبني وأخافني، هو مراقبة المحمول الخاص بي.وكما تعلمون، لم يبق لنا في هذا الوطن شيء نفتخر به سوى المحمول وحزب البعث.
معلم صحية قال لي: لقد طلبوا مني في الحزب أن أراقبك. بربكم هل هذا حزب أو مركز لتأهيل المعاقين نفسيا واجتماعيا.
ونسأل أنفسنا: هذا الكره والحقد والعنف، واللصوصية والحقارة والنجاسة. هل هي من سمات الشعب السوري، أم هي من المنجزات؟
يسلك ما تبقى من هؤلاء الأوغاد الذين يُراقبوني اليوم (الطريق السهلة). لأن السبيل إلى كل نجاسة ورزيلة أو عمل لا أخلاقي تتجه نزولا، وعبورها لا يحتاج إلى جهد كبير والانحطاط الأخلاقي ليس أكثر من أن يهبط المرء بنفسه، وبفضل التوجيهات السامية، على امتداد سلم الإنسانية، بدون أن يُدركا ذلك وباتباع هذا المسلك، يمكن أن يجد كل حقير نفسه وقد نكص إلى مرحلة السير على أربع، مزودا بذيل(خلوي) وحوافر (دواسات الحصان البخاري).
أرثي لكم يا أبناء وطني، وأرثي لهؤلاء الذين حولوكم إلى أعداء وحيوانات، وأرثي لهذا الوطن المبتلي بكم وبهم، يا بهم.
2
السيد الرقيب، أعرف أنك تراقبني ليل نهار، وأعرف أنك تحصي أنفاسي، وساعاتي، ودقائقي، وأنا مسرور منك ومن من أرسلك، لأنني أعلم أنني نظيف، والإنسان النظيف لا يخاف أبدا، على العكس من ذلك أريدك أنت أن تتأكد من أنني إنسان نظيف، وهذا سبب سروري من مراقبتك لي.
أخجل منك، وأشفق عليك وعلى نفسي أخجل منك لأنك تضيع وقت ثمين، لو استعملته في رقابة نمو أولادكـ، وتحسين ظروف معيشتهم ودراستهم لكان أجدى لك وللوطن، أخجل منك لأنك تضيع وقتك في مراقبتي هذا الوقت الثمين، والذي لو راقبت به، العمال الكسالى، في المعامل المفلسة والخاسرة، والتي بنيناها بعرق جبيننا، وبنقود الضرائب التي ندفعها، لكان أجدى لك وللوطن، لو راقبت البلديات وتتبعت مسيرة الرشاوى، والتي تبدأ من المواطن المسكين، أو التاجر الجشع وتنتهي بجيوب سماسرة الوطن، بمختلف مراكزهم،
أفهم أن تراقب الجواسيس أفهم أن تراقب المجرمين واللصوص أفهم أن تراقب تجار المخدرات أفهم أن تراقب
أوكار الدعارة، أفهم كل هذا وأقدره لك، ولكن لا أفهم مراقبتك، لعقلي وفكري.
السيد الرقيب، في حديقة الوطن تضعون الأكياس السوداء على أزهار الفل، والورود الجورية، والياسمين الفواح تحجبون المشهد الجميل، والرائحة العطرة ولكن أبدا لا تقتربون من الأشواك الضارة، والعفنة، وتتركونها هكذا ، تؤذي
النظر، وترسل الراوئح الكريهة، التي تزكم الأنوف-------
.هذه الورد الجميلة، الرائعة المنظر، هي خيرة مثقفي البلاد هي شباب وكهول الوطنهي واجهة الحضارة وأمل الأمة، وللأسف تحجبونها هل يمكن لهذا الورود أن تكبر وتصبح متعة للناظرين، لو أنها لم تأخذ حريتها، في تنشق الهواء، وشرب الماء، والنظر إلى الشمس المشرقةهكذا العقول كيف يمكنها أن تقوم بواجبها إذا حرمت من الحرية؟ كيف سنحصل على الإبداع،؟ ونحن نغلق تلك العقول خلف الأسوار والأسلاك الشائكة وقناعات سيادتك أيها الرقيب الجميل، قناعتك الجاهلة، والمزاجية، والمتحجرة.
ما أقبح منظر الوردة المغطاة بكيس البلاستيك الأسود وقمع الفكر وحصاره، تشويه لكل ما هو جميل ونبيل، ولن يبقى لكم
ولنا، سوى الأشواك في الحدائق، والوجوه الدميمة القبيحة في الشوارع،
السيد الرقيب، أتعلم أنك تغتصب حقوقي المشروعة التي كفلها لي الدستور، والإله، تغتصب حقي في أن أقول ما أفكر به، تغتصب حقي في أن ألتقي أصدقائي أصبح كل لقاء لي مع أصدقاء هو جريمة، ومشروع اجتماع، من أجل زعزعة الأمن القومي!!!
كما تلاحظ السيد الرقيب، قل عدد أصدقائي إلى النصف تقريبا(أنت أدرى مني لذلك أقول تقريبا) حيث بدأت سيادتك صلى الله عليك وسلم،بالسؤال والاستفسار عنهم، مما أخاف زوجاتهم وعائلاتهم وهم من الذين لا يعرفون من السياسة سوى اسم رئيس الوزراء السابق، والذي بدأ الناس يتحدثون عنه ليس هذا المهم، المهم أنك بمراقبتك الثمينة، اغتصبت حقي في أن يكون لي أصدقاء، حقي في أن أتمتع بتعبير الصداقة تصور يا ما رعاك اللهأن أحد زملائك من الذين يداومون بعد الظهر؟؟؟؟؟؟؟؟سألني عن هوية بعض أصدقائي وعندما انتهرته وغضبت منه، قال لي بالحرف الواحد: لم الزعل نحن نثق بك ولذلك أسألك عنهم، باستطاعتي أن أسأل عنهم خارجا. قلت له: ليتك تسأل عنهم خارجا، وترعبهم!!، حتى يشعرون بحق ما يعانيه المواطن من لطفكم ودماثة أخلاقكم.
الخوف الذي نراه، لعل مصدره حق مُغتصب، وسعي دءوب لاسترجاعه.
السيد الرقيب، أنت وهم، تعلمون أن أفتك سلاح حملته في حياتي كان سكين تقشير التفاح ومع ذلك أتمتع بصحبتك الدائمةأؤمن بالحوار،
وبالديمقراطية، وأحاول أن أبرز حبي لوطني ورأي في الطريقة الفضلى التي يجب أن يبنى عليها الوطن، بأسلوب ديمقراطي لا يسيء للآخرين ولا يغتصب حقوقهم إن التعبير عن الرأي ليس اعتداء على أحد (كما قالوا لك). ويجب أن تخرج من فكرك مقولة أن صاحب الرأي المختلف، هو غير صادق وخادع ومجرم، وبالتالي يجب قمعه وعدم إيصال رأيه إلى الآخرين، وأن كل من يعبر عن رأي السلطات، وجماعات السلطان من المثقفين صادقين ووطنيين.
الوطنية يا صديقي اختبار نعيشه، وليس خطابات، وكلمات ينثرها عبيد السلطة يمنة ويسرى، ويكفيهم تغيير المناسبة، أما الخطاب فهو هو من خمسين عاما لم يتغير،
السيد الرقيب أعلم أنك لا تقل بؤسا عمن تراقبه فأنت تبرهن من حيث لا تقصد أو تقصد على أنك اغتصبت حق غيرك وأنك خائف من هذا الغير، وهذا بحد ذاته بؤس ما بعده بؤس.
السيد الرقيب غدا، يوم عطلة، وأعدك أن أبقى في داري، ولا أخرج أبدا. لذلك فأنت تستطيع أن تأخذ أولادك إلى أقرب حديقة، وتريهم الورود، كيف تسموا شامخة، باتجاه الشمس، كيف تُبهج الأنظار، وترمي بعطرها الفواح على الجميع، أخبرهم أن الوطن أجمل من الحديقة، وأخبرهم أنك تعمل في دائرة الإحصاء، وليس رقيبا على الناس، لأن أولادك يوما ما، لن يفتخروا بمهنتك، وقد يقولون من نفسهم أن والدهم كان يعمل في دائرة الإحصاء.
3
جارة وزير قالت لزوجته: غريب لم نعد نراكم تسافرون خارج البلد، مع العلم أنكم كنتم (ما تتكنسوا من باريس) غالبا خارج البلد.
آه ثم آه، وتأوهت زوجة الوزير بحسرة، وقالت: نعم اشتقنا إلى باريس والشنزليزية، آه أبو فايز كان لا يحلو له السهر إلا في الحي اللاتيني، هناك حيث درس طه حسين، والطهطاوي والجرباوي.
ولكن يا جارتي، منهم لله، هؤلاء الذين أدخلوا هذا الجهاز الجديد إلى البلد. وهنا ازداد فضول الجارة، وأرادت أن تعرف سر الجهاز، والذي كان سريا، مثله مثل المطارات السرية في بلادنا، والتي يبعق معاون الباص عندما يصل إليها: مطار سري مين نازل.
سأخبرك قصة هذا الجهاز وأرجو أن يبقى الأمر سرا بيننا.هذا الجهاز اسمه (اوتو حرامولوجيا)، وهو يفحص دم كل مسئول، وفي حال زادت النسبة (نسبة النهب والسلب ) عن العيار المُحدد يجري سحب جواز سفر المسئول ومنعه من السفر، وإجباره على صرف سرقاته داخل الوطن، يعني على مبدأ(من دهنو سقيلو). وتمت معايرته بحدود المئة مليون ليرة، ولكن بسبب ارتفاع أسعار النفط، وتطور طرق الشفط، زاد اللغط، وتقرر رفع المعيار إلى الخمسمائة مليون. وتم الاتفاق على النسبة الجديدة بين الجميع، وظن البعض أنهم قد يكتبون أموالهم بأسماء أولادهم أو زوجاتهم أو صديقاتهم، ولكن هذا الجهاز، ولأنه صناعة أمريكية لئيمة، فهو يكشف كل قرش حرام حصل عليه المسئول، منذ كان يبيع جبنة ولبنة، أو يمارس العتالة في سوق الهال، حتى انتسابه إلى الحزب، أو دخوله في زمرة اللي ما بيتسموا.
قالت الجارة: وبعدين.
- لا قبلين ولا بعدين كما ترين، لقد تم سحب نصف مليون جواز سفر، وطالعين على بلودان ها لصيفية.

 

بونجور شام
(125)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي