مهلة عربية، تهديد و وعيد، تتلوها مهلة أخرى، على وقع جعجعة أبواق النظام االأسدي عبر وسائل الاعلام، ويعلو الضجيج على وقع هدير دبابات عواجيز رجالات الأسد الأب الذي استقدمهم الابن بعد أن فقد الحيلة، رائحة الموت تعشعش في كل مكان، وأشلاء الضحايا وسط برك الدماء، والعربات المدرعة التي قام النظام بطلائها باللون الأبيض، توزع الدمار في كل الأنحاء، تقصف المساجد والمنازل على رؤوس أصحابها، ولم يترك قطعان شبيحة النظام أي من مظاهر الحياة الا وكان لهم عليها بصمة، فالحمير أصبحت ضحية لرجالات الأسد الميامين يوزعون عليها رصاصاتهم المفترض توجيهها إلى الجولان بقيادة النظام الممانع المقاوم.
النظام السوري يعيش أسوأ أزمة عرفتها الأنظمة السياسية في العصر الحديث بعد أن رفضه الشعب بكل أطيافه ويعاني من عقدة العزلة والحصار بعد أن سجل أبشع الجرائم التي سجلها التاريخ ليكون نظام الأسد الابن أكثر تفوقاً على نظام الأب باقترافه جرائم الإبادة ضد البشرية، فلم يتورع عن قتل الصغير قبل الكبير دون أدنى وازع من ضمير أو أخلاق، حيث تغص أقبية التعذيب بالضحايا من كل الأعمار فاقت أعدادهم عشرات الآلاف، في الوقت الذي تقترف عصابات النظام جرائم موصوفة مكتملة الأركان، وأخرى يخجل التاريخ من ذكرها كجرائم اغتصاب المعتقلين من الشباب والحرائر أو الانتقام من فحولة المعتقلين بتهمة التطاول على النظام والمطالبة باسقاطه.
وبعد مرور أكثر من شهر ونيف من عمر المبادرة العربية التي ملأت الأفق بمختلف نقاطها ومفاصلها وما رافقها من اجتماعات وبيانات حتى أتحفتنا اللجنة الوزارية العربية بما سموه "بروتوكول المراقبين" ولتتمحور الأمور وتركز على البروتوكول وكأن الدماء الزكية التي سالت هي للوصول الى مهادنة مع النظام، لتتماهى طروحات الجامعة العربية مع مفردات ومراهنات النظام والخوض في التفاصيل حيث نجح النظام في جر الجامعة العربية إلى هذا المحور ويلفت الأنظار عن القضية الساسية والثورة ضد النظام والتفاف الشعب السوري حو لالمطالبة باسقاط النظام وإقامة دولة المؤسسات لتنحصر الأمور حول موافقة النظام على بروتوكول المراقبين من عدمه، في الوقت الذي تعلن فيه اللجنة الوزارية العربية عن استمرار الاتصالات مع النظام وكأن كل الحراك السياسي العربي والدولي يأتي في إطار البحث عن مخرج مشرف للنظام وخلاصه من المأزق وهذا ما يسعى إليه النظام، وهنا لابد من التيقظ لما آلت إليه أمور الحراك السياسي العربي والتعاطي العربي مع الثورة السورية حيث تلوح في الأفق ملامح رضى النظام عما يدور في الساحة من مساعي عربية، وبعبارات أخرى يبدو أن الجامعة العربية يسيطر عليها التردد في اتخاذ القرار من خلال المهل والانتظار رغم أن النظام لم يتورع في أي لحظة عن إراقة الدماء قتل العشرات يومياً في أنحاء المدن السورية ويعول في نفس الوقت إلى إفراغ الثورة من أي محتوى سياسي حقيقي وتقديم الأمر إلى مطالب شعبية خدماتية وتحسين فرص ومستوى المعيشة وبذلك تكون الجامعةالعربية من أكبر الداعمين والموالين لنظام القتل الأسدي.
"بروتوكول" المراقبين واللجنة الوزارية العربية أصبحت من أكثر المواضيع تداولاً على الساحة العربية وكأن جرائم النظام السوري وما يجري في الداخل السوري من اقتراف أبشع انواع الجرائم لم يقنع بعد أخواننا العرب بعد مرور أكثر من تسعة أشهر من القتل الممنهج وبشهادات معظم المؤسسات الأممية المعنية بحقوق الإنسان والحقائق على الأرض، وكأن دخول لجان المراقبين سيكون وفق المرسوم، رغم أن النظام يتربص لتلك اللجان ليضعها في حزم من المشاكل اللوجستية والأمنية تحت إدعاءات ومراوغات كاذبة و وضع العراقيل التي لن تجعل من مهامها سهلى على الإطلاق علاوة على الاختلافات التي سيتلطى وراءها زعران النظام ورجالات الاستخبارات وإدخال اللجان في متاهات تبدأ ولاتنتهي ويضعون العرب أمام استحقاقات جديدة وجولات فارغة من المباحثات والمناقشات والتفاسير واللعب على الألفاظ.
تقوم أجهزة المخابرات بإعداد أفواج من الشبيحة وقطعان المرتزقة بلباس مدني وهيئات متدينين ليقوموا بتنظيم المسيرات المؤيدة للنظام البعثي وتشكيلات أخرى لتعريض أمن لجان المراقبة خلال تحركاتها على أن ذلك من فعل جماعات مسلحة إرهابية وعرقلة تحركاتهم إلى مناطق التوتر أو تلك التي شهدت أفضع الجرائم لتعزيز روايات المخابرات وزعران النظام المجرم، و وضع العراقيل في الميادين، على أن هناك طوفان بشري مناصر للنظام، وجماعات مسلحة تعيث فساداً وقتلاً في المدن في ظل غياب الأجهزة الأمنية وبالتالي تبرير عدم انسحاب الدبابات والمجتزرات من شوارع المدن والبلدان على أنها لحفظ النظام، تلك هي محاولات أصحاب القرار في تحضير شوارع المدن الثائرة في وجه النظام في حال قدوم لجان المراقبة، علاوة على متاهات الاطلاع على ملفات أعضاء اللجان والمحاذير والاعتبارات التي سيضعها جانب النظام السوري، وفي المحصلة لابد من إدراك أن ما يجري على الساحة لايمكن اختزاله في وثيقة بروتوكول ولجان مراقبة عربية أو دولية والانصراف عن القضية الأساسية التي تتمثل في ثورة السعب السوري في وجه نظام الطاغية بعد أربعة عقود عجاف من الدم والقتل وتكميم الأفواه وتعطيل مؤسسات الدولة.
* صحفي سوري مغترب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية