أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سنرجع يوماً إلى حيـّـنا!... سمير الشيشكلي


http://samirshishakli.blogspot.com/2011/12/blog-post.html
مع محمود ترجمان 1933-2011


قضى محمود ترجمان،الإنسان الكبير والصديق الصدوق والطرطوسي الأصيل والمعارض الصلب، بعد فترة صارع فيها المرض. وبالأمس صلينا عليه في جامع عمر بن الخطاب في باترسون بنيوجرزي.
أول ما عرفت محمود ترجمان، كان اسماً مع أسماء أخرى معلقة في إحدى ردهات الأمم المتحدة تحت عنوان "موظفو الأمم المتحدة المعتقلون في سورية".
كان ذلك في أوائل الثمانينيات. وكان له في سجون الأسد الأب بضع سنين دون أن تتمكن الأمم المتحدة من الحصول على أية معلومات لا عنه ولا عن غيره بالرغم من مطالبات عديدة وجهها الأمين العام إلى وزارة الخارجية السورية، فالوزارة كانت في ذلك الحين لا تجرؤ حتى على مخاطبة المخابرات في شأن عن العشرات من موظفي الأمم المتحدة المعتقلين في سوريا (وكان معظمهم من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين) الذين يـُـفترض أنهم يتمتعون بحصانة دولية بموجب اتفاقية حصانات موظفي الأمم المتحدة، وهي اتفاقية وقعت سوريا عليها في مطلع الخمسينيات.
كانت جريمته أنه، وهو البعثي القديم، قال لنظام البعث "لا". قالها لانقلاب عام 1966 ثم كررها أمام انقلاب الأسد الأب في السبعينيات، فما كان من الأسد إلا أن أودعه السجن وبحقد لم تشفع لمحمود معه حصانته الأممية ولا شفاعة من حاول الشفاعة، ومنهم عبد الحليم خدام الذي يمتّ لمحمود بصلة قرابة.
في عام 1985، بعد تسع سنوات في سجون النظام، خرج محمود (ولعلي أقول "تخرّج") منتصب القامة مرفوع الرأس وغادر سوريا "المعتقل الكبير" تخوفاً من إعادته إلى "المعتقل الصغير" كما كان يحلو له أن يقول. بعد تسع سنوات، بعد أن خرُبت حياته وهـُـدمت أسرته الصغيرة عاود بناء أسرته وما تبقى من مستقبله والتحق مجدداً بالعمل في الأمم المتحدة، محرراً لوثائق المنظمة الدولية في نيويورك ونشيطاً من نشطاء حقوق الإنسان فيها ومدافعاً عن أمن موظفيها وداعياً لاستقلالهم عن نظم القمع في البلدان التي ينتمون إليها. وعاود المحارب العنيد اتصالاته ونشاطه السياسي على مستوى رفاقه المعارضين القدامى بل ووسع دائرته لتشمل معظم أطياف المعارضة وشارك في التآلفات والتحالفات التي نشطت منذ الثمانينيات ولا يزال بعضها ناشطاً حتى الآن.
تعرّفتُ عليه عندما عدتُ إلى نيويورك عام 1988 وجمعتنا صداقة ومحبة... كان رحمه الله يقول لي: لا يمكن أن يفهم الحمويَ إلا الطرطوسي... بل وجمعنا أكثر من ذلك، جمعنا العمل المعارض المشترك. فعلى الرغم من اختلاف مشاربنا السياسية، فهو بعثي قديم وأنا ديمقراطي مستقل غير منظم، فقد تلاقينا وتفاهمنا على حتمية التغيير، وتشاركنا في إصدار أكثر من نشرة.
كتب محمود ترجمان أيضاً عن تجربته في السجن: فقبل الكتابات الرائدة التي غدت من كلاسيكيات أدب السجون العالمي والتي أصدرها عدد من ضحايا النظام، من أمثال مصطفى خليفة "القوقعة" وبراء السراج "من تدمر إلى هارفارد" وهبة الصباغ "خمس دقائق فقط"، كان هناك كتاب محمود ترجمان "قصة الإنسان المعتقل" الذي أهداه "إلى من فقدتـُها، إلى كل ضحية في بلدي، إلى كل المعتقلين: من استشهد منهم ومن لا يزال على قيد الحياة". وقد كنتُ قد وعدته أن أترجم قصته هذه، قصة الإنسان السوري، إلى الانجليزية ذات يوم ، ولعلي سأقوم بذلك الآن...
لم يشهد محمود ترجمان ثورة الكرامة والحرية التي قضى عمره يحلم بها ويحاول أن يصنعها. فقد أتعبه المرض عن المشاركة ولكنه لم يمنعه عن المتابعة فاستمر حتى الشهور الأخيرة يرسل الأخبار والتحليلات والقصاصات والمقتطفات إلى قائمة أثيرة لديه من العناوين البريدية الالكترونية. لم يكن لديه أدنى شك في أن ثورة الشعب ستنتصر وفي أنه سيعود إلى الوطن، إلى طرطوسه خاصة.
وكما أوصى محمود، ستحمله عائلته إلى سوريا حيث ستواريه الثرى في طرطوس. وسيكون قد حقق بذلك حلمه بالعودة.
في طرطوس، سأزورك يا محمود ذات يوم قريب بعد انتصار الثورة. أما إن لم يقدّر الله لي ذلك، فحسبي أن أعود إلى حماة كما عدت أنت إلى طرطوس. نعم، سنرجع يوماً إلى حيـّـنا!
سنفتقدك يا محمود. رحمة الله عليك.


* سمير الشيشكلي معارض سوري مقيم في نيويورك

(142)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي