لا أدافع عن الأنظمة العسكرية ولا أدعو لحمل السلاح والتدخل العسكري وأؤكد أن الأستاذ ميشيل يمثلني في الكثير من آرائه وأني بصفه في مقاومة أي استبداد قديم أو حتى جديد، أنا أريد نقاش الأستاذ ميشيل بعقلانية لتوضيح ما عممه وتصحيح ما قد يكون أخطأه.
بدأ الأستاذ ميشيل كيلو في مقاله الأخير (ضد عسكرة الثورة.. أي ضد الرضوخ لاستبداد جديد) من تساؤلات مهمة تحيط بمستقبل الحراك عن تعريف مصطلح عسكرة الثورة لينتقل إلى فرضيات وضعها عن ما آل إليه الحراك اليوم لتقود في النهاية إلى أن عسكرة الثورة هي انتقال الحراك من المجتمعية والسلمية والحرية إلى العصبوية والعسكرة والمجهول، وأن هذا الانتقال سوف يئد الانتفاضة الشعبية، ويعرف مصطلح العسكرة بناءاً إلى ما وضعه من فرضيات وما خلص إليه من نتائج، وأنا أدعي هنا أن الأستاذ ميشيل أخطأ في فرضياته فقاده ذلك إلى نتائج خاطئة.
ويتمحور المقال حول نقاط ثلاث، أن مستوى الناشطين انحدر نوعياً في ظل الحرب التي يخوضها النظام ضدهم منذ 9 أشهر، أن المظاهر المسلحة على الأرض والداعين للعسكرة يبشرون بمستقبل قاتم، ليضيف ذلك إلى فرضية أن العسكرة هي استبدال استبداد باستبداد وهو ضد الرضوخ لاستبداد جديد يحل محل القديم أي النظام.
الجيل الثاني والثالث ليس أقل وعيا:
ينطلق الأستاذ ميشيل من فرضية أن الحل الأمني قد ضرب الحراك في مقتل من حيث القضاء على جيل الناشطين الذي بدأ الثورة وأضعف الجيل التالي، ليبرز جيل ثالث ورابع أقل وعيا سياسيا يدفع باتجاه العسكرة، وأنا هنا أدعي أن الجيل الثالث والرابع أكثر وعيا سياسيا وأكثر واقعيةً من الجيل الأول والثاني وأن من وصفهم بمراكز قرار الثورة (المجلس الوطني وهيئة التنسيق) ما هم إلا نتاج الجيل الثالث والرابع، وأن الجيل الأول والثاني لم يتضرر كثيراً بل ما زال فاعلاً وهذا ما يؤكده من هم على تماس مباشر مع قيادات الحراك على الأرض، والرموز التي غابت لم تؤثر كثيرا على مجمل الحراك بل كان التأثير موضعياً وفي بعض الأحيان شكلياً واسمي،ا الأثر الحقيقي هو زيادة حقد المجتمع تجاه النظام وقد يتعداه إلى بعض الاحتقانات الطائفية التي لم تأخذ طريقها لأي شكل عنيف حتى الآن، لم تتأثر نواة الحراك، فلا اجتياح درعا واعتقال شيبها وشبانها أسكتها ولا أشهر من الضغط الأمني والعسكري أدت إلى اختفاء قوى وظهور أخرى، هي التنسيقيات واللجان نفسها بتوافقاتها وتناقضاتها، بل تعاظم الحراك في كثير من مدن الصف الأول كدرعا وأدلب ودمشق خير دليل، وبالاطلاع على كيفية بداية الثورة يعلم أن بعض الجيل الأول هم الأقل وعياً ومعظمهم من صغار العمر، الحجة التي استخدمها الاستاذ ميشيل لتأييد فرضيته، ثم أتى الجيل الثاني والثالث والرابع ليبلور هذا الحراك بصورته المجتمعية التي تسرنا وتسرالأستاذ ميشيل ويريد بمقاله الحفاظ عليها، وبروز هذه الصفوف جاء توسعا للحراك أكثر منه سداً لفراغ مفترض حاصل.
هنا أريد أن ألفت النظر إلى دور ثورة الاتصالات في تغيير وجه الثورات الشعبية النمطي، كمثال لم يكن بمقدور قليل الوعي أن ينشر مقالا يصل لآلاف الناس أو أن يتهجم على الاستاذ ميشيل كتعليقات على الفيسبوك أو صفحات الجرائد الالكترونية، هذا ما يعطي التصور أن الحراك ينتقل ليتم احتكاره من قبل اللاواعين بينما الحقائق على الأرض تقول غير ذلك، فالحراك يتنظم أكثر فأكثر مع انخراط شرائح جديدة ونخب جديدة جنباً إلى الجنب مع التكيف والتعرف على العدو الجديد وهو الاستبداد بأبشع صوره، وما قلة الوعي هذه إلا توسع نحو الأدنى يراه الأستاذ ميشيل ويرافقه ويوازيه توسع نحو الأعلى لم ينتبه الأستاذ ميشيل إلى مؤشراته باسماء المطلوبين والذين يتم دعوتهم لتسليم أنفسهم والملتحقين بالحراك من المثقفين والإعلاميين أو من نستطيع تسميتهم المنشقين فكريا عن النظام بعد أن ترعرعوا تحت عباءته وتكتلات المعارضة النخبوية المتكاثرة التي يصح القول أنها ملتحقة بالثورة وليست بادئة لها خير دليل.
السلاح لا يعني الشر المطلق
العسكرة مظلومة من مؤيديها قبل معارضيها، لأنه لا متكلم أو ناطق باسمها وليس لها اطار جامع حتى الآن، وكل من يدعي ذلك حتى الآن فهو يتراوح بين الشخصية المجهولة أو المعلومة المرفوضة، بدأً من شخص العقيد رياض الأسعد والنعيمي مروراً بصفحات الفيسبوك مجهولة النسب وانتهاءً ببعض المحللين والمعارضين السوريين المستغربين الذين استشهد الأستاذ ميشيل بأخطائهم لينتقد العسكرة.
العسكري الذي انشق عن الجيش ليحمي نفسه ومجتمعه الأعزل، قد لا يستطيع الدفاع عن نفسه فكرياً، شأنه شأن الكثير من العائلات التي تولت حتى الآن عملية الترهيب وخلق شبه توازن يردع الآلة الأمنية والعسكرية للنظام عن التغول أكثر فأكثر، لعل خير دليل على وجود ظاهرة الأسر المنخرطة في الدفاع والعسكرة هو العصابات المسلحة نفسها التي يروج النظام لها، فبمتابعت الاعترافات لارهابي تلو الآخر يتبين أن بعض هذه الجماعات المسلحة تنتمي لعائلة واحدة، وهذا يفكك فكرة الطائفية التي يتخوف منها الكثيرو إلى الوحدة الأولى التي يلجأ لها الأنسان عند الخطر وهي الأسرة. وقد يتطور المشهد في بعض المناطق ليلتحق المنشقون ببعض العوائل أو العكس. هؤلاء هم الموجودون حقا على أرض المعركة العسكرية (العائلات والمنشقون) وهؤلاء هم نواة العسكرة وليس الطائفيون أو المتطرفون.
لا أقول أن الصورة وردية، بل أشكك بنمطية اللون الأحمر الذي أضفاه الأستاذ على العسكرة، لانعدام المعلومات النقية عما يحدث حقيقة على الأرض، فمن قال أن الناشطين المؤيدين للعسكرة هم الذين يرتكبون القتل الطائفي وعمليات التنكيل والخطف؟ ومن قال أن المنشقين ينتمون لطائفة معينة أو فكر متطرف؟ ومن قال أن مسلحي الثورة منفلتون من كل عقال وينتمون إلى المستويات الدنيا؟ لن أعمم الأجوبة وأرضى بالنسب المفترضة ولكن المدعمة بالأمثلة لا الموضوعة لتقود لنتيجة مسبقة. الدماء المسفوكة كلها سوريةٌ ولكن كذب طهارتها كلها، فلا يتساوى دم مدني شهيد قضى في أقبية المخابرات مع دم ضابط ركن يشرف على عمليات التعذيب والقتل وقام أحد عناصره باغتياله. في مرحلة قادمة قد يكون السلاح شر لابد منه وهذا ما ينتج عن تعميم قدرة الدفاع عن النفس لا التعطش للدماء والقتل وشهوة إلغاء الآخر، وكل ما يفعله النظام اليوم على بشاعته لا يجد حرجاً بتبريره بالدفاع عن الدولة والمواطنين والمؤسسات الحكومية والقضايا القومية، فتبرير الدفاع النفس وتجريم العسكرة فيه شيء من التناقض الذي لا مفر منه إلا بوضعه في قالب الدبلوماسية والحرب الإعلامية.
الأستاذ ميشيل مصيب جزئياً بانتقاد العسكرة وما يجري على الأرض فالانتقاد والرفض هو جوهر الثورة ولكن حتى يقنع الناشطين والمجتمع الذي ناضل الاستاذ ميشيل ويناضل حتى اليوم من أجله، ينبغي عليه التفصيل والتفصيل كثيرا إن لم نقل إعداد ورقات بحث تنشر للعلن للتغلب على صعوبات التواصل مع العسكر الحقيقيين على أرض الثورة، ليفيدنا من خبرته في كيفية السيطرة على العسكرة وتنوير العسكريين والحد من انتشار السلاح بأيدي المدنيين، السلاح الذي ثبت تورط أجهزة النظام في إيصاله إلى أيدي من وصفهم الأستاذ بالمتدنيين سياسيا وثقافياً ليشكلو عصابات نهب وسلب ويخرجهم أفواجا من السجون ليفرغها للمنخرطين في الحراك الشعبي من سلميين وعسكريين على حد سواء ويتعرضو لمعاملة واحدة من التعذيب والإهانة والتنكيل.
كتبه م.ش
رداً على الأستاذ ميشيل كيلو - العسكرة لا تعني الاستبداد 1/2

م. ش
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية