أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من حمص هذه؟... د.عوض سليمان

اعترض أحد طلابي على عنوان هذا المقال قبل إرساله، على أساس استخدامي لـ"من" بدل "ما" فأوضحت له أن حجارة حمص وترابها تستحق السؤال عنها بمن، فما بالك بثوارها وأجنادها
بالطبع، لا يمكن لأي كاتب منصف أن يقلل من قيمة المدن السورية التي ثارت ضد النظام، أو يبخسها حقها. فمن درعا إلى عامودا، ومن اللاذقية إلى إدلب. ارتقى الشهداء وسالت الدماء، وهتف مئات الآلاف للحرية وللانعتاق من العبودية.
حمص حالة فريدة بمكوناتها، وثورتها، وتعاليها على الجراح، ونهوضها بعد كل غارة. ثقة شعبها بنفسه، وحبه للآخرين، أمر لا يختلف عليه اثنان. إنهم لا يحبون السوريين فقط بل يحبون العرب والمسلمين والإنسانية جمعاء. خلافاتهم معنا شديدة السطحية، ينسونها بابتسامة أو بتلميح لاعتذار. ويصبرون على الأذى. وما أجملهم وهم يواجهون الموت بالنكات والابتسامات.
اندلعت الثورة في درعا، لن ننسى فضلها على أبناء سورية كلهم، والتقطت حمص شرارتها، وحملت شعلتها. بيد أن حمص لم تطفئ الشعلة بعد. ولن تفعل. في آخر اتصال بيني وبين صديق حمصي، قلت له، لقد أسرفوا في القتل، فماذا تفعلون. ردّ واثقاً، نحن ركبنا سيارة دون "أنارييه"، طبعاً لاحظ الحمصي أنني لم أستوعب الكلمة الأخيرة، فقال لي سياراتنا فيها السرعات إلى الأمام، وليس فيها سرعة إلى الخلف.
هذه الجملة البسيطة أعجبتني، ولقد ذكرتني، مع الاحتفاظ باختلاف اللغة، بموسى بن نصير رضي الله عنه، إذ قال عنه خصومه " مضى من عمره تسعون سنة لكنه لا يعرف كيف يستدير إلى الخلف". انتصر هذا القائد الفذ على جيوش إسبانيا بعددها وعدتها، لسبب واضح، وهو أنه لا يعرف كيف ينظر إلى الخلف. وكذا فعل تلميذه طارق بن زياد، إذ حرق المراكب، وقال" البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصبر. وانتصر التلميذ كما انتصر المعلم. لهذا ستنتصر الثورة السورية، لأن أهلها لا ينظرون إلى الخلف، ولا يعرفون التراجع.
منذ أن اندلعت هذه الثورة، دخلت عصابات الأمن وقطعان الشبيحة إلى حمص، وعاثوا فيها فساداً. وقتلوا من قتلوا، واستباحوا الديار والأموال والذرية. أراد النظام أن يزرع الرعب في قلوب أهل المدنية لإيقاف أهلها عن التظاهر. فما زادهم ذلك إلا تصميماً على الخروج.
لا أعتقد أن مدينة في العالم شهدت ما عانته حمص، ومازالت تعانيه، من قمع وتنكيل، ولو نزل ذلك العذاب على جبل لتصدع. لكن القمع زاد حمصَ ثباتاً وإيماناً.
دمرت أحياء حمص على رؤوس ساكنيها، الرستن، وتلبيسة والبياضة وبابا عمرو. ما لاقته غزة من العدو الصهيوني لا يصل نصف ما رأته حمص. ولكن أهلها تمثلوا قوله تعالى" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل". هذه الآية تؤكد انتصار حمص، إذ جاءت الآية التالية" فانقلبوا بنعمة من الله وفضل". وهذا وعد الله ولن يخلف الباري وعده.
منذ الأيام الأولى للثورة، أعلن أهل حمص ألا مجال للتراجع، ضاربين بعرض الحائط محاولات النظام لخلق الفتنة المذهبية، وقد استخدم النظام الوسائل الممكنة كلها في سبيل إجهاض ثورة حمص، حتى أنه منع عنهم الوقود، والغاز بل والحليب أيضاً ، وقصف خزانات المياه في سبيل تعطيش أهلها وتجويعهم. فتقاسم الناس اللقمة، ودافعوا عن بعضهم بالصدور العارية. يخرجون كل يوم ليتظاهروا من جديد في الليل والنهار. وفوق كل ذلك يوزعون اللطائف والطرائف على سورية والعالم كله.
إنني اليوم لست في صدد الحديث عن النكتة وأثرها ومصدرها. لكنني أعترف كإعلامي وأكاديمي أنني وقفت مذهولاً في أسلوب رد الحماصنة على الدكتور البوطي بسبب وقوفه مع النظام ضد الثورة والثوار، فبينما ذهب الكتاب والمحللون لاستقراء الأسباب وتحليلها والهجوم على الرجل. أرسل شاب حمصي رسالة إلى الشيخ، يقول له فيها، هل يفطر من أكل رصاصة في نهار رمضان. حاولت أن أكتب سابقاً مادة حول هذه الجملة، ولكنها بالفعل تحتاج إلى مراجعة في كتب علم النفس والإعلام، مما دفعني لقراءة هذه الطرفة مراراً والتفكر بكاتبها، والبيئة التي مدته بهذه الفكرة. يكتبون في الشابكة" النت" يا محلا النوم على صوت الدبابة. آخر إبداعاتهم أنهم اعترضوا بشدة على طلاء الدبابات والمدرعات السورية التي تقتل أبنائهم باللون الأزرق، وهو لون فريق الكرامة الحمصي. إذ طالب مشجعو الوثبة الحمصي أيضاً بالعدل وطلاء نصف تلك الآلات باللون الأحمر وهو لون فريقهم.
حدثني أحد الثوار في حمص، أنهم استطاعوا أن يقلبوا حياة الشبيحة جحيماً بوسائل بسيطة، منها أنهم يتفقون على التكبير في الليل بشكل مدروس ومتناوب بطريقة تمنع القتلة من النوم. وقد أفقدوا بهذه الطريقة صواب أولئك المجرمين، لدرجة أن ضابطاً منهم كان يمشي مع جنوده ويصرخ بهم، من غير وعي: تكبير، فيصيح الجند من وراءه: الله أكبر.
في حمص فقط صلى عشرات المسيحيين صلوات التراويح مع المسلمين في المساجد، تحدياً وقهراً للنظام الذي حاول أن يصور نفسه أنه مدافع عن المسيحيين ضد إخوانهم في الوطن. وفي حمص فقط يردّ الحماصنة على قول الأسد، بأن سورية بخير والأزمة انتهت بالقول الأزمة بخير وسورية خلصت.
وفي حمص فقط، وهي عاصمة الثورة ورافعة لوائها، يريد الحماصنة أن يسموا بناتهم حوران، وأولادهم حمزة الخطيب تقديراً لفضل درعا. بل ويرشحون على صفحاتهم رئيساً لسورية المستقبل من حوران أو من إدلب أو من اللاذقية، هم سورية، وكل سورية هي جزء من قلوبهم.
قلت سابقاً إن حمص هذه غيرت قواعد علم النفس، وتلاعبت بعلوم الإعلام. وإنه على الباحثين أن يدرسوا حمصَ، شعبها وبيئتها وأثرها في تطور العلوم الاجتماعية. لا أعرف كيف يستطيع النظام السوري أن يقهر حمص، فلم يقهرها هولاكو ولا تيمور لنك، وما روّضها يزيد الثالث، ولا العباس بن الوليد ولا أخوه إبراهيم. الذي يحاول أن يقهر حمص عليه أن يقرأ التاريخ أولاً حتى يعرف حجمه أمام عظمتها

 دكتوراه في الإعلام - فرنسا

د عوض السليمان
(149)    هل أعجبتك المقالة (125)

محمد عبدالله

2011-11-29

شكرا لك يا دكتور على المقالة الرائعة والجميلة جدا .. يوجد خطأ في الآية الكريمة .. والصحيح هو \" الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا \" وشكرا لك.


محب لوطنه جدا

2011-11-29

من لا يعرف حمص عليه ان يعرف :وفاء شعب حمص لا يعادله وفاء لاي شعب اخر وصفاء اهل حمص ينبع من بيئتهم الجميلة,ونسيج حمص الاجتماعي جعل منها مدينة للسلام والمحبة والتاخي بين المكونات المختلفة ,وسوف تكون حمص بفسيفسائها الجميلة وستبقى وفية للثوره بل وسباقة لشحنها بكل المقومات مهما فعل المحتل ومهما فتن بين الطوائف وحرك نعراته الشيطانية , ما اجملك ياحمص يا مدينة المحبة والتاخي ,ما اجمل شعبك الابي اللذي لا يعرف الرجوع ,عشت عاصمة للثوره دون تحفظ ولا اجحاد بحق درعا وادلب وريف دمشق ودير الزور والحسكة واللاذقية وبانياس والمدن الاخرى المنتفضة.


أبو مروان

2011-11-29

سلمت أناملك والله ذرفت عيوني وأنا أقرأ هذا المقال الرائع بالفعل ,,يا حمص اشتقنا لك ولشعبك سنعود بإذن الواحد الاحد سنعود ونقبل ترابك ,,.


عاشق لسوريا

2011-11-29

والله يا دكتور عاجز عن شكرك على هذا الكلام الجميل أنا ابن حمص الحبيبة العدية من باب تدمر والله إني مشتاق أن أقبل ترابها وحجارها .. أشتاق أن أقبل الأرض تحت أقدام ثوارها الأبطال... ربي سبحانه وتعالى يعلم حرقة قلبي من غربتي وأنا بعيد عن أشقائي وأحبابي في حمص البطولة... وعندي كنز عظيم أهديه لها وهو اقل الواجب أن أرفع يدي لله عز وجل أن يعجل نصره لثورتنا المباركة ... وأن يعجل هلاك طغمة آل الأسد الفاسدة .... ... على سوريا كلها.


2011-11-29

يكفي حمص شرفا مرقد سيدنا خالد بن الوليد ونحن احفاده سيف سيدنا خالد بن الوليد حاميها وهي عبارة لطالما رددها اهل حمص في كل مناسباتهم.


mohamad

2011-11-29

شكرا للدكتور على هذه الرسالة ونعاهد الشعب السوري الحبيب ان نري هذا النظام نجوم الضهر وربي يسر..........


عاشق حمص

2011-11-29

شكرادكتورعلى هذه المقالةالرائعةوالله ان اهل حمص يجعلوني ابكي كلما رثيت مظاهراتهم التي يعجز اللسان عن وصفها وانت في مقالك هذا من شدت مااضحكتني ابكيتني هم ليسو ابناء التاريخ بل هم صناع التاريخ والحرية والكرامةعاشت حمص وعاشت سورية حرة ابية.


almaamary sayed

2011-11-29

نعم الحماصنة أم الحمامصة هم الذين يبدلون التاريخ و أناأرفع رأسي لأنني حمصي سلمت أناملك أيها الدكتور.


د عوض السليمان

2011-11-29

أشكر لك اهتمامك بالمقال واطلاعك عليه، وألف شكر وامتنان لك لتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه عند كتابة الآية الكريمة، جعلني الله وإياك من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وبارك الله فيك..


د عوض السليمان

2011-11-29

من الصعب أن تسعفني الكلمات في توصيف الظاهرة الحمصية، فهي في قلب سوريا جغرافياً وفيزيائياً وروحياً، وما أنا إلا واحد من هذا الشعب الذي في قلبه حمص. لم أستطع الرد على تعليقاتكم لأنها آسرة وتحرج المحبّ مثلي. ولكنني أوجه إعجابي وتقديري لكم جميعاً ولزمان الوصل أيضاً، الأحبة فتحي، و....، وعمر، و..... الذي غاب. وشكراً لكم مرة أخرى.


فارس الحمصي

2011-11-30

لم أستطع أن أغالب الدمع وأنا أقرا هذا المقال الانساني المؤثر.


حمصي مغترب

2011-11-30

جزاك الله خيرا وصح لسانك وان شاء الله الاحتفال الكبير في سقوط النظام في ساحة الحرية الساعة سابقاً بوجود كل الابطال من كل المحافظات السورية لكي نسمعكم أحلى وأخر نكات النصر والفوز باذن الله.


سمر فرج

2011-12-13

عندما يصيح المتظاهرون في أحياء حمص حمص العدية العدية يتوقف قلبي للحظات من روعة النداء ... العراضة الحمصية صارت شعار المظاهرات لغسقاط النظام ... يقصفوننا بالمدافع فنقذفهم بالاغاني والأناشيد والعراضات ... يقتلون المغني في بابا عمرو فيسير في مقدمة جنازته مغني حمص والبياضة عبد الباسط الساروت ... لله درك يا حمص ... صمودك وإصرارك وثبات أهلك أدهش العالم حقا .. لقد استحققت وبكل جدارة عاصمة الثورات العربية وليس الثورة السورية فقط ... حمص العاصي حمص ابن الوليد حمص أم الحجارة السود حمص أم الأبطال .. كم يشرفني أن أكون بنتك البارة يا حمص.


أمل حمص

2012-02-05

بارك الله بك ............حمص و كل سورية ستنتصر باذن الله.


التعليقات (14)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي