العراقيون على اثير البلوتوث

تتقافز اصابع حازم حمزه على الكيبورد او لوحة الازرار الخاصة بجهاز الهاتف النقال حينما يعلم ان صديق له يحوي جهازه على مقطع فلمي او صوتي جديد ليضمه الى ارشيفه الرقمي في ذاكرة الهاتف. ولم تدخل شبكات الموبايل الى العراق الا بعد سقوط نظام صدام حسين في 9/4/2003، وانتشرت بعدها انواع عديدة من الاجهزة النقالة واخذ العراقيون تسمية هذه الاجهزة وفق الواقع

السياسي، فتجد جهازا من نوع نوكيا باسم اياد علاوي رئيس وزراء العراق السابق كون الجهاز منتفخ تقريبا، واخر باسم همر لانه قوي ومتين كحال سيارة الهمر العسكرية الامريكية.
 
وتتميز الاجهزة الحديثة المتوفرة في الاسواق العراقية على خصائص الكترونية تسمح بحفظ مقاطع صوتية وفلمية وصور فوتوغرافية تنقل من جهاز الى جهاز اخر عبر وسيط يسمى البلوتوث (Bluetooth).
 
ووجد العراقيون متنفسا في التعبير عن همومهم في هذه الاجهزة كعادتهم في صناعة وتناقل النكتة السياسية الساخرة التي يتلقفونها بشغف وتمس اغلب الشخوص السياسية والحكومية وحتى المرجعيات والرموز الدينية التي تحضى بنوع من القدسية، ولا يسلم منهم حتى الانبياء والخالق.
 
ويقول عالم الاجتماع العربي ابن خلدون والذي يعد من مؤسسي هذا العلم ان "النكتة اذا ظهرت في بلد فاعلم ان اهله تعساء"، وربما هذا يدلل على ولع الشعوب العربية بالنكتة بكافة انواعها، ويشتهر المصريون  والبنانيون والعراقيون بصناعتها، كما اشتغل النظام العربي الحاكم على هذا الفن في قراءة المزاج العام للجماهير كما عرف عن الرئيس السابق صدام حسين بانه كان لديه عدد من المنكتين يعملون ضمن جهاز المخابرات يصنعون له هذه النكات وفق توجهاته السياسية.
 
ومن حسنات التغيير التي شهدها العراق ان رئيس الدولة هذه المرة لا يبطن السوء وهو مولع اصلا بالنكات بل ويطلب في الغالب من زائريه ان يقصوا عليه نكته تمس شخصه بالدرجة الاساس ويعيد الجميل بتقديم نكتة للضيف تتحدث عن شخصه ايضا.
 
يقول حازم حمزه 32 عام يعمل سائق تكسي "ان جهاز هاتفي يحوي على عدد كبير من الافلام الساخرة واغلبها سياسي وانا استمتع بها وكنت في السابق اطلب من الراكب معي ان يقص علي اخر نكتة سمعها اما الان فاطلب ان ينقل لي ما موجود في هاتفه من افلام ساخرة".
 
ان المقاطع الفلمية اغلبها تصنع محليا او تدبلج للهجة الشعبية على افلام الكارتون او مقاطع لافلام سينمائية وتقوم بذلك مكاتب خاصة غير معلن عنها وتبيعها في البداية على شكل اقراص سيدي ثم تقطع فتكون بضاعة رخيصة وسريعة البيع لدى اصحاب محلات بيع الموبايل.
 
يعتبر الباب الشرقي في وسط العاصمة بغداد المركز الرئيسي لبيع هذه الافلام ويعتمد الباعة على اسلوب تسويقي بسيط عبر عرض نماذج من هذه الافلام في اجهزتهم او مشغلات الفيديو الرقمية، وينقلون لزبائنهم اخر التقليعات السياسية، ويتصدر المبيعات الموضوع الطائفي والصراع بين السنة والشيعة.
 
ويظهر في احد الافلام شخصيات كارتونية معروفة مثل "عدنان ولينا وعبسي" وهم يتحاورون وكانهم طرفا في الصراع السياسي ويتخذون التحويطات الامنية الكافية التي تنجيهم من جماعة تنظيم القاعدة على اعتبار انهم عناصر فعالة في جيش المهدي المليشيا الشيعية.
 
يقول ابو علي بائع في محل لخدمات الموبايل "ان الزبون الذي يشتري الموبايل يسطالبنا بان نضع له عدد من الافلام الساخرة فالليل طويل في بغداد والطاقة الكهربائية متقطعة والانشغال بالتفرج على افلام الموبايل الساخرة هي المتعة الوحيدة".
 
لافلام الموبايل مواقع خاصة على الانترنيت لكن افلام العراقيين على وجه الخصوص تختلف عن بقية اقرانهم في العالم العربي فالاخرين يتصيدون فضائح الفنانين اما العراقيون فتجد افلاهم لها علاقة بالحرب والسياسة دائما، فقد خصص احد مواقع الانترنيت قسما خاصة باسم "افلام بلوتوث عن حرب العراق" يحوي على صور لقطع رؤس الرهائن ومشاهد انفجارات وعبوات ناسفة.
 
وللمليشيات في العراق الحصة الاكبر من هذه الافلام فلا رقابة عليها ولا هوية لصانعها ويركز صانعوها على تقليد الاسلوب الوعضي المتبع لرجال الدين الشيعة في نقد الظواهر الحياتية المعاشة فيمكن سماع مقطع صوتي يقول "كمنا انخاف من الاوبل ومن البطة.. ومن الجيش ومن الشرطة.. ومن السيطرات الوهمية" وبالعربية الفصيحة تعني اننا نخاف من سيارة الاوبل وهي تستخدم من قبل جماعة القاعدة لتنفيذ المهام وكذلك نخاف من سيارة البطة وهو اسم سيارة تويوتو في العراق لانها منتفخة مثل طائر البط، وفي هذا المقطع يمكن لمن هو خارج العراق معرفة المشهد العام للشارع العراقي بصورة ساخرة وفنية.
 
وللخدمات والحياة الاقتصاد حضور فعال ايضا في النكتة الالكترونية فيمكن الحصول على مقطع صوتي مدبلج بسهولة من اي شخص وهو يحكي اوامر يقولها الرئيس السابق صدام حسين ينذر فيها اصحاب المولدات الكهربائية التجارية بتقديم خدمة الكهرباء يوميا ولساعات عديدة والا فالعقاب هو تقطيع صاحب المولدة الى اربع اجزاء.
 
الافلام الرقمية تجعل الناظر لها امام صحيفة يومية لواقع حياة شعب لديه القدرة على المقاومة والنقد باسلوب فني وبادوات تكنولوجية حديثة للتعبير عن اراءه وهمومه اليومية تحتل السياسية الجزء الاكبر منها والدين هو المحرك لها.