تفتقت قريحة النظام السوري كعادته عن أصناف جديدة وفتوحات في عالم القتل، واجتثاث المنادين باسقاط النظام، حتى أن كلمة "حرية" أصبحت في قاموس المخابرات السورية وزعرانهم الأكثر وطأة على مسامعهم، بل وضمن تصنيفات التهم التي تضاف إلى قواميس القهر لديهم، حتى الجلادون وفي ذروة الاستمتاع بتعذيب طفل أو شاب أو رجل أو فتاة يقذفونه بكلمة "حرية" ولسان حالهم وحال أولياء نعمتهم يقول" أن بشارهم والحرية لايجتمعان، هو الوطن والأمن والأمان، هو الواهب للحرية والحياة في شرايين أي سوري يتوق للحياة، بعيداً عن قبضة الجلادين وزنازين الموت المعتقة برائحة الدم.
لم تسلم سيارات الإسعاف من زعران النظام وميليشياتهم دون التأكد من يكون في جوفها حتى وإن كان من أتباعهم فيوجهون لها جحيم حقدهم، ما توفر بأيديهم من قذائف وسلاح حقد، يحولونها إلى كتل من اللهب، بعد أن تم التوجيه بعدم خروج سيارات الإسعاف من حضائرها في المستشفيات في المدن والبلدات الثائرة لتقديم أي من الخدمات، في حين تعرض العديد منها ٍللقنص والقصف وقتل من فيها بدم بارد في أكثر من واقعة مرصودة وموثقة، ولم تسلم مآذن المساجد من تقصيرها بقذائف المدفعية وسط قهقهات الرامي وصحبه، حتى الحمير لم تسلم من حفلات الإعدام رمياً بالرصاص مع توثيقها من قبل كتائب الإعدام دون مبرر إلا إذا كانت الحمير وسيلة لبث الرعب في نفوس الشباب، أما التمثيل بالجثث والتمثيل بأجساد المعتقلين أحياء والتوقيع عليها بأعقاب السجائر والآلات الحادة وسياط الجلادين حتى استخدام آلة المثقاب في فتح الجماجم وبقر البطون، إلى قائمة طويلة تثير الإشمئزاز من ألوان التعذيب التي لم تسجلها صحائف الإجرام عبر التاريخ فهذا موضوع آخر طويل.
النظام السوري فقد شرعيته منذ أول رصاصة أطلقها على صدور الشباب الثائر المطالب بالحرية والكرامة منذ 15 آذار/مارس من العام الجاري، ولم يعد له أي مسوغ للبقاء والاستمرار ولو بالقوة، حيث لم يراع أي من المواثيق التي لم يقم على أي منها بين الحاكم والمحكوم، فما تحكم عصابة النظام عقلية العصابات، وشبيحة المارقين على الأخلاق والأعراف، فلم يتورعوا عن استخدام أي من المبررات والأكاذيب المسطحة، والتي تفتقر لأي نوع من المنطق، فتنقل في اختلاق الذرائع من العصابات المسلحة إلى المتطرفين والمندسين وصولاً إلى تخريفات رأس العصابة بوصف المتظاهرين والمطالبين بالحرية بـ "الجراثيم"، وفي معظم الأوقات يطل أحدهم ويتشدق بأن هناك بعض المتظارهين من ذوي المطالب المشروعة والمحقة تمثلت في الخدمات وفرص العمل وتسويق المنتجات و إقامة شبكات الصرف الصحي وغيرها..... وللسخف لم يتطرقوا لجوهر القضية في المطالبة باسقاط النظام ومنظوماته الاستخباراتية، وإعادة إحياء مؤسسات المجتمع المدني، وإطلاق سراح المعتقلين بعشرات الآلاف، وإطلاق الحريات العامة وإبعاد آفة الهيمنة والإقصاء والتسلط والقهر التي يعاني منها السوريون لأكثر من أربعة عقود مضت، وفي مقدمتها إجتثاث رأس النظام وأتباعه.
مسلسل الكذب والنفاق والدجل لم يتوقف على مدار الوقت، حيث جيش النظام بموازاة آلة الخراب والقتل والتنكيل عصابات شبيحة المنابر ليتوزعوا على الفضائيات و وسائل الإعلام المختلفة حتى أصبحوا أكثر من ضرورة، رغم افتضاح أمرهم، فقط لضرورات الرأي الآخر الذي يمثل وجهة نظر النظام، وليكونوا على الدوام مدعاة للسخرية والاستهزاء على الهواء، وللكشف عن ثقافة البعث وما رسخه عبر عقود القهر والإذلال، فكان كل منهم قاموساً ناطقاً لمفردات البذاءة، حيث لايتورع أحدهم من العزف على مندوحة السباب والشتيمة إلى تحدي الخالق على الهواء دون مراعاة لمشاعر المشاهدين المضافين عنوة إلى قائمة المقموعين بحكم الأمر الواقع، في حين تقوم أجهزة المخابرات بمسمياتها من الجوية والأرضية وتحت الأرضية والالكترونية واليدوية والسياسية والعسكرية والداخلية والخارجية بالعمل على تنظيم ما يعرف في قاموس النظام البعثي "مسيرات التأييد" من خلال التهديد والوعيد لكل أطياف الشعب من طلاب وموظفين وعمال وأصحاب شركات ومؤسسات بضرورة المشاركة في المسيرات التلقائة المزعومة وحمل اليافطات التي تنفطر حباً بالوطن المختزل بصورة "ولد يحكم بلد" مع ضرورة شحذ الحناجر وتدبيج الهتافات والشعارات والصراخ بأعلى الصوت، والترديد وراء كل من ينادي بصيحات تمجد القائد وزبانيته، والكل من الجموع يرتجف خوفاً من ظله ومن يمينه ويساره أن يكون من أبالسة النظام فيردد خائفاً مرتجفاً، والكل ينشد السلامة والمأمن من البطش وسوء العاقبة، والحفاظ على لقمة عيشه خوفاً من الفصل من الوظيفة وتوابعها،إن لم يكن مصيره غياهب السجون، في الوقت الذي تتأهب كاميرات التلفزة الرسمية ترصد المشهد من زوايا متعددة، وتعلوالمنصات جثث أهل الخطابة التي لاتتوقف عن جلد مسامع المشاركين بفنون التمجيد والتعظيم لقائد المسيرة المظفرة، والأعلام تسبح فوق الرؤوس، وفي بعضها رؤوس تنحني وتسجد على صورة رأس العصابة ويتسابق آخرون على السجود، وتتسابق محطات التلفزة التابعة للنظام في البث المباشر مع حضور زمرة المطبلين والمستوردين من لبنان والوطن العربي لاستكمال أطراف المشهد في ترهات وأباطيل مخزية تدعو للهزء والضحك في زمن عزت فيه الابتسامة.
تمادى المطبلون في فلك النظام وعصابة الزاحفين على الركب في ممارسة أقذر فنون التشبيح في سفرهم إلى القاهرة التي تشهد قلاقل وحالة اللا استقرار هناك، ليرفعوا صوراً لزعيم عصابة البعث في ميدان التحرير، ترافقهم عدسات المصورين في خطوة استفزازية حتى لمشاعر المصريين والمتواجدين في الميدان حيث انهالت الجموع عليهم بالضرب للخروج من الميدان، ولاستخدام المشهد في حفلات من الردح والتباكي على نظامهم الفاقد للشرعية، وليبدأو حلقات أخرى من الإسفاف والسباب والشتيمة، واستضافتهم على قنوات النظام السوري معصوبي الرؤوس واللفافات الطبية لإضفاء قليل من الصدقية بتوقيع ضمادات طبية، وقليل من لهجة الاستجداء وكأنهم كانوا هناك حمائم سلام لمؤازرة أخوانهم تحت قصف المدافع والطائرات وحملات التجويع التي تمارس على أهلهم في حمص وحماة ودرعا وإدلب وكل الأماكن في سوريا، ولم يبق للنظام من قصص وخرافات وروايات الا واستخدمها ولم يتبق في جعيته أي من الهذيان والقبح إلا وتم استخدامه.
الثورة في سوريا تتمدد وتتوهج وفي كل يوم تسجل إضافة على الأرض وفي توسع رقعة الاحتجاجات المنادية باسقاط النظام وتلقى من الدعم والتأييد العربي والدولي الكثير، في الوقت الذي بدات تتبلور في الأفق ملامح التحرك الدولي في التعاطي مع المجلس الوطني السوري باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري ليكتب بذلك الفصل الأخير في نعش النظام المرتجف الآيل للانهيار في أي لحظة، ودون سابق إنذار، وبشكل أكثر دراماتيكية، رغم ما يملأ الأفق من جعجعة تشبه إلى حد بعيد لفظ الأنفاس الأخيرة والاحتضار، وتتسارع الخطى على كل المستويات لوضع حد لمجازر النظام السوري وأكاذيبه وأباطيله التي يتحف العالم بها كل يوم عند التعاطي مع أي من دول العالم، أو المنظمات الإقليمية أو الدولية لدرجة تثير الغثيان، ويدرك النظام وزبانيته أنه لااستمرارية لنظام استبدادي وعليه الرحيل، ولايمكن الوقوف أمام إرادة شعب رفض الاستكانة وحزم أمره، ولن يتراجع ليكون أسيراً بيد جلاديه مرة أخرى.... والأيام القليلة القادمة تأتي بما لايسر النظام ... والمجد للثورة والثوار وأرواح شهداء الحرية الأبرار.
• صحفي سوري مغترب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية