حمص وتعز : تربطهم قصة ثورة لإسقاط النظام .
تعيش كل من مدينة حمص السورية ،ومدينة تعز اليمنية مأساة حقيقية يعيشها سكانهما،من ظلم وبطش وقتل وتنكيل يمارسهما نظام صالح والأسد ،فالاستبداد والفساد هما سيدا الموقف ،بالرغم من أن كل من مدينة تعز و مدينة حمص تعتبرا من المدن الثورية والثقافية والسياسية في العالم.
لكن لتاريخ صولات وجولات والبقاء للأقوى والأجدر في الاستمرار والتحدي من اجل البقاء، فان مأساة ومعاناة المدينتين يجسدهم صمود وإصرار غريب من شعبهما فالتحدي مستمر مع الطغاة لإسقاطهما وبناء المستقبل الجديد الواعد.
حمص مدينة الثورة :
حمص مدينة الثورة والثوار مدينة الشهداء والجرحى والمعتقلين ،هي مدينة الرفض النهائي لسلطة بشار الأسد والعائلة الحاكمة وسيطرة المخابرات ،هي الذي تصدرت الدور الريادي في المواجهة مع نظام البعث منذ اليوم الأول للانتفاضة الشعبية ،التي ابتدأتها درعا وأهلها في الجنوب،لتمتد إلى كل النواحي والمدن السورية الغاضبة والمشتعلة لهيبا ضد سلطة القمع والاضطهاد ، لكن حمص التي أصرت بكل فخر وثقة على إكمال المسيرة ومتابعة الثورة متحدية بشار الأسد ونظامه بأهلها وشعبها الطيب والمثقف والمناضل والفقير من هيمنة الاورغارشية السورية والطغمة المالية التي نهبت خيرات البلد ،حمص تخوض معارك مستمرة مع نظام الأسد دفاعا عن سورية العربية وشعبها الطيب ،دفاعا عن الأمة العربية والإسلامية بوجه نظام الأسد وتمدد الحرس الثوري على كل المنطقة العربية حمص تدك بالسلاح الثقيل لأنها كانت المكان الأمن لضباط الجيش السوري وجنوده الأحرار الذين رفضوا إطلاق النار على سكان الإحياء الحمصية الفقيرة في باب سباع وبابا عمر والخاليدية وكرم الزيتون والبياضة ودير بعلبة وباب هود وباب الدريومناطق الضواحي في تل كخ والقصير...الخ كلهم وقفوا ضد الأسد وانتفضوا عليه وأضحت حمص العاصي ثالث مدن سورية الممتدة من حدود العراق السني إلى حدود لبنان السنية منطقة شبه محررة من عصابات الأسد،فالشعب ألحمصي المشهور بطرافة النكتة وثقفته العالية ونسبة ألمتعلمي وكبار ألمخترعي ،ليحول الثورة مظاهراتهم إلى أعراس فعلية يغمرها الرقص والمرح والزغاريد بالرغم من الأوجاع الذي يعاني منها ألحمصي،حمص تحمل نصف أوزار الثورة السورية ، فالنظام لم يستطيع ولم يتجرأ على وصف حمص بأنها مدينة إرهابية وسلفية ،لان معظم أهلها من المناضلون والقوميون العرب الحقيقيون والليبراليون ،فالفكاهة لم تغب عن أهلها حتى في أيام الثورة بالرغم من فقدان كل شيء فحمص تغيب عنها المأكل والمشارب والكهرباء و المستشفيات مقفلة. فالتنكيل بالقتلى والجرحى ومنع الأدوية والمجموعات الطبية من العمل كانت صفات النظام ، لان المدينة التي تشكل العمود الفقري للثورة وعاصمتها تصر على متابعة الثورة والوقوف بوجه بشار الأسد وتقول في مظاهراتها الليلية اليومية التي أدهشت العالم بان إسقاط بشار الأسد ونظامه سيكون على يد أبناء المدينة ،لن تهدأ حمص وأبنائها مهما كلف الأمر وحتى لو دمرت كلها بسلاح الأسد الروسي ولن تركع،فالمشكلة أضحت تحدي بين أهل حمص المصرين على إسقاط الأسد أو الأسد المصر على الإبادة من اجل حماية وجوده المهدد بالزوال .فكان الرد ألحمصي المباشر من خلال الفنانة العلوية فدى سليمان بالصوت والصورة لقناة الجزيرة في 7 نوفمبر والتي تقول" بأنها مع الثورة ضد النظام الذي يقتل شعبه".فان مدينة حمص أصبحت قضية رأي عام عالمي بسبب المعاناة والنكبة التي تعصف بها ،لكنها لن تنام ولن يغمض لها جفن قبل إسقاط البشار.
خصوصيات مدينة حمص :
مدينة حمص هي ثالث أكبر وأهم مدينة في سوريا، موقعها الجغرافي في وسط البلاد يجعل منها عقدة اتصال إستراتيجية هامة بين أنحاء سوريا، وبالتالي فإن “احتلال” المدينة و عزلها بالكامل سيكون له أثر اقتصادي ولوجيستي هام جداً على البلاد فضلاً عن الكلفة العسكرية العالية نظراً لاتساع رقعة المدينة وزخم الحراك الشعبي العالي فيها،في حمص يقطن أكثر من 1,200 مليون ومائتان نسمة من مختلفة المكونات السورية العربية .
أما ريف حمص فهو من أهم مصادر تزويد الجيش السوري بالضباط و لاسيما مدينة الرستن، كما أنه متاخم للحدود مع لبنان مما جعله “تقليدياً” منطقة مفتوحة كثرة فيها الانشقاقات، وبالتالي فاجتياح ريف حمص أمر في غاية التعقيد.
تعز مدينة الثورة والثوار :
تعز عاصمة المحافظة الأكبر من حيث الساكن في اليمن والتي يبلغ تعددها أكثر من 4 مليون مواطن ،تعز مدينة الثورة والثقافة والسياسة ،هي صلة الوصل بين الشمال والجنوب ،هي العمق الشعبي والثوري للثورة اليمنية التي نظم فيها اكبر تنظيما احتجاجيا للثورة بالرغم من القمع والبطش التي تقوم به عصابات علي عبدالله صالح ضد الشعب الأعزل،لان الثورة في الشوارع أضحت تشكل شكلا مألوف للأهالي الذين يحاولون التكيف مع هذه الأوضاع الصعبة بالرغم من الآلام التي يفرضها نظام صالح الفاقد للشرعية الشعبية والقانونية .
تعز التي منها أطلق علي عبدا لله صالح شعار "الوحدة أو الموت"، وفيها أعلن بيان النصر في صيف عام 94م، وهي ذاتها المدينة التي ذابت في إطارها الهويات المنطقية لسكانها المنحدرين من كل أنحاء اليمن هي ذاتها المدينة..وهي نفسها التي انطلقت منها شرارة الثورة اليمنية في 11شباط "فبراير"2011 ، هي نفسها التي أضحت مسرحا لإعمال عنف متواصلة من قبل الرئيس صالح ضد شباب الثورة ومناصريهم الذين رفعوا شعار إسقاط السفاح ،من قبل البلطجية والشبيحة الذي يدعمها نظام صالح لقمع الحركة الشعبية الثورية، فالدعوة التي وجهت للرئيس صالح بالرحيل رد عليها بالقتل والقصف المدفعي ...فالكلمة جوبهت بالدم.
فتعز كما هو حال مختلف المدن التي يجدون فيها أبناءه ثقافة تاريخية لحمل السلاح، لكن الشعب اليمني يصر على عدم استخدام هذه الثقافة .
تعز بلاد العز، بلاد المدينة الحالمة بمستقبل جديد ومشرق واعد للشباب .تعز صوت شباب الثورة الذين يخطبون الرئيس علي صالح ويقولون له لا يغير علينا فرقكم .
وربما يعني انتصار الثورة في تعز يعني انهيار نظام علي عبد الله صالح...فالثورة اليمنية يصر أبناءها على أنها ستنتصر.
ما بين حمص وتعز :
فالذي يجمع بين تعز وحمص هي قصص وروايات يقصها إبطال من المدينتين ،قصص انتفاضات شعبية قامت بها شخصيات شبابية حالمة بالحب والحرية ،رفضت سلطة الاستبداد والقمع وفساد العائلة الحاكمة ،فكان رد السلطات بالقصف المدفعي والقتل والبطش واحتلال الأحياء والخطف والتعذيب والتنكيل بالمعتقلين والجرحى، لكل مدينة قصتها الخاصة يرويها أهلها الإبطال الذين كسروا حاجز الخوف وتصدوا للمخابرات ورجال الأمني والكتائب الأمنية التي تخدم الدكتاتور .
الشبه بين حمص وتعز كبير من خلال الرفض الدائم للنظام وعدم الرضوخ له ولسلطانه البغيض ،نمو الروح الثورية والسياسية والعلمية التي يتمتع بها أهل المدينتين، كذلك بالنسبة لوسائل القمع الوحشية التي يتم استخدامها ضد سكان المدنيتين من اجل إخماد صوت الأهالي الذين يطالبون بإسقاط النظام .المدافع والصواريخ والقتل لغة سلطات حكام البلاط،غصن الزيتون والكلمة هما الرد الحقيقي من قبل الأهالي على سلاح الجلادين.
فالأهالي في كلا المدينتين يعانون من حصار النظام لهما في محاولة عقابهما قطع الكهرباء ، الماء ،المحروقات ، غياب الخبز الدواء والاستشفاء ، مداهمة المستشفيات ،عدم السماح لإسعاف الجرحى ، استخدام السلاح الثقيل في قصف الإحياء السكانية المدنية،مهاجمة المتظاهرين بالذخيرة الحية ملاحقة النشطاء وقتلهم واعتقالهم .
إذا الشبه بالمأساة والمعاناة، فان التشابه بالدور الريادي التي تلعبه المدينتين في قيادة الثورة وكونهما خزانها الشعبي والقيادي ،نسبة للعلاقات العالية بين المدينتين من تقديم الشهداء اليومية من اجل إسقاط النظاميين،وكذلك القوة الأساسية بتخريج قيادات شابة من هذه المدن المنكوبة وخاصة من هاتين المدينتين،قيادات ميدانية لقيادة الحراك وقيادات سياسية وثقافية عديدة على مختلف المراحل السياسية والتاريخية.
من تعز كانت توكل كرمان القيادية الأولى في اليمن ومنافسة صالح الأولى والحائزة على جائزة نوبل للسلام، وصحافيات بلا قيود وكل من الناطق الرسمي لاحزاب المعارضة، محمد قحطان الناشطة والمحللة السياسية. بشرى المقطري، سلطان حزام العتواني ، عبد الله سلام الحكيميي، عبدالقوي الشميري، عبدالواسع هائل،الاعلامية، منى صفوان، علي المعمري، محمد الصبري. وكذلك من حمص رئيس المجلس الانتقالي برهان غليون وفرح الاتاسي وسهير الاتاسي وفداء الحوراني ونجاتي طيارة وفدوى سليمان ،ولاعب الفطبول عبد الباسط ساروت ، طلى الملوحي وآخرين...
حمص وتعز تحت سيطرت التتار الجدد:
على الثوار في حمص وتعز أن يبتكروا أساليب و إستراتيجية جديدة لمواجهة النظامين من اجل البقاء والاستمرار، لأن النظامين طورا نفسهما على هذا الصعيد الأمني والعسكري، وإن كانوا ما يزالوا يتحركون في فضاء الحل الأمني فقط و لن يخرج عنه.
الحل الأمني لقد سقط، ولم يبقى سوى خيار الحل العسكري الذي أضحى يستخدم ضد المتظاهرين لإخماد حراكهم والتضييق عليهم في اقل وقت ممكن. حمص تدك بالمدفعية والصواريخ وشهداء باستمرار ،واحتلال دائم للإحياء الحمصية ،وتعز تقصف وتدك بالمدافع والصواريخ ،والقتل بالجملة ولم تسلم ساحة التحرير من الحرق الكامل لخيم المتظاهرين في 29 أيار "مايو "2011ليستمر مشهد القتل والتنكيل بالمتظاهرين من نساء وشيوخ وأطفال وذوي أصحاب الحاجات الخاصة ،مدينتين منكوبتين ،ومطلوب من العالم التدخل لوضع حد نهائي لأعمال العنف والبلطجة التي يمارسها المغول "التتار" الجدد في حمص وتعز.
لان الشعار الذي يجمع بين ثورتهما هو إسقاط النظام بالرغم من النزف الدائم والمستباح لمواطني المدنيتين وسائر المدن المنتفضة في البلدين ...
كاتب صحافي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية