أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السويداء وبرميل البارود... مختار الشامي


شهدت مدينة السويداء مع بداية أحداث الثورة السورية بعض المظاهرات والاحتجاجات التي قوبلت كما بقية المدن السورية بالعنف المفرط من قبل قوى الأمن السورية والشبيحة، وقد قام شباب المحافظة خلال الحصار الذي فرض على درعا بكسر هذا الحصار وإيصال المعونات لإخوانهم في قرى درعا القريبة على محافظة السويداء وقد تم اعتقال البعض منهم في درعا.
ويومياً الآن يشارك أكثر من 300 شاب وشابة من مديته السويداء وحدها ناهيك عن البلدات والقرى المحيطة بالمسيرات السلمية السورية التي تجري في مختلف المدن السورية وخاصة في دمشق وضواحيها بسبب القرب الجغرافي مع أننا قد علمنا بذهاب أثر من 20 شاب إلى مدينة حمص منذ منتصف الشهر الماضي.
وهذا كله يطرح تساؤلاً مهماً ألا وهو لماذا لم تثر محافظة السويداء كباقي المدن السورية وما سبب الهدوء النسبي الذي يعتري هذه المدينة وقراها؟!
لا أدعي امتلاكي للإجابة الواضحة عن هذا التساؤل، لكنني سأحاول وبسطور قليلة طرح مجموعة من الظروف التي جعلت من هذه المنطقة منطقة هدوء نسبي وهو ما اعتقد جازماً بانه الهدوء الذي يسبق العاصفة...
إن صغر مساحة المحافظة وقلة عدد سكانها وقربها من مدينة دمشق ووجودها على الحدود الجنوبية يجعل هذه المحافظة مكشوفة امنياً بشكل يسهل السيطرة عليها ويجعل التحرك الثوري فيها صعباً جداً.
وقد عمدت القوى الأمنية ومنذ اللحظات الأولى للثورة بأرسال تعزيزات كبيرة لهذه المحافظة وخاصة لفرعي الأمن العسكري وامن الدولة وكما قامت بإجراء بعض التغيرات في الرتب الأمنية في المحافظة تحسباً لقيام السويداء بأي تحرك في الشارع.
ثانياً لاتزال ذاكرة أحداث الجبل في عام 2000 ماثلة في أذهان الأهالي وحتى الجيل الشاب حيث قامت قوات الأمن آنذاك بأطلاق الرصاص الحي على المحتجين السلميين في الشوارع وأردت عدداً من القتلى والجرحى وما تبع ذلك من حصار للمدينة وإرسال لقوى الجيش والضغط الأمني الكبير على سكانها.
ولا ننسى أن التركيب الطائفي للمحافظة لازال يلعب دوراً كبيراً فيها على ضبط الشارع، فالنسبة العالية للموحدين الدروز الذين يقطنون المحافظة والتي تعتبر ثقل ديمغرافي لهذه الطائفة في منطقة الشرق الأوسط والنسبة الأقل للمسيحين وضآلة السكان من بقية الطوائف، كل هذا جعل اللعب على الوتر الطائفي يخدم النظام.
فما انفك النظام ومن خلال أجهزة مخابراته وعن طريق ما يسمى بمشيخة عقل طائفة الموحدون الدروز- والتي من المفروض أن تكون اعلى سلطة دينية لهذه الطائفة ولكن هي في الواقع معروفة للقاصي والداني بارتباطها بأجندة النظام المخابراتية- ما انفك يغذي نار الطائفية من خلال التخويف المنظم من الأكثرية السنية والتذكير بالأحداث الطائفية أيام الرئيس الشيشكلي وما عانى منه الدروز من تقييد للحركة وقتل وتهجير وتشريد، ولا أدل على ذلك من حديث رأس النظام نفسه أي بشار الأسد لوفد من الطائفة من السويداء وحلب وريف دمشق قد دعاه لزيارة القصر الجمهوري في شهر حزيران الماضي (طبعاً مع العلم أن اكثر من شخصية روحية درزية رفضت الدعوة في سابقة صدمت النظام)، فقد شدد الرئيس على ارتباط الطائفتين العلوية والدرزية وما عانتاه خلال الحقب التاريخية من بطش السنة على خد قوله وكذلك التهويل بحدوث حرب أهلية في حال الفوضى وسقوط النظام.
وبالرغم من أن اكثر من 70 بالمئة من الطائفة الدرزية ومن سكان محافظة السويداء هم من طلائع العلمانيين الذين نبذوا الطائفية منذ زمن بعيد، إلا أن استهداف النظام لهذه الفئة بالملاحقات والاعتقالات والخطف، وتقوية الفئة الأخرى من أصحاب النزعات الطائفية (الشبيحة) وإمدادهم بالسلاح والدعم المادي والمعنوي للبطش بكل من يؤيد الثورة السلمية ولو حتى بالكلام، كل هذا جعل من الورقة الطائفية ورقة رابحة في يد النظام في هذه المحافظة.
وان تركيز الأسد الأبن على هذه المحافظة ليس بجديد فقد تكررت زياراته غير الرسمية لهذه المحافظة هو وزوجته وأولاده بعد حرب العراق حتى صار من المألوف رؤيتهم في مطعم أو في استراحة، على أساس الرئيس الشعبي، وكل ذلك وما يتبعه من أجندة تبيض صفحة النظام وكسب ود هذه الطائفة المهمة، وحتى بعد بداية أحداث الثورة فقد زار الرئيس مدينة السويداء مرات عدة وكانت زيارات مفاجأة للقاء بعض الوجهاء والمشايخ وذلك للتأكد من ولائهم للنظام وإذكاء نار التخويف الطائفي وقد علمنا انه في آخر زياره له قد تم رشق سيارته بالحجارة من قبل ثلاث نساء في احدى شوارع المدينة عندما شكوا أن السيارة قد تكون سيارة الرئيس بشار.
إن تقرب نظام بشار الأسد من الطائفة الدرزية وتقريبها منه عن طريق رجالات يضمن ولائهم ويشغلون مناصب رفيعة قريبة من الرئيس شخصياً كالوزير عزام وكبعض ضباط الأمن كزيدان وعلم الدين وغيرهم جعل هذه الطائفة مخترقة بشكل كبير مخابراتياً حتى في أقل تحرك ممكن، ولذلك وفي نهاية شهر أيلول الماضي وبعدما نشر احد المواقع الإلكترونية ما سمي بـ (بيان أحرار الجبل الدروز) قام عناصر فرعي الامن العسكري وامن الدولة بحملة اعتقالات مسعورة في مدينة السويداء وفي بلدات شهبا، القنوات وعرى لم تستثني كبار السن، ومازال بعض ممن اعتقلوا مجهولي المصير حتى ساعة كتابة هذه المقالة.
بعد هذا السرد، أنا لا أحاول أن اجد مبرراً لعدم انخراط هذه المحافظة في الحراك السوري السلمي فكثير غيرها من المحافظات مازالت خارج نطاق الاحتجاجات، وفي نفس الوقت أنا لا أحاول التقليل من وطنية أو عزيمة أهل هذه المحافظة أحفاد الثورة السورية الكبرى، فقط أحببت أن أدلل على بعض النقاط التي قد تكون عوامل أمان في صالح النظام الحاكم في سوريا وهذه العوامل برأيي نراها تتداعى يوماً بعد يوم، وهذا ما يجعل المحافظة جاثمة على برميل من البارود ينتظر الشرارة ليثور كما بقية المناطق السورية وعلى الرغم من أن أهل المحافظة على يقين أن تعامل النظام معهم في حال حدوث ذلك لن يكون الين من تعامله مع بقية المناطق بل على العكس، سينظر النظام اليهم كالخائن الذي عض يد الجميل، ولكن هذا لن يحبط همة الأحرار، وكل قطرة دم على ارض هذا الوطن تشعل لهباً جديداً، فشهداء درعا وحماة وحمص هم شهداء السويداء، وسيبقى الوطن هو المقدم على كل الطوائف وسيبقى هو الأكبر من كل المصالح الضيقة وله وحده ترخص التضحيات.

مختار الشامي
(118)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي