الجزاء الاول
دراسة علمية اكاديمية...
وفت بوعدها الرئيسة القيرغيزية السابقة روزا اوتونباييفا، التي وعدت بتسلم الرئاسة بعد مدة سنتين من توليها السلطة ،ومن ثم تعمل على نقل السلطة وتسليمها بطريقة سلمية ديمقراطية، وترسيخ تقليدي بالانتقال السلمي للسلطة، من خلال انتخابات شعبية ديمقراطية في آسيا الوسطى دون سقوط أي قطرة دم في البلاد، بعد ممارسة حكما استبداديا في أسيا الوسطى، لقد انتهت الانتخابات القيرغيزية المبكرة بتاريخ 31 تشرين الأول "أكتوبر "2011، بنجاح رئيس الوزراء الحالي الماظ بك أتامامباييف المدعوم من موسكو وصقور الكريملين، بفوز ساحق من الدورة الأولي للانتخابات العامة. فهل يتحقق لموسكو ما أرادت في نشر ثقافة الديمقراطية في بلد عانى من صراعات داخلية وتدخل خارجي ، فهل تكون انتخابات قيرغيرستان مثال لدول أسيا الوسطى التي تعاني من الاستبداد والشمولية لكي ترقى انتقال السلطة فيها دون دماء ، هل تنجح موسكو بنقل السلطة دون أي اضطرابات أمنية وعرقية ...!!! السؤال يبقى بمدى التزام الأطراف بهذه الانتخابات والخضوع لمنطق الديمقراطية ... وينتهي بذلك قلق موسكو على هذه الجمهورية والجمهورية الأخرى التي تعتبر حديقة خلفية لروسيا .
الحالة القيرغيزية :
تحتل "قيرغيزستان اليوم"الصدارة لكل عناوين الصحف ونشرات الإخبار على الفضائيات العربية والأجنبية بعد الانقلاب الدموي الذي شاهدته البلاد في 7 نيسان ابريل من هذا العام بعد أن أدت الصدامات إلى دخول البلاد في دوامة الحرب العرقية . يجتهد المحللون السياسيون والمنظرون والخبراء الإستراتيجيون بالتكهن لما سيحصل لاحقا في الجمهورية الإسلامية،وما ستؤول إليه الأمور في الجمهورية، من خلال سيناريوهات عديدة ومتنوعة لمستقبل الجمهورية ومصير مناطق جنوب أسيا السوفيتية السابقة، ولكن قبل الدخول في أي شرح أو تحليل من قبلنا لبد من الوقف أمام حقيقة أساسية ،بان جمهورية "قيرغيزستان" هي مناطق نفوذ روسيا الطبيعية "جيو- سياسي"فالانقلاب الذي نفذه"القيرغيزيون" كان بموافقة ومباركة روسيا .
لان صراع النفوذ انتقل إلى مناطق نفوذ روسيا ومناطق نفوذها التاريخية منذ أيام القياصرة عندما لم تكن هذه الدول،دول مستقلة ومعروفة على الخريطة السياسية الدولية،لكن مع تطور الوضع الجيو- سياسي، والجيو-استراتيجي ،بدأت المصالح تختلف لهذه الدول تختلف من حيث السيطرة على هذه المناطق الفقيرة،روسيا التي أحكمت السيطرة على هذه الدول الإسلامية الجنوبية طوال الفترة السابقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن بعد انقلاب ،الأول الذي سميت،"ثورة التوليب آو السوسن " الذي تم دعمها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أثناء ثورة الورد الملونة في مناطق نفوذ روسيا الاتحادية .
الاستفتاء على الدستور الجديد :
أعلنت روزا أوتونباييفا رئيسة "قيرغيزستان" المؤقتة،عن إقرار الدستور الجديد للبلاد، بعد الاستفتاء الذي أجري يوم الأحد في 27 "حزيران يوليو " من هذا العام ، فكان الإقبال الشديد من قبل السكان الذي يحق له الاقتراع وكذلك القومية الاوزبكية التي تعيش في جنوب البلاد الذي ذهبت الرئيسة إلى مدن الاشتباك الأخير ذات والصراع العرقي، فالإقبال كان مدهشا بسبب كثافة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح تعديل الدستور فان أهم بند في الاستفتاء الذي حصل ، هو تحديد صلاحية الرئيس ،ونقل السلطة من يد الرجل الواحد في البلاد إلى البرلمان ،وهنا نرى طلب 90%من الذين اقترعوا لصالح الاستفتاء،طالبوا بالتغير الديمقراطي في السلطة من خلال التأكيد على أن تصبح السلطة في يد البرلمان وتتحول "،قيرغيزستان"، إلى دولة برلمانية، فالاستفتاء الذي تم التصويت له من اثنين ملون ونصف ناخب من الذين يحق لهم الاقتراع في الجمهورية بالرغم من الأوضاع الغير مستقرة في البلاد على التالي :
1- يدعو الاستفتاء الناخبين إلى تأييد تعديلات في الدستور من شأنها نقل سلطات من رئيس البلاد إلى رئيس الوزراء، وتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية في أكتوبر، والاعتراف الدبلوماسي بالحكومة المؤقتة.
2- وستُجرى الانتخابات البرلمانية كل خمسة أعوام،
3- لن يحكم الرئيس إلا لولاية واحدة مدتها ستة أعوام،
4- الحد من صلاحيات الرئيس القادم،وأبقى تعين وزير الدفاع بيد رئيس البلاد الجديد .
5- تبقى الرئيسة المؤقتة حتى نهاية عام 2011،لحين تنظيم انتخابات برلمانية .
وبهذا الاستفتاء التي رفضت الرئيسة المؤقتة تأجيله تكون قطعت الطريق والفرص أما الذين يسعرون نار التمزق والانقسام والحرب في الجمهورية ،وبعد هذا النجاح الذي تم تحقيقه من خلال الاستفتاء والاستجابة الشعبية له،المواقف الدولية" الإدارة الأمريكية ،والاتحاد الأوربي ،وروسيا الاتحادية"،التي أتت من مختلف الاتجاهات كانت مؤيدة للاستفتاء الذي تم في الجمهورية،لقد نجحت الدبلوماسية الروسية في الخروج، من الأزمة التي التفت حولها نتيجة الحرب العرقية التي حاولت تمزيق الجمهورية، ذات النفوذ الروسي،وروسيا غير قادرة على حل الأزمة العالقة التي دفع بها الرئيس المخلوع المحرض على تهيج الشارع وتحويل الأزمة إلى حرب عرقية يستطيع أن يدخل عليها كبطل قومي حام المصالح القومية والعرقية في البلاد مفشلا كل الحلول واستتباب الأمن في البلاد وهذا حال قادة الجمهوريات الأخرى في وسط أسيا، مستمدين شرعيتهم وبقائهم من خلال تسعير الحرب الإيثنية والقومية التي تحافظ أكثر على وجودهم في السلطة .
الرد الروسي على تطور الأزمة:
جاء الرد الروسي الرسمي معلقا على الاستفتاء الذي باركته روسيا، من خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع زميله الأمريكي خلف البحار: الذي حذر به "الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف " من تقسيم قيرغيزستان، الجمهورية السوفيتية السابقة .
"نأمل أن يتم بعد الانتخابات تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات (...) وإلا فان "قيرغيزستان" قد تشهد تدهورا وحتى تقسيما"،هنا الخوف الذي لايزال يسيطر على الوضع الهش في البلاد من خلال الحالة التي وصلت بها .
أضاف ميدفيديف "نحن جميعا قلقون من أن يتمكن المتطرفون في هذه الظروف، من الوصول إلى السلطة". وأوضح "يجب إذن إن نحل المشاكل نفسها التي نواجهها في مناطق أخرى مثل أفغانستان". لكن المسؤولين ألأميركيين يرون أنه في حال استمرار أعمال العنف في الجمهورية ، سيتاح المجال بذلك إلى التدخل الأجنبي، التي تشارك بها روسيا وشركاء إقليميون آخرون. ويمكن تشكيل هذه القوة من الدول الأعضاء في "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، وهو تحالف من الجمهوريات السوفيتية السابقة، أو ربما يشكل "حالفا من الدول الراغبة"، يضم قوات من تركيا، بجانب روسيا وكازاخستان والدول المجاورة الأخرى. فروسيا التي لاتزال تلتزم الصمت والاتزان حيال الأزمة ،محاولة حل المشكلة بطرق دبلوماسية ودولية ،وعدم تورط نفسها بمستنقعها ، ولكنها لن تترك قيرغيزستان وحدها تواجه مصيرها بنفسها وتقدمها هدية لأحد،لا الكلمة كلمة موسكو،وكان الوقت الكافي لدى موسكو طوال الفترة الماضية من اجل تقديم حل ينقض الموقف حتى لو بغير بصمات روسية والاستفتاء كان بداية جيدة لعملية الأنقاض والسيطرة.
موقع قيرغيزستان الجغرافي :
تقع جهورية قيرقيزستان في شمال شرق أسيا الوسطى ، وتتوزع معظم أقاليمها في القسمين الغربي والأوسط لسلسلة جبال" تيان شان "،وتحدها كازاخستان شمالا، وأوزبكستان غربا،وطاجيكستان من الغرب الجنوبي،والصين من الجنوب الشرقي، لا تطل قيرقيزستان على البحار،تحتل الجبال أكثر من ثلاثة أرباع أراضي الجمهورية ،الأمر ألذي يؤكد وجود انهار في جوف الجبال باختفاء كميات هائلة من مياهها في موسم الربيع . تقع في أقصي شمال شرق قيرقيزي بحيرة "ايسيك كول" الجبلية التي بنيت على شواطئها مصايف ومخيمات سياحية عديدة . وثمة بحيرة اسمها "مير تسخاربيرة :"تقع على ارتفاع 3500 متر فوق سطح البحر وتبعد عن بحيرة كول حوالي 50كيلوا متر، قيريقيزيا التي تنقسم جغرافيا الى قسمين القسم الجنوبي والقسم الشمالي حيث تدور المعارك التي تفصل في نمو الجنوب عن الشمال بفضل الحواجز الطبيعية من سلسلة الجبال التي تبعدهما عن بعضهم بالسيارة حوالي 10 ساعات بالوقت التي تقدر المسافة بين الجنوب والشمال 300 كيلو متر خط نار .
التنوع الديمغرافي :
قرغيزستان تحظى بتنوع عرقي كبير حيث يمثل القيرغيز نسبة 50 في المائة والأوزبيك 10 % والطاجيك 25 % والروس 9 % ، في حين تتوزع النسبة الباقية على التتار والإيرانيين الأمر الذي يجعل منها أهم بؤرة توتر في الإقليم تهدد استقرار المنطقة والنفوذ الروسي في آسيا الوسطى.ويبلغ عدد سكان قيرقيزستان حوالي 6 ملايين نسمة حسب إحصاء وكالة مكتب مرجع السكان التابع للأمم المتحدة لعام 2007م .
العلاقات الدبلوماسية والسياسية لقيرغيرستان :
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين قيرغيزيا وروسيا الاتحادية "مارس،آذار" عام 1993 م، وتتمتع قيرغيزيا بعضوية رابطة الدول المستقلة وهيئة الأمم المتحدة ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون،ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة اتحاد الدول المستقلة لدول الاتحاد السوفيتي .
إتفاقية الأمن الجماعي:
اتفاقية الأمن الجماعي التي تعتبر قيرقيزستان جزاء منها ، لقد ثم عقدت اتفاقية الأمن الجماعي CSTO وتشمل كافة دول آسيا الوسطى إضافة إلى روسيا ،أرمينيا ،أذربيجان ،بيلاروسيا ومولدوفا، وعرفت في "مايو،أيار،من العام 1992، باسم اتفاقية طشقند، وهدفت الاتفاقية إلى إقرار مبدأ الحماية المشتركة والرد الجماعي على أي عدوان تتعرض له إحدى الدول الأعضاء. وتم تحويلها في "مايو،أيار"من العام 2006 إلى "بناء دولي متعدد الوظائف" له الحق في إنشاء قوة ردع سريعة، متبعة منهج حلف الناتو في هذا الشأن. وكانت هذه المنظمة قد اقترحت منذ عام 2004 الاتصال بالناتو لترتيب الأمن، خاصة بعد أن استبعد دورها في غزو أفغانستان.
النزاع العرقي المتجدد في الجمهورية :
فالنزاع الذي بدأت شرارته العلنية في التاريخ الحديث ، في حزيران من 1990،من أواخر القرن العشرين على اثر انهيار الإمبراطورية السوفيتية السابقة، والسباق السريع لرجال الاستقلال الجدد الذين حافظوا على مواقعهم القديمة التي تمت ورثتها ،من قبل الأمناء العاميين لأحزاب الجمهوريات، والذين وأصبحوا فيما بعد رؤساء جمهوريات لبلدهم، لكن بدل حل النزاعات القومية والأثينية التي جمدتها كل الحكومات السوفيتية ،عمدوا هؤلاء القادة لتسعير نيرانها من اجل الالتفاف حولهم وإعطاء شعبهم شرعية الاستمرار في الحكم، فالنزاع الحالي في قيرغيزستان لم يكن جديدا، إنما كان مجمدا في ثلاجة النظام السابق، فالأزمات العرقية الخلافية لم تجد مكاننا لها في الحل أمام الأزمات السياسية الكبرى التي سيطرت على العهود السابقة.
في 4 – 6" يونيو،حزيران"من عام 1990 وقع النزاع في إقليم" اوش" بين الاوزبك والقيرغيز، فالصراع الذي أيقض روحه تسعيرة فاكهة الفراولة "الفريز" الصيفية ، في إقليم الجنوب ، مما دفع بالرئيس السابق للاتحاد السوفيتي" مخائيل غرباتشوف"إلى إرسال قوة عسكرية لإخماد نيران معركة "الفريز"الحاصلة في جمهورية قيرقيزستان الشعبية الاشتراكية،بين الاوزبك الأقلية الذين يعملون في الزراعة والقيرغيز الأكثرية، رعاة الأبقار والأغنام وصيدوا الحيوانات.بعد ذلك انهار الاتحاد السوفيتي وتفرق الإخوة الأحباء وكل دولة انتخبت رئيسا لها ، لعام 1990 م، تم انتخاب عسكر آكاييف كأول رئيس لجمهورية قيرغيزستان . قيرغيزيا المستقلة المرة الثانية ، تنتخب دكتور اكاييف البروفسور في الاقتصاد الذي عمل في أكاديمية العلوم السوفيتية ودرس الاقتصاد السياسي في جامعة مدينة فرنزي الحكومية "بيشكيك اليوم"وكان الأمين العام للحزب الشيوعي القيرغيزي،الرئيس الفعلي لدولة قيرغيزستان،الذي فشل في إدارة وإنعاش بلاده النامية ،بالوقت الذي أنعش حسابات أولاده المالية واصهرا ته وأقربائه في البنوك الخارجية،هو صاحب الحض الأوفر والمرشح القوي وقتها الذي تمكن من الفوز بالرئاسة، بدل موقعه من اليسار إلى اليمن من اجل الوصول واحتلال هذا الموقع الذي لم يتأخر اكاييف أبدا للوصول والسيطرة عليه، فاسم اليمين الدستور على القرآن، بعد أن حفظ ودرس الإلحاد، وكتب لينين وماركس،لان حب السيطرة هو الأساس لدى هذه الطبقة المخملية الجديدة في قيادة الدول المستقلة ،بعد الانقلاب الذي حدث في ، أب من العام 1990، تم إعلان استقلال قيرغيزستان الثاني يوم 31 أغسطس"آب "من عام 1991 بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. فهذا النزاع القديم الجديد بيداء اليوم من خلال الانقلاب الذي وقع في الجمهورية تحت شعار الإصلاح وتنفيذ الوعد ليأخذ شكلا جديدا من الصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير المتخلف ليتحول إلى صرع مختلف في الجنوب نفسه بين العرقيات والقوميات التي ، نمت لديها روح النزعة الانفصال التي أصبحت اليوم موضة جديدة لدى القوميات،فالخوف من الحقد القومي الذي أصبحت موضة جديدة تتعرض لها القوميات الصغيرة في مناطق سيطرة القوميات الكبرى، وتطالب بالاستقلال من اجل حماية نفسها ومن سفك الدماء،لقد بطلت مقولة الحروب الدينية، والغرب الذي يساعد المسيحيين على المسلمين كما روج لها في حروب يوغسلافيا السابقة،المسيحيين ضد المسلمين،وفي العراق الحرب الطائفية السنة ضد الشيعة،أما اليوم السنة ضد السنة ،العرق أقوى من المذهب،والطائفة والدين ،هذا صراع "الباشتون –الطاجيك"في أفغانستان ،"الباشتون، السندينيون – البنجابيون "،في أفغانستان ...الخ...
الموقع الجيو- سياسي لقيرغيزستان :
إن موقع قيرغيزيا بين الصين وروسيا وكازاخستان وطاجكستان، جعلها في دائرة الصراع السياسي بين الدول ذات النفوذ القوي في تلك المنطقة،خصوصاً روسيا والصين والولايات المتحدة، حيث تدور الحرب الأميركية في أفغانستان على الإرهاب، مما يتطلب وجود ممرات لها آمنة لدعم القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، وأوجدت لها قاعدة عسكرية في تلك الجمهورية في فترة ضعف روسيا وبداية الحرب على الإرهاب. نعتقد أن مشروع الدرع الصاروخية الأميركية الذي تبنته إدارة جورج بوش الابن لنشره في شرق أوروبا وقرب الحدود الروسية، أيقظ الدب الروسي لبناء فضائه من جديد، وبدأ مرحلة جديدة من الصراع البارد باستخدام القوة الناعمة بين القوتين الكبيرتين باستخدام الأوراق المتاحة لديهما كافة، وهو ما عبّر عنه فلاديمير بوتين في مؤتمر ميونيخ السنوي عام 2007، عندما حذّر من خنق روسيا والاقتراب من حدودها، وكذلك حذّر من هيمنة القطب الواحد في العلاقات الدولية، إذ قال: "إن السياسة الأميركية لا تترك أحداً يشعر بالأمن".
نرى أن الفترة المقبلة ستشهد مساومات وشداً وجذباً بين القوتين الكبريين حول كثير من القضايا الدولية، كالملف النووي الإيراني ومشروع الدرع الصاروخية والتمدد الروسي في أميركا اللاتينية، والوجود الأميركي في آسيا الوسطى، والدعم الأميركي لدول الفضاء الروسي السابق كجورجيا وأذربيجان وغيرهما، مما يؤكد أن تسجيل النقاط بين القوتين لا يزال قائماً، وآخرها إلغاء أذربيجان لمناورات عسكرية بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية
ثورة السوسن:
في 24 مارس/آذار عام 2005 قامت ثورة السوسن بعد أزمة حادة للسلطة وقعت بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وأسفرت عن وقوع اضطرابات شعبية في الأقاليم الجنوبية الفقيرة وبالتحديد في مقاطعتي،"جلال أباد"ومدينة "أوش"معقل الرئيس القيرغيزي، المخلوع حيث جرت المظاهرات الجماهيرية الواسعة بمشاركة ممثلي مختلف الأحزاب. واستولى المتظاهرون على المباني الإدارية في المقاطعتين، ووقعت اشتباكات بين القوات الخاصة والمدنيين. وتمخضت الانتفاضة عن إسقاط نظام الرئيس عسكر آكاييف ووقوع أعمال النهب والعنف العديدة في الأسواق والمراكز التجارية للعاصمة. فصعدت المعارضة برئاسة كرمان بيك باكييف إلى السلطة في بيشكيك. أما الرئيس عسكر آكاييف الذي فر من البلاد مع عائلته وكبار معاونيه متنازلا عن موقعه كرئيس للجمهورية،وقع بعد فترة على بيان استقالته الطوعية من منصبه متخذا من موسكو مكانا أمنا له والذي منح فيها حق اللجوء السياسي فيها. بعد ذلك عمدت روسيا إلى تهدئة الأوضاع في الجمهورية،والوصول إلى مخرج ينقذ الجمهورية من الأزمة التي فرضت عليها ،على اثأر تلك الثورة الملونة التي قامت بها المعارضة القيرغيزية والجمهوريات السوفيية الأخرى،وفقا للدعم الأميركي العلني، الذي حاول السيطرة على مناطق نفوذ روسيا التاريخية دون مرعت الأوضاع الجيو- سياسية، نظرا لقراءة أمريكة مسبقة،تقوم على اعتبار موسكو فقدت دورها الإقليم والدولي،ويجب ملء الفراغ في هذه المناطق،السوفيتية السابقة.
أسفرت ،و2005 جرت الانتخابات الرئاسية في البلاد التي أجريت في صيف عام عن انتخاب كرمان "بيك باكييف رئيسا للبلاد"، وتم تعيين" فيلكس كولوف" في منصب رئيس الوزراء، لكن ذلك لم يحول ذلك دون الصراع من اجل السلطة في قيرغيزستان، طوال هذه الفترة التي لم ترى الجمهورية فيها النور بسبب الخلاف بين القادة الجدد من ناحية،ورئيس البلاد من ناحية أخرى الذي لم ينفذ إي شيء من الوعود المقدمة لجماهير الدولة الفقيرة التي تزداد فقرا، لقد جمع الرئيس حوله جماعة خاصة أصبحت تستفيد من أملاك وثروة الدولة، وهذا حال الدول الإسلامية كلها التي تعاني من السيطرة الدكتاتورية والشمولية،وسيطرة جماعات الضغط الخاصة ،وهي جماعات الأقارب والأصدقاء التي تتصرف بأملاك الدولة على هواهم ، فالرئيس لا يهمه شيء طالما الأقرباء يفرون الدعم ويؤمنون له الاستمرارية في قيادة الدولة فحال قيرغيزستان لا يختلف عن حال أخواتها في "أسيا ستان، أوفي عرب ستان". فكل الأنظمة في الدول الإسلامية في أسيا هم عملة واحدة لوجه مختلفة ،هي أنظمة الدكتاتورية والتسلط والرجل الواحد وحكم وسيطرة العائلة والأقارب والأصدقاء جميعهم،أنظمة القمع والتطرف الفساد والبيروقراطية هي أنظمة الحديد والسيطرة بالنار وسفك الدماء من اجل سيطرة الأشخاص ،فهم يضحون بالغالي والنفيس لكي يبقوا على العرش الأبدي على ذالك الكرسي الهزاز،ما أصعب فراق الكرسي.
انقلاب المعارضة في قيرغيزستان :
في 29 "ابريل" نيسان عام 2009 أجرت المعارضة الجديدة مظاهرة بطلب تنفيذ التعهدات التي التزم بها الرئيس ورئيس الوزراء لدى انتخابهما. في 23"يوليو،تموز"عام 2009،جرت الانتخابات الرئاسية التي فاز بها "كرمان بك باكييف"،و لم تستطع المعارضة مقاومة الضغط الإداري،والمالي والأمني ،الذي فرضته عليها مجموعة الرئيس المنتخب ،فكانت خطوات المعارضة المعلنة على هذا الضغط الانسحاب من هذه الانتخابات الغير متكافئة أمام قوة الرئيس الحالي الذي يسيطر على كل مرافق الحياة في الدولة الفقيرة،عندها عمدا مرشحا المعارضة "ألماظ بك اتامامباييف وجينيش بك نزاربيايف"،اللذان رفضا المشاركة في الانتخابات بحجة عدم شرعيتها التي فقدت هذه الانتخابات تأيد السكان من خلال تحريك الشارع ضد سياسة الرئيس المخلوع من خلال جملة مطالب عملت على طرحها في الشارع،فكانت الاستجابة لها بشكل سرع من قبل سكان الجمهورية الذين وصول إلى تحت خط الفقر،فعمدت المعارضة الجديدة على تشكيل جبهة واسعة النطاق ضمن عدة شروط سياسية، واجتماعية،وقانونية ،من خلال عدم تنفيذ شروط ثورة السوسن الذين شاركوا فيها، مع الرئيس الحالي الذي وعد بتنفيذ إصلاحات سريعة جدا يستفيد منها سكان البلاد جميعا،لكن باكييف، استمد قوته في بطاء الوعود، المفترض تنفيذها ،مما ساهم بإعادة الاحتجاجات والإضرابات والاعتراضات مجددا إلى شوارع العاصمة بيشكيك،إضافة إلى الحالة الاقتصادية الرديئة التي تسيطر على البلاد وتساهم بإشعال فتيل الحرب في الجمهورية وتفتح الأبواب على مصراعيها إمام التدخلات الأجنبية الطامعة ،بموضع قدم في دولة قيرفيزستان الفقيرة ذات الموقع الجيو- سياسي واستراتيجي هام للتحرك في منطقة وسط أسيا، والذي سوف يكون لنا "دراسة مفصلة عن هذه المنطقة ذات الأهمية الكبرى والتعددية الإثنية ". لكن من الأسباب الأساسية التي استعملتها المعارضة الجديدة أدبياتها لتعبئة الشارع الهادر، والمتململ من سياسة النظام الحالي ،هي فترة إطالة الإصلاحات الذي وعد بها الرئيس،ونظامه الحالي ، بعد قيام ثورة السندس ، فكانت من الأمور الأساسية التي أدت إلى الانقلاب الثاني تفاقم الوضع الحالي في الجمهورية والتي نشير إليها:
1- غياب لجنة الإصلاح المهتمة بتعديل الدستور الجديد للبلاد.
2-المماطلة بتنفيذ الوعود الذي وعد به الرئيس في ولايته الأولى ولم تنفذ
3- وضع "فيلكس كولوف" في السجن،في الفترة الأخيرة .
4- أصلح التلفزيون،وانجاز بناء التلفزيون الاجتماعي.
5-المطالبة باستقالة الأخوين المدعي العام ورئيس شرطة بشيكيك.
6- تشكيل الحكومة الشعبية التي تم الاتفاق عليها سابقا.
7- تصفية "بيزنيس" العائلة،وعدم تسليم الأقرباء مناصب في الدولة .
8-إجراء انتخابات نيابية في الدولة وإدخال أعضاء جدد من أنصار الرئيس والذي يبلغ عددهم 300 عضوا، الذين دعموه في مواصلة فترة رئاسية ثانية من خلال التلاعب بالأصوات.
9- إهمال التنمية في البلاد وتحديدا في الجنوب في منطقة وادي فرغانا التي سوف نتكلم عن هذه المنطقة بالتفصيل.
10 تنمية الخلافات العرقية والإثنية، وتأجيجها من اجل توفير الدعم للرئيس .
11- الانهيار الاقتصادي السريع في البلاد بسبب الفساد وسيطرت البيروقراطية على مرافق الدولة، وغياب التحديث الاقتصادي الإنتاجي.
12- الخلاف السياسي بين سلطة الرئيس وتحكمه بشؤون الدولة والسيطرة عليها ،والمعارضة الرافضة لسياسة الشريك السابق في تصرفاته وتوجهاته السياسية.
13- الحيلولة دون تولي أشخاص من فئة المجرمين السلطة في البلاد.
الانقلاب الثاني 7 نيسان في قيرغيزيا :
الانتفاضة الدموية التي قادتها المعارضة في "قيرغيزستان" يوم 7 نيسان من الحالي، بنظام الرئيس باكييف، وأجبرته على مغادرة البلاد بعد تدخلات إقليمية ودولية. هذا هو حال الانتفاضة الدموية التي أنهت عهد حكم الرئيس كرمان بك باكييف الموالي للولايات المتحدة، والذي تسلم السلطة في قيرغيزستان، بعد أن أسقطت ثورة "الزنابق" المدعومة من واشنطن، في ربيع العام 2005، أول رئيس دولة في آسيا الوسطى وصل إلى الحكم منذ انتهاء العصر السوفيتي، عسكر أكاييف الذي أجبر على الفرار إلى الخارج والذي اخذ حق اللجوء في موسكو . لقد انهيار نظام الرئيس القيرغيزي كرمان بك باكييف بسرعة لافتة، بعد ساعات على التظاهرات الشعبية الدامية، تمكنت المعارضة الحالية القيرغيزية من الاستيلاء على الحكم في هذه الدولة السوفيتية السابقة، وشكلت حكومة "ثقة وطنية" برئاسة وزيرة الخارجية السابقة "روزا أوتونباييفا البالغة من العمر 59 عاما"، التي ترأس أيضاً الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي،والدبلوماسية السابقة للبلد.
خلافات باكييف مع روسيا:
منذ قدوم الرئيس باكييف إلى الحكم من خلال الثورة الملونة التي أزعجت موسكو بوصول رئيس بعيد عنها وغير موالي لها في جمهورية تعتبر تاريخيا ذات نفوذ روسي من أيام الإمبراطورية الروسية،فروسيا التي أرغمت نفسها التعامل مع الرئيس الجديد، مقنعه نفسها بهذا التغير الجديد ،من خلال فتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الرئيس باكييف الذي حاول اللعب على روسيا والاستفادة المادية والسياسية ،من خلال فتح العلاقة الغامضة مع الولايات المتحدة الأميركية، فكان التذبذب في سياسته الخارجية بين أميركا وروسيا هو الذي أفقد مصداقية لدى الجانبين. في شباط 2009، طالبت روسيا من الرئيس المخلوع عن طريق المعارضة القريبة منها بإقفال القاعدة الأميركية "ماناس" في شمال البلاد، بعدما رفض تمديد العقد، وحدث هذا الأمر، بعد أن حصلت السلطات في بشيكيك على قرض من روسيا بقيمة ملياري دولار، ومساعدة مالية بقيمة 150 مليون دولار. ومع ذلك، تراجع الرئيس المخلوع باكييف عن وعده لروسيا وللمعارضة بشأن إغلاق قاعدة "ماناس"، وأبرم صفقة مع الولايات المتحدة تقتضي زيادة بدل إيجار القاعدة إلى 180 مليون دولار سنوياً، الأمر الذي أثارة ثورة غضب لدى موسكو والمعارضة القيرغيزية في آن معاً، التي اتهمت الولايات المتحدة بأنها قدمت "رشوة سياسية" للرئيس. لقد عبّرت مجلة "تايم" الأميركية الصادرة في شهر آذار 2010عن المخاوف الأميركية، إذ تحدث مسؤول من الإدارة الأميركية علناً عن مخاوف واشنطن من الخطط الروسية في" قيرغيزستان"، بان : "قاعدة "ماناس" في قيرغيزستان تشكل انجازا بالنسبة إلى أمريكا ... روسيا لا تريد ذلك، فدفعوا الروس " ملياري دولار لإخراجنا من هناك، إلا إن أوباما أجرى محادثات صريحة مع الرئيس ميدفيديف، وقال له إن لنا عدواً مشتركاً في أفغانستان، لذلك سيساعدنا "وجود القاعدة في قيرغيزستان"، على مقاتلة ذلك العدو المشترك، ولو خسرنا ذلك، لكان ضربة كبيرة، إنها محور مهم لنقل جنودنا إلى أفغانستان وإخراجهم منها".
ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس المخلوع في مينسك بعد سحبه إلى روسيا البيضاء لقد برر باكييف تمديد العقد لاستمرار القاعدة الأمريكية في "ماناس" بان حكومته وهو فعليا كانوا يردون إقفال القاعدة ولكنهما قبل إعطاء الرد النهائي إلى الجانب الأميركي انهالت،عروض الاستقبال من الدول المجاورة ،فكان سؤال باكييف لماذا يوافق الجميع على فتح القواعد العسكرية ويجب علينا أغلقها بالوقت الذي نحن بأمس الحاجة إلى مال،فسرعنا فورا إلى قبول العرض الأمريكي الذي قدم لنا برفع سعر العقد بحال قبلنا بالتجديد "،فما كان مننا إلا أن نقبل العرض المقدم وتم تجديد العقد لمدة عام . فروسيا التي تعمل على تزويد دول الاتحاد السوفيتي بالغاز والنفط بأسعار، خاصة وفقا لاتفاقية كشنيوف الموقعة بين الدول المستقلة عام 1991 ، التي تحاول من فترة إلى أخرى، تغير السعر وفقا لأسعار السوق والعرض والطلب بزيادة بسيطة،في بداية العام الجديد عدلت روسيا أسعار النفط والغاز المرسل إلى قيرقيزستان مما ساهم بارتفاع جميع الأسعار المحلية، بالوقت التي تعاني الجمهورية من حالة تضخم اقتصادية رهيبة،بسبب الفساد ،والهدر العام في الأموال ، وغياب الإنتاج،وعدم الاستثمار الخارجي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم الاستتباب السياسي في البلاد . لقد سيطر الغلاء الفاحش على البلد بسبب ارتفاع الأسعار فعم جو التظاهر وعدم الرضاء على سياسة الحكومة والرئيس وتعاملهم مع الملف الاقتصادي والمعيشي بالوقت الذي أرسلت فيه روسيا معونات اقتصادية ومالية إلى الدولة ، لم يعرف مصيرها مما أخضب روسيا بعد السؤال عن مصير هذه الأموال، عندها سمحت روسيا للمعارضة بالتحرك في الشارع من اجل إسقاط النظام ، فكان يوم اللقاء الروسي- الأمريكي في براغ لتوقيع اتفاق" ستارت 2"،بينها وبين الولايات المتحدة . روسيا الذاهبة إلى توقيع الاتفاق وهي على قدرة من القوة التي تسمح لها بتحرك جيو-سياسي كبير،يمنع الولايات المتحدة من التعليق على مشاكل ثانوية ،لان الروس يقبضون ثمن ملفات يجب حلها من حساب أمريكا، لذا لم تستطيع الولايات المتحدة التعليق على هذا الملف سوى بالإدانة وتقديم مساعدات إنسانية للشعب القرقيزي، روسيا التي تحاول الحفاظ على مصلحتها الإستراتيجية في ظل الهجمة الدولية للعديد من الدول الطامحة إلى لعب دور ريادي في أسيا الوسطى على حساب إضعاف النفوذ الروسي في المنطقة .
يتبع في الجزاء الثاني
باحث إعلامي مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث .
[email protected]
روسيا - قيرغيزستان:الصراع الداخلي في "قيرغيزستان" والموقف الروسي من الإغراءات الأمريكية ...!!!1-2
د.خالد ممدوح ألعزي
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية