نقلا" عن موقع وزارة الخارجية البريطانية.
ردت الحكومة السورية على المظاهرات والانتقادات للإجراءات التي اتخذها بزعمها البدء بعملية الإصلاح. نستعرض فيما يلي الفجوة ما بين وعود النظام السوري وما نفذه:
1- أصدر الرئيس الأسد عفوا عاما عن حركات المعارضة السياسية، بما في ذلك الإخوان المسلمين
الواقع: تم استثناء الكثير من السجناء السياسيين من مراسيم العفو، وجرى اعتقال واحتجاز الكثير من المدنيين الأبرياء منذ ذلك الحين لأسباب سياسية.
أصدر الرئيس الأسد خلال الفترة ما بين مارس (آذار) ويونيو (حزيران) 2011 ثلاثة مراسيم بالعفو (عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 7/3/2011، وعفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 31/5/2011، وعفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل 20/6/2011) شاملا بالعفو بعض السجناء السياسيين. وزعم النظام بأن مراسيم العفو هذه تمثل الخطوة الأولى تجاه السماح بمشاركة سياسية أوسع.
لكن نص المرسوم الأول لم يشمل العديد من السجناء السياسيين (أغلبهم من الإخوان المسلمين)، بينما المرسومان التاليان لم يشملا آلاف السوريين الذين فروا من سوريا أو تم نفيهم عنها. بل أفرج النظام عمن ارتكبوا جرائم ثانوية بموجب مراسيم العفو الثلاثة هذه، لكنه اعتقل لاحقا آلاف المواطنين الآخرين الذين وجهت إليهم تهمة المشاركة بمظاهرات سلمية. وهناك أنباء كل أسبوع عن اعتقال مئات السجناء السياسيين الآخرين. من بينهم:
• اعتقلت الممثلة السورية مي سكاف عندما شاركت بمظاهرة سلمية في دمشق في 13 يوليو (تموز)، وأفرج عنها لاحقا لكنها أخضعت لقيود تشمل تحركاتها إلى جانب المراقبة العلنية.
• وفي 20 إبريل (نيسان) اعتقلت السلطات السورية المعارض محمود عيسى في حمص في أعقاب إجرائه لقاء مع قناة الجزيرة، وذلك بعد ساعات فقط من إقرار مجلس الوزراء لقرار إلغاء قانون الطوارئ.
نهيب بشدة بالحكومة الإيفاء بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان، وصيانة الحريات السياسية، والمساواة في توفير العدالة وسيادة القانون.
2- رفع حالة الطوارئ كان بداية عملية الإصلاح في سوريا
الواقع: رغم وعود الحكومة السورية، فإنها لم تفعل شيئا لإتاحة استئناف الحياة السياسية الطبيعية.
من أولى الخطوات التي اتخذها النظام ردا على المظاهرات إعلانه في 24 مارس (آذار) 2011 عن رفع "حالة الطوارئ" (التي أعلنت عام 1963)، وبأن قوات الأمن سيحكمها القانون المدني. كان ذلك سيعني بالنسبة للشعب السوري نهاية عهد الاعتقالات التعسفية والاحتجاز دون محاكمة وقوات أمن لا تخضع للمحاسبة.
لكن الرئيس الأسد لم يحوّل أقواله إلى أفعال. فالمظاهرات السلمية مازالت ممنوعة، والاجتماعات السياسية عرضة للترهيب والقمع، وقوات الأمن تتصرف دون أي اعتبار للإجراءات القانونية، وهي محصنة ضد المساءلة. على سبيل المثال:
• أعلن النظام في 19 إبريل (نيسان)، في سياق إلغاء "حالة الطوارئ"، السماح بالخروج في مظاهرات سلمية بعد الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية. وبعد بعضة أيام من هذا الإعلان تم تقديم أول طلب للخروج بمظاهرة في المنطقة الكردية بشمال شرق سوريا. لكن كان رد النظام لا لبس فيه: فبدل منح الترخيص قام باعتقال الناشطين الذين تقدموا بالطلب.
• في 30 مارس (آذار) ألقى الرئيس الأسد بأول خطاب له منذ بدء الاضطرابات في سوريا. بعد مقتل متظاهرين في مدن اللاذقية ودرعا، وعد الرئيس الأسد بإجراء تحقيق شامل لضمان التعرف على المسؤولين "لأجل إنهاء الفرقة وإبراء الجروح". ولكن، وبعد مرور ستة أشهر منذ الخطاب، لم يحدث شيء. فلم يتم اعتقال أي من قوات الأمن أو الجيش، ناهيك عن توجيه الاتهام للمسؤولين عن مقتل المتظاهرين أو محاكمتهم. كما لم يحصل أهالي القتلى على أي تفسير.
3- الحكومة السورية تعمل على تسهيل إجراء "حوار وطني" للاستماع لهموم المواطنين العاديين
الواقع: يختار النظام السوري أي من المواطنين "العاديين" يرغب الاستماع إليهم، ويتجاهل أي وجهة نظر لا تروق له.
زعم النظام مبدئيا بأنه سيستمع إلى ويتعامل مع قضايا هامة أثارها المتظاهرون، وذلك بعقد حوار وطني. لكن النظام اختار المشاركين، واختار خبراء القطاعات أو الأكاديميين، وتجاهل النشطاء أو من يزعمون أنهم يمثلون الشارع السوري. ومن ثم تحكم النظام بالأسئلة التي يمكن طرحها، وأوضح الإجابات التي كانوا يتوقعونها، ولم ينفذ أي من الاقتراحات التي أثيرت.
ومن ثم زعم النظام بأنه سيسمح لجماعات المعارضة بعقد اللقاءات ومناقشة أي من القضايا، وبالتالي التواصل معهم لفهم مطالبهم والاستجابة لمطالبات المواطنين السوريين العاديين. لكن في واقع الأمر فإن العدد الصغير من جماعات المعارضة الذين تمكنوا من عقد لقاءاتهم دون عرقلة من قوات الأمن خضعوا لمراقبة مشددة. وتهديدهم باستخدام العنف ضدهم أو اعتقالهم يعني عدم استطاعتهم التعبير عن آرائهم بحرية، كما أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات للتواصل معهم.
4- المظاهرات في سوريا تنظمها جماعات مسلحة تحرض على المشاكل، والقتلى سقطوا نتيجة اعتداءات إرهابية على قوات الأمن والجيش
الواقع: تقول الأمم المتحدة بأن القوات الحكومية قتلت ما يفوق 3,000 متظاهر، بمن فيهم حوالي 200 طفل.
توصلت لجنة لتقصي الحقائق من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لبراهين تشير لمقتل 3,000 شخص على أيدي قوات الأمن والجيش منذ انطلاق المظاهرات في شهر مارس (آذار). تقول الأمم المتحدة:
• من بين القتلى ما لا يقل عن 187 طفل
• لجأت قوات الأمن والجيش لما يبدو أنها سياسة "إطلاق النار بغرض القتل" ضد المتظاهرين، وتهديد الجنود أنفسهم بأنه سيتم إطلاق النار عليهم في حال رفضهم تنفيذ الأوامر
• اتبعت قوات الأمن سياسة الاعتقال والاحتجاز التعسفي لمن شكت بمشاركته بالمظاهرات. وقد انتشر اللجوء للتعذيب، بما في ذلك تعذيب الأطفال
• فرضت السلطات الحصار على عدد من المدن، حارمة سكانها من السلع والخدمات الأساسية. ومن غادروا منازلهم بحثا عن المواد الغذائية تعرضوا أحيانا للقتل بنيران قناصة الحكومة
• تلك الإجراءات، بحجمها وطبيعتها، قد ترقى لتكون جرائم ضد الإنسانية.
كانت المظاهرات في غالبيتها سلمية طوال ستة أشهر، رغم العنف الوحشي الذي مارسته الحكومة وأدى لتفاقم التوترات. وبينما أن بعض المتظاهرين دفعوا للرد بالمثل، فإن ذلك لا يبرر الرد الحكومي غير المتناسب نهائيا. والمملكة المتحدة تدين كافة أعمال العنف.
5- الرئيس الأسد ملتزم بتطبيق الإصلاح لكنه بحاجة لبعض الوقت لمعاودة ضبط الأمن
الواقع: كان أمام الأسد سبعة أشهر لتنفيذ الإصلاح، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن.
صدر عدد من المراسيم الرئاسية والقوانين الجديدة التي تبدو وكأنها خطوات تجاه الإصلاح، لكن تبين بأنها وعود فارغة. على سبيل المثال:
• أصدر الرئيس الأسد في 4 أغسطس (آب) قانونا جديدا بشأن الأحزاب السياسية، ما يعني نظريا تسهيل الابتعاد عن هيمنة حزب البعث على النظام السياسي والسماح بتشكيل أحزاب سياسية جديدة. لكن، وفق هذا القانون الجديد، لم يطرأ تغيير على المادة 8 من الدستور التي تكفل هيمنة حزب البعث على النظام السياسي، كما يختار الرئيس الأسد اللجنة التي تقرر أي من الأحزاب السياسية سوف يُسمح بتشكيلها. ولم يتم تشكيل، ناهيك عن إقرار، أي أحزاب جديدة. وفي هذه الأثناء تحول قوات الأمن دون إحراز أي تقدم. ففي منتصف شهر يوليو (تموز) كان أعضاء المعارضة السياسية يخططون لعقد اجتماع في القابون، قرب دمشق، للتواصل مع مؤتمر المعارضة المنعقد في اسطنبول. لكن في اليوم الذي سبق الاجتماع أطلقت قوات الأمن النار على عدد من المواطنين وقتلتهم قرب القاعة التي كان سيعقد بها الاجتماع في محاولة متعمدة لترهيب نشطاء سلميين.
• منعت السلطات السورية تقريبا كافة أعضاء الصحافة الدولية من الدخول لإرسال تقاريرهم من الداخل، وسيطرت بالكامل على كافة وسائل الإعلام المحلية. وقد طالب المتظاهرون بحريات إعلامية أكبر، لكن دون جدوى. وفي 28 أغسطس (آب) أصدر الرئيس مرسوما بإقرار قانون جديد بشأن الحريات الإعلامية. لكن القانون يقول بالواقع أن على الصحفيين عدم انتقاد النظام أو رموزه أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو الجيش.
لم تتخذ أي خطوات فعلية تجاه مجتمع أكثر شمولية وديموقراطية ويحترم حقوق الإنسان. بل لجأ الرئيس الأسد طوال سبعة أشهر لاستخدام العنف والأسلحة ضد متظاهرين سلميين. الوقت ليس هو المشكلة: بل إن القمع الوحشي الذي دأب النظام على استخدامه ضد كل من يجرأ على مخالفته يكشف حقيقة نواياه. لقد فقد الرئيس الأسد كل شرعيته ولم يعد بإمكانه أن يزعم أنه قائد سوريا.
6- مشاكل سوريا الاقتصادية هي نتيجة للعقوبات
الواقع: الآلام الاقتصادية التي يشعرها المواطنون العاديون حاليا هي نتيجة مباشرة لأعمال النظام: العنف الحالي وعقود من سوء إدارة الاقتصاد. إن العقوبات الدولية موجهة ضد النظام ومن يدعموه، وجعلت أفعال النظام أكثر كلفة. وأي قرار لتحويل أثر هذه العقوبات ليطال الشعب السوري هو قرار يتخذه نظام الأسد عن عمد.
لقد أدى سوء الإدارة والفساد، وغالبيته بسبب المقربين من الرئيس الأسد، إلى إعاقة نمو الاقتصاد طوال سنوات عديدة. وتحتل سوريا حاليا المرتبة الـ134 عالميا (من بين 183 دولة) على مؤشر البنك الدولي بالنسبة لسهولة تأسيس الأعمال وإقامة علاقات عمل فيها. لكن حتى قبل هذه الأزمة عجزت سوريا عن المحافظة على مكانتها، بينما غيرها من دول المنطقة حررت اقتصاداتها وشهدت نهضة بخطوات أسرع كثيرا. وتحتل سوريا المرتبة 14 من بين 18 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد جرت محاولات لتحرير الاقتصاد في سوريا، لكنها كانت غير مناسبة واتسمت دائما بأنها خطوات أقل مما يجب وأتت متأخرة جدا. ونتيجة لذلك يعيش الكثير من المواطنين السوريين في حالة من المعاناة والحرمان الاقتصادي.
والقمع الذي يمارسه النظام يتسبب بعدم الاستقرار بالحياة الطبيعية في المدن والبلدات في أنحاء سوريا، ما ينجم عنه حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. وكنتيجة مباشرة للقمع، توقفت السياحة والاستثمارات، وانخفضت مستويات التجارة ودرجة الثقة، وبات المواطنون يفقدون وظائفهم. وطالما استمر فشل النظام بتطبيق الإصلاح وواصل أعمال العنف التي يرتكبها، فإن غالبية المستثمرين والبنوك والمستهلكين سيظلون حذرين بشأن أي علاقات عمل في سوريا أو معها.
إن العقوبات التي ينفذها الاتحاد الأوروبي هي رد على أفعال النظام. وهي موجهة بالتحديد ضد السوريين المسؤولين عن القمع العنيف لمظاهرات سلمية في أغلبها، وكذلك من يدعمون النظام. وهي عقوبات صيغت بكل حذر بحيث تقلل تأثيرها على الشعب السوري لأدنى حد. إن غالبية عوائد بيع النفط تذهب مباشرة لجيوب الحكومة، وتستخدم لتمويل قوات الأمن. وبالتالي فإن فرض عقوبات على قطاع النفط يجعل من الأصعب على النظام تمويل أعمال القمع والعنف التي ينفذها.
لقد أعلنت الحكومة سلسلة من الإجراءات الاقتصادية في بداية الأزمة (من قبيل زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومي) تهدف لشراء التأييد، لكن الحكومة ليس بمقدرتها دفع هذه الزيادة. وفي 23 سبتمبر (أيلول) أعلن النظام حظر الاستيراد. لكنه ألغى قرار الحظر بعد أسبوع بسبب تأثيره الكارثي على الشركات العادية والمواطنين. إن هذه الإجراءات الاقتصادية غير المدروسة، مصحوبة بحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تثيرها الحكومة، تتسبب بأضرار للمواطنين السوريين أكبر كثيرا من أي عقوبات مفروضة على سوريا.
الرابط الأصلي للمقال:
http://www.fco.gov.uk/ar/global-issues/middle-east-north-africa/syria-unrest/reform-myths-facts
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية