أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عزيمة إلى الثورة...إلى فراس السواح و شركاه... مؤيد اسكيف*

أعتذر نيابة عن أهل درعا و أطفالها الذين انتفضوا في وجه جلاديهم , كما أعتذر نيابة عن أهالي المدن الأخرى الذين خرجوا تضامنا مع درعا بعد أن ظلت لأكثر من أسبوعين وحيدة تحت القصف ..

أعتذر نيابة عن كل السياسيين المعارضين وكل الفيسبوكيين و الناشطين الافتراضيين ..

أعتذر نيابة عن كل المندسين السلفيين الذين عبروا فورا عن معارضتهم الأخلاقية و الإنسانية قبل السياسية لممارسات النظام الوحشية و الدموية ..

هذا الإعتذار أوجهه لأصحاب " الجنس الثالث " اللذين فقدوا بوصلتهم فيزبدوا قليلا ضد النظام ليوجهوا بعد ذلك خناجر كلامهم في ظهور المتظاهرين الثائرين ..

و هذا الأسف أقدمه نيابة عن كل هؤلاء إلى السيد فراس السواح و فريقه الذي يحفل بالكثير من المتلونين , و منهم من يتحدث عن الكبت الجنسي في الوقت الذي تسيل فيه الدماء .. " و كلمتي كبت و سيلان متعاكستين تماما في المعنى و الاتجاه "

ذلك الفريق الذي فقد فيه أعضاؤه عقولهم و بوصلتهم ..

آسف لأن المتظاهرين لم يكونوا على مقاس أفكارك و مزاجك يا سيد فراس .. و آسف لك لأن أولئك الرعاع بحسب ذلك المقاس لم يأخذوا موافقتك و موافقة أمثالك قبل أن يخرجوا للشارع .. آسف لأننا نحن أبناء الثورة لم نكن عند حسن ظنك و آمالك , ولم نتمكن من التشبه بالنييوركيين الثائرين .. آسف لأننا نلبس قمصانا تباع على الأرصفة بمائة و خمسون ليرة سورية .. و لأننا لا نرتدي ثيابا من الماركات و بالتالي لا نفقه في مفاهيم المجتمع المدني و لا العدالة الاجتماعية و لا الحصافة العلمانية ..

نأسف نحن أبناء الثورة لأننا لم نتمكن من أن نكون " كول " ونمتلك " هاي لوك " .. نأسف ..لأن سحنة القاشوش و إيقاعاته لم تطربك .. و نأسف كذلك لأن علي الديك لم يشاركنا هتافاتنا و لا أغانينا ..

نأسف لأن جورج وسوف أو صباح فخري و غيرهم لم ينشدوا في ساحاتنا .. ولم يشاركونا آلامنا و يعبروا عن هتافاتنا .. نأسف لأنه لايوجد بين متظاهرينا " لوك " على شاكلة سلاف فواخرجي أو " سو كول " كباسم ياخور أو متلونا مثل عباس النوري ..

نأسف لأننا نموت و نحن نصرخ .. إذ يبدو أنه علينا أن نكتم شعورنا بالألم و نُدفن حتى بدون مراسم وداع تليق بإنسانيتنا .. دون أن تبكينا علينا أمهاتنا أو أصدقائنا .. نأسف - يا سيد فراس -  أننا نتعاطف  مع من يقتل سواء من المدنيين أو ابنائنا في الجيش ممن زجّ بهم في معركة لأجل كرسي السلطان ..

لكن ..  لن نأسف يوماً .. أننا أردنا ألا نكون قطيعا .. لن نأسف أننا أحرار ..

مع ذلك ..

نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف لأننا نخرج من الجوامع و ليس بمقدورنا أن نخرج من نقابة المحامين أو الفنانين أو نقابة شوفيرية السرافيس و التكاسي ..

نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف لأننا اعتدنا أن نقول يالله إن كنا جالسين و أردنا النهوض .. نأسف إن كنا قد اعتدنا مناجاة الله في أوقات المحن ..

نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف لأن اللغة لم تعد تساعدنا على صوغ عبارات تؤكد بأننا لسنا طائفيون .. نأسف لأننا لم نتمكن من إقناعك – يا سيد فراس - بنبل قضيتنا و صدق مشاعرنا الوطنية , و أننا لا نحمل أجندة سلفية و لا أخرى إخوانية ..

نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف أننا نردد ما علمنا إياه أجدادنا السوريين .. إذ نأسف أنك لم تقرأ ما قاله الحكيم " أحيقار " وزير الملك سنحاريب في القرن السابع قبل الميلاد:

" يا بنيّ .. الموت خيرٌ لرجل لا راحة له .. الموت أفضل من الحياة المرّة .." وهو القول الذي ورَّثه لأحفاده السوريين : الموت ولا المذلة ، والذي أصبح شعارا عالميا بلكنة سورية .

ولن يفوتني- يا سيد فراس - أن اقول لك بأن اليهود قاموا بسرقة هذا الشعار الأخلاقي و بإمكانك أن تراه في " ابن سيراخ 30 : 17 "

نأسف أيضا إذ نأسف منك و من كل توغلك غير المجدي في الحضارة السورية القديمة الذي لم يترك فيك أثرا , ولم يستنهض سوريتك , إذ لم يتنامى إلى مسمعك ما ردده الحكيم أحيقار ذاته حينما قال : يا بني : إن الأثيم يسقط و لا ينهض , و البار لا يتزعزع لأن الله معه ..

وقد تناهت أصداء هذا القول على حناجر الشارع السوري : إن الله معنا . ألم يأتيك ذلك الإيقاع الذي يقول إن الله معنا ؟

لا أعتقد ذلك لأنك تشاهد القنوات المغرضة ..

عزيزي فراس .. واسمح لي برفع الكلفة على اعتبار أنك ثائر قديم في " نيويورك " وبالرغم من أنه لم يعتقلك أحد هناك أو يشتمك أو يتهمك بالإندساس و الشرق أوسطية ,إلا أنك تعتبر زميلا في العمل الثوري , و إن كنت لم تشارك في ثورة ابناء وطنك .. اسمح لي أن أعزمك على ثورتنا أنت و " بني تيارك " و حينها سوف يكون لكل ملاحظاتكم ونقاطكم العشرة أو العشرين و تعليماتكم و تنظيراتكم كل الشرعية و القبول ... هات سلة أفكارك العلمانية التي أنتهجها و تعال معنا .. بالطبع سوف تنال هذه السلة تلك الشرعية حينما تخاطر " بنعمة التنفس " التي قد يقبض عليها " شبيح " أو عنصر أمن لن يعترف بكل مواقعك الأكاديمية .. و إذا حدث و سأل عن اسمك فسوف يعتقد أنك سائحا فيتركك .. وهذا لن يحدث .. و لكن إياك و أن تخبره أنك كتبت " مغامرة العقل الأولى " إذا كان هناك ثمة متسع لحديث .. لأنه سوف يعاني في فهم تلكم الكلمات الثلاث ... فيختصر الحديث و يقوم بمهمة عزرائيل ..

هذه العزيمة موجهة لكل من يعترض على الثورة و الدعوة عامة و مفتوحة .. ولا تحتاج لإبراز أي بطاقات .. رغم يقيننا بأن الثورات لا تحتاج لعزيمة .. إلا أني أعتقد أن البعض يعمل بالمثل القائل : " يلي بيجي بدون عزيمة بيكون بلا قيمة" ..

و نحن نريد لكل مدعويينا أن يكونوا معنا بكامل قيمتهم و مكانتهم ..

إنه لمن المعيب حقا أن توصم ثورتنا بأنها دينية أو سنية أو طائفية , و لسنا بحاجة لتأكيد ذلك في كل مرة , فثورتنا وطنية و كل من ينأى بنفسه عن هذه الثورة فيمكن وصفه باللاوطني ، وإن ذهبنا صعدا في الوصف يمكن نعته بالطائفي ، أو حتى الحائن للوطن و لدماء شعبه بل إنه راضٍ عن القتل .. و المبرر الذي يسوقه البعض بأنه يجب قتلنا كي لا نقتلهم فيما بعد تأكيد على الطائفية المعشعشة في رؤوسهم ..

فيا عزيزي الطائفي و " هذا الكلام ليس موجها لك يا سيد فراس بالطبع لأني افترض أنك صرت منا و فينا .. فضلا عن أنك لست طائفيا " لا يمكن أن نظل رهينة للجلاد من أجل مخاوفك الطائفية و ليس مبررا أن نسلم رقابنا لثلة من اللصوص و مصاصي الدماء و القتلة , من أجل تلك المخاوف و الأوهام .. ففي سوريا بحسب اعتقادنا و التي يحاول أن يمزق جسدها ديكتاتور و يعمل الدم على توحيد جهاتها على إيقاع قلب شعب واحد .. لدينا طائفتان .. واحدة تقرأ عن الحرية و الثورة و التحليل السياسي و تستنهض تاريخ سوريا و تستقرأ مستقبلها و تثور بوجه الظلم .. و الثانية غارقة في رمي الاتهامات و اجترار عبارات مستهلكة عن المؤامرة و السلفية وإضعاف عزيمة الأمة التي علمهم إياها النظام الذي انتهت صلاحيته ...

بالمناسبة .. يقوم الكثير من المتظاهرين بالاستفسار منا عن معاني دولة المجتمع المدني و ماذا يعني مفهوم دولة المؤسسات ..

إنه لغريب فعلا أن يعتقد البعض أنه علينا أخذ موافقتهم قبل أن نكتب أي شيء أو قبل خروجنا للشارع و نحن نضع أرواحنا على أكفنا .. و يمتعضون من طريقة تفكيرنا المغايرة لهم و المختلفة عنهم و كما أنه علينا أن أن نكون على مزاجهم .. هؤلاء هم الأشخاص التقليديون غير المعتادون على أنماط جديدة للحياة و طرائق التفكير .. لكل منا أن يؤمن و يفكر كما يريد .. طالما لا يعتدي بشكل شخصي على الآخر.. و ثورتنا تأتي في سياق رفضنا لطرق التفكير النمطية التي حاول الجلاد ترسيخها ..

أيها السوريون الصامتون .. أيها السوريون المتلونون .. أيها السوريون الخائفون .. فلتمتد الثورة إلى عقولكم و قلوبكم .. فلتمتد الثورة إلى أرواحكم ..

و هنا لا بد من توجيه كلمة لأولئك المتفزلكين و المنظّرين و أن نطلب منهم أن يكفوا عن التبويق .. و نتمنى منهم أن يجيبوا على السؤال التالي:ما الذي تتوقعونه من ضحايا هذا العنف؟ و مالذي تتوقعونه ممن قتل أخاه أو رأى قنبلة حارقة تدخل صدر زميله ؟ فضلا عن الجثث التي قطعت ؟

لا بأس سوف نحاول تهدئتهم و إقناعهم بأن القانون هو السبيل الوحيد لمحاكمة القتلة و ندعو الجميع ليقوم معنا بهذه المهمة و العمل على نشر الوعي القانوني و الحضاري في مثل هذه الحالات .. و لكن أرجو من " النعامات " عدم " الشوبرة " و " الجعجعة " كلما رأوا سكينا أو " ساطورا " بيد أحدهم و غض الطرف عن الآلة الوحشية لقتلة و مجرمين بلا ضمير وبلا أخلاق ..و بالطبع هؤلاء يعرفون أنفسهم تماما تماما..

من جهة أخرى فإنه لا بد من التنويه إلى أنه حينما يصبح الدم جزء من الذاكرة فهو يدخل في تشكيل الهوية .. و الدفاع عن هذه الهوية و الشعور بالانتماء يقتضيان أن يكون هذا العبئ .. عبئ المأساوي . محسوسا و منقولا .. و ما بين هذا و ذاك فإن الانتاج الإبداعي المحمل بالقيم الأخلاقية يكمل ما أحدثه الدم في تشكيل الوعي الجديد ..ولهذا الأمر إرهاصاته و تعقيداته و التي تبدأ مع حل اللغز في كلمة " معرفة " ..

إن كلمة السر للعبور إلى الحرية تكمن في المعرفة و هذه المعرفة تعني أن " نعرف " أن هناك ظلم و استبداد .. أن " نعرف " أن هناك ذل و عبودية , أن " نعرف " أن الوطن تحول إلى بسطة لعائلة و بعض المنتفعين , أن " نعرف " أن بديهية الفيزياء تقول بأن الفعل يقابله رد فعل , أن " نعرف " أن ما كان يعيشه المجتمع السوري هو ركود و ليس استقرار , أن " نعرف " أن النظام يجب أن يرحل .. أن " نعرف " أن التغيير حتمي وليس رفاهية , أن " نعرف " أن هذا التغيير لا يأتي بالتمني و إنما بالعمل .. و أن " نعرف" أن بشار لا يمكنه إصلاح ما أفسده هو و أبوه و عائلته و نظامه .. و أن " نعرف " أن الحرية هي قدر سوريا القادم ...و يبدو أن مصيبة البعض هي ضياع كلمة السر لديهم .. أفلا يعرفون ؟

أخيرا .. إن الأسباب التي تدعو لإسقاط النظام كثيرة و أعتقد أنها لا تحصى ، و لكن وبغض النظر عن كل تلك الأسباب التي تدعو لأن نكون معارضين .. فإن فشل النظام في إدارة الأزمة و تخبطه و إتاحة الفرصة للغريب بالتدخل كفيل بأن يعلن الشعب السوري معارضته ، وأن يطالب باسقاط نظامه ..

إن سوريا بعظمة تاريخها ، لا يمكن لها أن تقبل بأن يتسيد عليها طغمة من الحرامية واللصوص ، والبسطاتية .

 

بوح أخير :

يا مريمَية اللغة

سأنفخُ من روحِ كلامي في رحمِ حروفِكِ
بوحاً سرمدياً
ليتشيأَ ابناً بهياً .. ظلّهُ بهيٌ ..
أنجبيه تحتَ الشمس .. لا في المنام ..

 

 *صحفي و ناشط سوري

 

(103)    هل أعجبتك المقالة (106)

أحمد الشامي

2011-10-25

خير ما قرأت في نقد المثقف المتفزلك.


فارس الحمصي

2011-10-25

رائع ما كتب في هذا المقال ونضيف ماقاله شيخ المناضلين ابو هشام قلما تخطىء النخب في التفاصيل فهي تنهمك فيها لدرجة ان تحيد عن بعض المبادىء بينما من المؤكد ان يخطىء السطاء الشرقاء في بعض التفاصيل لكنهم ابدا لن يتوهوا عن المبادىء ، اما انجلز فقال اذا ارادت ان تكون تافها فا عليك الا ان تدير ظهرك لالام البشرية فكيف اذا كانت آلام بني وطنك؟.


ناصر

2011-10-26

مقال مميز جدا ... اختصرت فيه الكثير .. شكرا والف شكر لك.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي