دكتوراه في الاعلام - فرنسا :
لم يصبني أي خيبة أمل من موقف الجامعة العربية المشين من الثورة السورية، فهذا دأب هذه الجامعة المغدورة، التي لم تمثل يوماً الشعوب العربية وهمومها، ولم تعبر عن تطلعات تلك الشعوب.
ومع ذلك استبشرنا خيراً بانصراف السيد عمرو موسى عنها. لكن الحكام العرب يعرفون من يختارون لأمانتها. ولقد ظن كثير من المراقبين أن نبيل العربي سيقلب الجامعة رأساً على عقب وسيجعلها أداة فعالة في إذكاء الربيع العربي. لم يلحظ القوم، للأسف، أن العربي، كان موظفاً حكومياً في عهد حسني مبارك، وأنه من الحرس القديم، وأنه لا يحب الثورة والثوار.
لقد كان واضحاً من أول زيارة قام بها الرجل إلى سورية أنه يحب القادة ويحب التقرب منهم، فقد صرح في دمشق أن سورية ماضية في الإصلاحات، وأن الأوضاع إلى تحسن. ومع كل الانتقادات التي تعرض لها من الشعوب العربية على خلفية تلك التصريحات، إلا أنه كان كعمر موسى أو لنقل كان كمعظم الحكام العرب لا يلقون بالاً لانتقادات شعوبهم، فهم يعرفون أن تلك الشعوب تكرههم، ويعرفون أنهم يحكمون البلاد بالنار والحديد، لا يراعون في ذلك رغبة أحد.
مرة أخرى يطلب نبيل العربي القدوم إلى دمشق، وتتفنن الحكومة السورية في إهماله، وتأجيل زيارته. حتى قال قائلنا بأن الرجل سيسمع الأسد ما لا يطيق الأخير سماعه. وما هي إلا ساعات بعد اللقاء، إلا وكتب نبيل العربي تقريراً يشيد فيه بالتحسن الذي تحقق في سورية وبالإصلاحات التي تبناها الأسد.
لم يلحظ نبيل، أن مئتي طفل سوري قتلوا برصاص الأمن، أو خلال التعذيب، ولم تهتز مشاعره لاغتصاب الفتيات وتقطيع أوصالهن. ولا لعشرات الألوف من المعتقلين الذين يتوجب عليهم أن يشهدوا بأن بشار رب الأكوان.
عندما تنادى العرب إلى اجتماع طارئ لمناقشة الشأن السوري، فرح الثوار في سورية وفرحت الشعوب العربية، وبدأت الأحلام والأماني، وذهبت تلك الآمال إلى حد الاعتقاد بأن الجامعة ستجمد عضوية سورية وستعترف بالمجلس الوطني السوري. ولكن هيهات هيهات. فقد بدأ يوسف الأحمد مندوب سورية الدائم لدى الجامعة حديثه بالهجوم على الدول العربية وإهانتها، واتهامها باتباع أجندات خارجية، وغمز من قناة الدول العربية جميعها، حتى ظننا أن رئيس المؤتمر سيطرده من الاجتماع.
لكن الذي حدث أنه ومرة أخرى دافع نبيل العربي عن النظام السوري، وكذلك فعلت بعض الدول، التي نتوقع أن الثورات ستطيح بقادتها قريباً. ونسي هؤلاء الذين يتكلمون عن الإصلاح قتل الأطفال في سورية وصرخات الأمهات اللاتي فقدن أبناؤهن. نسوا آلام والدة حمزة الخطيب، وعائلة إبراهيم الشيبان ونسوا ثلاثة آلاف شهيد.
جاء البيان الختامي معيباً ومثيراً للاشمئزاز، كهذه الجامعة المغدورة نفسها، ولربما أن الحكومة السورية لم تكن تطمح لأفضل من ذلك، فقد أعطي النظام خمسة عشر يوماً جديدة ليقمع فيها الشعب ويمعن فيه تقتيلاً. وترك الشعب السوري وحيداً مرة أخرى دون أية مساعدة.
نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي قال في رده على سؤال الجزيرة حول الحوار المطروح في البيان الختامي، إن أي مشكلة في الدنيا ولأي شعب وفي أي دولة إنما تحل بالحوار، فسألته الجزيرة فلماذا لم تتبنوا ذلك الحوار في الحالة الليبية، فلم يستطع الإجابة، وتكلم عن أن لكل دولة ظروفها، وهو لم ينته بعد من القول بالحوار في أي دولة وفي أي مكان.
خمسة عشر يومأ جديدة، ستسمح للنظام السوري بقتل عدة مئات من المتظاهرين واعتقال بضعة آلاف، ويصرح نبيل العربي، أنه قابل معظم أطياف المعارضة السورية، وأخبروه أن تجميد عضوية سورية في مجلس الجامعة لن يخدم الشعب السوري، هذا في الوقت الذي أكد فيه أعضاء المجلس الوطني الموجودون في القاهرة، أن العربي لم يقابل أحداً منهم ولم يسمع منهم أصلا. فمن قابل إذاً؟ لعلها تلك المعارضة التي تشبه العصابات المسلحة في سورية والتي لم نعرف حتى اليوم أصلها وفصلها ومن أين جاءت.
غريب هذا الأمر لماذا يفعل نبيل العربي هذا، ولماذا تفعل الجامعة هذا؟ هل لأن الصهاينة يريدون استمرار حكم الأسد؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية