( رب شرارة احرقت السهل كله ) كلمات قالها ماو سي تونغ عن حركة الشعوب ونضالها التحرري من احتلال خارجي , أوطبقي للتخلص من اضطهاد داخلي تمارسه سلطة بحق شعبها .
وبما يقارب العام على انطلاق الشرارة ضد طغمة الحكام على يد التونسي (أبو عزيزي ) ,أخذت تمتد على مساحة الصحراء العربية السياسية , وسقوط نظامي تونس ومصر بسرعة أذهلت كل المراقبين والسياسيين موالين ومعارضين داخليين وخارجيين , أو مخططين لسياسات عالمية كونية حسب ما يدعي البعض .
المشترك الوحيد بين القوى التي زالت أو المرشحة للزوال , هو وجود المؤامرة والفتنة القادمة دائما من الخارج , واعتبار الداخل المعارض دائما يعمل على أجندة خارجية , وأهداف مؤامرة عالمية ستطيح بهذا الكيان أو ذاك , وحتى أولئك الذين استلموا مناصبهم بعد ثورة لدى الكثيرين من المراقبين والحاكمين شكوك بأهدافها ومسيرتها , تتهم بعض أبناءها المطالبين بالمساواة والتصحيح بالارتباط بمخططات خارجية والعمل على فتنة داخلية .
بدأ الحريق في أفريقيا العربية , وخمد في تونس ومصر ولم تزال النار تحت الرماد فيهما ومشتعلة بلهيب عال في ليبيا واسيا العربية اليمن , وبداية اشتعال في كل من البحرين وسورية , وكما يقال في المثل الشعبي ( الحبل على الجرار ) لباقي الكيانات الغربية أسيويا وأفريقيا وقد تمتد هذه الحرائق لتطال أكثر بلاد العالم ربما ديمقراطية وعدالة اجتماعية , فما يجري هو مسيرة ديمغرافية كونية نشهد فصولها على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي
الذي كان مفقودا في الأزمنة الماضية .
سرعة انتشار الأحداث جعلت الموالين والمعارضين في كل بلد أو قطر على حد سواء في وضع لايحسدون عليه , لما يمتلكون من الأنا غير شكل من قبل النظام أو المعارضة على حد سواء , و وان وجدت فهي مبعثرة وهجينة وغير متماسكة وليس لها أهداف واضحة ومحددة , بسبب طول فترة القمع التي تعرضت له عبر ما يزيد على ستين عاما في سورية تحديدا وهذا ما يعنينا في المقال , حيث غابت الحياة السياسية عشية قيام الوحدة المصرية السورية عام 1958 وليس عشية استلام البعث أو حافظ أسد السلطة . بل هم استمرار لتجربة عبد الناصر الاقصائية لأي وجه معارض .
فوجئت كباقي ملايين السورين بشرارة سورية التي انطلقت أساسا من ساحة الحريقة بدمشق بشعار ( الشعب السوري ما بينذل) واعتبرتها السلطة آنذاك حدثا عاديا لايستحق الدراسة والتقويم على اعتبار النظام الممانع والداعم المقاومة (غير شكل ), ليكبر الحريق في مدينة متوسطة( درعا ) وبلعبة صبيانية صغيرة وحدث عابر , وتلكؤ المسئولين في معالجته بما يستحق من الاهتمام , أدى الى ما نحن عليه اليوم من قتل وقتل متبادل وتحت تسميات مختلفة , وردود أفعال غاضبة ومنتقمة و غالبا سلبية , أدخلت البلاد في نفق المجهول والذي غالبا ليس الخروج منه سريعا أو سهلا كما يدعي البعض , فما حدث في الحريقة ودرعا كانت الشرارة التي انتقلت الى الأرض السورية وبدأ الحريق , الذي سيكون له أشكال متعددة , ولم يعد فريق واحد قادر على الإطفاء لوحده بعد أن كان ذلك متيسرا في البدايات لولا تعنت المسئولين, لما وصلنا الى مانحن عليه اليوم .
فسوريا هي اليوم في قلب وضمير الربيع العربي وشعلته, وقد تكون رايته ومؤشره للقادم من الأيام بمرها وحلوها , إن كانت استجابة من النظام لمطالب الشعب نحو التحول بالتعددية السياسية والحياة الديمقراطية أو بالموت التدريجي والبطيئ لما هو قائم اليوم , فالتحول في سورية أصبح واقعا والمعارضات والمعارضين المشتتين من بداية عهد الوحدة المصرية السورية أخذوا يتلمسون الطريق , و لا يعيب المعارضات أو المعارضين عدم توحدهم , ولا يعيبهم أين مكان تواجدهم , فالمعارضة لم تزل في بداية التشكل , وتحتاج الى زمن كي تتوحد وتبلور مواقف مشتركة وموحدة لمطالبها , سيما انها بدأت بعد أن سبقها الحراك الشعبي الاجتماعي بحركة عفوية مطلبية محلية وعمرها ما يزيد عن ستة أشهر فيما عمر المعارضة في مصر ما يزيد عن ثلاثين عاما ولها صحفها وأحزابها وتجاربها على الأرض المصرية , وفي سورية كانت في المنافي والسجون طيلة الفترات الماضية , فلا حرج في التعدد والتباين والتنوع واختلاف الأهداف والرؤى السياسية المستقبلية لسورية .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية