من يحذر من حرب أهلية في سوريا واحد من ثلاثة..
أما إنه جاهل يهرف بما لا يعرف..
أو أنه لا يقصد الحرب الأهلية بمعناها المتعارف عليه،بل يقصد عنف ومواجهات..
أو أنه مغرض..!
أما الجاهل فذلك لأن الحرب الأهلية لا تحدث خبط عشواء، بل لها ظروفها الموضوعية التي تمهد لحدوثها ، لا يمكن إنكار وجود بعض هذه الظروف في المشهد السوري، لكن ينقص هذا المشهد أيضا عامل مهم جدا وأساسي في كل الحروب الأهلية في التاريخ الحديث ،وهو عامل أساسي بحيث إن غيابه قد يلغي إمكانية نشوب الحرب الأهلية أصلا، هذا العامل هو وجود نسب سكانية متقاربة ،دون غلبة كاسحة لمكون واحد، مما يساهم في التهيئة لتنافس محموم للوصول إلى المزيد من السلطة و مصادر الثروة والنفوذ..وهو التنافس الذي يمكن أن يتحول لصراع مفتوح ومن ثم حرب أهلية..
كل الحروب الأهلية المعاصرة فيها عامل النسب المتقاربة (لبنان ودول البلقان مثالان قريبان، كما إن وضعنا في العراق لم يكن قط بعيدا عن ذلك)..وهذا ليس مجرد استنتاج سريع بل لقد وجدت هذه الملاحظة في بعض الدراسات الغربية المتخصصة(خواجات يعني،من أجل أن يقتنع أصحابنا الانبطاحيون ممن لا يقبلون الآخر إلا إذا كان أشقرا وبعيون زرق)..بل إن بعض هذه الدراسات تتمادى في "الدقة!" لتضع أرقاما محددة(!) لنسبة الكتلة السكانية الأكبر، التي يمكن أن تحدث الحرب الأهلية بوجودها..لكني لن أذكرها لسخفها..فالمجتمعات البشرية تحكمها قوانين عامة نعم ولكنها ليست موادا كيميائية يمكن التحكم بنتائج معادلاتها على نحو دقيق..(ومن لا يفرق بين الأمرين جاهل أيضا ،لكن هذا أمر آخر)..
الهند، على سبيل المثال، نموذج على عدم حدوث حرب أهلية، لا علاقة لسلمية غاندي بالموضوع فالهند التي كان فيها غاندي عرفت حربا اهلية وتقسيما و تطهيرا عرقيا، لكن هند ما بعد التقسم ، لم تحدث فيها حرب اهلية رغم وجود عدد كبير من المكونات العرقية فيها ، ورغم وجود فقر كبير (وهو العامل الذي يعتبره بعض الباحثين أساسيا أكثر من نسب السكان)..لم لم يحدث ذلك في الهند؟..لأن المكون الأكبر (=الهندوس) يشكلون حوالي 80 % من السكان، مقابل 10% للفئة الثانية في الحجم (المسلمون في هذه الحالة)..(هل تذكركم هذه النسب بدولة ما؟ وأنا أيضا-لكن مع التبادل في المواقع عقائديا!)....
إذن من يتحدث عن حرب أهلية لم يتعب نفسه بالبحث عن العوامل التي تؤدي لها..إنه يحذر فقط !..وصفة "جاهل" ستكون مناسبة له..
النوع الثاني قد يحذر من الحرب الأهلية لكنه لا يقصدها حرفيا بل يقصد التحذير من إندلاع عنف وحدوث مواجهات مسلحة...
التحذير قد يكون صادقا، لكنه كالتحذير من حدوث الخسوف في القمر او الكسوف في الشمس..لا شيء يمكن أن يغير من حدوثه،هذه الدرجة أو تلك من العنف (أو من استخدام القوة) عند حدوث تحولات كبرى خاصة عندما يكون الواقف بوجه هذه التحولات نظام قمعي استبدادي كالنظام السوري..لا يوجد مثال تاريخي واحد (ولا حتى مثال واحد) على تحول حدث ضد نظام قمعي استبدادي كالذي في سوريا دون أن يحدث هذا الذي يحذرون منه، كنا نتمنى أن تكون الأمور وردية وسلمية كما حدث في مصر وتونس، لكن أي مدرك طبيعة النظام كان يعرف إنه أقرب للقذافي منه لنظام مبارك !...
نعم،سيحدث هذا الذي يحذرون منه من إندلاع لعنف ومواجهات (وقد حدث فعلا لكن من طرف واحد حتى الآن) ولكن الأمر سيبقى محدودا بالمدة والمكان، سيعرف هؤلاء الذين يحاربون التغيير إن عليهم الجلوس للتفاوض..وسيفعلون مهما بدوا اليوم "زعرانا بلا حدود"..
النوع الثالث هو الأخطر في رأيي..
لأنه غالبا ما يروج ضمنا للإبقاء على النظام عبر تخويف الناس (التي ليست بحاجة إلى تخويف أصلا!) من عواقب زوال النظام..وهكذا يتم القبول بصفقة تضمن بقاء راس السلطة مع الوعد بإصلاحات (وقد تم فحص من يصدق بهذه الوعود -دون أن يكون مستفيدا من النظام -واكتشف إن هذه الفئة ليس لها أي مهارات تفكير على الإطلاق! بل ليس لها أي قشرة دماغية أصلا!) ...
المغرضون الذين يروجون لإحتمالية حرب أهلية ،يروجون ضمنا إلى أن سوريا كانت قبائل متناحرة قبل أن ياتي النظام الأسدي ويوحدها على كلمة رجل واحد، وإن سوريا كانت مجموعة دويلات قبل أن يوحدها النظام في دولة واحدة !...
لن تحدث حرب أهلية في سوريا.
لكن سيحدث استخدام للقوة مصاحب للتغيير..
كما يحدث مع كل الخلق في العالم...عندما يواجههم نظام كهذا !
لاحرب أهلية في سوريا... الدكتور أحمد خيري العمري

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية