قرأت الكثير عن سوريا، اطلعت أيضا على تاريخ الديكتاتوريات في العالم ووجدت أن لا نظام استبدادي في التاريخ الحديث وصل إلى ذروة ما وصل غليه نظام الأسد الابن. دعونا نكون صرحاء : ما يجري على يد "حماة الديار" وشبيحة وأمن بشار ليست حالة وليدة صدفة، بل موروث دموي تم الاشتغال عليه لسنوات وربما عقود، ومن يعتبر أن 7 شهور أو سنة وسنتين من عمر ثورة شعب هي مدة طويلة وتحمل الكثير من التضحيات فعليه أن يراجع حساباته منذ الآن.. لا ثورة تنتصر بوقت محدد وبدون تركيز عليها حتى لا تصبح نصف ثورة فتأكل شعبها.
الأسد يهدد أوغلو..
نشر موقع "أخبار بلدنا" الأردني كشف فحوى اللقاء الذي دار بين الرئيس السوري بشار الأسد ووزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو قبل نحو شهرين، وفيه- بحسب مصدر عربي كبير- أن الرئيس السوري ابلغ أوغلو أن سوريا قادرة على إشعال الشرق الأوسط خلال ست ساعات فقط!
في التفاصيل المذهلة: سيحرك بشار الأسد شيعة الخليج وسيتحول الشيعة حول العالم إلى مجموعات انتحارية تضرب أي شيء تصل إليه.. سيجري إغلاق الممرات البحرية وستقوم سوريا بتحريك صواريخها نحو الجولان لتدك تل أبيب وسوف يمطر حزب الله إسرائيل بما لا يتوقعه العالم.
ما قاله الأسد لأحمد داوود أوغلو هو التالي " إن قوى عظمى كبيرة تدرك كل الإدراك أنه مع أول صاروخ يسقط فوق دمشق لأي سبب كان، فإنه بعد ست ساعات من سقوط هذا الصاروخ، سأكون قد أشعلت الشرق الأوسط، وأسقطت أنظمة، وأشعت الفوضى والحرائق قرب حقول النفط الخليجية، وأستطيع أن أغلق المضائق المائية العالمية.. لا تظن إنني أبالغ دوائر القرار في بلدك وفي بلاد أخرى تدرك إن كنت أقول وأفعل أم أقول فقط. وأمام الحيرة والارتباك الذي ظهر على محيا أوغلو تابع الأسد حديثه: تعرف أميركا كيف ساعدناها على إسقاط نظام صدام حسين لأننا كنا نريد ذلك" ( استنادا لناقل هذه المعلومات)
ببساطة شديدة يعترف الأسد ها هنا بأشياء ينكرها أبواقه:
أولا، لدى نظام الحكم في سوريا خبرة واسعة في مساعدة "الإمبريالية" ومن منطلق " قومي عربي" / إذا أراد!/ على تدمير بلد عربي كالعراق مثلا.. ثم التباكي السمج على الاحتلال الأميركي هناك وأخذه رهينة مثل للشعب السوري لكي لا يرفع رأسه مطالبا بزوال نظامه!
في هذا الاتجاه الذي قد لا يحتاج إلى الكثير من الإثبات يصبح عقيما جدا نقاش المتباكون على ضياع العروبة والقومية العربية إذا سقط نظام الأسد.
ثانيا، يتبين من حديث الأسد الابن أن "حماة الديار" وتوابعه في لبنان كانوا يملكون قدرات ضرب إسرائيل وربما تحرير الجولان بساعات قليلة، وهذا يعني أن مفهوم الممانعة يصح فيه القول: إنها ممايعة لسيران الدم في استدامة البقاء!
ثالثا، حن يقول الأسد " سيتحول الشيعة في العالم العربي إلى مجموعة فدائيين انتحاريين صوب كل هدف يرونه سانحا، وسيخطفون طائرات شرق أوسطية". فهو يفترض أنه قادر على سلخ الشيعة من عمقهم العربي نحو قفصه الطائفي المذهبي، وهو أمر مشكوك فيه ويشكل إهانة لا يقبلها الكثيرون من الشيعة أن يُقال عنهم أنهم بيارق بيد الديكتاتورية في دمشق.
بالطبع هناك جملة من الملاحظات على ما يردده "النظام العلماني" المستخدم للغة "أقلوية وأكثرية" لتبرير فاشيته وبث الطائفية ومن ثم تحميل القتيل مسؤولية قتله.
لكنني سأفترض بأن ما تم نقله على لسان الأسد صحيح وأن قدراته التي يملكها عجزت عن الرد على كل الإهانات الصهيونية وخرق متكرر للسيادة الوطنية في سوريا ولبنان بحثا عن "الوقت والزمان المناسبين" الممنوعين من الصرف أبدا.
فهل حقا يعتقد هذا الديكتاتور أن المسألة تستحق كل هذا العناء ليجرب حظه؟
بل الأهم لما كل هذا؟
بات واضحا وجليا بأننا لسنا أمام نظام يشبه الأنظمة التي عرفناها في تاريخ الفاشية، هنا لدينا نموذج يذهب في تفوهاته إلى حد الاستماتة في البقاء لمجرد البقاء وليس لهدف أسمى متعلق بالإنسان وكرامته وحريته وتحرر أرضه وسيادته وليس سيادة عصابة حاكمة.
ففي مثل هذا النظام الذي يملك ديناميكية استدامة القتل والكذب يصير الهدف من التهديد المتسع الدوائر " اتركوني أفعل ما أشاء وما أريد وإلا.."، وما من شك بأن هذه المسحة من الجنون لا تصب في مصلحة لا البقاء ولا الاستدامة. لقد جرب طغاة في التاريخ الكثير من الأساليب ولم ينجحوا في تخليد ذكراهم سوى بأنهم طغاة. وما ظننت أن الأسد الصغير يملك قدرات هتلر ولا فائدة من تنظير الأسد المذهبية فيها فائدة لتقابل الآرية عن النازية. فبرغم أن هتلر ما سفك دماء شعبه إلا أن الألمان تركوه ينتحر في مخبأه السري.
وهم أسدي كبير
يتوهم الأسد بأن خدماته الجليلة للمحتل الأميركي للعراق ستنقذه، ويتوهم أكثر إن ظن بأن حزب الله ونظام طهران قادران على تغيير قدره المحتوم، إذ لا أظن أن العالم العربي ولا المحيط الإقليمي سيترك الجنون يأخذ مداه قتلا وترويعا وإرهابا للبشر السوريين قبل غيرهم. لو تعلقت المسألة بأن نصدق قصة ضرب إسرائيل لكنا نمارس الجنون إياه، ليس لقلة حيلة بل لمعرفة بدهاليز العقل الفاشي في دمشق، فهو أجبن من أن يرفع سلاحه بوجه أسياده أولا وداعمي نظرية "الممانعة " ثانيا.
يشيع هذا الأسد بان إسرائيل ضده، لكن الواقع يشير إلى أن إسرائيل في البداية راهنت على بقائه ثم اكتشفت مثل البقية أنه أصبح عبئا عليها، ثم حين تنهار كل الروايات المرددة على ألسنة "المحليين الإستراتيجيين" اللبنانيين والسوريين المستمدة من موقع خضر عواركة وفيلكا إسرائيل يصبح هناك سؤال جوهري :
هل بالفعل يعمل النظام الخليجي العربي على إزالة هذا النظام؟ وما هي الخطوات التي قام بها غير تقديم كلام مستهلك من الإدانة لقتل الناس وضرورة وقفها؟ فقتل الناس بالطبع يستدعي وقف هذا القتل، لكن هل الاستدعاء هذا كلف شيئا؟ هذا سؤال يدركه السوريون في العمق ويعرفون إجابته وإلا لكان هناك شيئا ما اتخذ عمليا مقابل ما تقوم به طهران تصريحا وعملا لإطالة أمد بقاء الأسد في الحكم.
إذا ما ربطنا بين هذا المنقول عن الأسد وما تم نقله أيضا على لسان صهره آصف شوكت للملك الأردني من تهديد صريح بقصف مدن أردنية بصواريخ سكود، فنحن إذا أمام عنتريات أخرى من عنتريات نظام يفلس شيئا فشيئا.
لا أظن أن الأسد أكثر خبرة وعمقا من نظام الشاه وبالتالي مهما كانت قوته وقدرته على التلاعب فهو أقل ذكاء من الإفادة من تجربة ماثلة من التاريخ الحديث، وبالرغم من ذلك نقول : نعم قد يستخدم الأسد صواريخه ضد مدن عربية ومدن سورية وقد يطلق على العدو الصهيوني رشقات من جنوب لبنان، لكن وماذا بعد؟
هل يظن هؤلاء أنهم أذكى من القذافي مثلا؟
وهل يظنون أن العالم سيركع مثل مريديهم ومؤيديهم على صورة بشار ويبوسون الأرض تحت نعاله؟
أعتقد أن مسحة من جنون العظمة أصابت حكام دمشق الحقيقيين وهم قد غاصوا بدماء السوريين وورطوا طوائف معينة لكي لا تتراجع، لكن من المؤكد أن هذا السيناريو لن ينقذ مافيا الحكم في دمشق مهما فعلت.
مع الأيام سيفعل حجر الثورة السورية فعله في المياه التي كانت راكدة وأصبحت دوائرها تتسع أكثر فأكثر وبالتالي سيجد هؤلاء أنفسهم أمام تحد أكبر متعلق بسؤال وجيه عمن يفتعل "المؤامرة" بحق سوريا والعرب؟ الإجابة ستكون حاسمة من داخل سوريا وارتداداتها العربية هي الكفيلة بالتخلص من العقليات الفاشية التي باتت تطلق تصريحات جنونية تؤسس لهوس عبادة الفرد باعتباره قادر على تحدي كل شيء وهو غير قادر على تمرير الغرور القاتل حتى في مواجهة شعب أعزل وانتصارات زائفة في الرستن وتلبيسة وغيرها من مدن قنوات الدنيا والإخبارية السورية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية