أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خطاب الرئيس عباس بداية لمعركة شرسة ... رشيد شاهين

ليس هناك من شك في أن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة، أعاد للقضية الفلسطينية بريقها، الذي حاولت دولة الاحتلال ومن يؤيدها دوما إبقائها في الظل، بعيدا عن الأضواء لتبقى منسية، فلا ينتبه إلى مأساة شعب فلسطين أيا كان في هذا العالم، الذي تتحكم فيه بعض من دول يقودها مجموعة من الساسة، يفتقرون إلى الحد الأدنى من القيم والمبادئ، التي طالما تغنوا بها، ومن انها النبراس الذي يهتدون به في علاقاتهم الدولية والإنسانية.

لقد عبر الرئيس محمود عباس عن حقيقة المأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ إقامة دولة الكيان، وهذا ما استثار حفيظة المتصهينين في العالم، وسواهم الذين ارتضوا أن يكونوا مجرد أدوات في القبضة الصهيونية، وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى قادة دولة الاحتلال، الذين كان وقع الخطاب عليهم ثقيلا وغير محتمل فاخذوا يهددون ويتوعدون ذات اليمين وذات الشمال.

الخطاب الفلسطيني الذي صفق له العرب والعجم، والذي ربما انتظره كثير من أبناء فلسطين والعرب منذ زمن طويل، كونه جاء تعبيرا عن بعض مما يجول في خواطر هؤلاء، والذين اعتقدوا منذ زمن طويل، ان من الصحيح ان نخاطب العالم بطريقة فيها الكثير من الدبلوماسية، لكن شريطة ألا تكون هذه على حساب الحقوق والمبادئ والأهداف الوطنية، خاصة في ظل عجرفة غير مسبوقة للطرف الآخر من معادلة الصراع. وفي ظل ما خبرناه في هذا الإطار، عندما كان الخطاب الدبلوماسي الفلسطيني يواجه بمزيد من العنجهية والغرور واستلاب الحقوق ومصادرة الأراضي عدا عن المطالبة بمزيد من التردي والتراجع.

خطاب الرئيس محمود عباس، برغم انه لم يخرج عن سرد للواقع المعاش فلسطينيا، وبرغم انه لم يذكر إلا على شكل عناوين أو إشارات وتلميحات لحقيقة المأساة الفلسطينية، إلا انه كان صادما للكثير ممن سمعوه، وهنا يتساءل الكثير ممن سمعوا الخطاب، ماذا لو تكلم الرئيس عن تفاصيل هذا الواقع، وفصل بإسهاب المأساة الفلسطينية.

على أية حال، وبرغم ما أصاب أبناء الشعب الفلسطيني من "نشوة" بعد الخطاب، إلا أن الواقع يشير إلى انه لم يكن نهاية المطاف، لا بل يمكن القول بان هذا الخطاب هو بداية لمعركة دبلوماسية وإعلامية وتعبوية من الطراز الأول، ولسوف يكون الطرف الأمريكي ومن وراءه العديد من الدول الغربية التي يتزعمها قادة متصهينين موالين للدولة الاحتلال أكثر من بعض قادتها، وهذا ما كان واضحا على الأقل في مواقف الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة اوباما، وكذلك يمكن القول عن موقف المستشارة ميركل التي جندت الموقف الألماني لصالح دولة العدوان، من خلال التحريض واستغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة لبعض دول الاتحاد الأوروبي وفي المقدمة اسبانيا والبرتغال وغيرهما.

الملامح الرئيسية للمعركة القادمة سوف تتمحور بشكل أساس على العلاقات العامة والقدرة على متابعة التواصل مع جميع الأطراف المعنية بقضية التصويت في مجلس الأمن، خاصة في ظل موجة التعاطف المتعاظمة مع المطلب الفلسطيني، وفي هذا الإطار لا بد من تفعيل العلاقات العربية أيضا مع تلك الدول، ومحاولة استثمارها إلى أقصى حد ممكن.

كذلك لا بد من تفعيل العلاقات الفلسطينية مع الدول الصديقة في أمريكا اللاتينية والتي تميزت خلال الفترة القريبة الماضية بالمتانة والقوة، من اجل اجتذاب كولومبيا التي لا بد من العمل على تصويتها إلى جانب الموقف الفلسطيني حتى يتم حشد الأصوات اللازمة لاستخدام الفيتو الأمريكي، ونقول من اجل الفيتو الأمريكي، لأن في ذلك المزيد من "فضح" لهذا الموقف التاريخي المنحاز بشكل مخز إلى جانب العدوان وحرمان الشعوب من حقوقها، عل عكس كل الادعاءات الأمريكية الباطلة التي تقول بأنها تقف إلى جانب حرية الشعوب وانعتاقها.

بالإضافة إلى ذلك لا بد من العمل على استقطاب الموقف البوسني بشكل مؤكد، هذا الموقف الذي يبدو مترددا، هذا إن لم يكن محسوما بعدم التصويت لصالحنا، وعدم الركون إلى الصدف او الاعتماد فقط على بعض الاتصالات التي قد تقوم بإجرائها هذه المنظمة او تلك من المنظمات الدولية او الإقليمية المساندة للحق الفلسطيني. والعمل على فضح ما تقوم به إسرائيل من توسيع للمستوطنات ومصادرة الأراضي الفلسطينية، حتى ولو جاء ذلك على شكل إعلانات مدفوعة الأجر في وسائل الإعلام الأجنبية، في ظل عدم معرفة الشعوب الغربية لقضية المستوطنات.

وحول هذا الموضوع، فيجب ألا يغرن القيادة الفلسطينية مجموعات المتضامنين من الأجانب الذين نثمن عاليا مواقفهم، إلا أن هنالك لبس لدى المواطن الغربي في قضية المستوطنات لا بد من إزالته، من خلال إفهام هؤلاء ان هذه المستوطنات تبنى في أراض عربية فلسطينية، وليس كما تروج دولة الاحتلال من ان هذه تبنى في أراض إسرائيلية.

هنالك قضية بالنسبة للرأي العام الغربي " المقصود هنا المواطن العادي" تبدو غير مفهومة، عندما يصرح نتانياهو بأنه جاهز لاستمرار المفاوضات، حيث يبدو الطرف الفلسطيني هو الرافض لاستئناف المفاوضات، وعليه لا بد من العمل على إيضاح هذا الموقف للشعوب والرأي العام الغربي وليس فقط للساسة الغربيين، ويجب إيضاح ان المستوطنات لن تبقي للفلسطينيين أية أراض خلال السنوات العشر القادمة، وان عدد المستوطنين كان عند بداية المفاوضات حوالي مئة ألف مستوطن، وهو الآن وبعد كل سنوات التفاوض يزيد عن 500 ألف مستوطن.

لا بد من الوصول إلى الجامعات والكليات والمعاهد العليا وتشديد حملة المقاطعة الأكاديمية وشرح أسباب امتناع الطرف الفلسطيني عن العودة إلى المفاوضات للطلاب في هذه المعاهد حتى ولو كان من خلال محاضرات مدفوعة الأجر لمثقفين مناصرين للقضية الفلسطينية او على الأصح للحق الفلسطيني ويعتد بمواقفهم ودراساتهم وآرائهم.

كذاك لا بد من ان يعتبر كل سياسي فلسطيني وحزبي ومثقف جزء لا يتجزأ من هذه المعركة، وعلى الجميع ان ينخرط بها، لأنها تستهدف بعد ما يزيد على ستة عقود، وفي هذا المناخ الدولي المناصر للحق الفلسطيني، إعادة شرح المسالة الفلسطينية وإعادة روايتها للعالم، بعد ان استفردت إسرائيل طيلة تلك الفترة بالساحة الدولية وروت المأساة الفلسطينية بطريقة فيها الكثير من التشويه والتزوير وقلب الحقائق والتاريخ وكذلك الجغرافيا.

لا بد من الاتصال بشكل دائم مع كل الدبلوماسيين وممثلي الدول لدى السلطة الفلسطينيين، وكذلك لا بد للسفراء الفلسطينيين ان يقوموا بما هو أكثر من الانتباه إلى مصالحهم الشخصية، وان يخصصوا جزءا ولو يسيرا لقضيتهم العادلة. كذلك من المفيد الاتصال بالمثقفين والإعلاميين "المنصفين" من اجل شن حملة تتسم بالرواية البليغة التي لا تميل إلى التهديد والوعيد، بقدر ما تتميز بالهدوء وعدم اللعثمة، خاصة وان الحق الفلسطيني بارز وسهل الدفاع عنه والبرهنة عليه، ولا يحتاج إلى المراوغة او الدجل والتجميل وتزوير الحقيقة.

إذن، لا بد من القول، ان المعركة التي اعتقد البعض انها انتهت بالانتصار بخطاب الرئيس محمود عباس، هي في حقيقة الأمر ابتدأت منذ اللحظة التي انتهى فيها الخطاب، حيث شمرت الولايات المتحدة الأمريكية عن أذرعها، وكذلك دولة الاحتلال وكل الجاليات اليهودية في العالم، كما ان إسرائيل لم تتردد في الإعلان عن إقامة 1100 وحدة استيطانية جديدة ومصادرة مئات الدونمات لذلك، كما كشر الكونغرس الأمريكي عن أنيابه عندما قرر التوصية بإلغاء الدعم المقرر للسلطة الفلسطينية. معركة في حقيقة الأمر تتصدرها الولايات المتحدة وتخوضها بكل شراسة ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية، وعلى الفلسطينيين ان يتصدوا لها بكل قوة وبدون أدنى تردد.

3-10-2011




(108)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي