منذ ثلاثة عقود ونيف والحيطان في المحافظات والمدن والبلدات السورية كانت "ملطشة" لزعران ومنافقي النظام"شبيحة النفاق" ومنابر الدجل، لتدبيج آيات المديح بمعجزات القائد، ومكرمات القائد، إن ضحك أو تبسم، وان التقى بمسؤول أو جال على أي من المرافق محفوفاً بقطعان الأمن، تحت الحراب والنار، يحوفه أزلام الاستخبارات، تزدان الجدران على جوانب خط الرحلة الميمونة، وتقطع الطريق من فوق مكوب القائد بيارق العبارات المعلقة قسرياً على أعمدة متيبسة واجمة،وفي كل يوم تتجدد تلك الموالد من شعارات وعبارات وأشعار وتهاني الأمة بقائدها الملهم، المغوار المخلص، تفوح منها رائحة النفاق البين الذي لالبس فيه، حتى كادت جدران المدارس والمؤسسات الحكومية والمشافي والدوائر ومباني ومواقع الشركات الخاصة والمصانع ضحية مسكينةوكأنها أقيمت في الأصل لتنوء بمثل تلك التفاهات والتي أخذت من أنواع الخط جله، مزركشة كطواويس أهل فارس، وتتسابق الوزارات والهيئات والمؤسسات والمصانع والمحلات وحتى البنايات السكنيةفي تعليق مثل تلك اللافتات لتجنب سوء فهم ضابط استخبارات صغير في تجاهل مآثر القائد حتى باتت هذه الظاهرة جزءاً ومكوناً أساسياً في عرف السوريين، ومعظم أولئك يبادر لرفعها مرغماً لتجنب ويلات الآت والذي قد يفسر في غير مصلحته إن لم يجعل من جدران بيته أو دكانه أو مصنعه لوحات مرصعة بعبارات الولاء والمديح للقائد وحكمته وحنكته التي افتقدتها البشرية منذ أيام سيدنا سليمان ومن قبله أو بعده، ويعبر من خلالها عن حبه وولائه اللامحدود للقائد وأولاده وأحفاده حتى الرضع منهم، ومن يدور في فلكهم، ليكون في عداد الـ "منحبكجية"، ونيل صك الغفران التي يمنحها جهابذةالأجهزة الأمنية في محيطه،وعلى امتداد سوريا ترى انتشار هذه الظاهرة، وكأن كل المرافق أقيمت فقط لتكون دفاتر لشعارات تمجيدالقائد،وأدمن السوريون على تعليق صور القائد وأقواله المأثورة ليؤكد كل منهم للصوص وعسس النظام بأنه من طائفة الـ"منحبكجية"، وليؤمن نفسه من بطش جلادي أجهزةالمخابرات وماأكثرها.
وطوال العقود الماضية تحملت الجدران بصمت تلك المهمة حتى جاءت بركات الثورة ضد نظام القائد الذي أوهم نفسه كوريث للعرش، في خمس دقائق، أنه الطود الأكبر في رأس السلطة إلى الأبد... و"ياجبل مايهزك ريح"...!! وكانت فرصة الجدران والحبطان واللافتات المشنوقة على الأعمدة في الساحات وعلى مداخل البيانات، وأصنام القائد الكبير والصغير وما بينهما تتربع الساحات والميادين، للانتقام من سنين عجاف مرت، فكانت الجدران عليهم لعنة لتسترد بعضاً من كرامة فقدتها، فأخذت تستقبل بكل رضا عبارات الكرامة والحرية واسقاط النظام، واليافطات طارت في مهب الريح من محابسها، وهنا وقعت قطعان الاستخبارات والشبيحة في "حيص بيص من أمرها" فكيف لها أن تتابع وتحرس كل تلك الجدران واليافطات التي تحمل كل مفردات قواميس التبجيل والتمجيد والتي تحولت إلى أهداف للشباب الثائر ضد النظام البربري حيث ظهرت ما يعرف بظاهرة"الرجل البخاخ"في مختلف المدن والبلدات والقرى السورية لاستبدال شعارات التبجيل إلى عبارات تنادي بسقوط الطاغية ومحاكمة رموز الفساد .... الخ من عناوين الثورة ضد النظام السوري، والذي استدعى استنفار وتخصيص مجموعات من رجالات الأمن والاستخبارات والمتعاونين للرقابة الغير مجدية، وبدأ مسلسل تكسير أصنام القائد الراحل في كل الساحات والدوائر ما أدخل الكثير من البهجة في قلوب السوريين المسكونة بالقهر والألم والعذابات من ويلات الصنم الرمز ومدلولاته القسرية، حيث لايفارق عين السوريين رؤية القائد وأهله أينما حل وارتحل، وجاءت الفرصة لتصبح الجدران لوحات سيريالية بامتياز، يعرف الجميع دون وضوح الخطوط والخربشات أنها آثار لرجالات الاستخبارات تطمس ماكان يخالف هوى النظام، وتنفس الناس الصعداء حيث لم يعد في الساحات "حافظ" أو"بشار" أو "باسل"، والجدران أصبحت خربشات ودوائر بكل الألوان لكن لسان حالها يقول: لك يوم يا ظالم.... لاشعارات بعد اليوم... ولا أصنام تفقأ العيون تتربع في الساحات بعد الثورة في سوريا الكرامة... وان غداً لناظره قريب...!!!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية