ليس غريبا،أن نسمع ونرى عن أساليب الدموية في التنكيل والتعذيب والقسوة المفرطة التى لجأت إليها السلطة السورية فى إصرارها على سحق المتظاهرين، فالسلطة تدير المجتمع بواسطة أجهزتها الأمنية والجيش والشبّيحة ولا تسوسه. والسلطة لا تعنى سوى الرئيس والأجهزة الأمنية. فإن السلطة بأجهزتها الأمنية لم تنشغل إلا بشىء واحد هو كيفية قمع الجماهير وإسكات صوتها. وكل ما قيل عن حوار داخلى والإصلاحات منذ ذلك الحين كان مقصودا به مخاطبة الخارج ومخادعته. فضلا عن محاولة كسب الوقت بطبيعة الحال.
يثبت النظام السورى يوما بعد يوم أنه نظام قام على إغتصاب السلطة وفرض إرادته على الشعب بالبطش والتعذيب والقتل والدوس على الكرامات وفرض الخوة والرشوة، بمعنى آخر فهو أقرب إلى نظام المافيات التى سادت أميركا فى القرن الماضى! نظام المافيا فى سورية يريد من الجميع التسبيح بحمده وعدم توجيه أي نقد له مهما كان! تعرض الفنان رسام الكاريكاتير السورى علي فرزات إلى أعتداء آثم على أيدي بلطجية وشبيحة النظام السوري، الأنباء المتواترة برغم بعض الأختلاف، أجمعت على أن الرجل تم أعتقاله في ساحة الأمويين، تحت سمع وبصر رجال الأمن الذين كانت "كما العادة" تغص بهم تلك الساحة، تذكرني بالإعتداء على الصحفي سليم اللوزى الذى أدى إلى غمس يداه فى الأسيد حتى لا يكتب مرة ثانية ضد سورية وبعدها تم إغتياله!
يعتبر علي فرزات "ريشة الثورة السورية" الذي دأب على أنتقاد النظام عبر رسومة الكاريكاتيرية الساخرة ، وقد جذب آلاف الشباب السوريين إلى صفحته على موقع " الفيسبوك" وعلى موقعه "الدومري" يحرضهم على التفكير تارة، وعلى المواصلة والإصرار تارة أخرى، وأصبحت رسوماته ترفع في المتظاهرات ضد النظام. ولعل أشهرها ذلك التي يصور الأسد يغمض عينيه وهو يقطع ورقة يوم الخميس من الروزمانة كي لا يرى ورقة يوم الجمعة. وأخرى رسم تظهر فيه دبابة النظام متوجهة نحو الجولان وقد عقدت سبطانتها، والكثير من الرسوم التي صارت لهبا للجماهير . فإن فرزات الذي اعتاد أن يغادر مكتبه وسط دمشق عند الفجر كونه يعمل ليلا ، كان يصف نفسه " كائن ليلي" حيث يستقل سيارته ويتجه إلى منزله في منطقة المزة، ولدى خروجه من ساحة الأمويين عند أول أوتوستراد المزة، كان بنتظاره مجموعة من ملثمين من " الشبيحة" يستقلون سيارة بيضاء من نوع "هيونداي" وكانت الساعة الرابعة والنصف تقريبا. الذين أشبعوا ضربا كانوا يقولون وعلى أصابعه ويديه" هذا لكي تتعلم ألا ترسم عن الحرية" و" هذا لكي تتعلم ألا ترسم ضد أسيادك" بعد كشف الطبي الدقيق تبين أن يده اليسرى مكسورة ، إضافة إلى رضوض وتورم في العينين وجروح في الوجه والرأس، ورضوض شديدة في الصدر" الذي يتحدر من مدينة حماة السورية، نشر في جريدة "الأيام" قبل أن يبدأ دراسته للرسم في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، ليصبح بعدها رئيسا لرابطة رسامي الكاريكاتير العرب، وتبدأ رسوماته في الظهور على صفحات جريدة "لو موند" الفرنسية. حصل فرزات على العديد من الجوائز العالمية أبرزها الميدالية الذهبية لأفضل رسام كاريكاتير عربي، وجائزة الأولى في مهرجان صوفيا الدولي في بلغاريا . وأنتخب في عام 1994 كأحد أفضل خمسة رسامي كاريكاتير في العالم في مهرجان مورج-سويسرا.
وعرف عن فرزات معارضته الشرسة لنظام ومطالبته الدائمة بتحقيق الديمقراطية . وتبلور نفسه المعارض للنظام في رسوماته بشكل خاص بعد وصول الدكتاتور الوريث الجاهل بشار إلى السلطة عام2000 . وطلب فرزات منه حينها على الحصول ترخيص رسمي لإنشاء جريدة ناقدة باسم " الدومرية" تعني بمتابعة أخطاء المسؤولين وفضحها بأسلوب ساخر. وبدأت الجريدة بالصدور بشكل إسبوعي . وكنت من المتابعين بلهفة لقراءة الجريدة كل إسبوع .وفي أواخر شهر تموز 2003 أصدر قرارا وزير الإعلام السابق عدنان عمران بإقفالها بحجة " مخالفتها قانون المطبوعات". بدا موقف علي فرزات واضحا بالإنحياز إلى الشعب ودعم مطالبه، إذا أنتقد عبر إحدى الوسائل الإعلامية الحل العسكري الذي يعتمده النظام . وقال"إذا كان النظام يريد أن يخرج من الحفرة التي هو فيها حاليا فعليه أن يوقف الحفرة".
وإن كان النظام البوليسي قد نجح في تهشيم يدي (فرزات) فأنه قد أخطأ الخطأ الغبي الذي كان المظلومون ينتظرونه، ف(فرزات) يحمل في جسمه خزينا من الحبر وليس دما ، وستخرج قطرة إثر قطرة من جروح (فرزات) لتملأ الأوراق والصحف والجرائد، ولن يغيب عن دوره كما لم يستطع الظالم الآخر أن يُغــيــّب الفنان فلسطيني (ناجي العلي) عن صفحات الجرائد رغم كل هذه السنوات الثقيلة التي مرت على إغتياله برصاصة إختزلت بدورها كل الحقد الذي كان يحمله الظالم الآخر ضد قطرة الحبر التي كان يتعامل بها (ناجي).
تعرفت على فرزات عندما جئت إلى دمشق منفيا، التقينا في مقهى الروضة وجريدة تشرين وفي مقهى هافانا، تحدثنا بالسياسة والثقافة والفن، وطرحت أمامه مسألة ما تسمى حيئنذاك بالمعارضة العراقية السابقة التي أرتمت في أحضان الإستعمار الأجنبي وجندت كل قواها في خدمة أجندة الأنجلوأمريكي صهيوني إيراني لنيل من العراق وشعبه وتطوره العلمي وكانت في أجندتهم هو تدمير العراق حتى لو راح عشرة ملايين من الشعب العراقي، وهنا ليس مبالغا بل هي حقيقة كانوا يتكلمون في جلساتهم واللقاءاتهم ، يعنيني في المقام الأول.. فالعراقي يرى أن علي فرزات إنما يسخر في رسومه من الإستقواء بالأنجلوأمريكي صهيوني إيراني ضد العراق ولمست وطنيته نابعة من رسوماته التي تحارب الظلم والإستقواء بالإحتلال .
هذا المبدع الذي لا يملك سوى أنامله تمْسِكُ بالريشة والقلم وتضع خطوطها معالجة موضوعات وقضايا جوهرية هوجم من مجموعة من السوَقة والأشقياء من عصابات شبّيحة النظام مافيا عائلة الأسد القرداحية، لتستهدف فيه تلك الأنامل وتصيبه بالكسور والجروح فيها مثلما مورست معه أبشع أفعال قوى الهمجية والتخلف من أزلام نظام قمعي يواصل التقتيل والإعتداءات اليومية على أبناء الشعب السوري .. علي فرزات أبن حماة البار أخافتهم ريشته الملساء والتي كانت تقطر حبا ووفاء للوطن ولصوت الحق والحرية ويا ما صدحت بنبض الشارع وضميره الحي لأن كسروا أناملك فلن يستطيعوان يقضوا على ريشتك الحية ورسمك الجميل المعبر والذي قض مضهجعهم وأرعد فرائسهم ما هذا النظام الممانع الذي يخاف من رشة أو قلم أو كلمة؟؟؟ فهل كان فرزات مسلحا وهل كان القاشوش مسلحا ؟!!!!.
نعم أنها قمة الممانعة والتصدي لريشة الحق بالأمس أقتلعوا حنجرة القاشوش أبن حماة أيضا وها هي حناجر الآلاف في سوريا تصدح بحنجرته أن كسرا ريشة فهناك الملايين وأن أقتلعوا حنجرة فهناك الملايين غيرها فافعلوا ماشئتم فصوت الحق يعلو ولا يعلى عليه.
واهم من كان يظن أن الإصلاحات المزعومة التي يتحفنا بها الدكتاتور المجرم بشار الأسد ستؤدي إلى تغيير ديمقراطي حقيقي في سوريا. هل هناك أحد فيه ذرة عقل يؤمن أن عائلة الأسد ستتخلى عن السلطة في يوم من الأيام؟ خاصة بعد أن تلطخت أيديهم بالدماء؟
و'الإصلاح' في سورية حقيقة لا يشك أحد في صدقها، وكسر أصابع علي فرزات شهادة واضحة عليها. إن الفن في زمن الطغيان إما رفضا كموقف مي سكاف و فرزات وشقير وإما خنوعا وطقسا للعبادة والتبرير كموقف دريد لحام الذي كسب قلوب الشعب بجملته الشهيرة 'لا ينقصنا إلا شوية كرامة'، ولم يتوقف الأمر على الفنانين وحسب بل شمل مثقفو 'إعلان دمشق'أيضا.
لقد بات مثقفو سوريا ونخبة العقل الوطني فيها أقمارا ساطعة في مسيرات الإنتفاضة الكبرى في دياجي ليالي الديكتاتورية والإستبداد؛ ومن هنا تأتي تلك الغضبة الوحشية للنظام وأدواته القمعية وأفعالهم الإجرامية بحق المثقفين وبحق كل مبدعي سوريا .
أقول لك يا صديقي فرزات شـلّـت الأيدي التي كسـرت يدك !! وقد آن لهذا الليل أن ينجـلي!! سطوري تبكي بكاء نجلك ..
أقفلوا أفواهنا ومنعونا من الكتابة والكلام فتصدي الفنانون برشتهم ليعبروا عنا. الوطن العربي كله كان يستمتع برسومات فرزات ويتمني لو أن بلده أنجبت رساما مثله في قدراته الفنية والتزامه جانب الحرية وأمال الشعوب.
في سورية فقط يغتالون القلم ( فرزات ) يقتلعون الحناجر ( القاشوش ) يقتلون الأطفال ( حمزة ) يٌسكتون اللسان ( الفنانون والمحامون وغيرهم ).
هذا النظام ما عاد يُطيق لا مطرباً يُغني ويصدح، ولا رسام كاريكاتير يرسم رسوماً أنتقادية، ولا كاتباً يكتب ضده، هو لا يريد من السوريين إلا أن يكونوا أشباحاً لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.
لم يستطع النظام أن يفهم الوجه الحضاري لعلي فرزات وتعامل معه كالمغول والتتار عندما رموا بالكتب في نهر دجلة بعد إحتلال بغداد. معتقدين بان إستعمال أساليب العصابات والمافيات ستوهن من عزيمة الرجل في رسم صورة سورية الحرة الحضارية، علي فرزات دخل تاريخ سورية المجيد بوقفته إلى جانب الحرية والكرامة. الذين أعتدوا على الفنان العربي العالمي البطل والحر على فرزات هم من الضالة الموجودة في فرع المخابرات العامة بدمشق بتخطيط من رئيس الفرع شخصيا اللواء علي مملوك ونائبه .. ستبقى فنان عالمي يا فرزات وهم إلى مزابل التاريخ وقماماتها.
تباً لأقوام تهاب الأقلام والأصابع والحناجر .. تباً لأقوام يعيشون بدماء الأحرار تباً لأقوام يسعون في الأرض ظلماً وفساداً ويهلكون الحرث، عشت يا فرزات وعشت يا قاشوش وعشت يا حمزة وعاشت ثورة سوريا الإحرار إلى الأمام دائماً .
أيها المسجى على سرير بعرض الشاشة الملونة التي لا تكذب، وعلى أمتداد مواكب الإحتجاج التي لا تقهر، أنك أطلقت رسومك وهم أطلقوا الرصاص الحي، وفي المسافة بين الرسم والرصاصة ينشق عمود الضياء المُبهر، أشارة إلى طريق النصر، وكنت ماهرا في توليف تلك الحكاية الأبدية.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية