أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من ذاكرة الأسر كاملة

من ذاكرة الأسر 1الأسير المقدسي ياسين أبو خضير والأسير " الشمبر"شموع على طريق الحرية.....المناضل الأسير المقدسي ياسين أبو خضير من شعفاط/ القدس، عرف طريقة للنضال مبكراً، حيث التحق به وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، وكان شعلة للعطاء والنشاط والفعل المقاوم، وعبر عن أفكاره وقناعاته بالعمل المتكلم، ولم يبقى كحالنا نحن ما يسمى بالمثقفين الثوريين، نمضي الوقت طويلاً في نقاشات وحوارات غالباً ما تكون بيزنطينية، حول الإشتراكية والرأسمالية والعمال والفلاحين ومعسكر الأصدقاء والأعداء، وثورة حتى النصر أو ثورة حتى النصر والتحرير وغيرها ، ودخل السجن مبكراً / وهو في ريعان شبابه، في بداية العشرينات لمدة ثمانية وعشرين عاماً، وعندما التقيته في سجن عسقلان عام 2001، كان الشيب قد غزا رأسه كثيراً، والمرض قد فتك بجسده بجكم رطوبة الزنازين وجدران السجون وطول المدة، وحينها على ما أذكر كان يدخل عامه الاعتقالي الثالث عشر، وكان يقول لنا على سبيل النكتة والدعابة الممزوجة بالأسى، وبالمناسبة هو صاحب نكتة ومرح إلى أبعد الحدود، "أيهّن" يا ياسين إلى متى ستبقى في الأسر، فأنظمة كثيرة سقطت، وكثيراُ من الزعماء ماتوا أو قتلوا أو استشهدوا، فعلى سبيل المثال، الأتحاد السوفياتي رمز الشيوعية ونصير الشعوب وحركات التحرر انهار، وتشيكوسلوفاكيا دمرت وقسمت، وميلوسوفيتش اغتيل أو إنتحر، وحرب الخليج الأولى والثانية قامت والعراق دمر وأحتل وغيرها وأنت يا ياسين في السجن، وأي ثورة هذه وأية قيادات وأحزاب تترك أسراها في السجن هذه المدد الطويلة، وأية مؤسسات حقوق إنسان هذه، وأية نفاق وإزدواجية يحملها الغرب وامريكيا والذين لا يعنيهم سوى مصير الأسرى الإسرائيليين، أما نحن عندهم فإننا مجرد أرقام ليس لها قيمة، والمناضل ياسين أبو خضير والذي مر علية في سنوات اعتقاله الألاف الألاف من الأسرى، والذي لم يترك باب سجن من سجون الاحتلال إلا وعرفه ، إما منقولاً أو مرحلاً ومقموعاً، بسبب مواقفه وتصديه لإدارات السجون في هجماتها المتكررة على الحركة الأسيرة لسحب منجزاتها ومكتسباتها، والتي عمدت بشلالات من الدم والمعانيات لأبطال الحركة الأسيرة، والمناضل ياسين أبو خضير والذي تعرف رؤوس كل أبناء الحركة الأسيرة مقصه وماكنة حلاقته، والتي ما كانت تخلو من المقالب، حيث أن أحد المعتقلين الجدد طلب منه أن يحلق له رأس ، وفعلاُ قام ياسين برش الماء على رأسه، وتركه وخرج لساحة "الفورة " الساحة التي يتنزه بها الأسرى حتى يجف رأسه، وعلى أن يعود له بعد عشر دقائق، وعاد وكرر ما قام به من رش الماء على رأس الأسير، شارحاً للمعتقل الجديد، أن هذه طقوس يمر بها كل معتقل جديد ، ورغم أن الأمراض فتكت بجسد ياسين ونهشته من كل صوب وحدب، إلا أن ياسين كان حريصاً على أن تبقى "الغرض" عنده شغال لكي يخرج من المعتقل ويبني أسرة، وهو لم يفقد الأمل بالحرية والتحرر، وهو من أكثر الأسرى الذين عرفتهم غزارة في المعلومات العامة والتاريخية، وكأن عشقه الدائم لشرب الشاي ليل نهار، لم يؤثر على ذاكرته، ناهيك عن انه يمتاز بعقلية علمية وتحليلية، وأنا أعترف أن ياسين له باع طويل في الفوز علي كثيراً في لعبة " الدومينو "، ورغم كوني كنت مدرساً له أو بصورة أدق كان إبن صف زوجتي في الكلية التي درست فيها ، كنت في كلا الحالتين غالب أو مغلوب أقول للإسرى أن ياسين طير ندى ولا يجيد لعبة " الدومينو " إذا غلبته، وإذا ما غلبني كنت أقول له " الأسود عند ما بتختير بتصفي ملطشه للجراو" وياسين هذا المناضل المقدسي الذي دخل المعتقل في بداية العشرينات، هو الآن في بداية الأربعينات، وما زال مؤمناً ببزوغ فجر الحرية، رغم كل ما لحق قضية الأسرى المقدسيين من إجحاف وظلم من جانب ذوي القربى سلطة وأحزاب . أما الأسير إيهاب النسر من رام الله ، والذي أطلق علية الأسير المناضل ياسين أبو خضير لقب " الشمبر" ، أي الشمعة التي توضع في الفانوس ، لكي يشع النورعلى من حوله، وذلك لكثرة حركته الدائمة بين الأسرى، وكان يجسد مثالاً ورمزاً للعطاء والتفاني في سبيل المصلحة العامة، وهو يتعاطى مع الأمور الاعتقالية بالمنظار الوطني بعيداً عن الفئوية والحزبية، وكان شعاره دائماً أن إدارات السجون في هجماتها على منجزاتنا ومكتسباتنا الاعتقالية تستهدف الجميع ،وليس فصيلاً دون آخر، وأذكر جيداً أن "الشمبر" عندما جاء إلى المعتقل، أي معتقل عسقلان، وكانت منظمات الأسر الاعتقالية، قد أصابها من الوهن والضعف الشيء الكثير، حيث التحلل والتفكك، نتيجة لحالة الإحباط واليأس التي عاشتها الحركة الأسيرة بفعل أوسلو وما ألحقه من ضرر بالغ بحق الحركة الأسيرة الفلسطينية، حيث قضيتهم تركت لحسن النوايا الإسرائيلية، فإنه سعي وهو كوكبة من المناضلين المخلصين، من أجل ترميم ما دمره أوسلو، حيث البنى والهياكل التنظيمية والوطنية والإعتقالية والثقافية حلت، وأستعيض عنها بالعلاقات الجهوية والبلدية ، ناهيك عن حالة الجدب الثقافي، وهذه الجهود إحتاجت إلى الكثير من الوقت ، لكي يكون الترميم ولو في الحدود الدنيا ، وبالفعل نجحت الجهود وأثمرت ، وبدأت الحياة الحزبية والتنظيمية تدب في منظمات الأسر، وأذكر أن" الشمبر" في المجلة الداخلية الهدف ،كان يكتب زاوية دبابيس يتعرض فيها للسلبيات والممارسات الخاطئة للمعتقلين، حيث على سبيل المثال لا الحصر، وجه سهام نقده للمعتقلين الذين سماهم مالكي "الأبراش" الأسرة الأرضية، والذين يرفضون التخلي عنها لصالح أسرى آخرين حتى ولو كانوا كبار في السن ، ولا يستطيعون الصعود "للأبراش" الأسرة العلوية إلا بصعوبة،"والشمبر" إمتاز بصلابة ومبدأية عاليتين، وكان عنيداً ومقاتلاً شرساً ضد إدارات قمع السجون، وفي كل المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة ضد إدارات قمع السجون الإحتلالية ،دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها، كان "الشمبر" يتقدم الصف ويعكس صورة للمناضل الحقيقي، وهو لم يهن أبداً ولم يضعف السجن من عزيمته، ولم يغير من قناعاته، وكان على إستعداد دائم لدفع الثمن من أجل تحقيق مطالب الحركة الأسيرة والحفاظ على منجزاتها ومكتسباتها، وفي أكثر من معركة نضالية مع إدارات السجون ، كان "الشمبر" من الفرسان الأوائل الذين يطالهم قمع وعقوبات إدارات السجون، وأصبح " الشمبر" يشد عصا ترحاله بشكل دائم من سجن إلى آخر، ومن عزل إلى آخر، عقاباً له على دوره الوطني والنضالي وتصديه المستمر لإدارات قمع السجون الإسرائيلية في هجماتها المتكررة على الحركة الإعتقالية ،"والشمبر" في "رحلات" عزله وقمعه كانت البسمة لا تفارق وجه، وكان دائماً متسلحاً بالأمل، وهو يقول من اختار طريق الكفاح والنضال، فعليه الصمود والثبات والتضحية ، فالسجن ساحة من ساحات النضال المتقدمة، ولعل الحركة الأسيرة تذكر"الشمبر" جيداً، وهي تخوض إضراباتها عن الطعام دفاعاً عن حقوقها ومكتسباتها، كيف كان "الشمبر" من المبادرين لبث روح الدعابة والمرح بين الأسرى، والعمل على إزعاج إدارة وحراس السجن بشكل دائم من خلال الطلب من الأسرى بالضرب على أواني الطبخ بشكل جماعي في أوقات العد أو القيام بإخراج كأصوات الحيوانات ، مثل النباح بشكل جماعي على إدارات وحراس السجن .وأخيراً وليس آخراً يبقى الأسيرين ياسين أبو خضير وإيهاب النسر" الشمبر " مثالاً حياً على واقع الحركة الأسيرة الفلسطينية ، والذي يجب على أحزابنا وفصائلنا وسلطتنا، أن تكفر عن خطاياها التي إرتكبت بحقهم في أوسلو، ليس بالمخصصات ولا " بالكنتينا" بل بالأصرار على أن تكون هناك جداول زمنية واضحة ومحددة لإطلاق سراحهم قبل الخوض في أية محادثات سلمية أو عيرها ، ولتذهب كل محادثات السلام إلى الجحيم وإلى مزابل التاريخ ، إذا لم تضمن الحرية لقادتنا وأسرانا .15/10/2007

من ذاكرة الأسر 2المناضلان المقدسيان سامر أبو سير وهيثم عبيدات
شموع على طريق الحريةسامر أبو سير ذلك المناضل المقدسي، الذي لم تغريه أيام الصبا وليالي القدس، بإضاعة وقته وجهده في العبث واللهو، ومغازلة ومطاردة الفتيات المراهقات في شارع صلاح الدين في القدس، ولا إنتظار طالبات المرحلة الثانوية حتى نهاية دوامهن المدرسي، ومرافقتهن على طول الطريق بالغزل و"التطقيس"، أو محاولة دس رسالة في جيب هذه الطالبة أو تلك، بل كان ذلك اليافع الذي يتقد شعلة ونشاط في ريعان شبابه، وعلى ما أذكر إن لم تخونني الذاكرة مع تقدم السن، فقد كان المناضل سامر أبو سير من القادة البارزين لإتحاد لجان الطلبة الثانويين، وكنت تراه دائماً يتحرك ويتفاعل مع الهموم الطلابية والإجتماعية والوطنية، من إقامة المهرجانات والإحتفالات الطلابية إلى المشاركة في زيارة أسر وعوائل الأسرى والشهداء والجرحى، بالإضافة للمشاركة في الهم والجهد الوطني من مظاهرات وإعتصامات ومسيرات وإحتجاجات وندوات ومحاضرات وغيرها، وهذا الفتى اليافع أظنه، بل وأجزم انه كان من جماعة الناس الذين يؤمنون بالطرح والشعار القائل "خطوة عملية خير من دستة برامج"، وكان يقدس العمل الواعي، ولا يميل للتنظير وإستعراض قدراته النظرية، أو حفظة بشكل نمطي ودغمائي عن ظهر قلب لعدد من المصطلحات والكلمات والشعارات الماركسية والثورية التي يتشدق بها ما يسمى "بالإنتلجنسيا"، المثقفين الثوريين، والتباهي بها أمام الصبايا، ومن هنا فإن هذا المناضل جسد قناعاته وأفكاره، وترجمها إلى فعل على الأرض والواقع، ودخل السجن مبكراً وفي ريعان شبابه، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد، هذا السجن الذي صقل وفجر فيه الكثير من الطاقات والإبداعات، وزاد من قناعاته في أفكاره ومعتقداته، على الرغم من حالة الردة والإنهيارات الكبرى، والتي هزت قناعات الكثيرين من قادة وكادرات الأحزاب القوى الثورية واليسارية، والتي غادروها إما نحو مؤسسات المجتمع المدني، أو ملحقين في عباءة السلطة، وسامر الذي إلتقيته مرتين في عام 2001 في سجن عسقلان وعام 2006 في نفس السجن، كان كما عهدته ذلك الإنسان المنظم، حيث يواظب على الرياضة الصباحية، ويحرص على المطالعة والتواصل مع الهموم العامة للأسرى من خلال التفاعل في ساحة التنزهة، أو الزيارات بين الغرف والأقسام، وأبو سير رغم قساوة وشدة الظروف وتحديداً المرحلة الأوسلوية وما أفرزته من أمراض وتراجعات وفقدان للثقة مع السلطة ومختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، إلا أنه لم يستنكف يوماً عن أدائه واجبه، بل كان دائماً قائداً تنظيمياً من طراز خاص، فتراه دائماً يقود الجلسات التنظيمية ويثقف هذا الشبل أو ذاك الأسير المستجد، وهو أحد الأرقام الإعتقالية المعروفة لإدارات سجون الإحتلال، والتي كانت تحرص على نقله من سجن لآخر، للحد من دوره وتاُثيراته في المعتقل وبين مجموع الأسرى، وكان يلعب دوراً بارزاً وتضحوياً في تثقيف وتحصين الأسرى في المعارك الإعتقالية، أو توعيتهم بالمخاطر المترتبة على التساقط في المعتقل، وكان العين الساهرة على رفاقه وإخوته المعتقلين، وكان شديد الصدام مع إدارات السجون في دورها القذر في محاولة تجنيد أسرى وإسقاطهم، أو محاولة سحب الإنجازات والمكتسبات الإعتقالية، وسامر كغيره من الأسرى يوجه سهام نقده ليس للسلطة والقوى والأحزاب الفلسطينية، حول عدم بذلها جهد جدي من أجل إطلاق سراح الأسرى، وخصوصاً الذي أمضوا عشرات السنين من عمرهم وشبابهم، بل ينتقد دور المؤسسات والمحامين الذين لا يعملون بشكل جدي ومنظم على قضية الأسرى، وبالمناسبة سامر من الذين يثقون جداً بصدقية الشيخ حسن نصرالله، وبأنه لن يخذلهم، وتحديداً الأسرى العرب وأسرى الثمانية وأربعين والقدس، والذين تخلت عنهم السلطة، وتركتهم دون أي حاضنة أو عنوان.أما الأسير المناضل هيثم عبيدات، فبداية لا بد من القول أن هذا المناضل قد رضع وشرب النضال في بداية فترة شبابه، ودخل السجن في فترة مبكرة جداً، وعاد إليه متجذراً ومتفولذاً، وهو ينتمي إلى حمولة حجز الكثير من أبنائها مقاعد دائمة لهم في المعتقل، وهيثم لم يكن المعتقل الوحيد في عائلته، حيث مرت فترات كان هو وثلاثة أشقاء له في المعتقل، وما كان هذا يسببه من معاناة للأسرة في متابعة وملاحقة الأبناء في مراكز التحقيق والسجون الإسرائيلية، حيث كان يتوزع باقي أفراد الأسرة من الوالدين والأخوات، لزيارة المعتقلين في أكثر من سجن، حيث إمعاناً في الذل والإهانة وزيادة المعاناة، كانت إدارات السجون الإسرائيلية، تضع كل واحد من الأخوة في معتقل من شمال فلسطين إلى جنوبها، وهيثم الذي إلتقيته في سجن نفحة عام 2002 وسجن عسقلان عام 2006، كان بنفس الشموخ والإباء، وبالمناسبة هيثم كانت لديه إستعدادات نضالية ليس لها حدود، وكان مستعد لدفع حياته ثمناً للنضال، وهيثم لمن يعرفه عن قرب، فهو إنسان إلى أبعد الحدود، وهو مقل في الكلام إلى أبعد الحدود، لا يحب الفذلكات وكثرة "الحكي الفاضي"، وهو يقول أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، وهو يمقت الفئوية، والتميز بين مناضل وآخر في الأسر على خلفية الإنتماء الحزبي والسياسي، وهو يدعو دائماً إلى توحد الحركة الأسيرة وتحلقها حول مطالبها ومكتسباتها، وهو إنسان تضحوي في خدمة الأسرى إلى أبعد الحدود وخصوصاً في القضايا الخدماتيه، حيث يكثر من المبادرة في الطبخ والتنظيف الدائم في الغرفة التي يسكنها، وهو رغم كل الظروف التي كان يمر بها من ضيق للحال، إلا أنه لا يكثر من التشكي، بل على العكس، كان دائماً يقول "من يناضل لا يحتاج إلى ثمن" وأذكر جيداً من شدة عنفوانه وعزة نفسه ومبدأيته، أنه في المراحل الأولى من الإعتقال الثالث الذي حكم عليه ثلاثة عشر عاماً، انه رفض أكثر من مرة المثول أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، ورفض الإعتراف بشرعيتها، وفي كل مرة كان يرفض الحضور فيها المحكمة، كان القضاة الصهاينة يفرضون عليه حكماً إضافياً، على الحكم المقرر، وعندما تم جلبه للمحكمة بالقوة، فإن القضاة قالوا له سنصيغ لك قرار حكم، يمنع الإفراج عنك في أية عمليات إطلاق سراح، وبما يكشف حقد هؤلاء القضاة، وعلى ما أذكر أن هيثم لم يترك سجناً إلا ودخله مرحلاً أو مقموعاً، وأظن أن والديه قد وقفوا أمام كل مراكز التحقيق والمعتقلات والسجون الإسرائيلية، وهيثم كان دائماً يلوذ بالصمت ولا يشكو لأحد همه، وعادة ما كان يلوذ بصمته عندما لا تأتي والدته لزيارته، حيث يعلم أن المرض قد هدها وأصبحت غير قادرة على الزيارة، أو عندما يسمع أن واحدة من شقيقاته تزوجت دون أن يحضر زواجها، أو والده قد دخل المستشفى، وفي الفترة الأخيرة التي إلتقيتها بها، كان ساخطاً وخارجاً عن طوره، حيث ليس القصور يطال عدم الإهتمام بقضية الأسرى من قبل السلطة والأحزاب في المعتقلات، بل وحتى الرعاية والتضامن مع الأهل في الخارج، وحتى لو بشكل معنوي، وهذا أكثر ما يحز في نفس هيثم وغيره من الكثير من المناضلين، وهو لا يعول بالمطلق على ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى، وتحديداً أسرى القدس والثمانية وأربعين، وهو يقول دائماً ها هو الصديق سعيد العتبة أبو الحكم، قد دخل عامه الإعتقالي الحادي والثلاثين، وأين هو من ما يسمى بمبادرات حسن النية؟، ولا عاشت ثورة أو دامت تركن مصير أسراها لحسن النوايا الإسرائيلية.
17/10/2007

من ذاكرة الأسر 3
الأسيران المناضلان أبو منصور "المنص" ومخلص برغال أكاليل عز وغار

... ..... عند الحديث عن القائدين المناضلين محمد زياده أبو منصور والملقب "بالمنص"، ومخلص برغال من مدينة اللد المحتلة عام 1948، فإنه لا يسعك إلا أن تقف أمامهما، وقفة عز وإفتخار وإحترام وتقدير، فهما يختزنان من المعنويات والطاقات والشحنات الثورية والقناعات النضالية وصدقية الإنتماء، ما يوزع على كل الأسرى المناضلين، وخصوصاً أن هذان الأسيران القائدان، من مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 ، فهما يحملان وهم وأسرى شعبنا 1948، هموم وأعباء إضافية ، حيث الإحتلال يستثنيهم من أية صفقات إفراج، والسلطة تنازلت طوعاً عن حقها بالتكلم باسمهم، وفي الفترة التي أعتقلا فيها قبل أكثر من عشرين عام ، كان المنتمين لفصائل العمل الوطني الفلسطيني لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، وهم بحق قادة ورواد للعمل الوطني والقومي في مدينة اللد، وخاضوا معارك عز وفخار متعددة الأشكال ضد تهويد المدينة وأسرلة سكانها، كما كانا دعاة ومحرضين لنشر الوعي الوطني والقومي والفكر التقدمي بين أبناء مدينة اللد، وفي المدن والبلدات العربية المجاورة، وكانوا من المبادرين لتأسيس اللجان الطلابية والإطار النسوي التقدمي في مدينة اللد، كما انهم شنوا حملة شعواء على الذين يحاولون إسقاط مدينة اللد في براثين وقبضة تجار المخدرات وناشري الفسق والرذيلة، وبمعنى آخر تجهيل السكان العرب، وإغراقهم في دوامة الصراعات العشائرية والقبلية والجهوية، وتدمير وهتك النسيج المجتمعي، وإفراغ السكان العرب من أي محتوى وطني وقومين، وبشر من هذا الطراز ومن هذه النوعية، يدرك الإحتلال انهم يشكلون مخاطر جدية على أهدافه ومراميه ومقاصده، بالإضافة إلى ما أخذنا بعين الإعتبار النظرة الإسرائيلية إلى أبناء شعبنا في الثمانية وأربعين، أنهم سرطان يجب إجتثاثه وإقتلاعه، وأنهم قنبلة ديمغرافية يجب التخلص منها بالطرق المشروعة وغير المشروعة، حيث نلحظ في هذه المرحلة والتي يتزايد ويتنامى فيها الحس والوعي القومي والوطني عند أهلنا في 1948 ، وتتصاعد الهجمة الإسرائيلية بشكل غير مسبوق عليهم، وما جرى مع النائب عزمي بشارة، وما يجري بحق قادة الحركة الوطنية والإسلامية وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح، يندرج في هذا الإطار والسياق، وأبو منصور ومخلص برغال، بالحتم نظراً لمواقفهما ورؤيتهما سيكونان ضمن الإستهداف لجهاز "الشاباك" الإسرائيلي، وبالمناسبة فإنه باعتقالهما وحكمهما الرادع والقاسي جداً، حيث حكما بالسجن المؤبد، لمجرد إلقائهما قنبلة يدوية على باص للجيش لم تنفجر، فالإحتلال أراد من خلال هذا الحكم القاسي ، أن يوجه رسالة إلى كل أبناء شعبنا في 1948 ،أن من يلتحق منهم بفصائل العمل الوطني الفلسطيني ، فإن ما ينتظره ليس الحكم القاسي ، بل أنه سيتعرض لسلسلة من الإجراءات العقابية على المستوي الشخصي والأسري، تطال سحب ما يسمى بالجنسية، وهدم البيت وملاحقة الأسرة والعائلة والتضيق عليهم في في القضايا المعيشية والخدماتية وحرية السفر والتنقل وغيرها .
وللحقيقة يا أخوان لا أظن أي من قادة وكادرات الحركة الأسيرة وإدارات السجون لا يعرفون أبو منصور ومخلص برغال، وأبو منصور الذي تجاوز عقد الخمسينات، والذي تعرفت علية في سجن شطة في عام 2001 ، وأعدت الألتقاء به مرحلاً في سجن عسقلان عام 2006، فعدا عن صلابته البنيوية، فهو صلب المواقف والمبادىء، رغم أن رطوبة السجن والأمراض قد فتكت بجسمه، حيث يعاني من السكري، والشيء الذي يعرف عن أبو منصور، انه دائم الطبخ تحت شعار السكري، فهو يقول يا إخوان أنا أطبخ الشوربات، وفي الشوربات يجيز لنفسه كل شيْ، وبعد ذلك تراه يشرب الكولا "الدايت" ، وأبو منصور لايغادر جدران الغرفة أو يبرحها إلا للضرورة القصوى، أو لشق عصا ترحاله لسجن آخر، وأبو منصور كأن بينه وبين الترحال "وبوسطة" السجن عشق أبدي ،فرغم أن المعتقلين أكثر ما يكرهون هو السيارة الزنزانة "البوسطة"، عدا عن أن كل العنصرية والفاشية تتجمع في طاقمها، ويكبل المعتقلين فيها بأيدهم وأرجلهم، بالإضافة لإفتقارها لأدنى شروط نقل البشر، حيث تبدو كالقبر، وهي مخصصة لتكمل دورة التعذيب، وأبومنصور هذا صاحبنا مستشار قضائي وقانوني لكل أبناء الحركة الأسيرة،وكذلك لحقوق الأسرى،فكل من يريد من الأسرى أن يرفع شكوى على إدارة السجن مثل إدخال وإخراج أشياء قانونية للأسرى ترفضها إدارة السجن أو تماطل بها ،يتوجه "للمنص" والذي يصيغ له دعوى يعجز عن صياغتها أي محامي مختص ،"فالمنص" أصبح خبيراً في قوانين السجون، ومن يريد ان يرفع شكوى على إدارة السجن للإنتقال من سجن لآخر "فالمنص" جاهز، "والمنص" عندما يجد من لا يرفع شكوى من المعتقلين ،يبدا برفع شكاوي في القضايا العامة ،مثل النقص في كمية الأكل ونوعيته ،أو النقص في مواد التنظيف وغيرها، وهكذا ترى "المنص" مساءاً في سجن وصباح في سجن آخر،حتى ان أسرته أصبحت لا تتمكن من زيارته أكثر من مرة في الستة شهور،فأبو منصور إما مرحلاً من معتقل لآخر أو معزولاً، وأبو منصور هذا يحتفظ بروح شباب دائمة، فرغم كل الذي حصل وما جلبه أوسلو من دمار على الحركة الأسيرة، وما قامت به إدارات السجون من قمع وعزل لمعتقلي 1948 ،ووضعهم في أقسام وسجون خاصة إلا أنه بقي متجذراً في إنتماءه ومبادئه وقناعاته، أكثر من أي شبل ، وأسرة "المنص" أسرة عريقة في النضال، حيث أنها بإعتقال "المنص" لأكثر من عام لم تجد بيتاً تأوي إليه .
أما رفيق دربه مخلص برغال ، فقد رافقته من "معبار" سجن الرملة ، حيث كنت مرحلاً من سجن نفحة الصحراوي عام 2002 إلى سجن شطة في شمال فلسطين ، وكان هو عائد لسجن شطة من رحلة علاج في مستشفى سجن الرملة، ومخلص هذا يبدو أنه إسم على مسمى، فهو مخلص لشعبه ولحركته الأسيرة ، وهو أبرز عناوينها النضالية، والحركة الأسيرة جيداً، وهو الذي كان يتعرض لعقوبات إدارات السجون وقمعها من حرمان للدراسة في الجامعة إلى العزل والنقل القسري، ولعل كل أبناء الحركة الأسيرة في كل المعتقلات، يتذكرون الموقف المشرف للأسير القائد مخلص برغال، عندما هاجمتهم القوات الخاصة في غرفة 13 في سجن عسقلان في عام 2000 ، في ذروة هجومها على الحركة الأسيرة لكسر شوكتها وإذلالها وسحب كل المنجزات والمكتسبات لها، حيث أن القوة المهاجمة المدججة بالهروات والدروع ومدافع الغاز والرصاص المطاطي، عبثاً كانت تحول إقتحام الغرفة، حيث أن مخلص وكوكبة من الأسرى المناضلين ، تصدت لهم بكل ما وقع تحت أيديها من معلبات وأدوات تنظيف، ويومها أصيب المناضل مخلص بكسر في فكه والمناضل عماد عصفور المريض بالقلب بحالة إختناق شديد كادت تودي بحياته، وهذه شهادة للتاريخ لهذا المناضل الذي لم يخذل أبناء حركته الأسيرة أبداً، والذي لم يدفع الثمن على الصعيد الشخصي، بل والأسري والعائلي كذلك، والتي كانت تلحق به من سجن لآخر من أقصى شمال فلسطين إلى أقصى جنوبها للزيارة، ومخلص هذا المناضل حاد المزاج ويقلبها ثورة لأتفه الأسباب، ومخلص من المناضلين الأقحاح الذين يتصدوا للإدارات السجون والتي حاولت شق وحدة الصف الوطني والإسلامي الإعتقالية، ليس فقط عندما عزلت أسرى 48 في أقسام وسجون خاصة، بل عندما حاولت من خلال بعض مرضى النفوس، أن توصلهم رسالة ،بأنه إذا ما تخوا عن تنظيماتهم، فإنها ستمنحهم تسهيلات وإمتيازات، ومخلص والأغلبية الساحقة من الأسرى قالوا لا قاطعة لمثل هذه الألاعيب والتخرصات.
ويبقى أبو منصور والبرغال رموزاً وقادة للحركة الأسيرة، وهم واثقون أنه رغم كل السنوات العجاف التي مرت بها الحركة الأسيرة ،فإن الشرفاء والمخلصون من أبناء شعبنا الفلسطيني والأمة العربية أمثال الشيخ حسن نصر الله، لن يخذلوا هؤلاء المناضلين الذين قدموا واجبهم ودورهم الوطني، ليس دفاعاً عن فلسطين فقط، بل دفاعااً عن شرف الأمة جمعاء، فهل من مجيب ؟ .

20/10/2007

من ذاكرة الأسر 4

ابراهيم مشعل وبلال أبو حسين شموع على طريق الحرية

.......ابراهيم مشعل "أبو سامر"،على ما أذكر أنني إلتقيته في سجن شطه/2002 ، وسجن نفحة من العام نفسه ،لأعود وألتقيه مرة ثانية في سجن عسقلان 2006، وفي كل لقاء إعتقالي، يلح علي أبو سامرلمعرفة التفاصيل الدقيقة للبلدة، كم بيت جديد أنشىء، وأخبار كتاب البلدة ومثقفيها، ومخاتيرها وحمائلها وكبيرها وصغيرها، وعن مؤسسات البلدة، النادي والجمعية والمدارس، وأحوال الحركة الوطنية، ونخوض جولات من النقاش حول قصورات أهل البلدة تجاه الأسرى وعائلاتهم، ولماذا لا يجري التعريف بأسرى البلدة، ومن المسؤول عن ذلك، ونجمع على أن القصور ليس مسؤولية أهل البلدة وحدهم، بل هو مسؤولية الأحزاب والفصائل والمؤسسات، ونعرج على فوز حماس في الإنتخابات التشريعية الأخيرة، وأسباب إخفاق فتح واليسار، ولماذا أم سامر وشقيقات أبو سامر إنتخبن حماس؟، ونقاش يطال الكثير من المواضيع الإجتماعية والإعتقالية والسياسية.
وأبو سامر على درجة عالية من البساطة، بساطة الفلاحين، لمن يعرفه عن قرب، وميزة أبو سامر انه ليس من الناس العصبويين والفئويين، بل هو منفتح ويحظى بإحترام واسع لدى الحركة الأسيرة ، بكل ألوان طيفها السياسي، وأبو سامر معروف عنه في المعتقلات ، أنه لا يكل ولا يمل ولا يستقر في سجن، فمهنتة بالأساس كهربائي، وبحكم هذه المهنة وما يتمتع به أبو سامر من موهبة وقدرات ، في التصليح ، فهو مطلوب لكل غرف الأسرى، وتراه دائماً مشغولاً ، إما بإصلاح مروحة في هذه الغرفة، أو جهاز تلفاز أو سماعة في غرفة أخرى، ومشعل أصبح خبيراً في إصلاح أجهزة البيلفون عندما كانت متوفرة في السجون بالتهريب، ولا يضاهيه أحد في هذه الصنعة ، وخبرته لم تقف على الإصلاح ، بل توسعت إلى إعطاء المشورة إلى المناضلين والغرف الإعتقالية لعمل المخابيء الآمنة لها، والتي لا تستطيع فيها إدارات المعتقل كشفها،، وأي غرفة تريد برغي أو قطعة غيار لسماعة أو تلفاز أو مروحة، فأول من يسأل بذلك أبو سامر، ومن هنا كانت إدارات السجون تقدم على ترحيل أبو سامر، وبشكل شهري تقريباً من سجن لآخر، وأبو سامر الذي إلتقيته في سجن عسقلان مرة أخرى، وكنا مجموعة من أبناء البلدة، حيث أجمع المناضلين على أن أكون " مختارهم" بالمعنى الإيجابي ، وكم كنا أنا والمناضل حسام شاهين نستفز أبو سامر، عندما نخوض نقاشاً حول صفقات التبادل ، ومن الذي له الحق بالخروج فيها ، ونقول أن من له الحق بالخروج هم المعتقلين الجدد، على إعتبار أن حسام من المعتقلين الجدد، وأبو سامر دخل عامه الإعتقالي التاسع عشر، وهو محكوم بالسجن المؤبد، وعندما ينرفز ويزعل يقول لنا لسه " فرافير الواحد منكم ما نشفت خارج السجن " وجاين" بدكم تراوحو، وكثيراً ما كنّا في إطار المزح وقتل الوقت وإضفاء المرح على الحياة الإعتقالية، نقوم بعمل النهفات والمقالب الصغيرة، وأذكر أنه في إحدى الزيارات، جاءت والدة إبراهيم للسلام علي من خارج الإطار الزجاجي، وكانت توصيني بأن أطلب من إبراهيم أن يصلي، وأنا كنت أقول لها وطبعاً وأنا لست من المصلين، أنني دائماً أطلب منه أن ينهض معنا لصلاة الفجر، ولكنه يرفض ، والله يهديه وعندما ذهبت إلى إبراهيم، وأعادت عليه الحديث ، ضحك بصوت عالي ، وقال لها إنت يا أمي مش لاقيه إلا " هالكمونستي " تحكيله عن الصلاة، وقالت له شو " مونستي هذا يامه " ، وكذلك في يوم من الأيام عانى أبو سامر ألم في الرقبة والدهر، وكان هناك معتقل يدعي الخبرة في الحجامة هو إبراهيم البارود، ومعه معتقل آخر مساعد له من منطقة القدس نلقبه بالغزال، وقاموا بإجراء حجامة لأبو سامر، كادت أن تصيب منه عطلاً في منطقة الرقبة، وإستغلينا أنا وحسام هذه الحادثه ، لنشن عليه حملة شعواء بأنه من الذين يؤمنون بالشعوذة والأساطير والجن وغيرها ، وأبو سامر حاد جداً في القضايا الوطنية، فعلى ما أذكر أن أحد صحفي البلدة نشر موضوعة يمجد فيها ، إنسان لا يستحق التمجيد وليس أهلاً له فثارت ثائرة أبو سامر، ونعته بأقذع الأوصاف من مرتزق ومتملق وغيرها، وأرسل رداً على ذلك في الجريدة، ويبقى أبو سامر من طينة المناضلين الأقحاح والأفياء ، والمؤمنين بعدالة قضيتهم ، ويجهون سهام نقضهم إلىكل من تخلى عن أسرى القدس خاصة والأسرى عامة .
أما الأسير بلال أبو حسين، والذي دخل المعتقل في ريعان شبابه، فقد كان من المناضلين الأوائل الذين إلتحقوا بالإنتفاضة الشعبية الأولى، وقد حكم على المشاركة بالفعاليات الإنتفاضية مدة عامين ونصف ، وفي المعتقل جرت عملية تحقيق في غرفته لأشتباه بتعاون واحد من الأسرى مع إدارة المعتقل، حيث توفي أثناء إستجوابه، وقامت إدارة السجن بأعطاء كل من في الغرفة أحكاماً تراوحت بين العشرة أعوام والمؤبد، وكان نصيب بلال من الذين نالوا المؤبد بإمتياز، حيث إدارة السجن إستعانت بإثنان من مرضى وضعاف للنفوس للشهادة على المناضلين، وبلال أبو حسين لم يشكل له الحكم رغم كل ما عناه من قسوة وتعسف، أي تراجع وإنكسار، أو إنهيار وضعف، بل على العكس من ذلك، ظل راسخ القناعات ،ومؤمناً بحتمية الإنتصار والتحرير، والمناضل بلال لم يكن مولعاً بالدراسة، بل كان مولعاً بعمل الأشغال اليدوية، حيث كان يقوم بعمل مجسمات للصخرة والمسجد الأقصى وسفن تبدو كأنها ناطقة، وكان من هواة الرياضة، وأحد الذين يشهد لهم في كرة الطائرة، وأيضاً في لعبة "الدومينو" التي كان هو والمناضل ياسين أبو خضير من أبطالها في المعتقلات ، وهي لعبة تحتاج لمهارة ورياضة ذهنية ومراس، والحق يقال أن المناضل أبو حسين من بعد مرحلة أوسلو لم يعد يكترث كثيراً بالمسائل الفصائلية والحزبية، وهو لا يرى بأن هناك فروق جدية وجوهرية بين الفصائل في المعتقل، ولذلك كانت علاقاته الإعتقالية واسعة، ومع كل ألوان الطيف السياسي ، وحتى فترة ليست بالقريبة ،لم يكن يبدو أبو حسين متديناً، ولكن يبدو أنه من بعد مرحلة "تسونامي" حماس، وبعد حالة الخذلان والإحباط التي عاشها هو بالأساس من جماعته ، ولاحقاً من أوسلو وما جلبه من دمار على الحركة الأسيرة عامة، وعلى أسرى الثمانية وأربعين والقدس خاصة، وكذلك ما حصل على المستوى الكوني من إنهيارات لدول المعسكر الإشتراكي ، وحالت الخصي والعقم التي أصابت الأحزاب اليسارية العربية ومنها الفلسطينية ، وضعف دورها وحضورها الفكري والإجتماعي، كل ذلك ربما كان من العوامل التي جعلت أبو حسين يجنح نحو التدين.
وأبو سامر وأبو حسين وهما بخطى ثابتة يدخلان عامهما الإعتقالي العشرين، يتساءلون هل ثمن ما دفعناه من تضحيات، وسنوات من عمرنا ومستقبلنا بحجم الإنجازات ؟ وأية إنجازات هذه ، ونحن نرى من يقتتلون في سبيل مصالحهم وإمتيازاتهم ومراكزهم وأجنداتهم ، يدمرون الأخضر واليابس، ويلبسون ذلك المصلحة الوطنية والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهما يقولان ان المصلحة الوطنية والمصالح العليا للوطن، تقضي أولاً وقبل شيء إعادة اللحمة والوحدة الداخلية، وكذلك إعادة الوحدتين الجغرافية والسياسية بين الضفة والقطاع، والتي بدونها لا يمكن لنا أن نحقق ولو الحد الأدنى من أهدافنا وحقوقنا، وما يجري في الخارج يعكس نفسه على الحركة الأسيرة، حيث إستغلت مصلحة السجون العامة، ما يجري في الخارج لتشن حرباً شاملة على الحركة الأسيرة، منجزاتها ومكتسباتها، ولكي تكرس الفصل بين أبنائها على أساس سياسي وتنظيمي، فهل يتم تغليب لغة الحوار والعقل على لغة البنادق والمصالح، أم نشهد تدميراً ذاتياً غير مسبوق لكل المنجزات والمكتسبات والحقوق.؟
23/10/2007من ذاكرة الأسر5 المناضلان سعيد العتبة"أبو الحكم" وسمير أبو نعمة شموع على الطريق....... المناضل العريق سعيد العتبة "أبو الحكم"، هو أحد أعمدة الحركة الأسيرة الفلسطينية، وهو ليس أقدم أسير فلسطيني فقط، فلربما هو الأسير الأقدم على المستوى العالمي، واستحق عن جدارة التسجيل في كتاب "غينتس" للأرقام القياسية، وبقاء " أبو الحكم" في المعتقلات الإسرائيلية هذه المدة الطويلة جداً، والفلكية قياساً بالعمر البشري، ليس وسمة عار في جبين الثورة الفلسطينية، والسلطة والأحزاب والفصائل، بل وسمة عار وذل في جبين كل البشرية، وعلى رأسها دعاة حقوق الإنسان، ومنظماته المتشدقة بالديمقراطية والإنسانية، والتي تستنفر فقط عندما يتعلق الأمر بأبناء الغرب المحترمين والإسرائيليين، وحينها فقط يجري الإستنفار على صعيد رؤساء دول ووزراء وبرلمانيين ومجلس أمن ،وكل المنظمات التي لها علاقة والتي ليس لها علاقة بحقوق الإنسان، ويبدأ الحديث عن العنصرية وإنتهاك حقوق الإنسان وخرق الأعراف والمواثيق الدولية .... إلخ،أما مناضل من أجل الحرية يقبع في السجون الإسرائيلية منذ إحدى وثلاثون عاماً، فهو لا يستحق مجرد إدانة أو إستنكار أو مطالبة بإطلاق سراحه، لأنه ينتمي للنجس الشرقي، والأمر عندما يتعلق بإسرائيل، فإسرائيل فوق القانون الدولي، ويحق لها ما لا يحق لغيرها، تقتل، تجرح،تعتقل ، تدمر، وتقتل أسرى عزل وبسلاح سري، كما حدث في معتقل النقب مؤخراً، حيث قتلت الأسير المناضل محمد الأشقر، ودون أن يحرك ذلك أدنى شعور أو مطالبة بالتحقيق ومعاقبة من إرتكبوا الجريمة، وكأن الدم الفلسطيني مستباح، ولا يستحق مجرد الإدانة، عند ما يسمى دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. والأسير المناضل "أبو الحكم إلتقيته في سجن عسقلان عام 2002 ، وسكنت معه في نفس الغرفة ، غرفة 13 وهو بطبعه إنسان هاديء، وأبوالحكم قد تستغربون رغم طول المدة التي قضاها في السجن ،لم يستصغ تعلم العبرية، وهو مواظب على الثقافة، أي تثقيف الذات ، وبنفس الوقت مواظب على الرياضة، وخصوصاً في الفترة الصباحية ، وكنا نخوض ليلاً نقاشات تطول في السياسة، وعلى ما أذكر في تلك الفترة، كانت أمريكيا تستعد لغزو أفغانستان، السيناريوهات المحتملة، ونتائج ذلك الغزو على العرب والمسلمين والقضية الفلسطينية ، وكذلك مستقبل القوى الديمقراطية في فلسطين وغيرها، وأبوالحكم أشد ما يكره رغم أنه قد تجاوز العقد الخمسين من عمره ، أن تقول له يا " ختيار" ، وهو يعتقد جازماً أنه مازال شاباً، وأبو الحكم يمتلك مهارات في الأكل، حيث أنه وبحكم إنتمائه لعاصمة الحلويات النابلسية، كان وضمن الإمكانيات المتوفرة لدينا، يقوم بعمل الكنافة النابلسية، وهو أيضاَ خير من يقوم بعمل مقدوس الباذنجان، وعندما إلتقينا للمرة الثانية في سجن عسقلان 2006، حيث سكنت في غرفة مقابلة لغرفته، فقد وجدت أبو الحكم يقوم بعمل أرشفة لما ينشر في جريدة القدس عن الوضع الفلسطيني والأسرى، ووجدت انه يحتفظ بالعديد من مقالاتي المنشورة في جريدة القدس، وأبو الحكم كان تواقاً أن يسمع منا ، أنا والزملاء الدكتور أحمد المسلماني وناصر أبو خضير ، بصفتنا قادمين جدد، حول الأوضاع في الخارج، ولماذا القوى الديمقراطية لا تتوحد؟، ولماذا قوى منظمة التحرير لا تتوحد في قائمة موحدة في الإنتخابات التشريعية ؟. وكان الجدال والنقاش بيننا يطول ويتشعب، وأبو الحكم مع طول المدة في المعتقل، إلا أنه إنساني إلى أبعد حد ، وهو مؤمن بأن حل الصراع لا يتأتي إلا من خلال دولتين لشعبين، وأذكر أنه عبر عن أرائه وقناعاته بشكل واضح وجريء، وبغض النظر إن كنت لا أتفق معها ، حيث كان ينتقد تعدد القرار والأستراتيجيات في الساحة الفلسطينية، ومثلاً وجه سهام نقده، لمسألة إطلاق الصواريخ من القطاع على المستوطنات الإسرائيلية ، وهو يرى في ذلك ضرر بالمصلحة الوطنية الفلسطينية، وأبو الحكم مشهور بعبارة دائماً يرددها لكل المناضلين " أنا بحييك يا مناضل" وأذكر في إحدى المرات ونحن نسكن في غرفة 26 ، وجاء أبو الحكم لزيارتنا، وكان لدينا أسير جديد، عندما قلنا له هذا المناضل أبو الحكم ، قام وبدأ بتقبيل أبو الحكم والإعتذار له، وأنه لم تتح له الفرصة للتعرف علية سابقاً ، وأنا لم أشعر في يوم من الأيام، أن أبو الحكم يحقد حتى على ألد أعدائه، وهو على قناعة تامة بأنه رغم المرحلة السوادوية، فإن شعبنا سيحقق أهدافه بالحرية والإستقلال ، ورغم أن أبو الحكم يبقى رمزاً وعنواناً للحركة الأسيرة الفلسطينية، إلا أن هذا يدلل على حجم القصور والخلل تجاه الحركة الأسيرة الفلسطينية، وأنا على قناعة تامة لو أن أحد من الذين نسوا هذا الملف ، وفاوضوا الإسرائيلين قضى ثلث ما قضاه أبو الحكم ، لما نسي وقبل بتجاوز هذا الملف أبداً. أما الأسير المناضل سمير أبو نعمة، والذي إلتقيته في سجن عسقلان مرتين، في عامي 2002 و2006، والذي دخل عامه الإعتقالي الثاني والعشرون ،فأكثر ما يميز هذا الأسير، أن لديه ولعاً وهوساً بالنظافة، فهو بالمناسبة لا يسمح لأحد بالجلوس على " برشه" سريره، ولا يقوم بغسل ملابسه في غسالة السجن بحجة أنها لا تنظف الملابس، بل يقوم بغسل ملابسه بيديه، وينشرها في ساحة " الفورة" النزهة المخصصة للأسرى، ويحرص جيداعلى أن لا يلمسها أحد من الأسرى، وهو لا يحرص فقط على هذه الناحية ، فتراه يخرج "للفورة" ساحة النزهة بملابس مكوية، وحذاء ملمع جيداَ وكانه ذاهب لحضور حفلة أو عرس، وكنا أنا والأسير "الشيطان" حسام شاهين، نحرص دائماً على مداعبة المناضل أبو نعمة بالقول" روح الولد أبو نعمة روح" ،وأبو نعمة حاله كحال الأسرى القدما ء يجنح ويسرح في خياله بعيدا، فهو لو سمع أن أي وزير أو مندوب لدولة غربية وبالتحديد ألمانيا، قد قدم إلى لبنان والتقى مع مندوبين من حزب الله أو حركة أمل، فيبدأ بتحليل الأمور على أن صفقة التبادل قريبة، وأن الصفقة تشمل كذا مئة أسير، وهي تشمل كل الأسرى المحكومين أحكاماً مرتفعة، وأن جزء منهم سيطلق سراحه، ولكن خارج الأراضي المحتلة وهكذا، وكان الأسير حسام شاهين يحرص دائماً ، ولكي يشعر المناضل أبو نعمة بالزهو وقيمته، بالقول أن له الفضل في بدايات حسام الوطنية ، وأن أول عمل وطني شارك فيه، كان مظاهرة تضامناً مع سمير ومجموعته، عندما جاءت قوات الإحتلال لهدم وإغلاق منازلهم، وأبو نعمة يكثر من الأحلام والرؤى، وهذه الأحلام والرؤى أغلبها يدور حول المعتقل والأسرى، وأنه شاهد في منامه أنه هو وعدد من الأسرى يخرجون من السجن، تعلوهم رايات النصر في تبادل مع حزب الله، وكانا دائماً والحق يقال أنا وحسام شاهين، نستفز المناضل أبو نعمة، فهو متدين وحسام بصفته مسؤول حركة الشبيبة الطلابية ومسؤول علاقاتها الأعلامية، وبما أنه كان يكثر من السفر، فكان يحدث أبو نعمة عن بنات الفرنجة وجمالهن، وأبو نعمة يقول له أستغفر أنت وأبو شادي للنار، وكان الأسير حسام شاهين يحتفظ ببرواز لطفلة عمرها عامان ،يقول لأبو نعمة أنها إبنته من واحدة أجنبية والبنت أسمها قمر، والأسير أبو نعمة على درجة عالية من البساطة، وأكثر ما يخشاه هو النقل من المعتقل ،حيث أصبح جسده لطول الفترة الزمنية ورطوبة جدران السجن، مجمع للأمراض، وكان بشكل شبه يومي يستشير الدكتور أحمد مسلماني حول أمراضه . وفي الختام فإن من الهام جداً قوله ، ان هؤلاء الأسرى وتحديداً عميد الحركة الأسيرة سعيد العتبة"أبوالحكم" والمناضل سمير أبو نعمة ، وغيرهم من المناضلين القدماء، يجب أن يكونوا في سلم أولويات أولويات، من يفاوض أو يعقد صفقة تبادل، فهم أفنوا أعمارهم وزهرات شبابهم في سبيل الوطن والقضية، ولا يعقل أن يستمر التعاطي مع قضيتهم بإستهتار وعدم إهتمام وإكثراث. 26/10/2007من ذاكرة الأسر 6 المناضلان إسماعيل المسلماني وشادي الشرفا شموع على الطريق ..... بداية وقبل الحديث عن هذين المناضلين، فإنه من الهام جداً قوله، أن أسرة بدر المسلماني والد المناضل إسماعيل دفعت وما زالت تدفع ثمناً وضريبة نضالية عاليتين وغاليتين، وفي أوقات ليست بالقليلة كان يوجد في قلب المعتقلات الإسرائيلية ثلاثة من الأشقاء، وعلى ما أذكر أنه في عام 2005، عندما كنت معتقلاً في سجن عسقلان مع الدكتور أحمد المسلماني شقيق المناضل إسماعيل المسلماني، كان شقيقهم الأكبر علي"أبو بدر" والمحكوم بالسجن المؤبد، موجوداً في معتقل آخر، ولكم أن تتصورا ثلاثة أشقاء، كل واحد في معتقل، وهذا أسلوب وإجراء إحتلالي إجرامي، يهدف إلى الإمعان في إذلال البشر وإمتهان كرامتهم، والتنغيص والتنكيد عليهم وكذلك محاولة لكسر إرادتهم والتأثير على معنوياتهم وثنيهم عن الأستمرار والمشاركة في العمل النضالي والكفاحي ضد الإحتلال، وبالعودة للمناضلين إسماعيل المسلماني وشادي الشرفا، فإسماعيل عرفته من خارج المعتقل، وهو إنسان مرح إلى أبعد الحدود والبسمة لا تفارق وجهه أبداً، ولكنه في المقابل إنسان جدي إلى أبعد الحدود، وكاثوليكي في الجانب الأخلاقي، والكاثوليكية لا تعني التزمت ورفض العلاقات العاطفية التي تثمر عن بناء أسرة في النهاية، إذا ما جرى الإتفاق والتوافق بين الطرفين، وهو ضد العلاقات التي تقوم على أساس " الولدنة" والإستغلال من جانب الشاب للفتاة، ولهذا عندما إلتحق في إتحاد لجان الطلبة الثانويين ، وحمل هموم الطلبة والوطن مبكراً ، وقف بشكل حاد وصارم ضد كل علاقات "الولدنة "وطيش المراهقين، ولهذا غادر صفوف الإتحاد مبكراً، ولعب دوراً بارزاً في النضال الطلابي الجامعي عندما إلتحق بجامعة القدس المفتوحة – فرع القدس، وما يميز أبو المجد هو الإنضباط والإلتزام والإنكباب على العلم والثقافة، وكثيراً ما سببت له هذه الميزة الخلافات مع الآخرين، وخصوصاً إذا ما شعر أن من يدعون المسؤولية والقيادة، لا يتمتعون بالصدقية والمهارات والصفات التي تؤهلهم لمثل هذه المراكز، وإنسان بهذه الصفات وكونه ينتمي لأسرة مناضلة حجزت مقاعدها الدائمة في السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية، فإنه من الطبيعي جداً، أن يكون هدفاً للإحتلال وأجهزته المخابراتيه، ومع بداية الإنتفاضة الثانية، اعتقل أبو المجد ليبدأ رحلته الإعتقالية في السجون، ولكي ألتقي به في سجن عسقلان عام 2006، حيث بدا واضحاً عليه كما عهدته الجدية والبشاشة، والحزن والخوف على ما ألت إليه الأوضاع الإعتقالية، وما فعل أوسلو بالمناضلين والحياة الإعتقالية، وكذلك توجيه اللوم والنقد للقوى والفصائل الوطنية والإسلامية، حيث انها جميعاً وإن بدا ذلك بشكل متفاوت، لا تركز على تربية المناضلين والأعضاء ولا تقوم بتثقيفهم بالشكل المطلوب، بل وحتى في الحدود الدنيا، ومن هنا ترى ان هناك قلة من المناضلين الأسرى، ممن يهتمون بالثقافة من قراءة وكتابة وغيرها، وأبو المجد دائماً يقول على المناضلين أولاً أن، يهتموا بتثقيف أنفسهم ومن هنا تراه دائما، يحرص على تثقيف من حوله من المناضلين، وكنا أنا وهو وعدد من المناضلين القدماء دائماً نخوض نقاشات وجدالات حول واقع الحركة الأسيرة ما قبل أوسلو وما بعده، وكم كنت أقول له ما أن أغادر السجن، حيث أن محكوميتي كانت تقارب على الإنتهاء ، "ما تهتم ياأبو المجد رح بس أروح أطلعكم"، وكان يرد والله بعرفك أصيل يا أبو شادي، وما إنا غيرك بركة، وبدوري أقول له لن أطلعكم من السجن، بل من رأسي عند بوابة المعتقل، وكم كنا نستفز المعتقلين القدماء، والذي مضى على وجودهم ما لايقل عن عشرين عاماً في المعتقل، حول صفقات التبادل والأخبار التي تقول بأن من سيطلق سراحهم، هم من أبناء الإنتفاضة، والذين مضى علي اعتقالهم عشرين عاماً، تأقلموا في السجون ولا حاجة لوجودهم خارج السجن، أو نقوم ببث أخبار كاذبة عن أن بعض المحطات المحلية، نشرت أسماء من سيطلق سراحهم، وهكذا على سبيل المزاح وقتل الوقت، وأبو المجد عادة ما يصحو مبكراً للرياضة الصباحية، ولكوني غير متخصص في الطبخ أو خبيراً به، فقد كنت أستغل فترة زيارات الغرف الصباحية في العديد من الأحيان والذهاب لغرفة أبو المجد والفطور عندهم، وخصوصاً أن من كان يقوم بعمل الفطور في غرفتي بناء على طلبي ، الدكتور المسلماني قد إنتهت مدة محكوميته وخرج من المعتقل، وكان أبو المجد في العديد من الأحيان يعمل أفلاماً على أبو غسان(القائد أحمد سعدات) على سبيل النكات والدعابة، وبالمناسبة أبو المجد ليس من الكاثوليكيين في التنظيم، فهو يدعو إلى توجيه سهام النقد وحرية الرأي والتعبير، وكان دائماً يقول لي لا توجد ديمقراطية في التنظيم، وأنا بدوري كنت أقول له أنه إذا ما إستمرت قوى اليسار والقوى الديمقراطية، بنفس العقلية والرؤى والبرامج والآليات، فإنها لن تعمر أكثر من عقد على الأطول، وهي بحاجة إلى ثورة شاملة، ووقفة "ستالينية" ونقدية مع ذاتها، وقفة "ستالينية" وبدون وجود ستالين . أما الأسير شادي الشرفا، والذي عرف طريقه مبكراً إلى السجون ،وهو على مقاعد الدراسة الثانوية في مدرسة الفرير بالقدس، فهو ينتمي إلى أسرة ليست بالمحافظة، وهو كان "دنجواناً" للفتيات المراهقات، وكان زعيماً وقائداً طلابياً، حيث كان شعلة نشاط في مدرسة الفرير، وقد أعتقل على خلفية نشاطه في العمل الطلابي، لكي يكتسب تجربة اعتقالية مبكرة، توسع من مداركه ومعارفه، وتزيده صلابة وفولذه، وليخرج أكثر انتماءاً من السابق، وشادي الذي عرفته رغم عشقه وحبه للصبايا وأيام وليالي وحفلات السهر، ورغم ما يبدو عليه من نعومة وعز، إلا أنه صلب في أرائه ومواقفه، وكذلك في انتمائه وقناعاته، وقد التقيته مرتين في الأسر،الأولى في نفحة عام 2002، والثانية في عام 2006 في سجن عسقلان، وفي كلا الحالتين وجدته ذلك الإنسان الذي يمسك بأفكاره الشيوعية رغم الزلازل القاسي، الذي أصاب النماذج، بل وحتى الكثير من المسلمات في الفكر الشيوعي، وهو يحرص دائماً على الثقافة والدراسة، وكان يطمح دائماً إلى إصدار مجلة اعتقالية لا حزبية، وهو صدامي وهجومي مع إدارات السجون،فيما يتعلق بحقوق الأسرى ومنجزاتهم ومكتسباتهم، ولذا كان عرضة للقمع والتنقل والترحيل المستمريين بين السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وشادي الذي إكتسب مهارات الطبخ في السجون، فهو كذلك أحد ألمع الرياضيين في السجون، ويحرص على لعب لعبة"الباسكت بول"، وكذلك حاول أن يتقن ويحترف لعبة"الدمينو" ولكن الحظ لم يسعفه في التغلب علي فيها، وفي لحظات التجلي والمرح، تراه يحن إلى الصبايا العاشقات، واللواتي كن يردن إنتظاره حتى الخروج من المعتقل، ولكن قساوة الحكم واحد وعشرين عاماً، جعلهن يهربن من هذا القدر، ودائماً تراه يشاكس والدته الإنسانة الطيبة أم فادي، والتي تدعو له ولكل الأسرى بالإفراج العاجل، وتطالبه في كل زيارة دائماً بالصلاة والصوم، وأغلب الكتب التي ترسلها له، لها علاقة بالجوانب الدينية، ودائماً على الزيارة ،تقول لي صلي يا أبو شادي واهدي على شادي يصلي، وشادي يقولها يا ماما ما تحضري لي كتب دين السجن مليان منها . وأبو المجد وشادي وإن إختلفا في طباعهما، فما يوحدهما هو الوطن أولاً وأخيراً، قبل أية أحزاب وفصائل، هذه الأحزاب والفصائل، ومعها بالأساس وأولاً السلطة الفلسطينية، المسؤولية عن ما آلت إليه أوضاع الحركة الأسيرة، من فقدان للثقة والإحباط، بسبب الأهمال والتقاعس في هذا الملف بالذات، وهم يقولون أنظر ها هو" أبو الحكم" سعيد العتبة يدخل عامه الإعتقالي الحادي والثلاثين، وها هم أبو الناجي وأبو شادي ونائل البرغوثي وأكرم منصور" الوحش" يدخلون عامهم الإعتقالي التاسع والعشرين، فإلى متى هذا الإهمال والقصور، والإعتماد على حسن النوايا الإسرائيلية. ؟ 4/11/2007من ذاكرة الأسر7المناضلان جمال أبو جمل وتوفيق عويساتشموع على طريق الحرية.... فجأة يجترح الشعب الفلسطيني ، شكلاً جديداً من أشكال النضال ضد الإحتلال الإسرائيلي، أنها حرب السكاكين، أو ما يعرف بالسلاح الأبيض، حيث يقرر الشاب جمال أبو جمل، والذي توحي ملامحه وسجاياه على شدة بساطته، وحسه الوطني العفوي، وجمال لظروفه الإجتماعية والأسرية، ليس بالإنسان المتعلم، ولا من مثقفي الصالونات، ولم يقرأ الماركسية والشيوعية في الكتب، أو يحفظها عن ظهر قلب، كحال بعض المتمركسين الفلسطينيين، والذين في أول عثرة، غادروا الصفوف، ليس صفوف الفكر، بل وحتى طلقوا الثورة والنضال بالثلاث، وساقوا الحجج والذرائع، تبريراً لذاتهم ولمواقفهم، وجمال أيضاً لم يكن يعرف لا برنامج الجبهة الشعبية ولا نظامها الداخلي، ولكن بعد اعتقاله والحكم عليه لمدة اثنان وعشرين عاماً ، بتهمة طعن أحد المستوطنيين ،اختار في السجن أن يكون ضمن إطار الجبهة الشعبية، وبرر ذلك بالقول أنه يسمع من الناس، ان هذا التنظيم ينحاز للفقراء والمظلومين، وفي المعتقل كان عليه، أن يبدأ حياة ونمطاً جديدين، حياة قائمة على الانضباط والالتزام في كل شيْ، وكان عليه حتى يصبح قادراً على النقاش والمشاركة في الجلسات ، ومتابعة التطورات السياسية، أن يبدأ بالتعلم، وبالفعل بدأ الرفاق المخلصين من أمثال سامر أبو سير وياسين أبو خضير وجهاد العبيدي، بتعليمه دروساً في اللغة العربية، لكي يصبح بعد أشهر قلائل قادر على القراءة والكتب، وأبو جمل عندما التقيته في سجن شطة عام 2002، كان قد تغيرت أشياء كثيرة في حياته، وأصبح منكباً على الرياضة، ويحرص على التفاعل مع الأسرى ونسج العلاقات الاعتقالية والاجتماعية معهم، وأبو جمل بسبب جذوره البدوية فهو يعشق شرب الشاي كعشقه للوطن، أو لربما أكثر من ذلك، ولدية قدرة عالية على المحافظة على استيعاب الآخرين، وحتى في أحلك الظروف وأشدها قسوة، عندما كانت إدارة السجن تداهم الغرف من أجل إجراء عمليات تفتيش، تراه جالساً على برشه، سريره يقرأ القران، وكأنه يسخر من سجانيه وجلاديه، وبالمناسبة أبو جمل من أجل أن يحسن من لغته العربية، أخذ دورة في تجويد القرآن، وعندما دخلت الأجهزة الخلوية مهربة للسجن، لم يكن أبو جمل كغيره من الأسرى يعرف كيفية استخدامها، وحتى بعد تعليمه على كيفية استخدامها، إلا أنه عندما كان يسمع الحديث المسجل للسكرتيرة الآلية التي ترد، بأنه بقي في رصيدك كذا مبلغ، كان يجيب شكراً لك يا أختي العزيزة، وأبو جمل كان يتذكر كثيراً بلدته، وكيف أنه في حياته كان لا يخرج كثيراً من البلدة، حتى أنه بالكاد كان يعرف باب العامود في القدس، وكان أكثر المناضلين محبة إلى قلبه المناضلين سامر أبو سير وياسين أبو خضير، والذي كان يصف أبو جمل بأقذع الأوصاف في الرسائل التي يرسلها له من معتقل لآخر، ورغم كل ذلك كان هناك معزة خاصة لياسين في قلب أبو جمل، وأذكر أنه بعدما التقيت أبو جمل في سجن نفحة أيضاً في عام 2002،وجاءه أمر بترحيله إلى معتقل بئر السبع، فإنه بدأ مربكاً وحائراً، كيف سيتصرف إذا لم يجد هناك رفاق، ومن ستولى مسؤولية الرفاق هناك، وكان أبو سير يبدد له المخاوف، بالقول أنك أنت المسؤول، ويرد أبو جمل بإستغراب ، أنا المسؤول وكيف يكون ذلك؟ ، وأنا لم أتعود على تولي المسؤولية ، ولكن يرحل أبو جمل وينجح في تولي المهمة، بالتعاون مع الرفاق والقادمين الجدد والمحافظة على الوضع التنظيمي، وأبو جمل الذي دخل عامه الاعتقالي الثالث عشر، طوال الفترة كان يردد أنا " والله مش مستعجل أروح " ولكنه بدأ في الأعوام الأخيرة، يوجه سهام نقده للفصائل والأحزاب على قصورهم وتجاهلم لقضايا الأسرى والمعتقلين، وكان دائماً المناضل ياسين أبو خضير، يقول له أسرى ما بعد أوسلو غير مشمولين في صفقات الإفراج، وأبو جمل لا يكترث بذلك، بل أنه في إحدى صفقات الإفراج والتي شملت شادي هلسه ابن مجموعة أبو جمل، ولم تشمل ياسين أبو خضير، قال له أللهم لا شماتة، وأبو جمل الآن كغيره من الأسرى يقول بصوت عالي، أية اتفاقيات لا تضمن إطلاق سراحنا نحن منها براءة، ومن الموقعين عليها . أما الأسير توفيق عويسات ، والذي من المهم جداً قوله، أن والده علي عويسات"أبو سميح" والمعروف لكل أهالي الأسرى والقدس ، حيث أنه واحد من المؤسسين للجنة الأهلية للدفاع عن أسرى القدس ، وهو لم يغب أبداً، إلا لأسباب قسرية جداً عن أية مناشطة أو فعالية لها علاقة بالأسرى، وتراه دائماً كل يوم خميس في الإعتصام الأسبوعي لأهالي أسرى القدس في الصليب الأحمر الدولي، ويتنقل بين قرى ومدن الضفة الغربية دعماً لقضية الأسرى، إما تراه مشتركاً في مسيرة أو اعتصام، أو زيارة لأسرى مفرج عنهم، ناهيك عن دوره كرجل إصلاح في حل القضايا والخلافات العشائرية في البلدة ومدينة القدس، وابنه المناضل توفيق، وكما يقول فإن صور الجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني، هي التي لعبت الدور الحاسم ، في خياره وقيامه بعملية طعن لإثنان من جنود حرس الحدود في " كنيون" المالحة في القدس، وكان موقناً أنه مستشهد لا محالة، ولكن قدره أنه أعتقل وحكم علية بالسجن لمدة ثمانية عشر عاماً، وفي السجن قضى كفترة عقاب له أكثر من خمسة عشر شهراً في مركز توقيف " المسكوبية" مع السجناء الجنائيين، والذين الحياة معهم لا تطاق، حيث أنهم يعيشون كحياة الغاب القوي يأكل الضعيف، ولم يشعر توفيق بالحياة الإعتقالية الحقيقية، إلا عندما جرى نقله إلى سجن عسقلان، حيث الحياة القائمة على النظام والإنضباط، ولكونه إنسان يميل إلى الهدوء، ويحب العمل لا الكسل والخمول، فإنه أثر العمل في المطبخ، لكي يخدم أخوته ورفاقه الأسرى والمناضلين ، وهو من الأسرى الذين يوثق بهم ويعتمد عليهم في أيام " الزنقات والشدة " في المعتقلات، رغم حالة الإنكسار الشديدة التي مرت بها الحركة الأسيرة، بعد اتفاقيات أوسلو وما جلبته من حالة إحباط ويأس، وفقدان للثقة بين الأسرى وقواهم وأحزابهم في الخارج، إلا أن المناضل توفيق لم يضيع البوصلة أبداً، وكان متماسكاً وكان يقول هذا قدرنا، وعلينا أن نتكيف مع هذا الواقع، لا أن نندب حظنا ونبكي على الأطلال، وتوفيق رغم إلتزامه وانضباطه إلا انه لا يميل إلى التقاليد الصارمة في الحياة والتنظيم، وكان يقول علينا أن نرفهه عن أنفسنا قليلاً، حيث أنه في الغرفة التي سكنها معاً في سجن عسقلان ، كان يسهر هو والمناضلين وهيثم عبيدات واحمد عميره ، إلى ما بعد منتصف الليل، وكان المناضل عميره يقول لهم ، بعد عشرين عاماً من الاعتقال " الله يحرم إللي حرمنا من الصبايا الحلوات "، وطبعاً بعدما يشاهد في بعض الأحيان برنامج ستار أكاديمي ، صار لنا في السجن عشرين سنه " بدنا نطلع ونتجوز"، وكان توفيق يرد عليه ، لما بنحط رجلينا على باب السجن بنفكر، وبالمناسبة توفيق دخل عامه الإعتقالي الثالث عشر، وهو يقول ، هالسجنه " مقدور عليها بس نحقق هدفنا في الحرية والإستقلال. وبالمناسبة والد توفيق والذي جاوز سبعين من عمره ، يقول لي بألم ومرارة شديدتين ،ألم يحن الوقت يا أبو شادي، أن تلتفت السلطة والأحزاب إلى قضية الأسرى بشكل جدي، وتحديداً أسرى القدس والثمانية وأربعين،غير المشمولين بأية صفقة من صفقات الإفراج، أليس من واجبهم على القيادة، أن تتمسك بعدم توقيع أي اتفاق مع إسرائيل دون أن لا يتضمن بشكل واضح ،جدول محدد ودقيق لإطلاق سراحهم،أم أن إطلاق سراحهم سيبقى مرهوناً بحسن النوايا الإسرائيلية، والتي لن تشملهم أبداً ؟، ونحن ما دام فينا كأهالي عرق ينبض سنستمر في قرع الخزان، حتى يعود لنا أبناءنا . 7/11/2007

من ذاكرة الأسر 8المناضلان مؤيد عبد الصمد"الشيص" واحمد حنني"أبو السعود"
شموع على طريق الحرية

........عندما تذكر إسم "الشيص" وأبو السعود في المعتقلات الإسرائيلية، او حتى خارجها فهم أشهر من أن يعرف بهما،وعلى حسب علمي ومعرفتي أنهما لم يترك سجن من سجون الإحتلال يعتب عليهم إلا ودخلوه وطبعاً ليس بمحض إرادتهم، بل قسراً إما نقلاً أو قمعاً ً من إدارات السجون الإسرائيلية ، لدورهم القيادي والريادي في قيادة الحركة الأسيرة الفلسطينية، وهم بعامهم الإعتقالي الحادي والعشرين، شاركوا في جميع المعارك الإعتقالية التي خاضتها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،دفاعاً عن منجزاتها ومكتسباتها في وجه جلاديها من إدارات السجون الإسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود، إرتبط إسمهما بمشروع التقاسم الوظيفي،والذي كان مطروحاً لحل القضية الفلسطينية في عام 1985، ولكون هذا المشروع يشكل خطر جدي على القضية الفلسطينية، فإنه كان المطلوب التصدي له وإسقاطه ، ومن هنا فإن ما قام به هؤلاء الرفاق جاء في إطار قرار سياسي من الجبهة الشعبية ، ولعل دورهم في هذا الجانب كان حاسماً في التصدي لهذا المشروع وإسقاطه، ومع دخولهما المعتقل عام 1987 تعرضا لحملة تنكيل منظمة من قبل ضباط وطواقم السجون الإسرائيلية المنتمين للطائفة الدرزية تحديداً ، لكون واحدة من العمليات التي نفذتها مجموعتهما العسكرية، كانت قتل أحد الضباط الدروز العاملين في إطار جيش الإحتلال، وهذه العملية التنكيلية مستمرة حتى اللحظة، وأبو السعود "والشيص" اللذان إلتقيتهما في سجن عسقلان عام 2002 ، ورغم أنهما أبناء مجموعة واحدة، إلا أن سجاياهما مختلف ومتمايزة، فأبو السعود قائد من الطراز الأول في العمل الحزبي والتنظيمي ، وهو في هذا الجانب صارم حتى " الستالينية" ، وهو فلاح بسيط ومخلص ومبدئي إلى حد التصوف والعبادة، والجيل الجديد من المعتقلين، والذي عاصر" التلفزيونات والستالايت" في المعتقلات وقادم من مجتمع غارق في الثقافة والإعلام الإستهلاكي، لا ينسجم مع أبو السعود، ويشعرون أنه يحاصر تطلعاتهم ورغباتهم، وأنه من الجيل القديم، الذي لم يستوعب التطورات والتغيرات ، وأنت تراه في لباسه الشخصي، يرفض إرتداء "الشورط" في المعتقل، أو المشاركة في سماع نكات ومزح ،تتضمن تلميحات وإيحاءات نسائية وجنسية، وتراه يقوم بإغلاق أزرار قميصه حتى الزر الأخير، ورغم ذلك إلا أن المعتقلين يشعرون أن أبو السعود في داخله طفولة لم يعشها أو يتمتع بها كغيره من أبناء شعبنا الفلسطيني، وانا لا أعرف سر محبة أبو السعود، لمطربة لبنانية تدعى الين خلف، حيث كان مهووس في سماع أغانيها، وخصوصاً أغنية "دلع الحبايب يا دلع"، حتى انه كان يطلب من الأسرى إيقاظه من النوم، عندما تغني الين خلف، وأبو السعود والحق يقال أنه ينتمي ليس فقط لأسرة وعائلة مناضلة، بل لبلدة مناضلة وحتى عريقة في النضال، قدمت وما زالت تقدم الكثير من الشهداء والجرحى على مذبح الحرية، وكنت عندما أريد أن أستفزه أقول له يا أبو السعود " إسمع ماذا كتبت الجريدة عن بلدتنا جبل المكبر، فلان أو فلانه يحققون نتائج باهرة في إمتحان التوجيهية العامة، وبلدة بيت فوريك غارقة في التخلف، وعندها يستفز ويقول نحن بلد الشهداء والجرحى ، وليس بلد المثقفين وأبناء" الشمينت " ، نوع من انواع اللبن الإسرائيلي، وكنت بدوري وبسلاطة لساني أرد عليه، بيت فوريك أولها مزبلة وآخرها مزبلة ولحد اليوم ما فيها كهرباء ولا ماء، وأبو السعود كالعجايز القديمات ،يحتفظ تحت"برشه" سريره، في كراتين يضع فيها أشياءه ومذكراته، وكذلك ما يحتاجه في عمل البراويز أو رثي الملابس وغيرها من "الكراكيب" .
أما المناضل العملاق مؤيد عبد الصمد" الشيص"، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الأسير المحرر رمضان داود الجعيدي، على إعتبار أن شكله أقرب إلى صنارة السمك، فهو بحق يحظى بإحترام كل ألوان الطيف السياسي الإعتقالي، الذين يتفقون أو يختلفون معه ،"والشيص" أنا أجزم أنه إنسان وطني من الدرجة الأولى ويغلب الإنتماء الوطني على الإنتماء الحزبي، وهو إنسان مثقف وواسع الإطلاع، ولديه جلد وصبر في التعامل مع المعتقلين، حيث تراه يقوم بتعليم معتقل جديد القراءة والكتابة، او كان يقوم بالقراءة للمعتقل الكفيف علاء البازيان، وعلى ما أذكر ويذكر المعتقلين أن الشخص الوحيد الذي كان يعتني بشكل متواصل بالمرحوم المناضل رجا نعيرات"أبورفعت"، حيث انه في السنوات الأخيرة من عمره بحكم السن ،وطول فترة الإعتقال أصيب بمرض "الزهايمر"، وكان ينسى إذا ما تناول الطعام أو لا، وينسى الغرفة التي يسكن فيها، و"الشيص" كان يقوم على حمامه والإعتناء به، و"الشيص" إنسان مرح وصاحب نكتة، وأذكر أنه في إحدى الخطوات الإحتجاجية على ممارسات إدارة السجن ضد الأسرى، أقنع "الشيص"و"الشمبر" ومعهم عدد آخر من الأسرى ، الأسرى ان يقوموا على العد المسائي بتقليد الكلب والنباح بشكل جماعي على طواقم العدد الإسرائيلية،و"الشيص" للعلم فهو كاتب متمكن في الجانب الأدبي ، وله إصدارات في هذا الجانب، وأذكر أنه في عام 2001، عندما ذهبت في شهر آب/2001 للمحكمة المركزية في القدس، وضعونا في "معبار" سجن الرملة تمهيداً لنقلنا صباحاً إلى المسكوبية في القدس،وطبعاً وضعونا في"إكسات" الواحدة تتسع بالكاد لشخصين، وكنا فيها أربعة مناضلين من ضمنهم مهراج من طولكرم ومحمود النادي من قلقيلية، وبعد منتصف الليل ونحن نيام ، فاضت المجاري داخل "الإكس" وإذا محمود النادي ومناضل آخر يسبحون في بركة من "الخراء" ، وللوهلة الأولى كان النادي يعتقد أن قنينة الماء التي يحتفظ بها قد سكبت عليه ، ولكن عندما إكتشف الحقيقة بدأ بالصراخ وإيقاظنا وهو يقول" غرقنا في "الخراء " يا أبو شادي، وبدأنا بالصراخ على ضباط السجن ، والذين لم يخرجونا منها إلا بعد مرور ساعة، ولك أن تتصور كيف يذهب معتقل للمحكمة وملابسه قد تعطرت"بالخراء"، وعندما عدنا لسجن عسقلان كانت الحادثة حديث المعتقل،"والشيص" اللئيم كتب موضوعة حول ذلك سماها"طوفان في المعبار" ووضع لها رسم كاريكاتيري، ونحن في ملابس المعتقل ، ونسبح في بركة من " الخراء"، وعلى ما أذكر أن ما كتبه"الشيص"، كان من أجمل ما كتب ،ويستحق ان يمثل من قبل المسرح الشعبي سنابل، حيث أن الفنان أحمد أبو سلعوم وفرقته، هم الأقدرعلى نقل الحدث وتصويره مسرحياً.
وبحق فإن"الشيص" وأبو السعود هما معلمان من معالم الحركة الأسيرة اللسطينية، وشاهد حي على عمق المأساة والخذلان التي يعيشانها،هما وباقي أبناء الحركة الأسيرة من السلطة والأحزاب والقوى الفلسطينية ، والتي قبلت لهما ولغيرهما في إتفاقيات أوسلو المذلة ،أن يجري تصنيفهما ضمن الأسرى الملطخة أيديهم"بالدماء" ، وهذا بحد ذاته ليس قتلاً للمناضلين، بل تصريحاً وتشريعاً لهم، لفقدان الثقة بمثل هكذا قيادات، تقبل أن تكون نضالاتهم مدار مساومة وإشتراطات إسرائيلية، و"الشيص" وأبو السعود رغم طول الأسر وكل مراحل الردة والإنكسار والتراجع والإنهيار، إلا أنهما مثالاً ورمزاً للشموخ والإباء الفلسطينيين.
13/11/2007

من ذاكرة الأسر 9

الأسيران حسام شاهين وأمجد أبو لطيفة
شموع على طريق الحرية

... هم من الجيل المثقف والواعي في المعتقلات، وليس هذا فقط، بل هما من أصحاب الرؤيا والأفكار التنويرية، ورغم كونهم من القيادات الفتحاوية الإعتقالية، إلا أنهما بعيدان عن العصبوية التنظيمية والإنغلاق، وعندما ظهرت نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، كانت بمثابة الصدمة بالنسبة لهما، وشنا حملة شرسة على اللجنة المركزية لحركة فتح بإعتبارها المسؤول الأول عن الخسارة الثقيلة لفتح في الإنتخابات التشريعية، وكذلك كثرة المرشحين الذين لم يلتزموا بقرارات فتح بعدم ترشيح أنفسهم خارج القوائم الرسمية، وحالة الفساد والفلتان التي كانت سائدة في أجهزة ومؤسسات السلطة، وكانا دائماً يراهنان على عقد المؤتمر السادس لحركة فتح ،كمخرج للأزمة التي تعصف بفتح ، وكثيراً ما كتبوا عن ذلك لقيادات الحركة الأسيرة وللقيادة الفتحاوية في الخارج، ولكن ما كنت أستشفه منهم، أن الأمور هي على غرار، على من تقرأ مزاميرك يا داود، وكم كنا أنا وحسام وأمجد نعقد إتفاقاً من أجل يخوضوا نقاشاً إستفزازياً مع المناضل ناصر أبو خضير حول ما آلت إليه أوضاع الساحة الفلسطينية، وبهتان دور اليسار الفلسطيني، وإنسداد آفاق تطوره وتقدمه في ظل تكلس وتحجر قياداته وفئويتها، وكذلك ضعف وتراجع دوره الكفاحي والنضالي، وسرعان ما يستفز ناصر أبو خضير، ويبدأ بشن حملة شرسة على القيادات الفتحاوية، التي حرفت حركة فتح عن دورها ومسارها النضالي، وأخضعتها للشروط والإملاءات الأمريكية، وكان يقول لهم أن فتح تيار مرتبط بالأمريكان، وهو سبب كل المصائب والبلاوي في الساحة الفسطينية، وان المستقبل لليسار ولا بد له أن ينهض ويستفيد من أخطاءه ويستعيد دوره، وكنا دائماً نتناقش حول، هل من الممكن انه على ضوء "التسونامي" الذي أصاب الساحة الفلسطينية، أن تظهر قوى سياسية جديدة على الساحة الفلسطينية؟، وما هي سبل الخروج من الأزمة؟، واللافت للنظر أن حسام وأمجد، كانا من أشد الرافضين لإقامة حكومة وحدة وطنية مع حماس، وكانت وجهة نظرهما أن تعطى الفرصة لحماس للقيادة، وأن تكون فتح في المعارضة، لأنها أثناء وجودها في السلطة تحملت كل وزرها ومساوئها، وهذا بحد ذاته قاد إلى تدهور شعبية فتح وتراجع جماهيريتها، وكذلك كانت لهما ملاحظاتهما الجدية والحوهرية على الإنتخابات الفتحاوية في المعتقلات، نظام وآليه وكذلك أن المعاير التي تحكم الترشيح وغيرها، هي جهوية وعشائرية وبعيدة عن الفهم التنظيمي، وبالمناسبة فعدا أن حسام وأمجد من القيادات الواعية والمتنورة في السجون فهما بالأساس قادة طلابيين، أمجد في جامعة بير زيت ، وحسام رئيس الشبيبة الفتحاوية في الوطن ومسؤول علاقاتها الخارجية، وكنا ثلاثتنا نتفق، ان الحركة الأسيرة ليس بمثابة"التابو" والشيء المقدس الذي لا يمس، فالكثير من الأمراض الموجودة عند الحركة الوطنية في الخارج، موجودة عند الأسرى، بل وتبرز في المعتقلات على نحو أشد وأعمق، حيث قلة الإهتمام في الجوانب الثقافية والتنظيمية، فعدد القراء من المعتقلين في تراجع مستمر، حتى ان الكثيرين منهم لا يقرأون الجريدة، والوضع الذي كانت فيه الفصائل تتبارى وتتسابق في عقد الجلسات، لم يعد موجوداً، واليوم الفصائل والأفراد يرون في الجلسات مسبة أو شتيمة، وعندما يريدون أن يعلقوا على معتقل أو يذموه فإنهم يقولون له، هل مازلت تأخذ جلسات كتنظيم الجبهة الشعبية؟ وكان المسألة فيها نقيصة أو مسبة وشتيمه، ومكتبة عسقلان التي كانت تضم في جنباتها الآف الكتب والكراسات التنظيمية، اليوم مهمله وليس فيها الكثير من الكتب، وهذا التراجع والوهن الذي أصاب الحركة الأسيرة الفلسطينية، هو إنعكاس لما هو في الخارج، حيث أن أوسلو أحدث هزة قوية في صفوف الحركة الأسيرة، تماما كحال"البريسترويكا" الغورباتشوفية التي دمرت الإتحاد السوفياتي وكل دول المعسكر الشرقي، فأوسلو الذي تجاهل الأسرى، أحدث شرخاً عميقاً عند الأسرى، وكذلك حالة غير مسبوقة من عدم الثقة بالقيادة الفلسطينية، ناهيك عن ما خلفه ذلك من حالة إحباط ويأس عند الأسرى، حتى أن قوى وتنظيمات الحركة الأسيرة، عطلت حياتها التنظيمية والإعتقالية والثقافية، وأصبح العمل يعتمد على الهمة والعلاقات الشخصية والجهوية وغيرها، وبالعودة للأسيرين حسام وأمجد، فأنا أذكر أن الأسير حسام في الجلسات الثقافية التي كان يشرف عليها عند فتح، كان دائماً يقول لهم أن فتح ليست تنظيم إخوان مسلمين، وأنا لست ضد التدين، ولكن هذا الحشو للكم الهائل من المعلومات الديني ، يظهر فتح وكأنها أكثر عصبوية من حماس في هذا الجانب، وكان يقوم بتثقيف شاب بسيط هو المناضل محمد سليمان السلحوت، والذي ما أن يخرج إلى "الفورة"، ساحة التنزه للأسرى، حتى يبدأ بإستعراض قدراته ومعلوماته التي حصل عليها من حسام على الأسرى ، واكثر من مرة إستدعى الأمر من حسام أن يوبخه على ذلك، وأذكر مرة أن الصحفي محمد زحايكة ، قد بعث لنا رسالة عن البلدة ،أي بلدة جبل المكبر، وبعدها قرأنا له تعليق على كتاب لكاتبة لم نسمع بها أبداً، وطبعاً الحديث كله مدح وإطراء، فرددنا عليه أنا وحسام برسالة قاسية، أن هذا التملق لا بد أن يكون بثمن قدمته لك الكاتبة، وعليك أن تحترم ذاتك وان تبتعد عن هذا الأسلوب الرخيص ، وكم من مرة كنا نستفز أبو سامر، المناضل إبراهيم مشعل والذي مضى على وجوده في المعتقل تسعة عشر عاماً ، بالقول يا أبو سامر خلص خليك في هالسجن، شوبدو يطلعك، أكيد أم سامر والأولاد إستغنوا عنك، بس حسام والشباب القادمين الجدد للمعتقلات ، ما زال الوطن بحاجتهم ، وهم بحاجة لأن يتزوجوا ويواصلوا المسيرة، ونحن في السجون بحاجة "لمانديلا" فلسطين، وخليك يا أبو سامر " مانديلا"، وهنا يستشيط أبو سامر غضباً، كل المده التي قضيتها في السجون غير كافية أن تحرك ضمائركم وضمائر قياداتكم من أجل العمل على تحريرنا من الأسر، وتريدون مني أن أكون "مانديلا" فلسطين، فلتأتي قياداتكم التي تترفه وتتنعم، وتكون "مانديلا" فلسطين، وأنا أراهنكم أنها لو أتت وقضت ربع ما قضيناه في السجون ، لكفرت في الوطن والوطنية، وسرعان ما ننتقل للحديث مع المناضل العريق فخري البرغوثي، والذي دخل عامه الإعتقالي التاسع والعشرين، بالقول يا أخي هو فش في هالوطن إلا دار البرغوثي، موزعين أنفسكم على الأحزاب والفصائل قاده، من مروان لمصطفى لرحمة بشير لسهى وسهام وغيرهم ، خلي محل في القيادة لغيركم ، ويجيء الرد سريعاً ، إحنا البراغثه يا قاده يا بلاش، وبعدين إحنا مش جاين ننحبس على توزيع لحمه وحلو، سبعة عشر شهراً على اللحمة والحلو يا أبو شادي، كيف لو وزعت شيء آخر؟.
وفي الختام يبقى حسام وأمجد نموذجاً للقيادات الشابة المؤمنة ، بانه آن الآوان لكل القيادات المتكلسة والمتحجرة والمتربعة على كراسي تنظيماتها ، أن تتخلى عن هذه الكراسي والمناصب لصالح قيادات لها القدرة على العطاء والبناء والتغير، فهذه المناصب ليست حكراً على سين او صاد ، والذين أصبحوا نماذج مسيئة للثورة والوطن.
15/11/2007


من ذاكرة الأسر

 10

الأسيران إشراق إرحيمي ومحمد الريماويشموع على طريق الحرية
بيت ريما، إسم لن ينسى في التاريخ الفلسطيني، وبيت ريما إحدى قرى رام الله، وهي بلدة زراعية، ووصفتها الصحافة الإسرائيلية بانها إحدى دفيئات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فعندما إغتالت الجبهة الشعبية الوزير الإسرائيلي اليمني المتطرف "رحبئام زئيفي"، تعرضت بلدة بيت ريما إلى عملية إنتقام إسرائيلية قاسية وواسعة، على إعتبار ان الخلية التي نفذت الإغتيال، هي من بلدة بيت ريما، وقد طالت عملية الإنتقام تلك، عدا عمليات الإعتقالات الواسعة لأعضاء وأنصار الجبهة الشعبية، عمليات تنكيل وقمع وهدم لبيوت الرفاق المشتبه بمشاركتهم في عملية الإغتيال، بشكل مباشر وغير مباشر، ومنهم الرفاق إشراق إرحيمي "أبو أحمد" ومحمد الريماوي"أبو اماني"، وهؤلاء الرفاق عدا عن ان عمليتهم كانت نوعية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، فهي أيضاً تكتسب دلالة وأهمية عميقتين، فلأول مرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، يجري قتل وزير إسرائيلي بهذا المستوى، فبالإضافة لكون "زئيفي"، يميني ومتطرف، فهو من أشد الداعين إلى طرد العرب وترحيلهم.
وبالعودة للمناضلين " أبو أحمد وأبو أماني "، "فأبو أحمد" في الثلاثينات من العمر، وينتمي إلى أسرة فلاحية، ولكن كون الفلاحة موسمية ولا تسد حاجات السكان الأساسية، إضطر "أبو أحمد" للعمل في إسرائيل " كقصير"، و"أبو أحمد" الذي إلتقيته في سجن عسقلان عام 2001، ومن ثم مجدداً في سجن نفحة 2002، ومرة أخرى في سجن عسقلان 2005، إنسان هاديء إلى أبعد الحدود، ومثابر ومجد بدرجة غير معقولة، وكذلك مبادر ومتواضع بشكل لافت للنظر، حيث نال شهادة التوجيهية وهو في المعتقل، فقد تعلم العبرية بزمن قياسي، وإلتحق بالجامعة المفتوحة، وعلى ما أذكر حتى لحظة تحرري من المعتقل في شهر تشرين أول/2006، كانت علاماته الجامعية جيدة جداً، والمناضل المحبوب "أبو أحمد"، تعلمت العبريبة على يديه، حيث كان يبدي طول بال وصبر علي لدرجة كبيرة، وبالمقابل كان يتصعب من حضور الجلسات معي في المادية الديالكتيكية في سجن نفحة /2002، وأسس الإقتصاد السياسي في سجن عسقلان/2006، وكذلك لا يتحرج أو يتهيب "أبو أحمد" من أن ينتقد نفسه سلباً على أي خطأ أو تقصير، ولا يجيد التبرير وفلسفة الأمور، كما يفعل الكثير من المثقفين، وهو يمل ولا يرغب في الجلسات التنظيمية والثقافية الطويلة، وهو من اول المصوتين على عدم زيادتها، وأكثر ما يكره "أبو أحمد" في المعتقل، هو الخروج إلى "الفورة"، أو ما يسمى ساحة النزهة للمعتقلين، وكم مرة أنتقد سلباً على هذه الناحية، و"أبو أحمد" يصحو باكرأ، وقبل مجيء العد الصباحي في السادسة صباحاً، ويقوم على إيقاظ الرفاق، ومن ثم يعمل كأساً من الشاي الساخن، ويجلس يطالع بهدوء، وهو ليس من رواد السهر، حيث يخلد للنوم في العاشرة مساءاً، و"أبو أحمد" يا "أم احمد" لديه الكثير من المهارات والخبرات، التي بالضرورة أن تستفيدي منها، إذا ما شاء الله ومنّ علية بإفراج من المعتقل قريباً، فهو معلم طبخ من الدرجة الأولى، وكذلك فنان في الأشغال اليدوية الإعتقالية، ناهيك عن ميزاته ومبادراته في الجلي والتنظيف، وأكثر ما يكره أبو أحمد ان يكون مسؤولاً في عمل تنظيمي أو ثقافي أو حتى إداري، وأكثر ما كان"أبو احمد" يتمناه، هو أن يتغلب علي في لعبة " الدومينو" قبل أن أتحرر من المعتقل.
أما الرفيق محمد الريماوي" أبو أماني"، فهو بالأساس فلاح من بلدة بيت ريما، ولكنه كان يعيش في الأردن، ويعمل كميكانيكي، وقد تعرفت علية في سجن عسقلان /2006، وسكنا معاً في غرفة 26، و"أبو أماني" هو عكس إشراق تماماً، فهو دائم الحركة، ويسعى إلى تثقيف وتطوير نفسه، ويبدي غيرة وحرصاً عاليين، على أوضاع الرفاق والمعتقلين، وتراه من أشد المناصرين لتكثيف الجلسات في المواضيع المختلفة، وهو قاريء جيد، وهو لا يكتفي بالقراءة، بل ويقوم بالتلخيص والعودة للأفكار الهامة في المادة، وهو إنسان مرح، ولكنه عصبي وحاد المزاج، ولا يجامل في المسائل الحزبية والتنظيمية، وفي الكثير من المرات سببت له هذه الميزة خلافات وجفاء مع العديد من الرفاق، حيث ان البعض لربما كان يرى في وعي "أبو الأماني" وإكتسابه المهارات والمعارف والخبرات التنظيمية والإعتقالية، ما يشكل تهديداً لسلطته وصلاحياته القائمة على أساس "المخترة" وطول المدة، و"أبو اماني" كان دائم التفاعل مع الرفاق والمعتقلين، والذين يحرص على نسج العلاقات الإجتماعية معهم، وحثهم على القراءة والثقافة، وتطوير ذاتهم وملاكاتهم، وفي سياق تفاعلاتنا في الأمور الشخصية، أنا والرفيق المحرر ضرار العزة و"أبو اماني"، وفي الحديث عن الأيام الخوالي، قال لنا أبو أماني أنه كان يريد أن يتزوج من فتاة إسمها نجاح، ولكن لظروف ما لم يتم هذا الزواج، و"أبو أماني" كان وهو نائم في بعض الليالي، تصدر عنه أصوات وكلمات، وبحكم أن محكوميتنا أنا والرفيق ضرار العزة، قد شارفت على الأنتهاء كان يوصينا، أن نزور الأهل ونتواصل معهم، وكنا نقول له طبعاً، هذا أقل واجب وما تمليه علينا العشرة والرفاقية، ولكن سنقول "لأم أماني"، أنك كنت تحكي وأنت نائم، وتقول نجاح......نجاح، هل إسمك نجاح يا "أم أماني"، وهنا يقول لنا "أبو أماني" واضح إنكم ما بدكم" أم أماني" اتزورني، وبالفعل عندما تحررنا من الأسر وذهبنا إلى بيت الرفيق أبو أماني، قلنا "لأم أماني" وبناته على سبيل الدعابة والمزاح أن أبو اماني يسلم عليكم كثيراً ومشتاق لكم كثيراً، وطوال الليل يحلم ويتكلم بصوت عالي نجاح.... نجاح، فتصوري يا "أم اماني"، كم محبة ومعزة "أبو اماني" لك، فقالت لنا إذاً" خليه يحلم وخلي نجاح اتزوره"، وبالفعل عندما زارته "أم أماني"، قالت له حضر أبو شادي وأبو أحمد إلى البيت، وقالوا أنك دائم التذكر والهذيان باسم نجاح، و"أبو أماني" يحلف ويقول والله " يا أم أماني " مالي غيرك بركه، بس "أبو شادي وأبو أحمد"، بدهم ينكشوا رؤوسهم علينا ويشبكونا مع بعضنا، وانتي بتعرفي معزتك وغلاوتك عندي.
ويبقى الرفاق "أبو احمد وأبو أماني"، وكل أسرى شعبنا مشاعل للحرية، ونبراس لنا نسير على هديهم ونهجهم، وهؤلاء الأسرى يجب ان تكون قضاياهم والأفراج عنهم، في سلم الأولويات للسلطة ولكل القوى والأحزاب الفلسطينية، ويجب أن نتعلم من الأخطاء السابقة، وأن لا نترك قضيتهم،كما حدث في أوسلو لحسن النوايا الإسرائيلية، هذه النوايا التي حولت الإفراج عنهم، إلى ورقة ضغط وإبتزاز، والكثير من الشروط التعجيزية.
20/11/2007

من ذاكرة الأسر 11

الأسيران رأفت العروقي ورياض عيسى" الأرب"
شموع على طريق الحرية
......... هؤلاء الرفاق عرفوا المطاردة قبل الإعتقال، فهم من المطاردين لمجموعات النسر الأحمر في منطقة القطاع، ورياض عيسى"الأرب ، هو كالقطط بسبعة أرواح ، حيث أن سبب التسمية يعود، إلى ان المناضل رياض عيسى ، أثناء العمل في إحدى الورش ، سقط عليه أحد المصاعد، ونقل للعلاج في مصر، وذهب شقيقه لزيارته، وهناك نادي عليه رياض بالمصرية، حتى يقترب منه" أرب ... أرب "، و"الأرب" أثناء المطاردة ، ويبدو انه أثناء التدرب على السلاح، خرجت من مسدسه بطريق الخطأ طلقة لتصيب طفلة وتقتلها، ومن هول الصدمة، ترك رياض المسدس، وراح يعدو ويقول قتلتها قتلتها، ورياض ورأفت إلتقيتهما في سجن عسقلان عام 2001، ومجدداً إلتقيت برأفت في عسقلان عام 2005، وكذلك رياض في " معبار" بئر السبع، ورياض الذي سكنته معه في غرفة 13 في سجن عسقلان ، لديه عادة غريبة فهو، يثور لأتفه الأسباب، ثم بعد ذلك يهدأ، وكما يفعل رحمة الرئيس الراحل أبو عمار، يقوم بالإعتذار لك وخذ بوس، وأذكر انه عندما سكنت في هذه الغرفة ، قلت هذا عقاب من التنظيم لي ، حيث أن " الأرب " كان يحب ان ينام باكراً، وانا وعدد من الأسرى الآخرين، وتحديداً مصطفى المسلماني "أبو الأديب " وعماد عصفور " أبو العبد" كنا نسهر، وهنا تثور ثائرة "الأرب "، وثائرة"الأرب"، لم تكن لهذا السبب فقط ، بل أنه كان في الغرفة ، تلفزيون صغير 14 بوصة للرفيق عماد زعرب ، وكان" الأرب" يريد أن يحضر عليه مبارة رياضية ، وعماد يريد أن يحضر فيلم اجنبي ، وهناك تقع الواقعة ، وهات تحجيز وحل مشاكل، وفي يوم من الأيام، حيث كنت أتعلم العبري، على يد المناضل ياسين أبو خضير، قال لي إذهب إلى أخي " الأرب" ، حيث ان ياسين يعتبر " الأرب" شقيقه ، فوالدة المناضل ياسين ، والتي توفيت رحمها الله وياسين في المعتقل، كانت تقوم بشكل منتظم بزيارة" الأرب"، عندما كان اهله لا يتمكنون من زيارته، وقل له يا " أرب" بالعبرية" عبارة معينة والعبارة تحتمل معنين، إحداهما سلبي والآخر عادي، وهنا ثارت ثائرة " الأرب" وأرغى وأزبد، وفشلت كل المحاولات للصلح معه، وإقناعه بان القصد من العبارة المعنى الإيجابي وليس السلبي ، حتى تمكن ياسين من إقناعه، وعادت المياه إلى مجاريها ،"والأرب" ، من أشد الرفاق حرصاً وطيبة، وهو غيور على مصلحة الرفاق، وأشد ما يكره المسؤولين، الذين يستغلون مواقعهم من أجل قضايا شخصية وتغليفها بالمصلحة التنظيمية، ولعل الجميع يذكر أن"الأرب" عندما كانت "البيلفونات" أيام العز تملىء السجون ، كان يشرف على ترتيب الأدوار وكذلك الحرص على المولود وتأمين سلامته ،وعندما كان يجد ان من يقوم بإستغلال ذلك، يعلنها ثورة عارمة ويقول من الذي إبتلانا بهذه القيادات، و"الأرب" كان لديه أحاسيس ومشاعر جياشه، وعندما أحب فتاة معينة، أخلص لها اكثر من إخلاصه وولاءه للتنظيم والحركة الأسيرة، وكان صديقه ورفيقه رأفت العروقي، في إطار المزاح والدعابة، عندما يتكلم مع والدة "الأرب"، ويحاول ان يقنعها بعدم صوابية إختيار رياض، وأن لا توافق على هذه الزيجة ،"والأرب" كان يستشيط غضباً من رأفت من هذه القضية، وكان يقول على سبيل المزاح والدعابة" طيب يا رأفت الكلب"، و"الأرب" يحتفظ بعلاقات إعتقالية واسعة، وأضحى لديه خبرات واسعة في الشؤون والقضايا الإعتقالية ، ومن هنا تراه دائم الحرص على الرفاق والمعتقلين الجدد .
أما الأسير المناضل رأفت العروقي"أبوعلم"، والذي إكتسب خبرة واسعة في الشؤون والقضايا الإعتقالية ، بحكم عمله ودوره في لجنة الحوار الوطني والخارجية،والذي تعرفت عليه في سجن عسقلان 2001 ، عندما كان يسكن في غرفة 26 ، أذكر انه في إحدى المرات دعاني إلى زيارة لغرفتهم، عندما كانت الحركة الأسيرة في أيام عزها، وبطبيعته فهو يحب " النهفات"والمزاح، كان يحتفظ بعصير عنب معتق في غرفته ، حيث شربنا معاً، وطبعاً عصير عنب وليس شيئاً آخر وحتى لا يقوم البعض بتأويل الأمور، وفي يوم إستشهاد الرفيق والقائد الوطني أبو علي مصطفى، وكنت أسكن في غرفة 13، حيث كنت في أقصى درجات التوتر، حيث أن السجن حتى فترة الظهيرة، لم يأخذ قراراً بعمل تأبين للقائد الكبير في ساحات المعتقل ، وتوجهت بدون إذاً من الإدارة إلى حيث يسكن رأفت ، حيث أسمعت كل الموجودين من مختلف الفصائل كلاماً قاسياً ،بأنه لا يجوز لنا كأسرى ومناضلين ، ان يستشهد قائد بهذا المستوى والرمزية، ولا نقوم بعمل تأبين له على مستوى المعتقل، وحاول البعض أن يبرر ذلك بأنه منذ مدة لم يجري القيام بعمل من هذا النوع ، وأخيراً جرى الإتفاق على أن يتم عمل التأبين في الساحة الرئيسية للمعتقل ، وأن يقوم الرفيق المخضرم والقائد سامر المحروم بإلقاء بيانأ حول ذلك ، وبالفعل ألقى البيان، ومباشرة قامت إدارة المعتقل بعزله وترحيله إلى ، قسم العزل في سجن بئر السبع، ولكي تقوم إدارة المعتقل بعد الظهر، بوضع المناضل الرفيق العملاق مؤيد عبد الصمد"الشيص" في الزنازين بعد أن ألقى البيان الإعتقالي بمناسبة جريمة الإغتيال القذرة، والمناضل رأفت العروقي يقيم علاقات واسعة جداً مع مختلف ألوان الطيف السياسي في المعتقل، بالإضافة إلى كونه قادر على نسج العلاقات الإجتماعية مع الأسرى وعائلاتهم، حيث يقوم بالتراسل والتواصل معهم، والعروقي يحقد على القيادات كونهم، لا يعتقلون أو يعتقلون لفترات بسيطة، ولا يعيرون الأسرى الإهتمام الكافي ،إلا عندما تعتقل القيادات، والعروقي لا يحب القراءة كثيراً ، ودائم الوصف للمناضلين المثقفين بالثوار الكتبة والذي يرى أنهم فقط يستعرضون قدراتهم الثقافية على المناضلين الأسرى، ولعل طول مدة الإعتقال، فعدا عن كونها أكسبت المناضل العروقي خبرات واسعة في الإطار الإعتقالي والعمل الحزبي والتنظيمي، فهو يميل إلى النزق والحرد وعدم تحمل النقد أحياناً، وبالمقابل فإنه يهتم بشكل جدي بالرفاق والمعتقلين الجدد، وهذا الإهتمام يكون بالرفاق والمناضلين الجدد من الشباب، كونهم يفتقرون إلى الخبرة والتجربة الإعتقالية وواقع حياة الأسر، وهو يحنو على الرفاق الصغار، كما تحنو الأم على أولادها، والعروقي وحسب إعتقادي ومشاهداتي لرسوماته، فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير جيد جداً، وإذا ما وجد جهة ترعاه وتهتم بطاقاته وإبداعاته، فلا شك انه سيكون مبدع في هذا الجانب والمجال، والعروقي قبل ذلك إنساني إلى أبعد الحدود ، وخصوصاً تجاه الأطفال، وأنا أذكر حادثة شخصية مع إبني مالك، وكون عمره لا يتجاوز السبع سنوات، حيث رفض الدخول لزيارتي من غرفة المعتقل إلى الشبك ،إلا إذا إشتريت له"
play station
"، وكون المناضل العروقي من المناضلين الذين يسمح لهم في تلك الفترة الدخول لغرف الزيارة، وزيارة أقسام السجن، دعوته لإقناع مالك والتعهد بإخراج هذه اللعبة له في الزيارة القادمة، ولم يتمكن العروقي في الزيارة القادمة من إخراجها، ومالك كال له اتهامات بالكذب وعدم الصدق، ولم يأتي لزيارتي إلا بعدما أخرج له رأفت اللعبة .
ورأفت ورياض هم من أبناء قطاع غزة ، والذين يفترض أن يتحرروا من الأسر، بخروج الإحتلال من القطاع، ولكن الإحتلال الذي يضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية ،يصر على عنجهيته وغطرسته وتحديه لحقائق التاريخ ، وهؤلاء المناضلين الذين قضوا فترات طويلة في المعتقلات ، يجب أن يكون دائماً هناك إصرار على أن تكون لهم الأولوية في أية عمليات إفراج أو صفقات تبادل.


22/11/2007

من ذاكرة الأسر 12

الأسيران احمد عميره والعفو شقير
شموع على طريق الحرية
........كان شعلة عطاء ونشاط قبل إعتقاله، وكان لا يترك مناشطة جماهيرية إلا ويشارك بها، أو كان داعية لها، وعندما إندلعت الإنتفاضة المجيدة الأولى، لم يتوانى عن المشاركة بها بفاعلية، وفي خضم العمل والنشاط ، كان احمد يرى ان بشائر النصر قد لاحت، وان هذه الإنتفاضة يعول عليها كثيراً في إمكانية تحقيق الحرية والإستقلال، هذا الشعار الناظم لهذه الإنتفاضة المجيدة، شعار لا صوت يعلو فوق صوت الإنتفاضة، ودخل احمد كغيره من أبناء الشعب الفلسطيني المعتقل،والإنتفاضة في عنفوانها وأوجها،والسجن زاد احمد إصراراً وقناعة بأن فجر الحرية آت لا محالة، وتتوالي سنوات السجن عاماً بعد عام ، ويرى احمد وعدد آخر من رفاقه ، ان القوى اليسارية هي تنظيمات "ستالينية" وتفتقر إلى الديمقراطية في حياتها الداخلية، وبغض النظر عن عدم صحة وزيف الإدعاءات والمبررات التي صاغها وطرحها، بل وخدع بها الكثيرين، ياسر عبدربه والذي كان يتبوأ منصب نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، لتبرير إنشقاقه عن الجبهة الديمقراطية، والذي أثبت الواقع أن تلك المبررات لم تكن إلا حجج وذرائع واهية، لتبرير سلوكه السياسي الإنهزامي لاحقاً والحفاظ على منجزات ومكتسبات شخصية،وتنفيذاً لرغبات وأجندات غير فلسطينية، وان هذا الإنشقاق لم يضف أي شيء نوعي للساحة الفلسطيسنية، لا على صعيد البرامج الإجتماعية الديمقراطية ولا على صعيد البرنامج الوطني التحرري،بل على العكس من ذلك ساهم في إضعاف اليسار وتفتيه،والمهم أن احمد وعدد من رفاقه إختاروا ان يكونوا أعضاء في هذا المولود الجديد،الإتحاد الديمقراطي الفلسطيني"فدا"، ولتأتي التطورات اللاحقة لتكشف لهم، انه شتان بين ما آمنوا به وبين ما يطرح ويترجم هذا المولود الجديد على الأرض، وأن الشعارات والبرامج المطروحة ، لم تكن أكثر من فرقعات "وهوبرات" إعلامية ، وأضيف لخيبة الأمل هذه خيبة أخرى، ألا وهي ما جلبه أوسلو على الحركة الأسيرة، من حالة واسعة من الإحباط واليأس وفقدان الثقة، حيث أن القيادة التي كان يراهنون عليها، تركتهم فريسة وتحت رحمة الشروط والإملاءات الإسرائيلية للأفراج عنهم، بل والأخطر من ذلك وزيادة وإمعاناً في إذلال المناضلين الأسرى، وكسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم، فإن من يفرج عنه من الأسرى، يلزم بالتوقيع على وثيقة يلتزم فيها بما يسمى عملية السلام، وأن لا يعود لممارسة "الأرهاب"، أي التخلي عن المقاومة والنضال، بل ووصف ذلك بالإرهاب، والخيبات المتتالية والمتوالية تركت آثارها ليس عند أحمد فقط ،بل عند الكثيرين من الأسرى، وأحمد أصبح غير مكترث بالعمل السياسي والتنظيمي، وتراه يقضي معظم وقته في كتابة الرسائل للأهل والأصدقاء، حتى أنني اعتقد ان أحمد، لربما الأكثر في إرسال الرسائل وإستقبالها، والشيء المهم جداً ان احمد يحتفظ بكل الرسائل التي ترد إليه، وكذلك الرسائل التي يرسلها، وهذه بحد ذاتها ثروة ، يمكن لنا أن نستثمرها بعمل دراسات أو كتيبات أو كراسات حول رسائل الأسرى وعلاقاتهم الأسرية والإجتماعية، واحمد يقول أنه يحرص على التواصل مع الأهل والأصدقاء من أجل أن يشعر انه يعيش خارج المعتقل، وهو تربطه علاقات مميزه مع الأسرى من رفاق الجولان، وشدة وقوة هذه العلاقة دفعته، إلى أن يقدم طلباً للإنتقال من سجن عسقلان إلى سجن شطة ،حيث يتواجد ويعتقل الرفاق الجولانيين، وأحمد ليس بالإنسان المغلق ،او الذي يتحرج من حضور مسلسلات أو برامج إجتماعية، يعتبرها المعتقلين تافه أو سطحية ويحضرها العديد منهم سرأ، مثل برنامج ستار أكاديمي، والذي كان أحمد يحرص على حضوره والتفاعل معه ، وأذكر جيداً أنه كان من المتحمسين إلى درجة كبيرة لفتاة لبنانيه إسمها مايا، للفوز بلقب ستار، وكلما شاهد البرنامج ، فإنه يقول لي يا ابو شادي عشرين سنة لا تكفي" الله يحرم إللي حرمنا من الصبايا والحياة"،وأحمد من المواظبين على الرياضة ولا يأبه في علاقاته الإعتقالية والحزبية للفئوية، حيث يحتفظ بأوسع العلاقات مع مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني الإعتقالي.
أما العفو شقير، فهو يقول كنا شعلة نضال، وكنا مستعدين ان ندفع أرواحنا في سبيل الحرية والإستقلال، وكنا ندفع ونعطي للثورة، وكان هناك طعم للكفاح والنضال، حيث لم يكن النضال مأجوراً، وعندما دخل المال على النضال، خرب النضال والمناضلين، فعندما حاولت روابط القرى المرتبطة بالأحتلال عام 1979، أن تقوم بتنفيذ أعمال خدماتية في البلدة ،والمقصود بالبلدة، بلدة الزاوية مسقط رأس العفو،وهي إحدى قرى محافظات سلفيت في الشمال الفلسطيني، وتشمل هذه الأعمال شق طرق وتزويد البلدة بشبكة مياه، وقد جرى التصدي لروابط القرى المأجورة والعميلة، من قبل الحركة الوطنية في البلدة ومن الأهالي،والعفو يقول دخلنا السجن ،ونحن مشبعين بالتفاؤل ومتسلحين بالإرادة ومؤمنين بان الثورة لن تترك أو تعدم أي وسيلة، من أجل تحريرنا من المعتقلات ، ولن نمكث في المعتقل اكثر من خمس سنوات، ولنكتشف لاحقاً أننا كنا نحلم فالمشوار طويل طويل، والخمسة أضحت خمسات، فها قد مضى على وجودنا في المعتقل ربع قرن، وها هي قضيتنا رهن للإملاءات والإشتراطات الإسرائيلية، والعفو من خلال تفاعلاتي معه، صب جام غضبه على القيادات المنتفعة والمتسلقة في فتح، والتي كانت سبباً في هزيمتها وخسارتها الثقيلة في الإنتخابات التشريعية الأخيرة،ويضيف العفو ان القيادات الإعتقالية، لم تعمل بما فيه الكفاية من أجل أن يكون الأسرى جزء من القرار السياسي الفلسطيني،والقيادة لا تهتم بملاحقة ومتابعة قضايا الأسرى وإحتياجاتهم، وترى حجيج المحامين للمعتقلات، فقط عندما تتواجد فيه قيادات معتقلة ، وكأن البقية من الأسرى المناضلين، مجرد كم لا قيمة له،رغم ان الكثيرين منهم ضحوا وناضلوا وقدموا أكثر من الكثير من هذه القيادات، والعفو على الصعيد الإجتماعي ، يفخر انه ترك خلفه زوجة مناضلة ، إستطاعت بكدها وتعبها أن تقيم مشغلاً للخياطة، وهذا المشغل من خلاله علمت وتعلم أبناءها في الجامعة ، وكذلك يطعم عدد من عائلات البلدة، من خلال توفير فرص عمل لعدد من بنات ونساء القرية، والعفو في إطار إفتخاره وإعتزازه بزوجته وأبناءه، فهو يحمل صوراً للبيت الذي بنته زوجته، ويقوم بعرض هذه الصور علينا، نحن أصدقاءه المقربين من المعتقلين، هذا البيت الذي يحلم العفو، أن يتحرر من الأسر، ويشاهده على أرض الواقع، وليس من خلال الصور، والعفو كان يبدي تذمراً وإمتعاضاً، هو والعديد من الأسرى من تلفزيون فلسطين، والذي يرى ان عليه واجب،وهو أن يزور أهاليهم ويلتقي معهم ،لكي يشاهدوهم وخصوصاً الأسرى الممنوعين من الزيارة، وحتى هذا الجانب، فإن المسألة تجري في الإطار الإنتقائي،والعفو الذي يحن للأسرة والأولاد كثيراً، فهو كان يحدثنا مطولاً عن أبناءه، الذي في جامعة النجاح والآخرالذي يعمل في إسرائيل،والذي أصبح يدير المشغل لاحقاً مع والدته، وليعذرني العفو ، فأنا لا أتذكر الأسماء جيداً، والعفو يعتب كثيراً، على رفاق "البرش"والذين يتحرروا من الأسر ولا يزورون عائلات رفاقهم وإخوانهم المعتقلين.
عميره والعفو كانوا مناضلين أشداء ويتوقدون حماساً ونشاطاً وعطاءاً في مقتبل عمرهم وفي السنوات العشر الأولى من إعتقالهم ،ولم تضعف هممهم وعزائمهم، ولم يندموا على ما قدموه من نضال وتضحيات، ولكنهم أصبحوا الآن يتحدثون بالكثير من الحزن والآسى والسخط، عما آل إليه الوضع الداخلي الفلسطيني، وهل من أجل المصالح الفئوية والمراكز والإمتيازات لعلان أو فلان ضحوا وناضلوا؟ ولماذا تستغل قضيتهم فقط في القضايا الشعاراتية والخطب والمهرجانات"والهوبرات" الإعلامية والدعايات الإنتخابية ،دون أن يترافق ذلك مع ترجمات حقيقية على الأرض؟.


24/11/2007

 

 

 

من ذاكرة الأسر 13
الأسيران القائدان فخري البرغوثي"أبو شادي" ونائل البرغوثي

شموع على طريق الحرية

.....نعم إنهم رموز وعناوين للنضال الوطني الفلسطيني ، وأحد اهم دعائم ومرتكزات الحركة الأسيرة، بل سنديانات هذه الحركة، وأنا شخصياً أعتبرهم البوصلة والهادي والمرشد لجموع الأسرى المناضلين، ففي الوقت الذي أوجدت فيه أوسلو عند الكثير من المناضلين حالة واسعة من الإحباطات وفقدان الثقة والقهر الداخلي، وفقدان البوصلة والإتجاه،فإن هؤلاء العملاقة ورغم مرور أكثر من تسعة وعشرين عاماً على إعتقالهم، لم يبدو لحظة تراجع أو ندم أو أسف على ما قدموه من نضالات وتضحيات، بل وشهادة لهم وللتاريخ والنضال، فهم ليسوا من المتهالكين على ان يفرج عنهم من خلال صفقات ما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية، بل يطمحون أن يجري الأفراج عنهم ، بعد هذه السنوات الطويلة من النضال والمعاناة ، في صفقة مشرفة ترفع رؤوسهم، ويستقبلون فيها إستقبال الأبطال والعظماء، وهم بحق عملاقة وعظماء ومنصهرون حتى نخاع العظم في قضايا وهموم شعبهم، فالقائد المناضل فخري البرغوثي"أبو شادي"، فكما ضرب سماحة الشيخ المجاهد حسن نصر الله أروع دروس النضال والتضحية، وما يجب أن يكون عليه من قدوة ومثال لجيشه وشعبه وحزبه، فأولاده إنخرطوا في النضال جنب إلى جنب مع باقي أبناء الحزب، حيث نال أحدهم الشهادة وجرح الآخر، وبالمقابل "أبوشادي" لم يكن رأسماله سوى ولدين شادي وفادي الذي تركه والده نطفة في أحشاء أمه، ولم يرى الحياة بعد،"وأبو شادي" ترجم بالفعل والممارسة القائد في الميدان، بل قال أنا وما املك من مال وعيال للثورة وليس للثروة، فولداه شادي وفادي تشربا النضال،وتربيا على نفس المباديء والمفاهيم والقيم التي تربى عليها الوالد، الثورة تأخذ ولا تعطي، وآمن شادي وفادي أن حسن النوايا وترك الأسرى تحت رحمة الإسرائيليين وأجهزتهم الأمنية وتصنيفاتهم،لن يقود بالمطلق لتحرير الأسرى،وهو يحتاج إلى مناضلين أشداء، وقيادات تمتلك الإرادة وتضع مسألة تحريرهم على رأس سلم أولويات أولوياتها، ويلتحق شادي وفادي بالنضال والمقاومة، ويدخلان السجن ويلتقيان بالوالد بعد أكثر من ربع قرن، ويجتمعان معاً في قسم ح غرفة 29 ، ومشهد اللقاء بينهما مهما حاولت توصيفه، لن تستطيع نقل أو وصف حرارته ودفء المشاعر فيه، دموع يخالطها شعور بالعز والفخار، والوالد يتفقد أولاده من قمة الرأس وحتى أخمص القدم، وكأنه يقول لهم، لقد كنتم كما أردت، وها أنا أشعر بأن رأسي يطاول السماء بكم، وكم من مرة زرت "أبو شادي" وأولاده في الغرفة، وكم مرة قلنا له " بطلعلك يا عم إنفش ريشك، إولادك عندك "، بس السكن في الغرف على أساس عشائري مرفوض، وكم مرة كان يقول لي مازحاً"مش عيب عليك تنحبس على لحمه ، قلي هي لحمة جدي وإلا خروف،" سبعة عشر شهراً يا "أبو شادي" على لحمه، كيف لو على شيء ثاني، كان أبدوك، و"أبو شادي" كان من أكثر المناضلين الداعين إلى إعادة الهيبة والإعتبار إلى الحركة الأسيرة ،وإلى أن تتكاتف وتتوحد جهود كل المناضلين من أجل مواجهة إدارة القمع الصهيونية، والتي تشن حملات قمع متواصلة ضد الحركة الأسيرة، وتقوم بسحب منجزاتها ومكتسباتها بشكل منظم ومبرمج، وهو أيضاً من المناضلين الذين دعو إلى، أن تكون الحركة الأسيرة بعيدة عن كل الخلافات التي تحدث في الخارج ، فالعدو في المعتقلات يتربص بالجميع، وهو لن يرحم أحد ولن يفرق بين حماس وفتح أو جهاد وجبهة، فالكل عنده فلسطيني ومستهدف، بل سيستغل أية خلافات بين أطراف الحركة الأسيرة، من أجل ان يرفع من وتيرة قمعه ضد الحركة الأسيرة، ويسحب منجزاتها ومكتسباتها التي عمدت بالدم ومعانيات الأسرى، وعدد لا بأس به من الشهداء.
أما الأسير المناضل نائل البرغوثي، والذي أشد ما يكره في حياته المحسوبيات والفساد، والقيادات غير المناضلة والتي تصل إلى مناصبها ومراكزها بالتسلق والرياء والنفاق الإجتماعي وكل أشكال وأنواع التآمر والشلليات والعشائرية والجهوية، والبرغوثي الذي كان على زمن الإشتراكية ،والمد الإشتراكي في المنطقة، والموقف السوفياتي الداعم لحركات التحرر والشعوب المضطهدة يكنى بأبو جهل، بعد الأسلمة وتراجع الإشتراكية أصبح يكنى بأبي النور وأبو النور هذا، أختار في أزمة حركة فتح في عام 1983، ان يكون ضمن الحركة التصحيحية "أو ما يسمى فتح الإنتفاضة"، والتي تطالب بإصلاحات جذرية في صفوف الحركة، ولكن ما حدث من تطورات لاحقه، أقنع أبو النور، كما أقنع الأسير احمد عميره لاحقاً عندما ترك الجبهة الديمقراطية وإلتحق بفدا، مبهوراً بشعارات الديمقراطية والإصلاح والتغير التي طرحها ياسر عبدربه، والذي أثبتت التطورات السياسية اللاحقة، أنها كانت من أجل أن تكون تغطية لإنحرافاته وتراجعاته وتنازلاته السياسيه، وخدمة لمصالح وإمتيازات فئة معينه، ولو إستشار احمد عميرة أبو النور فلربما بقي في تنظيمه ولم يغادره، وأبوالنور وجد أن الشعارات المرفوعة عن الإصلاح ومحاربة الفساد والمحسوبيات والإنحراف السياسي ، ومحاسبة كل المتخذلين في حرب عام 1982 ، لم يكن إلا لذر الرماد في العيون، والمسألة لا تتعدى المصالح والإمتيازات وخدمة لهذه الأجندة أو تلك، او لهذا الطرف أو ذاك، وأبو النور كونه من القيادات المناضلة، والتي لم يفلح المعتقل وطول السنيين بهز قناعاته أو تغيرها، كما فعل في البعض، فأنه ما زال مؤمناً وقانعاً، أنه مهما قدم الطرف الفلسطيني، والذي بعد التطورات الأخيرة، وما أصاب البيت الفلسطيني من إنقسامات وتصدعات عميقة، أفرزت سلطتين وجغرافيتين، لن يحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية،فليس العدو فقط بل والعالم أجمع لا يحترم الضعيف ومن يستجدي الحقوق، لأن الحقوق تنزع إنتزاعاً، وأبو النور ليس بالإنسان العدمي ، الذي لا يؤمن بالتفاوض، بل يرى أن التفاوض يجب أن يكون من موقع قوة، وقائم ومستند إلى أسس ومرجعيات، وإلا بدون ذلك فإننا سنستمر في الدوران في حلقة مفرغة، ونصبح كمن يخض الماء، أو يطحن الهواء، ومن يشاهد أبو النور يقود طابور الرياضة الصباحي، يشعر أن أبو النور مازال شباب وفي مقتبل العمر، وهو يحرص دائماً على متابعة كل التطورات السياسية ، من خلال راديو يحمله معه بإستمرار.
"أبو شادي وأبو النور" يؤرخان للحركة الأسيرة الفلسطينية، وشاهدين على عمق المعاناة والمأساة التي تعيشها الحركة الأسيرة الفلسطينية ،حيث القمع الصهيوني المتواصل والمستمر والمتصاعد ، وبالمقابل إهمال وتقصير فلسطيني، لقضية على غاية الأهمية والجدية لشعبنا الفلسطيني فهل التسعة وعشرين عاماً التي قضياها ،هم وغيرهم من الأسرى والمناضلين، كافية للطرف الفلسطيني، لكي يصحو ويقول ، فلتذهب كل الإتفاقيات إلى الجحيم إذا لم تحرر أسرانا، أم تستمر المأساة والمعاناة حتى يصبح أبو شادي وأبو النور في عداد الشهداء.؟
1/12/2007
[email protected]

 

من ذاكرة الأسر 14

المناضلان صدقي المقت وسيطان الولي

شموع على طريق الحرية

....... ترسخت في أذهان شعبنا الفلسطيني، أن الدروز في فلسطين،هم جزء من ادوات الاحتلال وأجهزته القامعة لشعبنا الفلسطيني،بل هم أشد قسوة وغلاظة على أبناء جلدتهم ،هذا إذا كان مثل هذه النوعيات تمت للعروبة بصلة أصلاً، ولكن أحفاد المناضل والقائد سلطان باشا الأطرش ،من احرار الجولان العربي السوري المحتل، قالوا كلمتهم بقومية وشرعية النضال ضد الاحتلال، وأن الفئة المتنكرة لعروبتها وقوميتها وجذورها من هذه الطائفة، يجب أن لا تأخذ حجة على دروز الجولان ومواقفهم العربية الأصيلة،تماما كما حال دروز فلسطين، والجميع يعرف الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ، ودوره وتاريخه في مقاومة ومقارعة الاحتلال، وغيرهم من أبناء شعبنا الفلسطيني من الطائفة الدرزية، والذين تعرضوا للاعتقال لمواقفهم ودورهم في رفض الاحتلال ومقاومته، وهذا أيضاً ينطبق على دروز لبنان، حيث لا يحق لنا بالمطلق أن نأخذ وليد جنبلاط ،زعيم ما يسمى بالحزب التقدمي الاشتراكي، المتخاذل والمتنكر لعروبته وقوميته، وتاريخ ونضالات والده الشهيد المناضل كمال جنبلاط حجة على دروز لبنان، فالكل يعرف أن الشهيد كمال جنبلاط كان قومياً وعروبياً ووطنياً من الدرجة الأولى، حيث وقف إلى جانب المقاومة الفلسطينية ، ومع حقها في الوجود على أرض لبنان والمقاومة انطلاقاً من أراضيه، وهذا حال أبناء الجولان العربي، حيث وقفوا وتصدوا لكل الذين تعاطوا وتساوقوا مع الاحتلال في قرار ضم الجولان عام 1982، وفرضوا عليهم العزلة والمقاطعة الاجتماعية والحرمان الديني، وقد رأي الشباب الجولاني المتحمس ، أن الرد على قرار الاحتلال باعتبار الجولان جزء من إسرائيل، هو من خلال الفعل النضالي والكفاحي المقاوم والميداني والذي يجب أن يأخذ شكل العمل العسكري والعنفي، وكان المناضلان صدقي المقت وسيطان الولي وغيرهم من أحرار الجولان، من شباب حركة المقاومة السرية ، رأس الحربة لهذا الشكل النضالي، والاحتلال رأى في هذا الشكل النضالي تطوراً نوعياً وخطيراً، وأنه لا بد من محاربته وقمعه ومحاصرته ، قبل أن ينمو ويتطور ويتجذر بين أهل الجولان ، ومن هنا فإن الأجهزة الأمنية الاحتلالية استنفرت من أجل كشف هذه الخلايا السرية ، وفي الوقت الذي كانت فيه حركة المقاومة السرية تتبلور وتؤطر وتنظم نفسها ، وتعبر عن ذلك من خلال العمل العسكري المقاوم، داهمتها أجهزة الاحتلال الاستخباراتيه ، وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوفها ، طالت عدداً لا بأس به من شباب الحركة، وكان الرفاق المناضلون صدقي المقت وسيطان الولي من بين المعتقلين ،وليبداؤا رحلتهم الاعتقالية وهم في ريعان شبابهم منذ عام 1985 ، وحتى اللحظة الراهنة، وعلى ما زلت أذكر إنني التقيت هؤلاء الرفاق في معتقل الرملة عام 1986 ، حيث قدمت إليه مرحلاً من سجن بئر السبع حيث أضربنا تضامناً مع الرفيق محمود العجرمي ،والذي انتهت مدة محكوميته منذ أكثر من عام ولم يتم إطلاق سراحه، تحت وحجج وذرائع أن الدول العربية المجاورة ترفض استقباله على أراضيها ، وبالمناسبة هو أحد أسرى الدوريات، وفي سجن الرملة اختار رفاق الجولان العيش، تحت إطار الجبهة الشعبية ، قبل أن تتبلور حركة المقاومة السرية كتنظيم اعتقالي مستمر،وهؤلاء الرفاق حالهم كحال رفاق الجبهة الشعبية، كانت هويتهم الفكرية الماركسية – اللينينية، ومؤمنين بقومية المعركة ووحدة الهدف والمصير، وان تحرير فلسطين والجولان وغيرها من الأراضي العربية المحتلة ، غير ممكن دون توحد العرب، فالقطرية أعجز من أن تحرر أوطان أو إنسان، وأنا أذكر ولعلهم هم يذكرون، كم هم كانوا متعطشين لتلقي وتعلم وهضم الأفكار الثورية،وترجمتها إلى فعل وممارسة في الواقع، وفي إطار الجلسات السياسية والفكرية والأمنية ،التي كان يتلقاها أعضاء الجبهة الشعبية، كان هم جزء فاعل وأساسي من هذه الجلسات، وكنت أدير وأشرف على قسم من هذه الجلسات، ولتفرق بيننا إدارات السجون ، لكي أعود وألتقي بهؤلاء الرفاق في سجن شطة عام 2002 ، وفي زيارتي لهؤلاء الرفاق في غرفتهم رقم 2 في معتقل شطة، كان اللقاء حاراً وتحدثنا مطولاً وتناقشنا حول الوضعين العربي والفلسطيني،وتحديداً حول أزمة اليسار الفلسطيني، ولماذا تراجعت الجبهة الشعبية وغيرها من قوى اليسار الأخرى العربية والفلسطينية، وسألوا واستفسروا عن الكثير من الرفاق، ولماذا الرفيق الفلاني مستنكف، ولماذا عدد لا بأس به من الرفاق خارج العمل الحزبي؟؟، وهل هناك مستقبل لليسار العربي والفلسطيني، وخصوصاً بعد انهيار حواضن أساسية لهذا الفكر، وما تشهده المنطقة من مد وتنامي للفكر الإسلامي ، وحقيقة كان الرفاق يتحدثون بألم وحسرة عن ما آلت إليه أوضاع الجبهة الشعبية في تلك المرحلة، وخاصة أنه ما أن عقد المؤتمر السادس للجبهة في تموز /2000 ، وبدأت العجلة بالدوران، والأزمة أخذت جزء من عناصرها ومكوناتها بالتفكك والتحلل، حتى داهمت الانتفاضة الثانية الفلسطينية الجبهة الشعبية ،كما داهمت غيرها من القوى الفلسطينية، قبل أن تستعيد عافيتها، ولكن الجبهة الشعبية ألقت بثقلها في الانتفاضة الشعبية،ولعبت دوراً هاما ًبها، وا ستشعر الاحتلال خطورة الدور والفعل للجبهة الشعبية، وأقدم عي اغتيال أمينها العام القائد الشهيد أبو علي مصطفى في 27/8/2007 ، ظاناً أنه باغتيال الرفيق أبو علي سينجح في تفكيك الجبهة الشعبية، وإنهاء دورها وفعلها الكفاحي والنضالي، وكذلك موجهاً رسالة لباقى القوى الفلسطينية، أن كل من يحاول ويعمل على التحريض على العمل المقاوم سيلقى نفس المصير الذي لقيه الرفيق أبو علي مصطفى.

وبالعودة للرفاق صدقي المقت وسيطان الولي، فواضح جداً أنه رغم عمق المعاناة والألم ،إلا أن هؤلاء الرفاق بقي ثابتين على مبادئهم، وتوسعت خبراتهم ومداركهم واكتسبوا الشيء الكثير الكثير من الثقافة والمعرفة، وهم غير نادمين أو آسفين ولو للحظة واحدة على ما قدموه من نضالات وتضحيات، بل أنك تلمس أنهم وحتى رغم طول المدة، وفي الوقت الذي أمضوا فيه أكثر بكثير من ثلثي مدة حكمهم البالغة سبعة وعشرين عاماً، إلا أنهم كانوا رافضين أن يتوجهوا إلى المحاكم الصهيونية المسماة بمحاكم ثلث المدة ، لكون هذه المحاكم صورية، وجزء من أجهزة الاحتلال القمعية، والمحكومة بقرارات وتوجيهات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وبالتالي التوجه لها مضيعة للوقت واعتراف بشرعيتها وديمقراطيتها المزعومة.

وفي الختام يبقى المقت والولي وغيرهم من المناضلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال مشاعل حرية، وواجب كل الأمة اتجاههم احتضانهم ورعايتهم، وبذل كل الجهود واستخدام كل الوسائل من أجل تأمين الإفراج عنهم .

 

 

5/12/2007

 

 

من ذاكرة الأسر15
المناضلان مصطفى المسلماني وعماد عصفور
شموع على طريق الحرية

......"أبو الأديب" المسلماني ، عرف السجن أكثر من مرة ، وتعرفه كل معتقلات وسجون الاحتلال وإداراتها، و"أبو الأديب" شديد الإيمان والاقتناع بأن أي عمل سياسي أو جماهيري، حتى يؤتي أكله ونتائجه، لا بد له من إسناد ودعم على الأرض، وعبر فعل كفاحي ونضالي مقاوم ، وبدون ذلك يبقى العمل منقوصاً ، تماماً كما هو حال الشعار غير المقرون بالفعل والترجمة على أرض الواقع، ومن هنا كانت رؤية "أبو الأديب"، وهو أحد كادرات الجبهة الديمقراطية، أنه إذا أرادت الجبهة الديمقراطية ،أن تتبوأ لها مكانة لائقة في الخارطة السياسية الفلسطينية وبين الجماهير، فعليها ان تسند وتدعم نضالاتها الجماهيرية والسياسية بفعل نضالي وكفاحي على الأرض، و"أبو الأديب" رغم انه متزوج وأب لستة اولاد، وعليه التزامات اجتماعية وإنسانية تجاههم ، حيث أن معظمهم شب وكبر في فترات اعتقاله المتعددة، ولم يمضي على تحرره من الأسر فترة طويلة ، حتى اندلعت الانتفاضة الثانية ، و"أبو الأديب" لم يجبن أو يتراجع ولم يغلب مصلحتة الخاصة على المصلحة العامة، بل انه كان من المبادرين والمشاركين الفاعلين في هذه الانتفاضة ، و"أبو الأديب" الذي التقيته وسكنت معه في غرفة 13 في سجن عسقلان ، كان من أكثر الرفاق الذين يصبون غضبهم على العديد من القيادات اليسارية، والتي لم تستطع أن تشكل قوة مثل ونموذج للرفاق ، وبقائها في مواقعها وفي الهيئات القيادية لأحزابها، بحد ذاته يشكل جزء من الأزمة المستفحلة التي تعاني منها القوى اليسارية الفلسطينية، وهي في سبيل مصالحها ومراكزها وامتيازاتها، تبهت من دور وصورة التنظيم ، حيث أن سقف استعداداتها لا يرتقى إلى مستوى استعدادات القواعد والكادرات، وكم من مرة اختلف أبو الأديب مع العديد من هذه القيادات، والتي كنا نتفق على أن تكلسها وتحجرها سبب جوهري في عدم مغادرة أحزابها لأزماتها، وأبو الأديب كان يرى أن الرد على جرائم ومجازر الاحتلال بحق شعبنا ، بالضرورة أن يرتقي إلى مستوى الحدث والفعل، وانخرط في العمل الكفاحي ، وكان ضمن إحدى المجموعات التي نفذت العديد من العمليات النوعية ضد جنود ومستوطني الاحتلال، وقد اتهمت مجموعته بقتل ابن كهانا ، ذلك المتطرف العنصري الذي قتل في أمريكيا ،وزعيم حركة"كهانا حي" الإرهابية ، والتي كانت تدعو إلى قتل العرب ، و"أبو الأديب" رغم أنه حاد المزاج إلا أنه إنسان يمتاز بالمرح وحسن المعشر، حيث أتذكر أننا كنا نخوض نقاشات طويلة في الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والنظرية والاعتقالية ، وكان أحد أكثر النماذج اليسارية قدوة له وإيمان به ، هو الرفيق أحمد قطامش، وأبو الأديب من أشد الداعين إلى وحدة القوى الديمقراطية ، وأذكر أن" أبو الأديب" رفض في العديد من جلسات محاكمته الوقوف للقضاة الصهاينة، وفي إحدى جلسات المحكمة سأله القضاة ، عن سبب قتله لابن كهانا ، فرد عليهم بالقول أنتم تقولون أنكم تحاربون "الإرهاب" ، وأنا أقوم بهذه المهمة ، فابن كهانا إرهابي، ولهذا قمت بقتله ، وفي جلسة أخرى قيل له ان ابن كهانا يحمل الجنسية الأمريكية ، وهو مطالب بدفع تعويضات للأمريكان بأكثر من 250 مليون دولار، وكان رد أبو الأديب عليهم، الحكومة الأمريكية التي تتنكر لحقوق شعبنا والداعم الأول والأخير لإسرائيل في جرائمها بحق شعبنا ، بدلاً من أن تبارك هذا العمل ، تريد مني أن أدفع تعويضات ، حقاً إنها مفارقة عجيبة غريبة ، وتثبت بشكل قاطع وملموس أن أمريكيا ، هي دولة الإرهاب والداعم الأساسي له.
أما المناضل عماد عصفور"أبو العبد" ، والذي كان ضمن مجموعة "أبو الأديب" ،فهو يجسد المناضل الحقيقي، بطيبته وصدق انتماءه، وهو إنسان هاديْ إلى أبعد الحدود ، وعندما سكنا معاً في معتقل عسقلان ، كنا نمارس لعبة"الدمينو"، والتي لم يكن "أبو العبد" متمرساً فيها، ولكن "أبو العبد" ، والحق يقال كان إنسان وحدوي ، وبرى أن الحركة الأسيرة يجب أن تكون موحدة وقوية لكي تستطيع مواجهة إدارات السجون ، والتي إستشرست وأخذت تشن حملة شرسة على الحركة الأسيرة لسحب منجزاتها ومكتسباتها التي عمدت بالنضالات والدماء، "وأبو العبد" ، كان دائماً يقول لي يا ترى يا أبو شادي ، "بيض الليالي يهلين" ، ونخرج من هذه الأكياس الحجرية، وكنت دائماً أقول له،ان الرهان فقط على أبناء شعبنا ومناضليه الحقيقيين، والذين يضعون قضية الأسرى على سلم أولوياتهم ، وعلى كل إذا ما تحررت يا أبو العبد من المعتقل، فإنه يسعدني ان أحتفل بك في قمة رأس بيت جالا، وفي مطعم الافرست المطل على مدينة القدس، والتي أصبحت محاطة بالأسوار والجدران، ناهيك عن تعرضها للأسرلة والتهويد ، والقدس يا أبو العبد الوصول إليها اليوم ، ليس بالأمر السهل والهين، لا للزيارة ولا للعبادة ولا للعلاج ، وما تسمعه من أقوال طنانة وشعارات رنانة عن أن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية ، ليس له أي سند حقيقي في أرض الواقع، بل مجرد"هوبرات" إعلامية وشعارات لدغدغة المشاعر والعواطف،
وأبو العبد الفلاح المنحدر من قرية يعبد في جنين القسام، هو قولاً وفعلاً ينتمي وينحاز لفكر الطبقة العاملة ، ورغم حالته الصحية المتردية ، والتي فرضت عليه التوجه شبه الدائم لمستشفى سجن الرملة ، إلا أنه لم يتخلى عن دوره وواجبه تجاه أبناء الحركة الأسيرة ، وفي إحدى القمعات التي تعرض لها سجن عسقلان في سنة 2003 ، كان الرفيق عماد عصفور في طليعة الأسرى الذين تصدوا لقوة القمع الإسرائيلية، وكاد ان يفقد حياته في تلك القمعه من شدة ما تعرض له من ضرب على أيدي وحدة قمع السجون المسماة "بالنحشون"، حيث مكث في المستشفى فترة طويلة ، "وأبو العبد"، كنت أنا والدكتور المسلماني من الأسرى الذين يقيم معهم "أبو العبد" علاقة مميزة ، وكان لا يترك فرصة ويعرف فيها، أن هناك معتقلين منقولين إلى المعتقل الذي نحن فيه ، او يمكن لهم أن يلتقوا معنا في " معبار" سجن الرملة إلا ويبعث لنا الرسائل معهم، و"أبو العبد " يفيض مشاعر وحنان ، وكان مغرماً في أغاني ماجدة الرومي ، وهو دائم الترديد لمقطع من أغانيها " والمطر الأسود في عينيه" ، ورغم القيد والأسر فهو مفعم بالأمل والابتسامة لا تفارق وجه الطفولي ،وكذلك فهو من الأسرى الذين يهتمون بتطوير قدراتهم وملاكاتهم الثقافية، ودائم الحنين والشوق للزوجة والإطفال، والذين يحلم لهم ولكل أبناء شعبنا أن يتربوا ويعيشوا بحرية وكرامة كباقي أبناء الشعوب الأخرى.
"وأبو الأديب وأبو العبد" ، هم من النماذج الثورية المخلصة ، والتي ترى أن الثورة لا يمكن لها أن تحقق أهدافها بدون توحد كل قواها المناضلة مهما كبر أو صغر حجمها ودورها، وهم من أشد دعاة وحدة اليسار والقوى الديمقراطية ، هذه القوى التي يرون أن عليها في هذه المرحلة جداً خطيرة من حياة شعبنا ،الكثير من المهام،منها أن تخط لها طريقاً ونهجاً يترسخ في عمق الوجدان الشعبي ، وأن تلعب الدور المأمول منها في إعادة اللحمة والوحدة لجناحي الوطن، فالتاريخ والشعب لن يرحمها ، إن تخلت عن هذا الدور وهذه المهام.


16/12/2007

[email protected]



 من ذاكرة الأسر 16


الأسيران محمد الفار وشفيق بريم
شموع على طريق الحرية

...... "أبو الوعد" المناضل محمد الفار، ملامحه تعكس ذلك الإنسان الهادي وصاحب الأعصاب الفولاذية والذي لا يستفز بسرعة، درس اللغة العربية في الجزائر وتخرج من جامعاتها، ومارس هناك نشاطه السياسي في اطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن ثم عاد إلى قطاع غزة ، ليواصل نشاطه في إطار مسؤولياته الحزبية والكفاحية ، و"ابو الوعد" من الرفاق الصبورين جداً، والذين لا يميلون إلى" الفشخرة" والمباهة ، والتكلم المستمر عن الذات، فهو لم يقل في يوم من الأيام ، انا المسؤول أو المرجع التنظيمي، أو المسؤول عن علان أو فلان من الرفاق، والرفيق "أبو الوعد" الذي التقيته وسكنت معه في نفس الغرفة في سجن عسقلان، عام 2005، كان ممنوع من زيارة الأهل ، تحت حجج وذرائع الأسباب الأمنية، وتراه دائم القلق على والدته، والتي كان يطمئن عليها من خلال الرسائل ، إلى أن جاءته الموافقة بالزيارة مرة كل ثلاثة شهور، وكم كان فرح وسعيد بهذه الزيارة،"وأبو الوعد" توفرت له الفرصة للتعرف على الأسرة والعائلة من خلال شاشة تلفزيون فلسطين ، في رمضان 2006 ، فهناك الكثير من أبناء أخوته وأخواته ، كبروا أو ولدوا وهو في المعتقل وهو لا يعرفهم، والقلق الذي كان يبديه المناضل " أبو الوعد" على الوالدة والخوف أن تغادر هذه الدنيا إلى دار الآخرة دون أن يتمكن من مشاهدتها ووداعها، حصل حيث انتقلت إلى جوار ربها في شهر تشرين أول من هذا العام ، وطبعاً دون أن يتمكن "أبو الوعد" من مشاهدتها أو وداعها، " والصديق والرفيق "أبو الوعد" كان الأهل قد اشتروا له نصف دونم من الأرض في منطقة شمال غزة، وكم كان سعيداً بذلك ، وكان يحضر الصور لهذه الأرض ، وكان يقول لي والله يا"أبو شادي" صرت ملاك ، ومش عارف شو أزرع هالأرض خضره أو أشجار مثمرة، وعندما كان يسمع في الأخبار ،ان الاحتلال سيقوم باجتياح القطاع ، وعمل منطقة أمنية بحجة منع إطلاق صواريخ المقاومة ، كان "أبو الوعد" يقول ضاع شقى العمر، وكنا أنا و"الوعد" نخوض نقاشاً مطولاً حول أزمة اليسار وتراجع دور الجبهة تحديداً في منطقة القطاع، وما هي السبل للخروج من هذه الأزمة ، وحالة الأسلمه التي يتعرض لها المجتمع الفلسطيني، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، وتراجع دور فتح والقوى الديمقراطية في الساحة الفلسطينية ، "وأبو الوعد" حسب تصنيفاتي وتقيماتي ينتمي إلى المدرسة الواقعية ، رغم أن البعض يصر على تسمية ذلك بالهبوط السياسي، وهو من المناضلين المثقفين والذي لديهم اطلاعه واسعة وخبرة في المجال الحزبي والتنظيمي، "وأبو الوعد" يخطط إن منّ الله عليه بإفراج من خلال إحدى صفقات التبادل مع حزب الله ، او حركة حماس، أن يعيش في إحدى الدول الاسكندنافيه ، حيث يرى أن هناك الكثير من القيود الاجتماعية في القطاع على الحرية الشخصية ، وكان يخوض نقاشات مطولة مع الأسير حسام شاهين ، والذي زار تلك الدول أكثر من مرة، حيث شرح له بشكل مفصل عن الحياة وظروف المعيشة في تلك الدول، وامكانية أن يمارس قناعاته وأفكاره دون تدخل من أحد ، وتحديداً في مجال الحريات الشخصية" وأبو الوعد" لا يشطح كثيراً وهو يدرك جيداً ، أن قضية الأسرى هي ورقة ابتزاز وضغط سياسي ، وإسرائيل لا ولن تطلق سراح أسرى لديهم وعليهم قضايا جدية ،أو ما تسميهم وتصنفهم إسرائيل الملطخة أيديهم بالدماء، وفق منطق ما يسمى بحسن النوايا، وهذا الملف يحل فقط من خلال صفقات التبادل، وهذا أمر محسوم وعلى السلطة والأحزاب أن تبحث عن السبل والطرق العملية ،التي تمكنها من تحرير أسراها بعزة وكرامة ، ودون أية اشتراطات أو تنازلات ، من طراز وصف نضالاتها"بالإرهاب" أو إدانة واستنكار تاريخها وثورتها.
أما الأسير المناضل شفيق بريم من منطقة بني سهيلا في القطاع ، والذي إلتقيته وسكنت معه في سجن عسقلان عام 2005 ، وفي قسم 8 غرفة 26 ، فقد تربى وعاش في لبنان ، وعرف النضال والثورة هناك ، وزوجته" أم محمد" تعرف عليها هناك، و"أبو محمد أثناء اجتياح عام 1982 ، كان من المدافعين عن المقاومة ، والذين تصدوا لقوات الاحتلال الإسرائيلية أثناء غزوها للأراضي اللبنانية ، من أجل القضاء على المقاومة الفلسطينية وطردها من الأراضي اللبنانية ، وقد تم أسره مع عدد كبير من المناضلين، ومكث في معتقل أنصار الصهيوني في لبنان، أكثر من عام ونصف، "وأبو محمد" حزبي وحاد المزاج وفي أحيان كثيرة يتعامل مع الرفاق ، وتحديداً الصغار منهم بدرجة عالية من الصرامة والحزم، وهو حاد في المسائل التنظيمية والمالية، وقد اكتسب خلال وجوده في الخارج خبرة تنظيمية في مجال عقد المؤتمرات الحزبية ، وكان يقول للرفاق صالح زهران ومحمد والسناوي، حول القضايا المتعلقة بالجلسات الثقافية والمالية، إما التزام ،أو"الشنكر بنكر"، أي استخدام عصا" القشاطة" في العقاب، وهذا طبعاً على سبيل الدعابة ،أكثر منه للتطبيق،و"أبو محمد" أكثر ما يكره أن يقوم الرفاق الذين ليس لهم أرصدة مالية بالاستدانة من الصندوق من أجل التدخين ،أو يترحلوا من السجن دون دفع المستحقات المالية عليهم لصندوق المنظمة"، وعليك أن لا تناقش أو تمزح مع "أبو محمد" في أيام الزيارة، وتحديداً عندما يكون هناك منع أو إغلاق متزامن مع زيارة الأهل ،فأنت تشعر كم هو غاضب وساخط ومتضايق،وكأن به مس من الجان أو الشياطين، وكان الرفيق"أبو العميد" من قرية أودله في نابلس، يثير غضب ونقمة"أبو محمد" ،عندما يقول له تعيش المقاومة ومزيداً من إطلاق الصواريخ،ويرد عليه "أبو محمد" قصدك المواسير، وعندما يهدأ قليلاً ، يقول كله في سبيل المقاومة يهون، وأما عندما لا يكون هناك منع ،فأنت تراه يصحو باكراً ويستعد من أجل الزيارة، ويكون"على سنجة عشرة"، من أجل لقاء "أم محمد" والأولاد ، وفي إحدى الليالي والتي صادفت ليلة العيد أصيب "أبو محمد" بنزيف ناتج عن انفجار إحدى الشرايين، وتزامن ذلك مع وجود الدكتور ؟أحمد المسلماني في الغرفة والذي قدم له الإسعافات اللازمة، وبعد صياح مع إدارة المعتقل استمر لساعات، تم نقل "أبو محمد" لعيادة المعتقل ،ومن ثم إلى مستشفى سجن الرملة ، حيث مكث أكثر من شهرين هناك ، وفي كل مرة كنا نراجع بها إدارة المعتقل، كان يأتينا الجواب،أن هناك اشتباه بأنه مصاب بالسل، وهو ما يضحك الدكتور المسلماني والموجدين في الغرفة، وهذا دلالة على مدى استهتار إدارة السجون بصحة الأسرى الفلسطينيين، وبعد أكثر من شهرين في مستشفى الرملة ، توصل الأطباء إلى أن المسألة ليس لها علاقة بالسل من قريب أو بعيد، بل ان النزيف ناتج عن انفجار لإحدى الشرايين، وليعود إلينا "أبو محمد" سالماً غانم ، رغم أننا افتقدناه، وكنا نقول على سبيل المزاح" الشنكر بنكر" ودعناه ولن نراه مرة ثانية، و"أبو محمد" وزوجته والذين تعودوا على جو لبنان وهواها ، لم يتأقلموا مع أجواء بني سهيلا، ولذلك أبو محمد يقول،انه بعد التحرر فإنه يخطط للعودة والعيش في لبنان، لبنان الحب والذكريات.
و"أبو الوعد و"أبو محمد" نماذج لعمق مأساة الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، والذين لن ولم تحل قضاياهم ، من خلال بوادر حسن النية لا في أوسلو ولا في أنابوليس، والمسألة بحاجة إلى موقف فلسطيني صلب وتوجه جاد نحو خيارات تمكن هؤلاء الأسرى من نيل حريتهم ، قبل أن يتحولوا إلى شهداء.

القدس- فلسطين

23/22/2007
[email protected]



(130)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي