وأخير نفذ القضاء اللبناني الحكم بالعميد المتقاعد فايز كرم الرجل الثاني في التيار الوطني الحر ،حكم ضعيف وغي مقنع 3 سنوات وخفض إلى 2 سنتين ،ولولا العيب والاعترافات التي لم يستطيع كرم التخلي عنها أمام القضاء اللبناني ،لكن القضاء أفرج عنه ومنحه البراءة.
بعد شوم ومهرجانات إعلامية وإعلانية خاضها قاده التيار الوطني وتحديدا النائب ميشال عون الذي خول نفسه محاميا خاص للدفاع عن إحدى كوادره الأساسيين، وهذه الحملة التي قادها التيار الوطني، كانت تحمل في مضمونها رسائل قد أخافت الجنرال شخصيا بالدرجة الأولى، لذلك تم تبنيه والدفاع عنه لأهداف شخصية خاصة كما يكتب الإعلامي فادي الشامية في جريدة المستقبل اللبنانية بتاريخ 7 أيلول 2011 تحت عنوان "" أبعد من حكم الإدانة"، "عون خاف على نفسه من الاعترافات فتبنى كرم!"والتي يقول فيها بان التيار الوطني الحر وجمهوره وقيادته لم يهضموا الضربة المعنوية التي تلقها التيار من خلال قرار الإدانة القضائية للقيادي فايز كرم" ".
لقد اتهام الجنرال ميشال عون في حملته الإعلامية منذ البدء فرع امن المعلومات، بالعصابة،والدولة الغير شرعية داخل الدولة التي تسيطر على الدولة ،وبواسطة عصابات الفرع "الضابطة الغير عدلية"انتزعت اعترافات من الجنرال المتقاعد بقوة الضغط والقوة الجسدية ،والتي لم يثبتها الجنرال المعتقل أمام القضاء في رفض اعترافاته الخطية وقبض المال ومقابلة رجال الموساد ،وخطوط الهواتف الخارجية التي امتلكها العميل"بالرغم من هكذا اتهامات يتم التعامل معها بقوة الضغط والقسوة الجسدية لانتزاع معلومات خطيرة لكن التعامل مع العميد كرم كانت مختلفة منذ اليوم الأول لدخوله سجن الاعتقال وكأنه في فندق خمس نجوم وكانت تقدم له خدمات خاصة بعكس كل المعتقلين اللبنانيين وخاصة زملائه العملاء،بالوقت التي كانت فيه شعبة المعلومات تمارس عملها بدقة عالية ومهارة جيدة وممتازة،لم يعهد لها في لبنان أو الوطن العربي في السباق، في التمكن من كشف شبكات الاستخبارات والمندسين التي تجندهم مؤسسات المخابرات الصهيونية والعالمية،فالشعبة التي حاربها الجنرال وحزبه اكتشفت اخطر الشبكات الإسرائيلية المندسة والتي ساهمة بتزويد العدو الصهيوني بإعطاء أحداث المعلومات والإحداثيات التي تخص لبنان والجيش والمقاومة 23 شبكة عميلة تم اكتشافها،وفايز كرم واحد من هذه الشبكات العميلة التي لم يختلف عليها احد في لبنان ،مما دفع بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرا لله الإشادة بدور شبكة المعلومات والتنويه بالدور التي قامت به في القبض على كل هذه الشبكات ولقد طالب الأمين العام بإعدام كل العملاء والابتداء بالعملاء الشيعة لان العميل ليس له طائفة ،وهذا الطرح بالرغم من حركة الانقسام العمودي التي يعيشها لبنان لم تلقي هذه الخطوات الجريئة سوى الترحيب والتنويه بدور فرع المعلومات ،بغض عن المواقف السياسية التي تبنى من خلالها التعاطي مع هذا الفرع ،لكن فرع الملومات قام بتنفيذ مهامه بدقة عالية ،واستطاع القبض على العميل فايز كرم العميد المتقاعد في الجيش اللبناني والمسوؤل السابق عن فرع مكافحة التجسس الخارجية في الجيش اللبناني .
لقد بدأت رحلة العميد فايز كرم منذ 13 تشرين الأوّل 1990،و التي أدّت به في العام 2011 إلى أن يصبح ضحيّة أخرى من ضحايا العماد ميشال عون، فر كرم من الجيش اللبناني بعد سقوط كل القطع العسكرية بقبضة الجيش السوري الذي خاض ميشال عون حربه الفاشلة ضده على الأراضي اللبنانية ودفع عناصر وقادة الجيش اللبناني ثمنها الباهظ ،توجها الجنرال إلى منطقة جزين الجنوبية التي كانت قابعة تحت الاحتلال الإسرائيلي للبنان بدلا من التوجه إلى طرابلس مسقط راسه خوفا من الجيش السوري الذي كان مرابط في لبنان، ومنها فر إلى فرنسا مستخدما مطارا إسرائيليا للسفر إلى فرنسا والالتحاق بقائد المعارضة اللبنانية الجديد الذي يطول الشرح عن ممارسات الجنرال ومعارضته المختلفة. فالإعلامي اسعد بشارة يكتب بتاريخ 6 أيلول، 2011 في مقالة له في جريدة الجمهورية اللبنانية تحت عنوان"فايز كرم ضحيّة جديدة على مذبح الجنرال"" لم تعرف خلال التحقيق مع العميد فايز كرم كلّ الحقائق عن دور ميشال عون، لأنّ كرم بما يتحلّى به من إخلاص للقائد صمد وامتنع عن إضافة أيّ معلومة تتعلّق بالجنرال واكتفى بسرد واقعة استمزاج الجنرال في العام 2006 حول إمكان القيام بوساطة بين إسرائيل وحزب الله عبر هذه القنوات، وقد لا يكون الإخلاص وحده السبب في امتناع كرم عن توريط الجنرال".
لكن في النهاية اصدر القضاء اللبناني حكمه الأخير بحق العميل وسوف يكون فايز كرم طليقا حرا، بعد قضى المدة الصغيرة متباهيا بعمالته مع العدو الصهيوني، والقضاء اللبناني منحه عقوبة صغيرة نتيجة الزوبعة السياسية التي عصفت في لبنان والتي تركت أثارها على القضاء، لكن سيبقى فايز كرم عميل مهما كانت مدة العقوبة التي تلقها،ونتشارك الرأي مع الإعلامي حسن عليق الذي وصف كرم بأنه عميل وبس في مقالة له في صحيفة الإخبار اللبنانية بتاريخ 5 ايلول2011 م،تحت عنوان"نقطة على السطر عميل" .
لكن السؤال الذي يطرح على القضاء اللبناني كيف سوف يتعامل مع باقي الشبكات التي اتهمت بالعمالة كما هو حال العميل المحكوم فايز كرم ،وهل سيكون التعامل انتقائي مع أسماء العملاء ومناطقهم ومذاهبهم ومواقعهم الاجتماعية التي عملوا فيها قبل الاعتقال ،لكن ملف العملاء في لبنان هو ملف معقد ومشعب ، ولم يتم التعامل معه بشكل جدي وحازم منذ البداية من خلال مبدأ التعامل مع إسرائيل خيانة وطنية وأخلاقية ويخل بمصلحة الدولة العليا ،فالتجربة كانت مع المحكمات الهشة للعملاء في العام 2000 م عند انسحاب العدو الصهيوني من الجنوب ،فالجميع فجاءته الأحكام الغير متناسبة مع الجرم والدور، مما اغضب مقاومين ومعتقلين سابقين سجنوا لعدة سنوات لأنهم مقاومين من اجل التحرير،فاليوم بعد محاكمة العميل فايز كرم كيف سيتلقى المقاومين السابقين والحاليين، الجرحى الدائمين، أهالي الشهداء ،سكان المناطق التي تعرضت لعدوان إسرائيلي تضررت من معلومات العملاء الذين لا يقلون أهمية عن كروم ، من قرار القضاء اللبناني الذي منح سنتين نتيجة خلاف في قادة المحكمة بالوقت الذي يحكم على شخص قام بتدخين سيجارة حشيش بخمس سنوات،وأشهر سكين يحاكم ب6 شهور ، واعتقال سباب بتهم مختلف يبقون قيد الاحتجاز الاحتياطي عدة سنوات...الخ ...فهل يمكن أن يثق المواطن العادي بحكم القضاء العادل في التعامل مع قضية العملاء ولا يشجع العديد من الشباب على انتهاج نهج كرم والحصول على أموال بطريقة غير مشروعة، وهنا لبد أن نطرح سؤال مهم كيف سيواجه حزب المقاومة حكم القضاء اللبناني بمحكومية كرم الصغيرة،بالوقت التي كانت المعادلة السابقة تقوم على :" بان تفعل كل شيء بس ان تكون مع المقاومة وضد إسرائيل،أما اليوم اختلفت المعادلة ، افعل كل شيء بس أن تكون مع حزب الله.والجواب الذي يجب أن يصب في مصلحة المقاومة الذي تقاتل إسرائيل والذي يتفق عليها المجتمع اللبناني بمختلف مكوناته المذهبية والاجتماعية والسياسية.
فان حكم القضاء اللبناني على العميل فايز كرم يجدد الثقة المطلقة بالنظرية القائلة:" بان المحكمة الدولية في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري ضرورية جدا لان القضاء غير قادر على الخروج بقرار قضائي كامل بظل انقسام المجتمع اللبناني عموديا وأفقيا"،وهنا ندخل بأزمة القضاء نتيجة سيطرة السياسة على القضاء.مم يضع القضاء اللبناني وقضاته وقدراتهم الهائلة في أزمة فعلية مصدرها أزمة نظام.
صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية