أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

استحقاق أيلول ما بين الشفافية والغموض والمبالغة والتشكيك .. رشيد شاهين

منذ أعلنت القيادة الفلسطينية عزمها التوجه إلى الأمم المتحدة فيما بات يعرف باستحقاق أيلول، لم ينته "الضجيج" حول هذه المسألة، وقد كتب العديد من المقالات، وتم إصدار العديد من الدراسات القانونية "ولو على عجل"، كما أدلى العديد من خبراء القانون بدلوهم حول الموضوع، وكانت تلك الآراء ما بين مؤيد ومعارض، ومتخوف ومشكك ومناصر .. الخ.

بالإضافة إلى ذلك، أقيمت العديد من الندوات والمحاضرات، شارك فيها قادة فصائل وأحزاب وأعضاء من اللجنة التنفيذية، ولا زال النشاط في هذا الإطار على أشده، حيث يقوم هؤلاء بمحاولات تسويق الذهاب إلى الأمم المتحدة، كما والترويج للفكرة التي يمكن القول إنها برزت إلى السطح بشكل فيه الكثير من المبالغة، وأخذت زخما غير مفهوم، في ظل غموض يحيط بأهميتها وضرورتها، وما العائد الذي يمكن أن يعود على القضية الفلسطينية، خاصة في غياب الأجوبة الشافية عن عديد الأسئلة التي تعتبر مفصلية، ومنها على سبيل المثال مسألة اللاجئين وحقهم في العودة وغيرها.

الداعمون لقضية الذهاب والمضي قدما باتجاه الأمم المتحدة، يبررون ذلك بان الرئيس الأمريكي اوباما تحدث عن مثل هذا الاستحقاق قبل نحو عامين، كما يؤكد هؤلاء على ان هذه الخطوة لا بد منها في ظل توقف المفاوضات، تلك المفاوضات التي عملوا هم أنفسهم على إقناعنا بأنها الرافعة التي ستحدث التغيير، وان الحياة مفاوضات، ثم باتوا هم أنفسهم من يقول بان المفاوضات كانت عبثا على مدار عمرها الطويل، وان المخرج الوحيد " الآن" من اجل نيل الحرية والاستقلال هو بالذهاب إلى الأمم المتحدة والحصول على عضويتها.

الحراك الدائر في الأراضي الفلسطينية وخارجها بين النخب والمثقفين وكافة المعنيين، يأتي على خلفيات عدة والتي من أهمها، عدم الشعور بالثقة في القيادة الفلسطينية، وذلك بسبب غياب الشفافية وعدم الوضوح في العديد من القضايا، ولا زال في الذاكرة الفلسطينية الكثير من المواقف التي تبين ان ما قيل بشأنها كان غير دقيق، لا بل هو اقرب إلى الخداع منه إلى أي شيء آخر، ولعل في موضوع اتفاقية المعابر بعد انسحاب إسرائيل، وظهور من ظهر على الفضائيات مؤكدا ان المعابر أصبحت حرة وانها معابر فلسطينية بالتمام والكمال، ليثبت فيما بعد كم كانت تلك الاتفاقيات جائرة وان معبر رفح أصبح أحد العلامات البارزة في الإذلال وامتهان الكرامة خير دليل.

غياب الشفافية مقرونا بغياب المصداقية مع الجماهير، صار السمة الأبرز في التعامل مع المواطن الفلسطيني، ومن هنا فقدت القيادة الكثير من رصيدها في الشارع الفلسطيني سواء في الداخل أو في الخارج، ولم تعد كل التأكيدات أو أي منها تقنع المواطن الذي صار يعتقد بان هنالك من يحاول ان يأخذه إلى متاهات لا يعلم أين تنتهي به، ففضل إدارة الظهر ومواجهة ما يتم طرحه بلا مبالاة واضحة غير مكترث بأي من التصريحات أو محاولات التجميل لهذا الفعل أو ذاك العمل.

الداعمون أيضا يحاولون الترويج ان الذهاب إلى الأمم المتحدة سوف يدعم الموقف الفلسطيني، وصار الحديث كثيرا ما يدور عن ان مثل هذه الدولة سوف تكون عضوا في المؤسسات المختلفة في المنظمة الأممية، مما سيتيح ملاحقة قادة كيان الاحتلال أمام المحاكم الدولة، علما ان من يعارضون أو يشككون في هذه القضية يقولون بان هذه ليست سوى محاولة للخداع أخرى، خاصة عندما يستذكرون قضية جدار الفصل وقرار محكمة لاهاي بالإضافة إلى تقرير غولدستون.

أما ما يقال عن إعادة القضية إلى الحضن الدولي، فان في هذا الحديث الكثير من المبالغة حتى لا نقول التضليل، خاصة في ظل هيمنة شبه تامة للولايات المتحدة على المؤسسة الدولية، حيث من المعروف ان القضية الفلسطينية ظلت على مدار سنوات طويلة في هذه المؤسسة عندما كان الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية في أوج عزها، إلا ان ذلك لم يحدث الأثر المطلوب فما بالك عندما تحولت المؤسسة الدولية إلى جزء من السياسة الخارجية الأمريكية، ولعل في تقرير بالمر حول السفينة مرمره خير دليل على تهاوي هذه المؤسسة.

خلال الحوارات المستمرة التي تجري في مناطق السلطة الفلسطينية، سمعنا الكثير من المتحدثين الذين يدعمون التوجه إلى الأمم المتحدة، وبرغم بعض التبريرات التي قد تبدو منطقية في ظل وصول العملية السياسية إلى طريق مسدود بسبب الموقف الاحتلالي والموقف الأمريكي الداعم لدولة الاحتلال، إلا ان هنالك الكثير من الأسئلة التي ظلت بدون إجابات أو لم تكن الإجابات عليها شافية كافية.

هنالك تخوفات حقيقية ومبررة ومفهومة لدى جميع الذين يشككون في موضوع الذهاب إلى الأمم المتحدة، ومن ضمن هذه التخوفات التخوف الأبرز حول منظمة التحرير والتمثيل الفلسطيني كما وهذا هو الأهم، حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومن هنا فان من حق كل من يحرص على مثل هذه الحقوق ان يقف متشككا، وأن يسوق المحاذير العديدة التي لا بد للقيادة الفلسطينية ان تأخذها بعين الاعتبار في حال الإصرار على الاستمرار في هذا الطريق.

ما نسمعه من حديث متكرر عن ان المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي للسلطة الفلسطينية، يجعل الكثير من المهتمين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية ان يكون الموضوع برمته هو مجرد تكتيك ليس إلا، من اجل تحسين شروط التفاوض، وان هنالك إمكانية لان تعود "حليمة لعادتها القديمة" ويصبح كل هذا الذي يجري ليس سوى "زوبعة في فنجان".

من جهة أخرى، لوحظ خلال الأشهر الماضية ومنذ بداية التحركات في هذا الإطار، تهديدات إسرائيلية عديدة للجانب الفلسطيني ومحاولات لإثنائه عن هذه الخطوة، وتذرعت دولة الاحتلال بموضوع الاتفاقات الموقعة والإجراءات أحادية الجانب، وما إلى ذلك من تبريرات غير دقيقة وغير موضوعية، خاصة في ظل كل ما قامت به من إجراءات خلال سنوات طويلة من المفاوضات العبثية التي عززت الاحتلال بدلا من إنهائه.

كما وتم اتخاذ إجراءات حاولت إسرائيل من خلالها الإيهام ان مثل هذه الخطوة قد تقود إلى موجة من العنف، وأخذت في تعبئة الشارع الإسرائيلي والدولي في هذا الاتجاه، إلا ان المتشككون يعتقدون ان إسرائيل بهذه الإجراءات إنما تحاول دفع القيادة الفلسطينية إلى التشدد وبالتالي الإصرار على الذهاب إلى الأمم المتحدة، حيث يرى هؤلاء ان الخطوة وبرغم كل هذا الذي تدعيه إسرائيل هي خطوة قد تصب في النهاية في المصلحة الإسرائيلية، لأنها قد تكون النهاية لمنظمة التحرير كما وحق العودة والقرار 194، بالإضافة إلى نسيان القرار 181 والذي بنص على تقسيم فلسطين، وهو الذي يعطي الجانب الفلسطيني أكثر من ضعف ما يمكن ان يحققه أي قرار جديد حول الدولة الفلسطينية المبهمة المعالم والحدود.

وفيما يتعلق بالجماهير الفلسطينية في الأرض المحتلة بشكل خاص، فان المراهنة على تحركات جماهيرية بالشكل الذي يتم الترويج له، فمن الواضح ان القيادة الفلسطينية في واد والشعب في واد آخر، حيث ان الجماهير الفلسطينية - وهنا يتم الحديث عن الأغلبية الصامتة وليس تلك المنضوية ضمن الفصائل والأحزاب المؤيدة لقرار الذهاب-، ليس كما يعتقد البعض يمكن ان تتحرك "بكبسة زر" وهذه الجماهير تتحرك بدون توجيه أو إشارة من احد عندما تصبح الظروف مواتية لحركتها لتسبق القيادات، وهذا ما أثبتته التحركات الجماهيرية في كثير من بلدان العالم وخاصة العربي، وهذا ما حدث إبان الانتفاضة الأولى وانتفاضة النفق والانتفاضة الثانية.

لا شك ان القيادة الفلسطينية لها الحق في اتخاذ الإجراءات القانونية التي تعتقد بأنها ضرورية ومن اجل الصالح العام الفلسطيني، إلا ا هذا الحق يظل ضمن سقوف محددة لا يحق لها ولا لغيرها تجاوزها مهما كانت الظروف أو المبررات، ومن هنا ومن اجل ان تضع القيادة حدا لكل هذه التساؤلات أو "التشكيكات"، فان من الضروري ان تأخذ وجهات النظر التي تتخوف من ضياع بعض الحقوق الشرعية الأساسية للشعب الفلسطيني بعين الاعتبار، خاصة في ظل غياب الأجوبة الشافية على الكثير م التساؤلات، والتي لم يستطع أي من القيادات التي تروج للذهاب إلى الأمم المتحدة ان تجيب عليها بشكل مقنع.

9-9-2011



(98)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي