* دكتوراه في الإعلام – فرنسا
وجهت أمريكا صباح اليوم الدعوة إلى عدد من الدول العربية لحضور مؤتمر أنابوليس الذي يهدف لشرعنة الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
والحقيقة أنه لا يساورني أدنى شك في ذلك. فليس أمريكا ولا أوروبا من سيحمل هَمّ الشعب الفلسطيني أو هم إقامة دولة فلسطينية. فأمريكا قامت على مدار ستة عقود باستخدام النقض الفيتو( وهو ليس بحق) عشرات المرات لتمعن في تدمير فلسطين العربية وإزالتها عن الخارطة بالكلية وإحلال دولة مصطنعة مكانها. ويكفينا أن نذكر أن أمريكا كدولة متمرسة في عالم الإرهاب والجريمة، منعت مجلس الأمن من إدانة مقتل الشيخ أحمد ياسين، ومن إدانة اجتياحات الصهاينة المتكررة لجنين وبيت حانون وغزة. مع أن الجامعة العربية المسخ ما طلبت من مجلس الأمن إلا إدانة فقط فلم تحصل عليها.
هل أصبحت أمريكا، صانعة الموت في العصر الحديث، راعية سلام ومسؤولة عن رعيتها؟. أ ليس الأولى بأمريكا التي تريد أن تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه أن تعيد أولاً حقوق الهنود الحمر، بعد أن قتلت منهم عشرات الملايين، وتفننت بتعذيبهم وطردهم من أرضهم؟.
كيف يمكن لأمريكا أن تكون صاحبة مشروع سلام، وهي التي تجرأت على حرق هيروشيما وناغازاكي بمن فيهما بالقنابل النووية، والتي أبدعت أحدث فنون الإجرام في فيتنام. وكيف يمكن لأمريكا أن تكون حمامة سلام، أو أن تقوم بمشروع يكفل للعرب حقوقهم، وهي التي جاءت من وراء البحار لتحتل بلداً صغيراً كأفغانستان فتحول حتى أعراسه إلى أتراح، إذ لا تتورع دولة الإرهاب هذه، عن قصف الأعراس بالطائرات لتقتل المساكين البسطاء في أفغانستان. وهي التي جاءت من بين أدران الجريمة لتحتل عاصمة الرشيد، وتنكل بالشعب العراقي، وتتفنن في قتل أبنائه واغتصاب نسائه وتشريد أهله، ولم تنس في الوقت نفسه أن توعز لأذيالها هناك بتصفية الفلسطينيين وتهجيرهم من جديد، وهي التي تريد اليوم أن تعقد مؤتمراً يضمن حقوقهم.
أمريكا التي زودت الصهاينة بمختلف صنوف الأسلحة المحرمة، لتفتك بأطفال فلسطين، تبحث اليوم عن مؤتمر يساعدهم في محنتهم. بالطبع فإن طفلاً صغيراً لن يصدق هذا الهذيان، ولا أن يتوقع أن الدولة التي ترعى الصهاينة ويشتغل حكامها عبيداً لدى رئيس الوزراء الصهيوني ستقف إلى جانب العرب، أو حتى أن تكون في الوسط بين المجرم والضحية. بل هي ما تريد عقد هذا المؤتمر إلا لشرعنة الاحتلال وأخذ الموافقة عليه من الدول العربية، بحيث يصبح الكيان الصهيوني دولة معترف بها في وسط الوطن العربي، ثم ستنال هذه الدولة حق الانضمام إلى الجامعة العربية، وربما يطير عمرو موسى لتحضير مؤتمر الجامعة القادم في تل أبيب.
وإن ما يشجع أمريكا على المضي قدماً في عقد مثل هذه المؤتمر، هو أن عباساً ليس كعرفات، وأنه ربما يعود من أنابوليس وقد سلم القدس للعدو، وتنازل عن حق اللاجئين في العودة، وتوظف في مكتب رئاسة العدو الصهيوني، وهكذا تكون انتهت القضية الفلسطينية وحلّت جذرياً بطريقة صهيو – أمريكية وبموافقة عباسية – عربية. وستضيع دماء الشهداء التي سفكت دفاعاً عن هذه الأرض. ولتسكت كل الأمهات عن العويل على أبنائهن الأسارى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
ومما يشجع أمريكا أيضاً، اشتراكية مصر، ولا أتحدث هنا عن نظام اقتصادي، بل أتكلم عن حبيبنا "غوار الطوشة"، إذ تعني الاشتراكية في أحد مسرحياته، أن يشترك الاشتراكي في كل الحفلات والموائد والأعراس، ولا شك أن الحكومة المصرية تعشق هذه الاشتراكية ويحب قادتها التقاط الصور التذكارية، ويسلمون على مجرمي الحرب الصهاينة بكل حفاوة وتقدير ويضغطون على أيديهم عند المصافحة، ويتبركون بملامسة أكتافهم، ثم ينظرون إلى آلات التصوير ويبتسمون. وكل ذلك في الوقت الذي يعرقل فيه حكام مصر تشييد الجسر مع السعودية خوفاً على أمن الصهاينة. بل وينشرون قواتهم، للقضاء على المقاومة في فلسطين، ولا يزال هؤلاء الحكام يفتخرون بأنهم أدخلوا القوات الإرهابية الأمريكية إلى بلاد العرب عن طريق قناة السويس. ولن أبذل جهدي في تذكيركم أن هذه الدولة العربية الكبيرة، لا تريد أن تقاتل في سبيل أحد، ولا حتى في سبيل كرامة الشهداء الذين دفنوا أحياء في سيناء. لكن شرطتها يعذبون البسطاء في السجون حتى الموت، "أسد علي وفي الحروب نعامة".
ولا يتوقعن أحدنا أن الجامعة العربية وأمينها العام، سيدافعان عن فلسطين في أنابوليس، فهذه الجامعة الميتة، ما دافعت عن فلسطين منذ احتلالها قبل ستين عاماً، وما وقفت مرة واحدة إلى جانب الحقوق العربية، فهي جامعة عربية تخدم أعداء العرب وتسهر على راحتهم. ولعلكم تذكرون كما نذكر كيف كان عمر موسى ينصح الشهيد صدام حسين، بالتعاون مع القرارات الدولية، وكأن عمر موسى لا يعرف أن القرارات الدولية وضعت لإهانة العرب والمسلمين وإذلالهم.
أمريكا، وقبل مؤتمر أنابوليس، أعلنت رفضها لتحديد جدول زمني لإقامة دولة فلسطينية، وستعلن رفضها بعد المؤتمر لإقامة مثل هذه الدولة، ولن تسمح بإعادة القدس، ولن تسمح بإعادة المهجرين، وربما تقضي على فلسطين بالكلية من خلال وضع غزة تحت الحكم المصري، والضفة تحت الحكم الأردني، وهكذا لن يكون هناك دولة اسمها فلسطين، وفي الوقت نفسه، يقوم الصهاينة وحلفائهم العرب، بتهجير الفلسطينيين إلى بلاد بعيدة، وتوطينهم هناك، وتنقلب عقارب الساعة، فيصبح الفلسطينيون بلا وطن مشردون في الآفاق، ويصبح الصهاينة المشردون في الأساس أهل وطن ودولة جديدة اسمها " إسرائيل".
إذا كنت أخاف من شيء، فهو من أن تحضر سورية هذا المؤتمر، وإن حدث، فإنني سأحزن طوال عمري، على بلد له ما له من ثقل قومي ومركز استراتيجي يقبل نتيجة ضغوط أو وعود كاذبة، أن يذهب إلى بلاد الإجرام، ويخسر كل هذا الوزن. وإني أنصح القيادة السورية أن ترفض الذهاب إلى هذا المؤتمر جملة وتفصيلاً أو حتى الاهتمام به أو التعليق عليه، فقد ذهبنا إلى مدريد فماذا كسبنا؟، وذهب غيرنا إلى أوسلو فماذا استفاد؟، بل ذهب أجدانا إلى بريطاينا وعادوا ليقولوا "ليس بالإمكان أفضل مما كان".
بل هناك دائماً أفضل، رفع راية المقاومة والدفاع عن الأرض بالعصا والحجر والجسد والدم، إلى أن تتحرر. خسرنا أرضنا بالمعارك فهل نعيدها بمؤتمرات بوش و أولمرت، أم هي ثقافة الرفاهية والتمسك بالحياة وإن ذلّت.
يجب أن يعلم العرب والمسلمون، وأظنهم يعلمون، أن إمبراطورية الشر الأمريكية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وعار عليهم هم أن يسعفوها، بل عليهم اليوم أن يكونوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، لتحرير كامل التراب العربي في فلسطين والجولان ولبنان والعراق والصومال والأحواز. وإنما النصر صبر ساعة، وليثق الحكام العرب بأنهم في ذهابهم إلى هذا المؤتمر لا يمثلون إلا القلة القليلة من العرب كي لا أقول أنهم لا يمثلون أحداً.
سألت متخصصاً بالجغرافية السياسية، لماذا يكون هذا المؤتمر في أنابوليس بالذات، قال ساخراً، لأن الكلمة تكتب بالعربية أنا بوليس، أي أنا شرطي، هذا ما تريد أن تقوله أمريكا للعرب، فحوبى لمن ذهب إلى ذلك الشرطي الفاسد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية