الوضع في سوريا مختلف ... وسوريا بمنأى عن عدوى الثورات . هذه المقولة التي طالما رددها كثير من السوريين وغير السوريين ووردت على لسان الرئيس السوري نفسه في تعليقه على ثورتي تونس ومصر.
تستند هذه القناعات أو الرؤى إلى عدد من المؤشرات والوقائع تختلف بمدى القرب والبعد من الواقع السوري ، ومدى معرفته بدقة ، ومن هذه القناعات :
- القبضة الأمنية الحديدية على مفاصل الحياة في البلد جميعها ومنذ أمد بعيد .
- امتلاك النظام أوراق ضغط ضد الجوار شمالاً وجنوباً وشرقاً و غرباً .
- انعدام المراهنة على الجيش ( العقائدي ) الحامي للنظام فقط ، أولاً وأخيراً.
- حالة اليأس التي يعيشها الشعب السوري وفقدان الأمل بالإصلاح أو التغيير
التي أسس لها النظام بأجهزته الأمنية والإعلامية عبر عقود .
- خلق قناعة في عقول الناس أن كل تغيير أو إصلاح يأتي في المرتبة الثانية بعد أولويات المقاومة والممانعة ومواجهة التهديدات الخارجية والمؤامرة المزمنة على (سوريا).
- إفقار الشعب وجعله يلهث ورا ء لقمة العيش حوالي 40% تحت خط الفقر وقتل تطلعاته السياسية.
- سياسة الإفساد الممنهج الذي يمارسه النظام لقتل أية قيم أخلاقية من شأنها أن تفضح ممارساته وتشكل تهديداً لوجوده .
- تهميش كافة الأحزاب ورشوة قادتها بالمناصب والمصالح الشخصية وتسليط الضوء عليها من خلال وضعها تحت دائرة الضوء فيما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية .
- إحداث إنشقاقات داخل الأحزاب الأخرى وكذلك المنظمات الفلسطينية.
- البروباغاندا التي يوظفها النظام لتلميع صورته من خلال دعم المقاومة الفلسطينية وتشويه خصومه .
- التحالف الوثيق مع حزب الله وإيران ودعمهما اللامحدود بشتى صوره للنظام .
- تخويف المستثمرين وتلويح النظام باستخدام استثماراتهم ورقة ضغط تجاه مواقف دولهم لتعديل مواقفها أو وقوفها على الحياد هذا إذا لم يكن دعم النظام أو السكوت عن جرائم القمع التي يرتكبها .
- الوضع الهادئ على جبهة الجولان بوجود النظام الحالي والتهديد بتفجيره .
- تعويل النظام على استكانة الشعب وخضوعه لنظام الاستبداد منذ عقود .
- غسيل الدماغ الذي يمارسه النظام منذ مراحل الطفولة المبكرة عبر طلائع البعث ومنظمة الشبيبة والاتحاد الوطني للطلاب والتدريب الجامعي الذي وجد لإشعار هذه الفئة العمرية الخطيرة من الشباب بأن الحذاء العسكري فوق الجميع وانتهاك حرمة الصروح العلمية .
- التعويل على ضعف المعارضة وتشتتها وشق صفوفها وتشويه صورتها عن طريق عملاء النظام في الداخل و الخارج .
من هذه العوامل وغيرها كثير، فصدق من قال: سوريا غير ..
ولكن وجها آخر وصورة جديدة تجعل القاصي والداني يقول من وجهة أخرى بصدق: سوريا فعلاً غير .
فرغم التشابه بين ثورة تونس و مصر ثم اليمن وليبيا في البروباغاندا التي مارستها هذه الأنظمة من تخويف بالفوضى والحرب الأهلية والتقسيم والقاعدة والجماعات السلفية والجماعات المخربة والمسلحة والمتآمرين والمندسين والتدخل العسكري الخارجي ...ووو
..تبقى سوريا غير !!
غير...!! لأن جيشها عقائدي يدير ظهره للعدو الخارجي ويقمع الشعب المنادي بالحرية سلمياً ، ويرفد هذا الجيش أجهزة أمنية كبيرة وشبيحة ( وهناك شبيحات أيضاً ) أو بلطجية أو بلاطجة أو زعران أكبر مما لدى غيرها من البلدان طبعاً مضافاً إليهم من الحزبيين البعثيين ومن والاهم من الأحزاب المنتفعة ، وأفراد من اتحاد الطلاب و المرتزقة ومن المنظمات الشعبية والاتحادات حتى عمال الشركات والموظفين الذين يُكره أفرادها على الخروج ضد المتظاهرين أو في مسيرات التأييد ، بل تجاوز نشاط هؤلاء ما راء الحدود ؛ لبنان ، تركيا ، الأردن وفي بعض دول أوربا ، هذه الجماعات أو بعضها تقوم بترهيب الخصوم ( الشعب) وتعمل على التجييش الطائفي وإرهاب أبناء الطوائف للوقوف معهم ودعمهم و تخويفهمم بما ينشرون من إشاعات ويمارسون من قتل وإلصاق التهم بالمتظاهرين كدليل على استهدافهم.
إن ما واجهه ويواجهه الشعب في سوريا لم يواجهه الشعب في تونس ولا في مصر ولا في اليمن ما عد ليبيا التي تحولت الثورة فيها إلى حرب حقيقية بفضل المدرسة العقائدية نفسها التي تخرج منها النظامان البعثي والجماهيري.
أعداد المتظاهرين يومياً ليلاًً ونهاراً وأعداد الشهداء والمعتقلين وتوزعهم الجغرافي ناهيك عن قسوة القمع وتنوع التنكيل والتغييب القسري في مجاهل الاعتقال والملاعب الرياضية ومعامل الدولة ومستودعاتها ، هؤلاء المتظاهرون بصدورهم العارية يخرجون ويعرفون أنهم يواجهون خطر الموت في كل لحظة... كل هذا يجعل من سوريا غير... أيضاً .
ولا نغفل الفرادة في ثورة سوريا أن عدد الشهداء الأطفال لم يبلغه أي عدد إلا في الحروب طويلة الأمد ، أما الشهيدات والمعتقلات يضفي بعداً تقدمياً جديداً يشي بأن النظام يدعم المساواة بين الرجل والمرأة بل يقر لها بحقها بالاستشهاد والاعتقال !!
أما التنوع الفريد الجديد أيضاً استخدام النظام ما يسمى بالجيش الإليكتروني والإعلامي وهناك فرادة أخرى تضاف إلى مناقب النظام هي تخوين الفنانين وتخوين الإعلاميين الذين يعملون في فضائيات ( معادية ) للممانعة والصمود ومحاربتهم بلقمة عيشهم بل تهديد أهلهم في سوريا وإحراق ممتلكاتهم لكي يعودوا إلى بيت طاعة النظام ، وهذه فرادة لم تقع في بلد من بلدان الثورات العربية اليوم .
وما يضفي خصوصية أخرى على سوريا الصمت العربي والدولي المطبق أو بعض الإجراءات للتسويق الداخلي، وتغافل الجامعة العربية عن أية إدانة أو حتى مبادرة ، لا نقول تدخل دولي أو محكمة جنائية أو..أو .. وما تم من عقوبات هي كما تبدو أقرب إلى عتب الأحبة ، وفي أحسن الأحوال" ضرب الحبيب زبيب "حسب المثل الشعبي .
تهديدات المتظاهرين السوريين في بعض الدول من قبل شبيحة الدبلوماسية السورية ومحاولات الإيقاع بالفضائيات ( فرانس24) مثالاً يجعل التفرد من خصوصيات النظام لا ينازعه فيها نظام آخر .
أما تهجير المواطنين ونهب بيوتهم وحرق محاصيلهم وقتل حيواناتهم (سياسة الأرض المحروقة) بل تدمير متعمد لبعض بيوت الناشطين في الخارج ومنظمي المظاهرات ، ومنعهم من النزوح مرة أخرى والتنكيل بمن رجعوا وقتل بعضهم ميزة تضاف إلى ميزات النظام .
لكن درجة الانحطاط التي لم يبلغها نظام بعد: قتل العسكريين الرافضين إطلاق النار على أبناء شعبهم ودفنهم في مقابر جماعية واتهام جماعات مسلحة بقتلهم ثم تكتشف فجأة هذه المقابر أمام كمرات التلفزيون والبعثات الدبلوماسية. ويأتي فصل آخر نادر الحدوث هو فصل الطلاب المشاركين بالمظاهرات وتفويت الامتحانات عليهم وطردهم من المدينة الجامعية ؛ أمر يوضح مدى حرص القيادة والنظام على الجانب التعليمي والعلمي .
ويمكن تتويج التفرد السوري بهذا الكم الهائل من الوعود الإصلاحية والحلول السحرية بإيجاد مئات آلاف فرص العمل والتسهيلات الموعودة والقوانين والمشاريع التي تنهض بالمواطن وتخفيض بعض الأسعار وتثبيت العاملين المؤقتين وإلغاء 120موفقة أمنية خنقت المواطنين..و.. و. كل ذلك يوضح مدى التداعي والانهيار والفساد والخراب والظلم الذي كان مسكوتاً عنه ولم يُحاسب أي مسؤول عنه هو أمر أقل ما يمكن أن يقال عنه عجب عجاب.
ويتوج ذلك كله بآخر تقليعة ( موضة) الحملة الرخيصة التي تلعب على مشاعر البسطاء ؛ حملة دعم الليرة السورية واقتطاع مبالغ من رواتب العاملين في الوقت الذي يتم فيه تهريب رؤوس الأموال المنهوبة إلى الخارج.
كل ذلك ... وهذا غيض من فيض والمظاهرات والصور والفيديوهات مازالت تثبت صمود الشعب الذي يتصدى بصدوره العارية لآلة القمع البشعة تفعل فعلها في أجساد هؤلاء الأحرار، كل ذلك يجعل فعلاً .......الشعب السوري (غير).
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية