أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عواصم هشه وأنظمة متهالكة .. رشيد شاهين

عند النظر إليها من بعيد، تبدو العواصم العربية متماسكة قوية عصية على الاختراق أو السقوط، وهكذا هي الأنظمة العربية التي تحكم تلك العواصم، فالمتعامل معها عن بعد أو من مسافة بعيدة عن الاحتكاك المباشر، يشعر انها ومن خلال ما استطاعت بناؤه من أجهزة أمنية مهمتها الأولى والوحيدة هي القمع، والقمع فقط للشعوب العربية المغلوب على أمرها، ليس سهلا الاقتراب منها أو إسقاطها أو "اللعب" معها، لان في ذلك الموت المؤكد أو الخطر الداهم.

عواصم تحكمها أنظمة أصرفت من الميزانيات ما لا يعد ولا يحصى، على ما قالت إنها أسلحة من جميع الأصناف، لمواجهة الأعداء والحفاظ على الأرض والاستقلال والوطن شامخا عزيزا، لتكتشف الشعوب ان هذه الشعارات لم تكن سوى كذبة كبيرة، وان تلك الأسلحة لم تكن إلا للاستخدام ضد هذه الشعوب فيما لو فكرت بالحرية والكرامة والديمقراطية، ولتكتشف أيضا، أن العواصم العربية وبعد ما يزيد على عقود أربعة من هزيمة حزيران المدوية، هي أكثر هشاشة وضعفا مما كانت عليه تلك الأنظمة وتلك العواصم في ذاك الزمن الغابر.

سقطت طرابلس بيد من يدعون أنفسهم "بالثوار" واختفى "عميد القادة العرب"، و"ملك الملوك" و"الثائر والقائد الأممي"، لم يصمد لا هو ولا جيشه ولا لجانه الثورية ولا الشعبية أمام زحف "ثوار الناتو" .

سويعات قليلة، كانت أكثر من كافية لسقوط النظام واختفاء القذافي، ليصبح طريدا متخفيا بشكل مخز، لا بل كما "الجرذان"، هذا الوصف الذي لم يتوقف عن ترديده لوصف "ثورا الناتو".

برغم ما في سقوط طرابلس من أسى، إلا أن من الواضح أن الشعب الليبي يشعر بنشوة الانتصار، تلك النشوة التي لن تعجب الكثير من أبناء الأمة، والتي ما من شك لها ما يبررها لدى هؤلاء الناس الذين خرجوا إلى الشوارع مهللين مكبرين، مختفين بالنصر الذي حققوه على طاغية آخر من طغاة العرب.

لا يمكن ان تكون الفرحة التي عمت الشارع الليبي آتية من فراغ، كما لا يمكن وصف كل من خرج الى الشوارع بأنه من أذناب الناتو، انها ردة الفعل الطبيعية على نظام قاد البلد الى الهاوية، لم يتعظ ولم يرغب بالاتعاظ، حيث تصرف بالبلد كإقطاعية أو مزرعة، ومع الشعب كمجموعات من العبيد، لم يشأ أو يرغب في الاستماع الى صوت الشعب الليبي الذي خرج في البداية بشكل سلمي مطالبا بالحد الأدنى من حقوقه.

ان المسؤولية الكاملة عن كل ما وصلت إليه الأمور في ليبيا، يتحملها فقط الرئيس الليبي الذي لم جر البلاد الى مثل هذه المواجهة عندما كان بالإمكان القيام بذلك، فهو ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الاحتجاجات، لم يتوان عن استعمال الأسلحة التي تم تخزينها لسنوات ضد أبناء شعبه العزل، كما ان من تآمر على ليبيا من أنظمة الخنوع العربية وكذلك الجامعة العربية كمؤسسة يتحملون جميعا مثل هذه المسؤولية حيث هم من كان وراء استقدام حلف الناتو من اجل الانقضاض على ليبيا شعبا ونظاما وثروة نفطية وهي الأهم في هذا الإطار.

عندما انطلقت الاحتجاجات في ليبيا، لم يتردد النظام ان يطلق النار على صدور الشعب الأعزل، فقتل ما يقارب المائة من الناس، عندما خرج عليهم ولا احد يدري حتى اللحظة بأية صفة، سيف أي شيء عدا الإسلام، ليقول بما معناه "إذا قتل الآن 84 ليبيا فعلى الشعب الليبي ان يعرف ان الملايين سوف يقتلون، وان ليبيا سوف تعود الى ما كانت عليه قبل حكمها من معمر القذافي، وإنها ستبيت بلا ماء ولا كهرباء ولا بنية تحتية" فأي عاقل يمكن ان يهدد أبناء شعبه بهذا الشكل، وأي منتم الى البلد يمكن ان يهدد بإعادة بلده أربعين عاما الى الوراء، يمكن لنا ان نستوعب مثل هذا التهديد لو انه صدر عن عدو خارجي مثلما فعل وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عندما هدد العراق بمثل هذا التهديد، أما ان يفعل ذلك من يقول انه الزعيم القادم لليبيا، فهذا ما لا يمكن فهمه.

سقوط طرابلس بيد "الثوار"، واختفاء "القائد الأممي"، لا شك سيشكل دفعة قوية للثوار والمحتجين في بلدان أخرى في الوطن العربي، وهو سيكون الحافز لأبناء الشعب السوري واليمني و غيرهما من أبناء الشعوب العربية التي لم تتحرك بعد ضد أنظمة الطغاة والظلم، فالدور على بقية الأنظمة لا بد آت حتى ولو بعد حين.

ان لم يتعرض للقتل عل أيدي الثوار، فإن معمر القذافي، سيظهر في قفص الاتهام سواء في طرابلس أو في محكمة لاهاي، وبذلك سيكون الرئيس العربي الثاني بعد الفرعون المصري، هذا الظهور المذل والمخزي، ربما سيكون الدافع لعديد الطغاة الذين يحكمون ويتحكمون في امة العرب، كي يعدلوا مسار نهجهم فيتركوا الشعوب وحالها، حتى لا يواجهوا المصير ذاته، الذي واجه حتى اللحظة ثلاثة من طغاة العصر العربي الرديء في مصر وتونس وليبيا.

22-8-2011



(124)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي