أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الفرق بين جاهلي ورئيس دولة عصري ... د. جمال شحادة

هل الإنسان الجاهلي الذي بالكاد يقرأ في اليوم عشر كلمات ويكتب سطرين وهو يعيش في العصر الجاهلي لا كهرباء ولا اتصالات ولا سيارات و... يستوعب الأمور العظيمة ، وله نظرة استراتيجية أكثر من رؤساء دول وحكام شعوب الآن وفي القرن الحادي والعشرين ؟ . قد يكون ما أزعمه صحيحا لو تناولنا سيرة واحد من طغاتنا نحن العرب في أيامنا هذه وليكن بشار نموذجا تنسحب عليه أعمال بقية الطغاة ، فبشار رجل متعلم ـ أو يفترض أنه متعلم ـ تخرج في جامعة دمشق من كلية الطب قسم العيون ولعلم الجميع من يدرس الطب بسورية يعني يجب أن يكون عبقريا فطالب الطب بجامعة دمشق لا يساويه طالب في كل الجامعات العربية وهذا أقوله بثقة لما عرفت أثناء تنقلي بالوطن العربي وتدريسي لطلبة من ماء الأطلسي المعتدل لما الخليج الدافئ ، فهوطالب مثقف بثقافة عامة تمكنه من فهم كل ما يحيط به من الحياة الاجتماعية و الفكرية والعلمية والفلسفية فهما كبيرا لا إلماما وكفى ... ومن هنا لو قيض لدولة أن يكون رئيسها ليس طالب طب بل طالب أي فرع جامعي لكان خيرا عظيما للبلد فما بالك بطالب طب وما بالك بطبيب متخرج حاول دراسة الاختصاص ببريطانية ، وهو على الرغم من فشله بدراسة الاختصاص لظروف لا نعلمها بعض من أحبه يقولون بسبب وفاة أخيه باسل ( الذي عملوا منه نبيا مرسلا ولا أدري ما الذي قدمه للوطن حتى سميت السماء باسمه والأرض والملاعب والمشافي والمراحيض و...) ومن لم يحبه يقول فشل في ما يؤهله للدخول بالاختصاص ، وأيا كان فهو طبيب لا يستهان بعلمه وفكره على الرغم من كل ما يقوله عنه كارهوه من أنه كانت الأسئلة تصله ليلة الامتحان ومن وضعها يقوم بتدريسه وتدريسبه عليها طوال الليل ( في المرحلة الثانوية ) أما في الجامعة فلم أعثر على أحد قال شيئا عن تاريخ سيرته ودراسته وما إلى ذلك ، المهم كانت هذه تقدمة لما سيأتي نقاشه في مجرى حديثنا وهوكيف لجاهلي أمي عاش منذ 1500 سنة تقريبا أن يكون بثقافة عامة وفكر وثاب ونظرة استراتيجية من دكتور عاش في القرن العشرين والواحد والعشرين ، مقارنة بين معطيات العصر الجاهلي والعصر الحالي ولو لا مجال البتة للمقارنة ولكن من قبيل الاستئناس ، العصر الجاهلي عند أذان المغرب لا نار ولا نور ولا اتصالات ولا ماء ولا طعام والإنسان كأنه موضوع في قبر يراقب نجوم السماء ويتقلب في فراشه تحت هجير الطيف ولهيبه ، وترتعش أطرافه من برد الشتاء وقره ، يركب الفرس على أفضل احتمال ، لكنه يجالس الرجال ، ويتجاذب معهم الأقوال ، وتعجبه الحميدة من الخصال ، والحسن من الأفعال ، يتواصون بها في مجالس الرجال ، وينقلونها من أجل أخذ العبر للأجيال ، يكررونها ويقولونها وبل ويقولون بها الأشعار ، وينثرونها عبر الأصقاع الديار ، لتكون عونا لهم في حياتهم البائسة ، تعينهم على حياة أقل بؤسا وينشدون من خلالها التعايش بين الناس ، لينام الإنسان هانئا سعيدا بلا حراس ، و.... وأما في عصرنا الراهن فمنذ المغرب تضيء سماء المدينة أنوار تبدد ظلمتها ، وتجمل هيئتها ، وتمزق وحشتها ، فالسيارة فارهة في المدينة والطائرة جاهزة بين المدن ، والهواتف منها أرضي ، ومنها خلوي ، ومنها على القمر الصناعي ، ومنا السلكي ، واللا سلكي ، وهناك الفاكس والتلكس والإيميل والعادي و... وقنوات أرضية ، وأخرى فضائية ، بعضها للمسلسلات ، وبعضها للرياضة ، وبعضها للمعارف والعلوم ، وبعضها للموسيقى والنجوم ، والبيت كأنه قصر منيف فيه من كل ما لا يخطر ببال من وسائل الترف والانشغال ، ووسائل التواصل والاتصال ، ولدى الإنسان العادي محامون وأطباء ومستشارون ، فما بالك بحاكم يحكم شعبه بجنون ، ويقمعه بفنون ، ( من باب أ،ه حالكم وبيمون ) فمن الناحية النظرية يجب أن تكون أحكام ابن العصر قائمة على أسس منطقية وفكرية وعقلية غير قابلة لوجود خطأ مهما كان صغيرا ، نموذج الإنسان الجاهلي هو : زهير بن أبي ُسلمى ، ونموذج الإنسان العصري بشار الأسد ، أما الأول في نظرته للحرب فهاهو يقول للسيدين الذين عملا في الصلح بين عبس وذبيان ، وذلك بإعمال عقولهما ، وتغليب خصلة الخير على خصال الشر وذلك تفاديا لحرب لا يعرف إلا الله نتائجها ، وذلك عندما حدث احتقان وإعداد من القبيلتين كلتيهما :
يَميناً لَنِعْمَ الْسَّيِّدانِ وُجِدْتَمـــــا على كلِّ حالٍ من سَحيلٍ وَمُبْرَمِ
تَدَارَ كُتما عَبْساً وَذُبْيَانَ بَعْدمَا تَفَانَوْا وَدُّقوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ

صدق هذا الجاهلي ، الذي تربي في العصر الجاهلي على ضآلة ما كان في عصره آنذاك .

لم يسرع بشار ولم يتسرع ولم يسارع ،( وهو مفتون بشرح المفردات وتفهيمها لمخاطبيه ) في إدراك السلم ، لا بمال ، ولا بمعروف ، والمال مال الشعب والمعروف لا يحتاج إلى إلى كلمات مواساة لجريح يئن ، ومن ثَمَّ تفعيل لهذه الكلمات على أرض الواقع ، ولو فعل هذا لعظم وسلم هو ونظامه وشعبه والمنطقة ، فزهير بن أبي سلمى منذ خمسمئة وألف عام يقول ، إن إدراك السلم وتداركه والولوج في حدائقه بمال وقول حسن لين يجعل الناس في مأمن من جهة ويصبح الجميع بخير ، وصاحب المبادرة يصير عظيما في عيون الآخرين ومخيلاتهم ، فها هو يمدح سيديّ الصلح بما بذلاه لنزع فتيل الحرب وبهذا صارا سيديّ العرب آنذاك باستباحتهما مالهما وأقوالهما الحسنة للناس ، فهل الإنسان الجاهلي أكثر عقلا وأعظم فكرا على قدمه في التاريخ ممن كان يتوجب عليه قراءة التاريخ واستيعابه وتمثله .؟

وقَدْ قُلْتُما: إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعاً بمالٍ ومَعْروفٍ من الْقَوْلِ نَســـْلَمِ
فَأَصْبَحْتُما منها على خَيرِ مَوْطِنٍ بَعِيدَيْن فيها مِنْ عُقُــــوقٍ ومَـــأْثَمِ
عَظِيمْينِ فِي عُلْيَا مَعـــــدِّ هُديِتُما ومَنْ يَسْتَبِحْ كنزاً من الَمجدِ يَعْظُمِ
نعم من يُهِنْ ماله يعزْ ويعظمْ ، ومن يقل خيرا يرقَ ويسم ُ في سلم المجد العظيم .
ثم يوصي ابن سلمى بعدم تبييت نية الشر في النفس وإضمارها ، ويحذر من مغبة كتمان الشر وإبداء الخير ، وذلك أن تقول شيئا وتنوي فعل أشياء ، ويقول من يفعل هذا ربما عاجله الله بالانتقام في الحياة الدنيا وربما أخر له عقابه يوم القيامة ، ولن يفلت من عقاب الله ، فأين الأسد من أقواله التي سمعناه يرددها بأن هناك تعليمات صارمة بعدم جرح أي سوري ؟! وقد كانت بثينة نقلت أقواله وأوارمه قبل أسبوعين من تصريحه هذا ولكن لم نرَ أي شيء على أرض الواقع ، فهل الذين يقتلون الآن في كافة أرجاء سورية يهود صهاينة ؟ أم شعبه وأحباؤه ؟ أولئك الذين ارتضوا به رئيسا دون أن ينتخبوه ، وقالوا في أنفسهم عل ذلك خير ، فانقلب عليهم ذبحا وتنكيلا وقتلا وتشريدا وتدميرا .

فَلا تَكْتُمُنَّ اللهَ ما في نُفُوسِكمْ لِيَخْفَى ومَهْما يُكْتمِ اللهُ يَعْلَمِ
يُؤَخَّرْ فيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجَّلْ فيُنْقَمِ

كان من المفترض على ابن القرن العشرين والواحد والعشرين والذي توافرت له كل سبل العلم والفكر والثقافة والاستشارات والحياة الفكرية ، ألا ينسى مثل هذه النصائح الأبدية ، وقد درسها في المرحلة الثانوية ، التي أهلته لدراسة أرقى أصناف المواد الدراسية ، وليعمل بها لا أن يعلمها فحسب .

ثم يحدثنا عن الحرب ، وما تجره على الناس من ويلات ، وعلى الوطن من ثبور ، إذ قد يدخل العدو إليه من الثغور ، وتقل فيها قيمة الإنسان ، والحليم فيها يومئذ حيران ، فتنقلب النفوس على مألوفاتها ، ولا يستطيع الإنسان التحكم بسيرها ، ولا خطورتها ، ولا توجيهها ، بل هي التي تتحكم بخط سيرها ، وتطحن الناس قتلا وسفك دم ، وتشريد وتدمير ، وتتعطل آلة العقل وآلة الإنتاج ، ويصبح الجوع والفاقة حطبا مناسبا لاشتداد نارها ، وزيادة أوّارها ، وتكون نتائجها وخيمة على الجميع ، إذ تتكون أجيال من المجرمين الذين ألفوا القتل والترويع ، وألفوا منظر الدم ، بل صار الدم محركا لغرائزه بمزيد من ارتكاب الجرائم وسفك دماء الناس حتى الأبرياء ، وهذا ما يحصل الآن في كل ربوع سورية الحبيبة ، كل ذلك لأن بشارا لم يحضر درس معلقة زهير وحكمه فيها أثناء الدراسة ، أو أنه حضرها ولم يعرها بالا ، أو أنه حضرها ولم يفهمها ويستوعبها، أو أنه عاب على الجاهلية ورجالها تفكيرهم الساذج الرجعي ، وانطلق بفكر قومي حداثي تقدمي ، فكانت النتيجة صوابية الفكر الزهيري الجاهلي ، وخطأ الفكر التقدمي البعثي الاشتراكي الحداثي الليبرالي ؟:

وَمَا الحَرْبُ إِلا ما عَلِمْتُم وَذُقْتُمُ ومَا ُهَو عَنْهَا بالحَديثِ الُمرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذَميمَةً وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيْتُمُوها فَتَضْرَم
فَتَعْرُكُكْم عرْكَ الرّحى بثِقالها وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِمِ
فَتُنْتِجْ لَكُمْ غلْمانَ أَشأَمَ كّلهمْ كأَحْمَرِ عادٍ ثمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا فتُغْلِلْ لكُمْ مَا لا تُغِلُّ لأهْلِهَا

كلمات بسيطة مفهومة ،وأفكار سلسة واضحة غير متراكبة ولا متناقضة ، لا غموض فيها ولا لبس ، ولغة سهلة مأنوسة ، تتردد على مسامعنا ، ونرددها بأفواهنا ، يفهمها ويستوعبها حتى أطفال المرحلة الابتدائية إلى قيام الساعة ، ما دام القرآن موجودا وما دامت الأمة موجودة ، واللغة العربية موجودة ، وهذه أمور تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظها ، فلنتعظ من التاريخ ولنأخذ العبر منه ، قبل فوات الآوان .

ملحوظة : الأشعار كلها من معلقة زُهَير بن أبي سُلمَى : ( 106ق .هـ - 13 ق. هـ / 502 ـ 609م ) حددت سنة ولادته تقريبيا وفق برنامج تحويل التاريخ.




(106)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي