أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورة الربيع العربي تسقط أقنعـة بعض الفنانين.. ميمون حــرش

كشف المتظاهرون الشباب ،وسط ميدان التظاهرفي تونس، و مصر ، وفي اليمن ، وفي سوريا عن قدر كبير من الوعي، والمسؤولية، والحب، والدهشة عند كل شباب الشعوب العربية، ليس فقط لأنهم أيقظوا النُّـــوم من سباتهم العميق،وليس أيضا لأنهم قدموا صورة إيجابية عبر رحلة كفاح ونضال دامت في مصر مثلا ثمانية عشر يوما وصلوا بها إلى المجد الذي كتبه التاريخ لهم بفخر، بل لأنهم أخرسوا الأعداء الذين كانوا لا يتوانون ، بصلف غربي استعماري محض، لإطلاق العنان لنعت الشعوب العربية بأقـدح الصفات، يلصقونها بكل من يتكلم بلسان عربي، يصفونهم بها ، ولعل أقدحها هي نعتهم بالقطيع الذي يسهل قيادته.
والآن، بعد ثورة الربيع، وتوهج الشباب الثائر في ميادين يطلقون عليها "ميدان التحرير"، وجب إعادة قراءة الأوراق من جديد، وليبدأ الغرب، وعلى رأسهم دُماهم من زعماء كل العرب الخونة، من فتح صفحة جديدة، وبدل بدأها بالبسملة(وهم بخيانتهم لشعوبهم ليسوا بمسلمين، فلا حاجة لهم بها) حري بهم أن يبدأوها بكتابة أرقام مهدت للحراك العربي واعتبارها أرقاما لازمة ورموزا لنهاية مأساوية لكل الطغاة.
شباب الدول العربية تتبعوا، ولا زالوا، مسار الثورات العربية عبر قنوات عدة بذهول لكن بإكبار، وإثر كل خبر يُبث عبر لازمة " عاجل" كانت عيونهم تجحظ، وقلوبهم تخفق لأصوات الحرية التي احتدت في مصر وتونس، واليمن وسوريا، الصغير منهم، قبل الكبير جميعهم حرص على المكوث أمام التلفزة، مشاهدا مدللا، وفي النفس هذه الأمنية : " آه لو كنت معهم"، وتكبر الأمنية، يوما بعد يوم، وتصبح هذا الرجاء: " متى يأتي الدور على طغاة آخرين في بلداننا؟..
قبل غزو الفضائيات، والصحون المقعرة لوسائل إعلامنا، في ثورة إعلامية مباركة هي في تصاعد مستمر ، كانت اللهجة المصرية تقتحم بيوتنا،ولم نكن نشاهد- مرغمين- غير ما هو مصري ؛لأنه كان مفروضا علينا، وما أكثر المسلسلات المصرية التي طرحت، في تيماتها الأساسية، موضوعات الحرية، والتحرر،والديموقراطية،... ولعل أشهر "كلمة" كانت تتردد على ألسن الممثلين في هذه المسلسلات هي "الشقة" ، وكان هذا المشكل( الشقة) لازما لكل مسلسل يطرح ،كتيمة، موضوعات الحب، أو الزواج لدرجة اختزلت فيه كلُّ الأعمال الفنية، لفترات عدة، كلَّ مشاكل مصر في مشكل الشقة، أما لفظة[يعني] فكانت تنداح علينا مثل فاتورات الماء والكهرباء، ليس كل شهر، إنما كل يوم.
و في فترات أخرى تالية، وفي أعمال أخرى محسوبة على الفن الملتزم أو الواقعية الاشتراكية كان الفنان/ الممثل، في الفيلم، أو المسرحية، أو المسلسل، يرتفع صوته عاليا بضرورة تغيير المنكر، منتصرا للحق، والعدل، والكرامة، وحقوق الإنسان.. مثل هذه الرسائل وغيرها كثير كانت تمرر عبر تلفزاتنا، وكانت تبهرنا حين يحرص أكثر من مخرج في أكثر من عمل، على طرحها ، بدء من فيلم "الأرض" المأخوذ عن رواية عبد الرحمان الشرقاوي، والتي أنتجت سينمائيا سنة 1970.
والدراما السورية ، تاليا،ستسحب البساط من تحت الأعمال المصرية، وتُبهر المشاهد العربي من الماء إلى الماء بما قدمته من أعمال فنية جميلة طرحت فيها قضايا الناس في صراعهم مع الإستعمار، والإقطاع، والفساد ...أعمال تاريخية تركت بصمة،وأصابت الدراما المصري بالروماتيزم في القدمين مما تعذر عليها اللحاق بها ؛ لأن جودة الفن الشامي السوري الأصيل كان في تصاعد مستمر، ومواكبة الجديد الذي الذي كانت تحرص عليه الدراما السورية بات عزيزا.
وبعيدا عن هذا الأمر( لأن هناك من يتعصب للدراما المصرية )كان القاسم المشترك بين الأعمال الدرامية في مصر وسوريا هو حمل الفنان همَّ الناس من حوله، من خلال ما جسده أمام الكاميرامن أدوار تايخية مهمة كرفضه للقهر، والميز، والظلم والفساد.. والحق لقد أتقنوا أدوارهم لسببين، الأول لأن الموهبة تسعفهم، والثاني لأنهم كانوا مقتنعين بصحة الدور الذي يجسدونه، لهذا أحببناهم في كل الأدوار التي كنا نرى فيها صورة واقعنا مجسدة.
كانوا أمام الكاميرا بوجوه ملطخة بماكياج المشهد ينتصرون للحق، فأحببناهم وعشقنا الموهبة التي وهبها الله لهم، بل كنا نحفظ أسماءهم مثل أيام الأسبوع، كانوا لنا مثالا وقدوة، لكن حين صحصح الحق في مسلسل حقيقي في مصر، وسوريا ، وتونس ، وحين كانت أجهزة الهواتف النقالة، وأجهزة الحواسيب تصور أحداث الثورة على الهواء مباشرة، وحين كان الشباب يملأ الساحات، ويشغل أمصارا أخرى ، حين حصل كل هذا غاب فنانو مصر وسوريا..أغلبهم كانوا في ما مضى، في أعمال فنية، يعطون انطباعا آخر حول إيمان كان يبدو راسخا بمفاهيم التحرر، التقدم، وكرامة الإنسان، وحب الوطن، لكن سرعان ما أماط سكوتهم المخزي إزاء ثورة الربيع العربي اللثام عن موقف رجعي، وسرعان ما كذب الماء، كما يقولون، الغطاس.بل والطامة الكبرى منهم من لم يكتف بالصمت، إنما سخر شهرته لتجميل موقف النظام الذي لم يكن يتوانى على قتل الأطفال، والشيوخ، والنساء وعلى الهواء مباشرة لا شيء سوى أنهم قالوا :"كفى، فاض كأسنا"..
ولأن موقف بعض هؤلاء الفنانين مخزٍ بل ومضحك بالنظر إلى طبيعة الأدوار التي كانوا يجسودنها على الشاشة، فالأنفس ستتقيأهم، وسيحفظ الشباب الثائر أسماءهم واحدا واحدا كما اسم مسيلمة الكذاب تماما.
أغلبهم إزاء ثورة الربيع لم يكونوا لا باردين ولا حارين، ni chaud ni froid)) لم يكونا لا في الجوهر ولا على الهامش ، لا في العير ولا في النفير كما تقول العرب.
الساحات كانت تضج بالمتضاهرين إلا من وجود بعض الفاننين ،فلاهم شاركوا في المظاهرات بحضورهم، ولا هم سجلوا موقفا عبر مكالمات هاتفية يعبرون فيها عما يحصل في بلدانهم؛ نحن كنا نشاهد شباب الثورة في كل الميادين، وكنا نبحث عنهم بينهم، كنا نترصدهم من بعيد، ونسأل عن الفنانين الذين فرضوا علينا أنفسهم في بيوتنا عبر مسلسلات مصرية لعقود من الزمن، كما بحثنا عن أبطال الدراما السورية دون جدوى( طبعا هناك أسماء نستثنيها)، كنا نود لو يترجمون ما كانوا يؤمنون به من أفكار التحرر، والديموقراطية، وكرامة الإنسان بيد أننا لم نعثر لهم على أثر، وحدهم الشباب الثائر كانوا يلاقون مصيرهم، وحدهم كانوا يصنعون التاريخ، أما هم فصناعة التاريخ ، بالنسبة لهم، تتم عبر شباك التذاكر ليس إلا.
بعض الفانين يحرصون على ألقابهم،بل وفي سبيلها يخوضون معارك سجالية عجيبة حتى تتصدر أسماؤهم الأعمال الفنية، يفعلون ذلك لأنهم يرون أن الجمهور يؤمن بقدرتهم على ترك بصمة من خلال أدوار يمثلونها،لكن هذا الجمهور افتقدهم في الليلة الظلماء حين كانوا في حاجة لبدر الحرية، وليسطع هذا البدر في سماء مصر، وسوريا... كانوا في حاجة لأصواتهم ووجودهم إلى جانبهم في المتن لا في الهامش ، لكنهم غابوا عن الميدان ، وبرفضهم للعب دور البطولة في مسلسل حقيقي اختارله المخرج المغمور البوعزيزي دون أن يشعر عنوان " الربيع العربي" انتصر أبطاله للحق، وللخير، وللتغيير،وللسلام يكونون قد فوتوا على أنفسهم أحسن أدوارهم، كانوا سينالون عليه، لا جوائز الأوسكار، إنما جائزة اسمها بركة الأرض التي ينتمون إليها.
كل ممثل لا اهتداء بدوره على الساحة، حين تتطلب اللحظة التاريخية ذلك، لا يبالي الشباب الثائر ما إذا لاح نجمه أو غرب ، فما عساهم يقدمون بعد الآن غير الظهور في الشاشةخدمة للشباك ولصاحبه، والهدف هو في النهاية تجاري محض ليس إلا، والفن ، في النهاية، إذا لم يعانق هموم الإنسان في صراعه مع الحياة، لا جدوى من إقامة الدنيا من أجله.
أتوقع في التالي من أيام ستثبت الأرقام الإحصائية حول مشاهدة مسلسلات رمضان 2011 عن تدني الإقبال على هذه الأعمال لا لشيء سوى أن مشاركة بعض الفانين فيها كان يكفي لأن يدير المشاهد العربي ظهره ليس للتفزة فقط بل لكل الفترة قبل ثورة الربيع ، وأكثر من هذا فالمشاهد العربي ما عاد يسهل الضحك عليه بهذا الشكل، هو في حاجة لفن أصيل يتبناه فنان مؤمن بقيم الإنسان العليا يجسدها على الشاشة إذا حضرت الكاميرا، وفي الواقع حين تغيب بكل الحب من أجل كل إنسان ، لكنه الآن بعد أن أسقطت ثورة الربيع الأقنعة،لا يبالي بهذه الأعمال، إنها مجرد خردة بسبب النفاق، ولأن الأسماء التي تلعب دور البطولة فيها مجرد شخصيات من ورق، بينها وبين البطولة ما بين السماء والأرض.
بطل مسلسل " رأفت الهجان"على سيبل المثال لا الحصر ختم آخر حلقة منه بقوله "مصر تستحق"...يريد طبعا التضحية.
مصرتستحق
سوريا تستحق
ليبيا تستحق..
...
إنها بلدان تستحق أمام الكاميرا ووجه الفنان ملطخ بماكياج المشهد، وحين يحترق شباب هذه البلدان في انتفاضة مباركة، تتركون الحبل على الغارب في لامبالاة غريبة بل مشبوهة.
وإذا كانت مصر تستحق، وسوريا تستحق فلم سجلنا غياب عدة أسماء"فنية" ، ولماذا لم سيجلوا موقفهم مما يحدث ، لم لمْ يشاركوا في تظاهراتت سلمية من أجل العدل والنماء ومحاربة المحسوبية...
أوليس دورهم هو منح الرؤية قبل المعرفة؟ لماذا غابوا في الوقت الذي كانت فيه الأسر في مصر وسوريا تعول عليهم حتى ينوبوا عن شهدائهم، ويواصلوا ما بدأوه.. ألم يطبلوا، في أعمالهم الفنية،بأن درب النضال شاق وطويل؟..
إن الأسر التي فقدت أبناءها فيما يحدث آمنت بقدرها، لذلك وهبت فلذات الأكباد كرْمى لمصر وسوريا...، هي فقدت أولادها، وضحت بهم، ووهبت دماءهم للحرية الحمراء،أما الفنانون بغيابهم عن الميدان،فهم كانوا منشغلين بلعب دور آخر، دور الخذلان، والجحود..
لعُمَر فاخوري كتاب قيم بعنوان " أديب في السوق" يدعو فيه الأدباء إلى الانخراط في الواقع، وترك الأبراج العالية، والنزول من فوق لمعانقة الناس، والاختلاط بهم؛ آمن بأن نقل معاناتهم يجب أن تتم لا من فوق، وهم يطلون على الشعب من برج عاج، إنما باقتحام حياتهم الطبيعية الحافية على الأرض.
"فنان في الميدان"( عذرا لعمر على استعارة عنوان كتابه)، هذا ما كان ينبغي أن يحدث مع فناني مصر
وسوريا.. ويبدو لي أن ما دعا إليه عمر فاخوري هو ما كان يجب أن يقوم به هؤلاء، كان عليهم النزول إلى الميدان، والانخراط في واقع يسمو على كل التبريرات الواهية، الزائفة التي قد تحول دون الحضور، ثم هل غيابهم من القوة بحيث يبرر لهم تخاذلهم؟..
[وتحية لكل الأسماء الفنية في سوريا ، ومصر التي أبانت عن حس ثوري أمام الكاميرا، وبعيدا عنها] أما غيرهم فكان يتدثر في غرف مكيفة،أو في مطاعم باذخة ،أو صالونات القمار، أوفي بارات في بلاد الآخرين.... لكنهم في المسلسلات تكبر أعناقهم كرمى لجيوبهم فقط لا غير، ويناضلون من أجل أن يكتب اسمهم أولا؛هذا في الجنيريك، أما في الواقع فهم في آخر الطابور.
مهـــزلة؟ ما أصغـــر الكلمة؟..
إن بين الواقع والخيال ميدان التظاهر، ومعظم فناني مصروسوريا الذين غابوا عنه لن يقنعوا أحدا بعد اليوم، بل إن مفهوم البطولة في العمل الفني بعد الثورة، يجب أن نعيد تحديد مصطلحها، واستباقهم المحموم حول تسجيل أسمائهم أولا في الجنيريك، بعد ثورة الربيع العربي، سيكون نكتة بائخة إذا أصروا على ذلك بعد اليوم،سيكونون بذلك مجرد حثالة تسترزق بالفن على حساب القيم الإنسانية الكبرى .
على الفنان أن يكون صادقا في عمله، وكما الصب تفضحه عيونه، فإن الفنان يفضحه التاريخ إذا لم يكن ملتزما، ولذلك أعتبر ميدان التظاهر، في مصر وسوريا،هو آلة كشفت كذب كل الفنانين الذين دافعوا، في أعمالهم،عن الحق، والحريات،والسلام، والتحرر، وبدل تجسيدها حين تطلب الوطن منهم ذلك انساقوا مع الفكر الرجعي، وانتهوا إلى صمت مطبق لا يليق بتاريخهم الفني " العريق"

 قاص وكاتب من المغرب


(105)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي