16/8/2011
لا شك أن كل دولة لها هويتها أيا كان نظام الحكم فيها، شموليا أو ديكتاتوريا أو لبراليا أو نازيا أو فاشيا. فالهوية ثابتة لا تتغير بتغير الأيديولوجيا والفلسفات. وعليه فلا الأمريكيون، ولا الأوروبيون، بمن فيهم الروس، تخلوا عن هويتهم كدول مسيحية، ولا الصينيون أو الهنود تخلوا عن وثنيتهم، ولا اليهود فعلوا ذلك، وهم الذين اغتصبوا فلسطين وأقاموا دولتهم فيها على خلفيات توراتية مزعومة، ويجهدون بكل ما أوتوا من قوة لتثبيت يهودية الدولة بوجه الفلسطينيين والعالم أجمع.
اللبرالية تعني التحرر من كل قيد أو أيديولوجيا أو عقيدة في التعامل مع الآخر. وهي مصطلح على النقيض تماما من الحرية. أما العلمانية فتعني فصل الدين عن الدولة. واليسارية، سليلة الشيوعية، لا يعنيها دين ولا مبدأ. هذه الفلسفات ومن يعتنقها، ومعهم الجهلة والمغفلين، يطالبون اليوم بدولة مدنية. أما الدولة المدنية، بحسب زعمهم، فهي المجردة من أي محتوى يميز بين المواطنين على أساس الدين أو الطائفة أو العرق أو اللون.
فيما عدا النظام الطائفي في سوريا، والذي اختبأ خلف العلمانية، فلم يكن حسني مبارك أو علي عبد الله صالح أو زين العابدين بن علي أو القذافي يحكمون بمقتضى الشريعة أو الطائفة أو العرق أو اللون. والثابت الذي لا يقبل الجدل أنهم جميعا حاربوا الدين بلا هوادة، وحالفوا الأمريكيين والغرب وحتى اليهود وكل صليبي ووثني على حساب المواطن والدولة والدين. هذا يعني أنهم إما أن يكونوا وثنيين أو ملحدين أو لبراليين أو علمانيين أو من أي تصنيف آخر إلا الإسلام. وبالتالي فالطغاة، بالمعنى الذي يتحدث عنه دعاة الدولة المدنية، مدنيون حتى النخاع!!! فما هو الفرق إذن بين مدنية الحكام ومدنية اللبراليين والعلمانيين؟
بصريح القول؛ فما من فرق يذكر. فاللبراليين العرب ليسوا لبراليين لا شكلا ولا مضمونا. هم باختصار، وحيثما تواجدوا، كانوا سدنة نظم الاستبداد، التي حكمت الأمة عقودا بالقهر والاستبداد واستحلال سفك الدماء، وكانوا حلفاءها. وهم الذين استشاطوا غضبا ضد الثورات، ونظموا ضدها الثورات المضادة، من تونس إلى مصر. وهم الذين صبوا جام غضبهم على الشعب المصري لما صوت لصالح استفتاء بنسبة 78%، تضمن مادة تعتبر الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وتنكروا لنتائجه. وهم الذين يعلمون أن مطلبهم هذا ليس سوى تعبير أنجبته الثورة الفرنسية سنة 1789 على أنقاض الكنيسة الكاثوليكية التي حكمت أوروبا بالزيف والتحريف والكذب، وأغرقتها في أودية الجهل والتخلف والقذارة والحروب الطاحنة لقرون عديدة. ويعلمون أن الإسلام والحضارة الإسلامية هما اللذان أضاءا أوروبا لما كانت غارقة في ظلام الكنيسة.
في « مليونية الشريعة» رفع أحد المصريين لافتة لخصت جوهر الصراع الدائر في مصر بين اللبراليين وعموم الشعب المصري. تقول اللافتة: « ماذا رأيتم من الله حتى تكرهوا شريعته؟» فالغالبية الساحقة من الدول المسماة عربية تدين شعوبها بالإسلام. وبالتالي فهي دول إسلامية في الصميم. ومع ذلك ليس لها الحق في الحكم وفق شريعتها وهويتها كما يحق لغيرها. وهذا يعني أن منطق الدعوة إلى الدولة المدنية في بلاد الثورات هو منطق عدائي لم يعد له من هدف أو محتوى إلا الهدف الأمريكي والصهيوني .. تدمير الدين، وسلخ الهوية وهدم المرجعية الوحيدة للمسلمين والتضييق عليهم، وفي نفس الوقت تمكين الأقليات، غير الإسلامية، من التمتع بعقائدها كيفما تشاء!!!
وعليه فما يجري من استقطاب وتحشيد أيديولوجي لا علاقة له بالديمقراطية ولا بالدولة المدنية. أما اللبراليون؛ فلا شأن لهم بديمقراطية ولا حرية. ولا يبدو أنهم بحاجة إلى هذه أو تلك. كل ما هنالك محاولات محمومة للانتقال من مدنية الطغاة إلى مدنية البغاة!!!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية