يعمل الأمريكيون والصهاينة على تكريس الانقسام الفلسطيني وتعميقه، وذلك لزيادة معاناة الفلسطينيين، وإفراغ القضية الفلسطينية من جوهرها، وإخراجها عن إطارها العربي والإسلامي، وتضليل الرأي العام العالمي. وهم يهدفون بذلك إلى وضع الفلسطينيين أمام خيارين اثنين: إما استمرار المعاناة، وإما الاعتراف بالدولة اليهودية!!
والانقسام الفلسطيني هو ثمرة خبيثة لما يسمى "الفوضى الخلاقة"، التي يستخدمها الأمريكيون والصهاينة في تحقيق غاياتهم الشريرة، وهي ليست فوضى خلاقة كما يزعم رعاتها، وإنما هي فوضى هدامة، فهي تهدم طموحات الشعوب، وتُذكي الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية المتنازعة وتحوِّله إلى أداة تدمير ذاتي.
وفي ظل الظروف الفلسطينية والإقليمية الراهنة، التي انعكست سلبياً على القضية الفلسطينية، يعتقد الأمريكيون والصهاينة أن تعميق حالة الانقسام الفلسطيني هو الحل الأقل تكلفة لتعبيد الطريق إلى أقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين، خاصة مع وجود طرف فلسطيني متساوق بالكامل مع الإرادة الأمريكية.
فالعدو الصهيوني والأمريكي يسعى عبر تعميق الانقسام والنزاع الفلسطيني الداخلي إلى إقناع الشعب الفلسطيني بأن المقاومة لن تجلب له سوى مزيد من المعاناة والتقهقر، وأنها لن تحقق له ما يطمح إليه من استعادة حقوقه ونيل كرامته. وذلك بتسليط الفئة المتساوقة مع المخطط الصهيوأمريكي على حركة حماس، وإشغالها في مناكفات ومعارك جانبية مفتعلة توهن عزيمة الشعب الفلسطيني وترهقه وتنعكس سلبياً على مستقبله.
كما يسعى الأمريكيون والصهاينة وفريق أوسلو إلى سد الطريق أمام الشعب الفلسطيني إلى الإصلاح والتغيير، وإقناعه باستحالة التخلص من الفساد وزمرة المفسدين، التي قدم شعبنا التضحيات الجسيمة للتخلص منها، وذلك عبر إفشال حركة حماس كنموذج مثالي للإصلاح والتغيير، وجعل محاولات الإصلاح والتغيير سبباً في زيادة معاناة الشعب الفلسطيني.
ويهدف الأمريكيون والصهاينة من تأجيج النزاع الداخلي الفلسطيني إلى عزل حركة حماس عربياً وإسلامياً، وذلك عبر تضليل الرأي العام العربي والإسلامي، مما يؤدي إلى استمرار حالة الصمت العربي والإسلامي إزاء الحصار الظالم على قطاع غزة والاعتداءات الصهيونية المتواصلة ضد شعبنا، وإزاء الممارسات القمعية التي يقوم بها عبَّاس وأجهزته الأمنية في الضفة الغربية المحتلة بهدف اجتثاث المقاومة وفقاً للمخطط الصهيوأمريكي.
ولا شك أن مواقف سلطة عبَّاس وممارساتها تؤجج الخلافات بين حركتي حماس وفتح وتعمق الانقسام الفلسطيني وتحقق للعدو الصهيوني والأمريكي ما يطمع فيه من عزل حركة حماس وإفراغ القضية الفلسطينية من جوهرها، بل إن هذه الممارسات والمواقف المشينة تمنح هذا العدو الظالم الفرصة والذرائع للتنكيل بالشعب الفلسطيني وقمعه وتجويعه في ظل رأي عربي وإسلامي وعالمي متخاذل ومتجاهل لمعاناة الشعب الفلسطيني.
ولقد نجح المخطط الصهيوأمريكي، الذي تشارك سلطة أوسلو في تنفيذه بفعالية، أن تضع الشعب الفلسطيني أمام معادلة خرقاء: تخفيف المعاناة مقابل قبول الطرف الفلسطيني المفاوض بالاعتراف بالكيان الصهيوني كدولة يهودية، ويترتب على ذلك تخلص الكيان الصهيوني من المشكلة الديموغرافية التي يمثلها فلسطينيو الأرض المحتلة منذ العام 1948م، وذلك بتهجيرهم إلى مناطق في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، وإلغاء حق العودة.
ولا شك أنه لا أمل للشعب الفلسطيني في رأب الصدع والتخلص من حالة الانقسام الآخذة بالتعمق إلا بعزل التيار المتصهين الذي يقوده عبَّاس ونزع تمثل الشعب الفلسطيني منه، وهذا لا يمكن أن يتم في ظل عبث الفصائل الفلسطينية واستهتارها وتعاطيها بسلبية عجيبة مع المنعطف الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية.
إن الفصائل الفلسطينية الصامتة، التي أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على الشعب الفلسطيني وقضيته، تنتظر نتائج اجتماع أنابوليس ببرود وسذاجة، ولكن المخطط الصهيوأمريكي لا ينتظر، فهاهو الشعب الفلسطيني أصبح محاصراً بين غولين: غول المعاناة، وغول الدولة اليهودية!!
18/11/2007م
بين غول المعاناة وغول الدولة اليهودية

أ.د. محمد اسحق الريفي - زمان الوصل - القدس المحتلة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية