أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تأملات في شريط العاصفة الشعبية - الفاضحة 7 ... د. أكرم حجازي

كل الثورات العربية أسميت أو اتخذت لها بما يناسبها من التوصيف .. فهذه ثورة الكرامة، وثانية ثورة الغضب، وثالثة ثورة الأحرار، ورابعة ثورة الفساد ... إلا الثورة السورية فقد ذهبت لما هو أبعد من الكرامة، ومن كل التوصيفات الوطنية والإقليمية .. فإذا كان لسوريا الأسد أن تستأثر أو تنتشي، طوال أربعين عاما، بما لعبته من أدوار حاسمة في العلاقات والتحالفات والسياسات العربية، والأيديولوجيات، وساحات الصراع الوطني والقومي؛ فإن للثورة السورية حق الريادة في فضح: (1) كل الأدوار الوحشية التي ميزت حكم آل الأسد .. و (2) كل القوى الدولية والعربية والإقليمية، فيما ذهبت إليه من مواقف تميزت، زورا وبهتانا، إما بالعداء السافر للنظام السوري أو بمساندته المطلقة!!! مثلما (3) فضحت الوطني والقومي، واليساري، واللبرالي، والعلماني، و (4) كل مسمى زعم أو انتمى، ولمّا يزل، إلى ما سمي بـ « جبهة الصمود والتصدي»، ماضيا، أو بـ « محور الممانعة والمقاومة» حاضرا .. و (5) فضحت الصمت والتواطؤ المخزي على أوحش الجرائم بحق الشعب السوري، وأخيرا (6) فضحها لعلماء السلاطين الذين لا يتورعون عن تزكية الحاكم وإدانة الشعوب وتحميلها المسؤولية، وتبرير الكفر بأقبح منه. ففي خطبة الجمعة (24/6/2011) وصف البوطي المتظاهرين بـ «الحثالة - 1»، وفي وقت لاحق أباح السجود لصور الرئيس السوري بنية « اعتبارها بساطا 2- فتوى رقم 15449»!! وبرر إجبار الأمن لشخص على القول: « لا إله إلا بشار» بدعوى « خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله - فتوى رقم 14658 »!!!

إنها حقا، وباختصار، « الثورة الفاضحة» .. هذا ما يليق بها أن تحمله من توصيف، بعد أن فضحت الصور الزائفة والبغيضة لنظام، استظل به الأعداء العقديين والتاريخيين للأمة، جنبا إلى جنب، مع المدافعين الديماغوجيين عنه في تآلف عزّ نظيره .. ظلال ما كان لها أن تنفضح، عارية بلا أي غطاء، لولا وقائع ثورة مميزة، لا يمكن أن تماثلها أية ثورة أخرى .. ثورة شعب يدرك أنه يحمل أوزار أمة، ولسان حاله يقول: « يا ليت قومي يعلمون» .. فمتى سيعلمون؟

من المفارقات المؤلمة أن أجيال اليوم لا تعرف أن كلمات مثل « التخريب» و « المخربين» التي تتصدر قاموس الحكومة السورية ضد الثوار، هي ذات الكلمات التي استعملتها إسرائيل طويلا ضد الثوار الفلسطينيين، قبل أن تجتمع إسرائيل والنظم العربية على تسويق كلمتي « إرهاب» و « إرهابيين»!!! والأشد إيلاما أن هؤلاء الذين يستعملون، هذا القاموس النتن، للدفاع عن نظام الممانعة، هم أنفسهم الذين تلقوها من إسرائيل لمّا كانوا محسوبين على الثورة والثوار!!! وهم أنفسهم الذين لا زالوا يعيشون مرارة وقعها في نفوسهم، لاسيما وأنهم أصحاب الحق التاريخي في فلسطين، وهم أنفسهم الذين شربوا مرارة القهر والذل على يد آل الأسد؟ فهلا تجرؤوا ونظروا إلى وجوههم في المرآة لحظة من الزمن!!!!؟
وأد الفاضحة !!!
(1)

ما من قوة دولية أو عربية أو إقليمية أو ديماغوجية سرها اهتزاز النظام السوري أو رحيله. هذا الموقف لم يتغير منذ اندلاع الثورة وإلى يومنا هذا. لكن الذي تغير هو الانتقال من الصمت على ذبح الشعب السوري، إلى المساومة على الثورة، والمجاهرة بتشريع الذبح، في محاولة يائسة لإسكات «الفاضحة»، وترميم الوضع المتفجر في العالم العربي، بحيث يضمن كل طرف مصالحه الاستراتيجية في المنطقة .. منطق جاهلي يذكر بقول الله عز وجل: { وَإِذَا الْموْءُدَةُ سُئِلَتْ }. { بِأىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ }.

الموقف الغربي

فقد ظل « المركز»، وفي مقدمته الأمريكيون، صامتا على جرائم النظام دون أن يتقدم خطوة معنوية واحدة، تستر ما تبقى من قيمه الزائفة، إلا من التصريحات المنادية بـ « وقف العنف» و«الإصلاح» أو التلويح ببعض « العقوبات» التي لا تسمن ولا تغني من جوع، مع أنظمة اشتهرت عالميا بالقمع والدموية قبل أن تندلع الثورات العربية وخلالها. وحتى في خطابه عما يسمى بـ « الربيع العربي – 19/5/2011» لم يتجاوز الرئيس الأمريكي أوباما عتبة الإصلاح حين قرنه، للمرة الأولى بـ « التنحي»: « يجب عليه أن يوقف حملته ضد المحتجين وأن يقود انتقالا ديمقراطيا أو يتنحى جانبا»!!! أما في مصر فكرر تهديده للرئيس مبارك: « عليه أن يتنحى فورا»!!! فهل القتلى في مصر أكثر منهم في سوريا؟

وبعد نحو شهر ونصف، على تصريحه هذا، عزف الفرنسيون والبريطانيون (6 و 7/6) والأمريكيون (13/7/2011) على نغمة واحدة مفادها أن: « الأسد فقد شرعيته»!! ورافق التصريحات سعي مشترك، لتجاوز الفيتو الروسي في مجلس الأمن، إذا ما تقدمت الدول الثلاث بمشروع قرار يدين سوريا. ومع تصاعد الاحتجاجات في مدينة حماة تحرك السفيران، الأمريكي والفرنسي، باتجاه المدينة، فيما بدا محاولة، خبيثة، للضغط على النظام السوري، فتسببت الزيارة، التي لا شأن للثورة ولا لأهل حماة بها، بتراشق دبلوماسي بين الولايات المتحدة والنظام السوري .. تراشق أخرج وزيرة الخارجية الأمريكية عن طورها، حين أدلت بتصريح بالغ الإثارة، وهو يعبر عن صميم الرؤية الدولية لحقيقة الدور الذي يلعبه النظام في المنطقة. فقد أعلنت هيلاري كلينتون (11/7/2011)، بعد ساعات من الهجوم على السفارة الأمريكية في دمشق، أن: « الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته» وأنه: « ليس شخصا لا يمكن الاستغناء عنه، ولا نعول في شيء على بقائه في السلطة مطلقا» وأن: « الولايات المتحدة لم تستثمر فيه ليبقى رئيسا».

والصحيح أن الجميع استثمر في النظام منذ عشرات السنين. أما «القرف» الذي شعرت به كلينتون؛ فلم يكن بسبب الممارسات الدموية والوحشية التي يرتكبها النظام ضد الشعب السوري، بل لأن كلينتون ربما تكون فقدت القدرة على الاحتفاظ بهيبة الدبلوماسية الأمريكية، مع نظام لا يقل غطرسة عن دولتها، أو أنها تعمدت فعليا تأنيب الرئيس السوري، لقاء ما سببه من حرج للإدارة الأمريكية. ومع ذلك فقد سارعت مصادر البيت الأبيض، على صفحات « الواشنطن بوست 18/7»، إلى التخفيف من وطأة تصريحات الوزيرة « الارتجالية» باعتبارها تعبيرا عن « موقف شخصي»!!! ربما .. لكن الصحيفة رأت في التصريح انعكاسا لحالة انقسام داخلي تجاه الموقف من سوريا. وهو تفسير يمكن أن يكون مقبولا، لو صدر عن دولة هامشية أو منظمة سياسية، وليس عن أقوى دولة في العالم. وأيا كانت الحقيقة؛ فالمؤكد أن الإدارة الأمريكية تراجعت على الفور، عن كل سياساتها السابقة بصورة مثيرة، واعترفت أنها كانت وما زالت، تستثمر في النظام السوري دون غيره.

وهذا ما عبرت عنه الوزيرة في تصريحاتها اللاحقة، وهي تعود إلى مربع السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد، حين قال في 4/5/2011 أن: « مستقبل سورية بيد الشعب السوري، وهو من يقرر مصير سوريا، وليس الأمريكان أو الأتراك مشددا على أهمية المصالح التركية في سوريا». وهو ذات التصريح الذي أدلت به كلنتون في اسطنبول (17/7/2011 ) خلالَ المؤتمر الصحفي مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو حيث قالت فيه أن: « مستقبل سوريا متروك للشعب السوري .. لكن الجهود التي تقوم بها المعارضة للعمل معا لتنظيم وتوضيح جدول أعمال هي جزء مهم من الإصلاح السياسي .. هذا ما يفعله الشعب السوري؛ فهو يحاول تشكيل معارضة تستطيع أن تقدم مسارا فيما نأمل للتعاون السلمي مع الحكومة من أجل مستقبل أفضل»، لكن تصريحاتها الدبلوماسية، الداعمة لانفتاح تركيا على المعارضة، سبقتها بيوم (16/7/2011) تصريحات الاستثمار في النظام، والتي قالت فيها: « إن الإدارة الأميركية لا تزال تأمل أن يتوقف نظام الأسد عن العنف وأنه سيلبي مطالب المحتجين بشأن الإصلاحات السياسية الضرورية في البلاد».
وفي الإجمال رأت فيها صحيفة « لوس أنجلوس تايمز 20/7/2011» في هذه التصريحات، تلطيفا للهجة الأمريكية تجاه النظام السوري .. لهجة توقفت عن وصف النظام بـ « فاقد الشرعية» أو تخييره بين « الإصلاح أو التنحي». وهي في المحصلة لا تختلف عن تصريحات أخرى أدلى بها وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ في السعودية.

الموقف العربي

أما الموقف العربي فقد كان أكثر صراحة في الانحياز للنظام على حساب الشعب السوري ومطالبه المشروعة. فبعد الصمت شبه المطبق، إلا من الاطمئنان على صحة النظام، وفيما بدا توافقا مع نظيره البريطاني وليم هيغ، الذي يزور السعودية، أكد وزير الخارجية، سعود الفيصل في 5/7/2011: « إن المملكة حريصة على عدم التدخل في شؤون الآخرين»!!! داعيا: « الجميع إلى تغليب صوت الحكمة والعقل، وعدم إراقة مزيد من الدماء، واللجوء إلى الإصلاحات الجادة .. التي تكفل حقوق الإنسان العربي وكرامته، مع التأكيد على الحرص على الأمن والاستقرار في ربوع العالم العربي، والحفاظ على وحدة أوطانه واستقلالها ».

موقف لا يسر أحدا على وجه الأرض، لاسيما وأن السعودية أكثر دول العالم تدخلا في شؤون العالم الإسلامي، وليس العربي فحسب. لذا لم يكن غريبا أن يتكرر ذات الموقف، على لسان الأمين العام الجديد للجامعة العربية، نبيل العربي، بعد لقائه الرئيس السوري (12/7/2011)، وإدلائه بما يشبه الرد على تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما، حول شرعية الأسد، حين قال: « تحدثنا بصراحة تامة حول المستجدات في مصر وسورية واليمن، مؤكدا أن سورية دخلت مرحلة إصلاح حقيقي، ونحن نولي أهمية كبرى لاستقرار سورية وكل دولة عربية .. الجامعة العربية ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وأنه لا يحق لأحد سحب الشرعية من زعيم لأن الشعب هو الذي يقرر ذلك .. »!!! وكأن ما يجري في سوريا مهرجان انتخابي!!!

تركيا وإيران

ظلت تركيا أول وأكثر من ساند السوريين في ثورتهم. فالأتراك يمتلكون مشروع نهضة سياسية واقتصادية، ومن الأولى لهم أن يحرصوا على تثبيت أقدامهم في النظم الجديدة، بدلا من المراهنة على نظم عربية تتقاذفها الثورات. وعلى عكس تحفظاتهم تجاه الثورة الليبية، سارع الأتراك إلى حماية مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، والتي كانت سوريا ركيزتها الأساسية. فبعثوا، كما قال رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، برئيس المخابرات التركية، محملا بكتيب إرشادات عن تجربة النظام التركي، ليسترشد بها السوريين في معالجة الموقف قبل انفجاره. لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية.

ومع حلول طلائع النازحين من ويلات التدخل العسكري في مدن الشمال، على الحدود مع تركيا، افتتح الأتراك مخيمات مؤقتة، وحصلوا على آلاف الشهادات الموثقة عن جرائم النظام السوري. وصاروا يعرفون حق المعرفة ماذا يفعل النظام بالشعب السوري، حتى أنهم اتهموه، على لسان أردوغان، بارتكاب « فظاعات» هناك .. في سوريا!!! لكنهم حظروا نشرها، وقاموا بتغطية المخيمات بأسيجة عازلة عن المحيط، ومنعوا وسائل الإعلام من الاقتراب منها، مثلما منعوا حتى الأمم المتحدة وجمعيات الإغاثة الإنسانية من الاقتراب أو لقاء اللاجئين إلا ما ندر!!! بل أنهم منعوا السكان من مغادرة المخيم، بنفس الوقت الذي منعوا فيه الأتراك من زيارته!!! تُرى!! لماذا؟

يدرك الأتراك أن المشكلة مع النظام السوري ليست في تعريته إعلاميا، وهو المكشوف بلا أية حاجة لتعريته. لكنهم وقعوا فريسة لما يفترض أنها عناصر قوة، فإذا بها تنقلب في لحظة غابرة إلى أعباء مزعجة، تتهددها المخاطر من كل حدب وصوب.

ففي تركيا ثمة قرابة أربعة ملايين نصيري، يعيشون في الجنوب الغربي من تركيا ومنطقة غرب كليكيا ولواء اسكندرون. وبعض هؤلاء عبروا عن غضب من استقبال اللاجئين السوريين. وإذا ما تطور الأمر فقد تجد تركيا نفسها في ورطة طائفية يحركها النظام السوري ذو العلاقة الوطيدة معهم. هذا الأمر هو الذي دفع الأتراك إلى إخفاء اللاجئين عن عيون الأمم المتحدة ووسائل الإعلام والجوار السكاني لهم، تلافيا لأية احتكاكات قد لا تحمد عقباها.

وفي تركيا أيضا مشكلة حزب العمال الكردستاني الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع النظام السوري تاريخيا. وهي ورقة رابحة اليوم بيد النظام السوري. ففي لحظة ما اضطرت سوريا، في تشرين أول / أكتوبر 1998، إلى إبعاد زعيم الحزب عبد الله أوجلان عن أراضيها، تحت ضغط الجندرمة التركية والدعم الدولي والإسرائيلي، ومن ثم اعتقاله في كينيا في 15/2/1999. كما أُرغمت سوريا، آنذاك، على توقيع اتفاقات أمنية مذلة، أتاحت لتركيا حق مطاردة عناصر الحزب في عمق الأراضي السورية. لكن سوريا، الغارقة في وحول الثورة لم يعد لديها ما تخسره مثلما هو حال تركيا اليوم، صاحبة مشروع النهضة. ولعل سوريا تبدو أقرب إلى الانتقام (من) أو تصفية الحساب (مع) تركيا فيما لو أوغلت في إيذائها. وتبعا لذلك فقد قامت بنشر مجموعات من حزب العمال الكردستاني، على امتداد المناطق الحدودية الساخنة مع تركيا، بعد أن زودتهم بأسلحة قادرة على إلحاق الأذى بتركيا.

والثابت أن الأتراك ربما يكونوا قادرين، فعلا، على التدخل عسكريا في سوريا، أو التهديد بإقامة منطقة عازلة على الحدود لمساعدة الثورة السورية. لكنهم غير راغبيت في المخاطرة، فضلا عن أنهم عاجزون عن مواجهة خطر القوة الإيرانية الضاربة. فما أن لاحت تباشير مثل هذه الأنباء، على متن وسائل الإعلام، وفي تحليلات الكتاب والخبراء، في ضوء اقتحام الجيش السوري لجسر الشغور شمالا، حتى « أشاعت» صحيفة الأخبار اللبنانية (24/6/2011) أنباءً، نسبتها إلى مصادر إيرانية، تذكِّر تركيا بأن: « سوريا خط أحمر»، وتحذرها: « إذا (ما) جعلت أرضها مقراً لاستنساخ السيناريو الليبي على الحالة السورية، فإن القوات المسلحة الإيرانية ستقصف القواعد الأميركية وأي وجود أطلسي على الأراضي التركية».

لكن إذا كان التهديد الإيراني الأول جاء بصفة غير مباشرة، فإن التهديد الثاني تم توجيهه مباشرة إلى الحكومة التركية، وعبر مقالة في أسبوعية « صبح صادق - 18/7/2011»، الناطقة الرسمية باسم الحرس الثوري الإيراني، صاحب الذراع العسكرية الأطول في إيران وخارج إيران. وتبعا لهذه الصفة، فهو تهديد غير مسبوق، سواء في الجهة المصدرة له، والخاضعة لولاية الفقيه، أو فيما يحتويه من مواقف صريحة تجاه ما يحدث في سوريا.

أما المقالة التي حملت عنوان: « الموقف الإيراني الجاد تجاه أحداث سوريا»، فقد انتقدت المواقف التركية من الثورة السورية، وتحدثت عن مفاضلة إيرانية صريحة ما بين سوريا وتركيا على أسس: (1) استراتيجية و (2) عقدية. فقالت: « لو استمرت تركيا في الإصرار على مواقفها على هذه الوتيرة، فسيؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة، الأمر الذي سيرغم إيران على التفاضل بين تركيا وسوريا، وفي هذه الحالة: منطق المصالح الاستراتيجية والمعرفة العقائدية سيدفع إيران نحو اختيار سوريا». وعليه فـ: « حبذا لو يدرك المسؤولون الأتراك هذه الضرورة الإيرانية، ويتبنون موقفاً ذكياً، بنظرة مستقبلية، للحيلولة دون وصول إيران إلى هذه النقطة».

وتأكيدا لمنطق الانحياز الإيراني للنظام السوري، ختمت « صبح صادق» بالقول: « يبدو أن السلطات التركية توصلت، أو من أوصلوها، إلى استنتاج خاطئ يرى أن النظام السوري دخل في طريق ذي اتجاه واحد، وسيواجه في نهاية المطاف السقوط كمصير محتوم، فعليه تحاول تركيا الاستثمار من خلال صفقة تعتقد أنها حتمية، وأنها ستتمكن من تحقيق الكثير من آمالها وأمانيها، عبر المشاركة في تغيير المعادلة، في حين أن الوقائع البالغة الدقة والمختلفة تثبت خلاف ما يتصوره المسؤولون الأتراك».

أما التعبير الأمثل في انحياز إيران للنظام السوري، فقد ورد في صيغة الدعم المالي لحماية الاقتصاد السوري من الانهيار. وتحاول إيران بهذا الإجراء قطع الطريق على أثر سياسة العقوبات الدولية، وتجميد الأرصدة، ومنع الثورة من الاستثمار في الضغط الاقتصادي على النظام. ففي 15/7/2011 كشفت صحيفة « ليزيكو» الفرنسية الاقتصادية، عن موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي على تقديم دعم مالي بقيمة 5.8 مليار دولار لسوريا، لتنشيط اقتصادها. ونقلت الصحيفة، عن تقرير سري لمركز الأبحاث الإستراتيجية المقرب من دوائر القرار بطهران، أن الدعم المالي يتضمن تقديم 1.2 مليار دولار بشكل عاجل على مدى ثلاثة أشهر.

كما تتضمن حزم الدعم الإيراني للنظام، منح سوريا 290 ألف برميل نفط يوميا، ومجانا، خلال الأشهر التسعة القادمة. وإرسال علي مملوك، مدير المخابرات الإيرانية، وأحد أقوى أعمدة السياسة والقرار في إيران، إلى سوريا لمساعدة النظام في مراقبة الحدود، ومنع هروب الرساميل من البلاد، باتجاه لبنان.

أما الورقة الأشد خطرا وتهديدا للمنطقة برمتها، فهي أبعد ما تكون عن إشعال جبهة الجنوب اللبناني مع إسرائيل. إنها الجبهة الطائفية في العراق ولبنان. ففي البلدين ثمة ميليشيات طائفية قاتلة كـ « جيش المهدي» و« قوات بدر» و« حزب الدعوة» (العراق) و« حزب الله» في لبنان. وهي ميليشيات مهيأة، ومؤهلة لمساندة النظام السوري، إذا ما تعرض للحظات حاسمة حتى بعد سقوطه. وهو ما يعني بالمحصلة الدخول في حرب طائفية في المنطقة بكل معنى الكلمة.

محتوى صفقة البيع

إذن، الجميع خاسر من الثورة السورية. فاليهود سيكونون أول الخاسرين من أي تغيير في سوريا، والنظم العربية ستخسر جميعها بلا استثناء، وقوى الممانعة المزيفة ستذهب أدراج الرياح، ولا ريب أن البدائل لا يحتملها أحد. أما إيران، صاحبة المشروع الصفوي، فستكون من أكبر الخاسرين على الإطلاق، داخليا وخارجيا. فالتزوير الذي وقع في الانتخابات الأخيرة بما يقارب الثلاثة ملايين صوت لم يمنع علي خامنئي، مرشد الثورة، من تثبيت المنتكس أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية. وهو الأمر الذي أثار المعارضة، وفتح عيون الكثير من الإيرانيين على أكذوبة ولاية الفقيه المعصوم!!! وطرح السؤال الكبير الذي لطالما تجنبه ملالي طهران والشيعة: هل حقا ثمة فقيه معصوم؟ وإذا وجد حقا فهل يحق له أن يكذب ويزور ويأمر بالقمع والقتل؟

خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبعد سلسلة قراءات وتراجعات شاملة في الموقف تجاه الثورة السورية، بدأت تنشط دبلوماسية الصفقات في سوق النخاسة العربي والدولي .. فالزمن زمانها .. فقد قام وزير الخارجية التركي بجولة في منطقة الخليج، ختمها بزيارة إلى السعودية، التي من حسن الحظ لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى!! حيث اجتمع فيها مع وزير الخارجية سعود الفيصل (9/7/2011). ومن هناك أعلن عن زيارة غير مقررة إلى طهران .. فالحل والربط، ليس مع المعارضة الخارجية أو الداخلية، ولا مع « المركز»، ولا حتى مع النظام السوري شبه المنهار، بل مع السعودية، ولية أمر العرب والخليج، ومع إيران، صاحبة المشروع الصفوي في المنطقة.

هناك، في طهران، اجتمع مع وزير الخارجية علي أكبر صالحي (10/7/2011). وخلال المؤتمر الصحفي حاول أوغلو، عبثا، أن يوازن بين النقائض، علّه يخفف من « وسخ» المهمة التي اضطر إليها، فقال: « لكل دولة بنية داخلية وخواص نابعة عن هذه البنية. لكن لدينا موقف مبدئي في موضوع تحول مطالب الشعب إلى مسيرة إصلاحات سلمية». فما الذي يجمع بين بنية ثائرة ونظام طائفي؟ لا شيء، إلا التسليم بحق النظام الدموي في سوريا بسحق الثورة على أمل أن تتوقف طهران عن تهديد الخليج العربي وخاصة البحرين. هذا هو المعنى الأقرب لمن تحدثوا طويلا عن الحاجة إلى الاستقرار والأمن في المنطقة. وهو المعنى الذي عبر عنه أوغلو حين شبه دول المنطقة بالبيوت الخشبية المصفوفة، جنبا إلى جنب، قائلا: « يجب أن لا يظن أحد أن الحريق المندلع في أحد هذه البيوت سيقتصر عليه فقط، لذا يجب أن نتضامن و نعد منطقتنا الغنية بالموارد الطبيعية و ذات التاريخ العريق ، من أجل المستقبل».

لم يمض وقت طويل حتى أثمرت الصفقة، حيث طالعنا وزير الخارجية الإيراني بتصريحات لطيفة، تتحدث عن (1) « سوء تفاهم» مع الرياض وتؤكد على (2) « سيادة البحرين» بعد أن شبعت تهديدا بالتدخل والاحتلال من الساسة والعسكر الإيرانيين!!!

فقد نقلت وكالة الأنباء الإيرانية « إرنا – 22/7/2011» عن الوزير تصريحات، نقلتها وكالة « فرانس برس»، أعلن فيها أن إيران: « تحترم السيادة الوطنية واستقلال البحرين»، مؤكدا على: « ضرورة العمل لحل الأزمة في البحرين من قبل البحرينيين أنفسهم وعدم خلط الأوراق من خلال الادعاء بوجود بحريني إيراني أو شيعي أو عربي أو أعجمي»، ومعتبراً « خطوة العاهل البحريني لإجراء حوار مع شعبه خطوة إيجابية، ومعرباً عن أمله أن تتكلل بالنجاح»!!!

أما عن علاقات إيران بالسعودية فقال: « ليس لدينا مشاكل خاصة مع السعودية، ونعترف بالسعودية بلداً مهماً في المنطقة ومؤثراً على الصعيد الدولي». وأضاف: « نقيم منذ فترة طويلة علاقات ودية مع السعودية. وبعد الأحداث في المنطقة حصل تباين في التفسير والتحليل. وأعتقد أنه بالإمكان تبديد سوء التفاهم» .. ويا ليت د. عبد الله النفيسي يسمعنا إياها ثانية: « يَبَّااااايْ»!!!!

هكذا تلاقت المواقف العربية والإقليمية، ومن ورائها المواقف الدولية، وبضمنها إسرائيل، على محاصرة «الفاضحة» تمهيدا لوأدها. ولعل الناس شعرت بحالة التغول والهستيريا المفاجئة للنظام في معظم المدن السورية، من دير الزور والبوكمال شمالا مرورا بمدينة إدلب، ونسبيا حلب، وبانياس حتى حماة وحمص وريف دمشق والسويداء جنوبا.

الحقيقة الاجتماعية للثورة
(2)

كما يقولون فإن حسابات الحقل غالبا ما لا توافق حسابات البيدر. إذ كيف لسماسرة الثورة السورية، المرشحة مراهناتهم للخسارة، أن يتجاهلوا الشعب السوري باعتباره الفاعل الأعظم فيما يجري؟ وكيف لهم أن يطلقوا يد النظام الوحشية ضد العزل من الناس، طمعا في احتياجاتهم ومصالحهم، دون أن يقرؤوا ما حل بأعماق النفس السورية من ظلم ومهانة وذل وقهر لا تمحوه المصالحات، ولا مؤتمرات المعارضة، ولا إصلاحات وهمية، لا يجرؤ النظام على الوفاء بأدنى مطالبها؟ وكيف فات هؤلاء أن مشاريعهم لا بد وأن تصطدم باستحالة التعايش مع النظام؟

فالشارع يدرك، منذ اللحظة الأولى، أنه لا يخوض ثورة فحسب بقدر ما هي ملحمة ذات فصول متعددة مركزها المشروعين الصفوي والصهيوني. وهذا أدعى إلى القول أن ثورته تجاوزت إسقاط النظام السياسي برمته، فضلا عن القول أنه تجاوز الوساطات والحوار، والرغبات الإقليمية والدولية، ومؤتمرات المعارضة في الداخل والخارج. فالمعركة لم تعد مع هؤلاء بل مع إيران وإسرائيل وأدواتهما وجها لوجه، في سوريا كما في المنطقة. فهل يمكن حقا القفز على معاناة الشعب السوري؟ وهل يمكن التعايش مع النظام؟

العيش المشترك!!!

قد ينجح أصحاب الصفقات في الاتفاق على وأد الثور. لكن كيف يمكن لصفقة من هذا النوع أن تنجح دون أن يضع فاعلوها بعين الاعتبار قامات، ومكانات، ولحى، وأهل علم ومعرفة وخبرة، دُنِّست وانتُهكت كرامتها، وقُهِرَت حتى عجزت واستسلمت لبكاء مرير، بعد أن أعيتها كل حيلة مع نظام لا يملك أخلاقا ولا مبادئ ولا عقيدة؟ فهل جرّب هؤلاء قهر الرجال ونحيبهم!!؟ كيف غفل هؤلاء عن شعب يصرخ، بشبابه وشاباته وأطفاله ونسائه وشيوخه وكل فئاته وطوائفه وقومياته، بشعارات عجيبة من نوع: « الموت ولا المذلة» أو « الشعب السوري ما بينذل» أو « عالجنة رايحين شهداء بالملايين»!!! فما الذي يدفع شعب إلى تمني الموت أو الشهادة على الحياة في ظل النظام السوري؟ كيف عجز هؤلاء عن تفسير قابلية السوري لدفع حياته ثمنا لقاء لحظة هتاف تشعره بالحرية في مظاهرة مميتة؟

في 23/7/2011 قالت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري، أن ما يجري في البلاد هو استهداف لـ « نموذج العيش المشترك»!!! فعن أي نموذج تتحدث المستشارة؟ عن نموذج عيش صنعه النظام السياسي ليلائم نزعته الطائفية؟ أم عن نموذج أحرق النظام الاجتماعي بنار الطائفية التي اكتوى بها كل فرد في سوريا من شتى مكونات المجتمع العرقية والاثنية؟

فالمواطن السوري عايش نموذجا طائفيا بكل ما تعنيه الطائفية من امتيازات في التعليم والسكن والعمل والاستثمار والاقتصاد والتجارة .. وخبر التمييز على امتداد جيلين .. وهو الذي عايش الملاحقة الأمنية في دينه ومساجده من نظام يكره لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر، ولا يعرف وزراؤه وأركانه كيف يؤدي أحدهم فريضة صلاة (3) .. وهو الذي عايش نظاما اشتهر بالابتزاز والرشوة والإهانة والتزكية الأمنية .. وهو الذي عايش نظاما لا يعرف للحرمات أو الأخلاق والمبادئ سبيلا، بقدر ما عاث في الأرض فسادا، وزنا، وفاحشة، ورذيلة .. وهو الذي عايش نظاما قاتلا لا يرحم طفلا، ولا امرأة، ولا شيخا، ولا عجوزا، ولا شابا، ولا فتاة، ولا يتوانى أن يفتك بعشرات الآلاف من البشر دون أن يرتد له طرْف .. وهو الذي عايش التعذيب بأعظم ألوانه وأشكاله، مما لا يخطر على قلب بشر .. وهو الذي عانى من فَقْد أبنائه وتشريدهم في المنافي دون أن يعرف لهم طريق، أحياءٌ هُمْ أم أموات .. وهو الذي خبر .... فأي عيش مشترك هذا؟ وأي تخريف؟

دموية وأحقاد وكفر بلا حدود

ما من أحد إلا واستفزته الابتسامات الناعمة للرئيس السوري لدى دخوله ما يسمى بمجلس الشعب، والتصفيق المستمر، والتبجيل العظيم له، وكأنه الدماء المهراقة ومصائب الناس في فلذات أكبادها ليست سوى قرابين تٌقدّم لـ « حيدر» ممن هم أقرب إلى النفاق من أي شيء آخر، أو من « الجراثيم» التي يعتاش عليها النظام. وما من أحد إلا واستفزته مواقف الغالبية الساحقة من الفنانين السوريين وهم يدافعون الجيش السوري المسؤول عن حفظ السلم وليس عن تحرير الجولان (4)، أو يرددون اسطوانة النظام في وصفه للثوار بـ « الحثالة» أو « المندسين» أو « المخربين» أو « العصابات» أو ... إلخ ومع أن هذه الشريحة من الناس تلائمها، في مجتمعاتنا، مثل هذه النظم، إلا أن المغالاة في التنكر للشعب السوري وإهانته، لا يمكن ردها إلى الغدر والنفاق دون النظر في حجم الرعب وفظاعة العاقبة من نظام يسعى لانتزاع الشرعية تحت وقع السيف. أما ابتسامات فخامة الرئيس، ومظاهر التواضع والحنان والأبوية التي يحرص على إبدائها، وتلك التي فعلها والده من قبل، فمن السهل معاينة مفاعيلها في أعظم الجرائم التي نفذتها قوى النظام داخل سوريا وخارجها.

خلال الثورة، فقط، أمكن لعشرات الملايين من البشر أن يكتشفوا، عبر شرائط « اليوتيوب»، قبل إزالة الكثير منها، ما وظفت الحكومات السورية المتعاقبة كل طاقاتها لإخفائه طوال عشرات السنين. فقد عاين الناس مشاهد وحشية لتعذيب الأطفال (5) والشبان (6) والفتيات والعجائز(7) والأئمة (8)، وقتلهم بأبشع الصور (9)، إما عبر شق رؤوسهم أو حرقهم أو سلخ جلودهم أو التمثيل بأجسادهم وقطع أرجلهم (10) وأعضائهم أو شنقهم (11)، فضلا عن حفلات ضرب جماعية (12) بالغة القسوة والوحشية لمواطن وقع تحت سطوة عشرات الهراوي والعصي الغليظة. كما عاينوا صنوف الإذلال والقهر والاغتصاب (13) والسرقة والنهب (14) وتخريب البيوت وتدمير محتوياتها وحتى قطع الأشجار وقتل الماشية. وعرضت مواقع الفيديو على الشبكة أشرطة مرئية لأعمال بلطجة قام بها الشبيحة ضد الباعة (15) وشرطة المرور (16).

ولا شك أن الكثير توقفوا عند نماذج من الأشرطة اتسمت بانحطاط أخلاقي (17) لدى شبيحة النظام ومؤيديه. لكن مثل هذه المشاهد وغيرها لا يتوقف عندها أولئك الذين وصفوا الثوار والشعب السوري بـ « الحثالة» بقدر ما يتوقفون عند كلمة « التوحيد» أو « التكبير» كما فعل أحد الأساتذة الجامعيين حين ظهر على « قناة الجزيرة»، وهو يتميز غيظا من صيحات « الله أكبر»، بحجة عدم الخلط بين المطالب السياسية والدين!!!

لكن ما رأي أمثال هؤلاء، الذين لا يرون حتى بعين واحدة، بأغرب المشاهد المرئية لأتباع النظام، وأشدها صدمة، حين اتخذوا من الكفر سبيلا للعزة والفخر، واستبدلوا ربوبية الله سبحانه وتعالي بربوبية الأسد (18)، والسجود (19) له؟ أو لمّا تطاول (20) أحد المجرمين المارقين على الله عز وجل بأبشع الألفاظ وأحطها؟ وما رأيهم فيما أوقعته أيدي قوى الأمن من تدمير للمساجد (21) وتمزيق وحرق لكتاب الله خاصة في درعا ودمشق، واعتداءات على المصلين وسب الله (22) في قلب المساجد في حلب؟ وما قولهم في قصف الأمن لمسجد باب السباع في حمص وتدمير مئذنته (23)؟ وكيف لهم أن يعاينوا ما فعله الشبيحة لدى اقتحامهم مسجد آمنة (24) في حلب؟ أو إجبارهم لأهل درعا على القول: « لا إله إلا بشار»؟ وماذا سيفعلون بأهل حمص الذين انتصروا لدينهم وأهل درعا بـ «لا إله إلا الله» (25)؟

ليس ثمة مجال لعرض المزيد من المشاهد العنصرية والاستخفاف والاستعلائية (26) لبعض رموز النظام، فضلا عن الكذب الحكومي، والإعلام الرسمي والمناصر، الذي تخرّ من هوله فجوره الجبال. لكن السؤال المحير: ما الذي يجعل نفر من الناس ينحدر إلى الدرك الأسفل من الأخلاق (27) ويفضل ربوبية بعضه على ربوبية الله؟ وفي أي تصنيف علمي أو أخلاقي أو إنساني أو حتى حيواني يمكن إدراج هذا النوع من الحقد والجنون؟ وما هو مصدره؟ وما الذي يبرر هذا القدر الرهيب من الوحشية والعنف ضد أناس كل ما يملكونه صيحة احتجاج؟ وما الذي يجعل الحياة في غابة، تتعايش فيها أألف الحيوانات وأشدها ضراوة، ممكنة وأكثر أمانا، بينما تبدو مستحيلة في ظل النظام السوري؟

النصيرية أسّ الأحقاد

التاريخ السياسي للنصيرية وتحالفاتها مع أعداء الأمة لا يختلف عن تاريخ الشيعة الجعفرية الاثنا عشرية، التي تبدو، ويا للمفارقة، على درجة من الورع والتقوى، بالمقارنة مع شدة غلو النصيرية. فلطالما حالفوا الطرفان التتار ومكنوا لهم وكذا الصليبيين في احتلالهم لسواحل بلاد الشام وصولا إلى القدس، وأخيرا للفرنسيين الذين مكنوا الطائفة من الحكم في سوريا. لكن يبقى التاريخ الاجتماعي لها هو الأشد ضررا على المجتمع والدين، كونه يفتقد لأدنى شروط العيش المشترك. الأمر الذي جعل الطائفة، المنبوذة اجتماعيا، تتخذ من الجبال موطنا لها، وتتحرق طوال الوقت شوقا للنزول إلى المدن والاستمتاع بما توفره من سهولة في المعيش. أما لماذا هي منبوذة؟ فلأن عقائدها تخلو من أية استقامة شرعية أو عقلية أو أخلاقية توفر لها قدرا من الاحترام وعلاقات التآلف الطبيعية بين البشر. فهي، بحسب مصادر شرعية وفقهية ترجع لابن تيمية وأبو حامد الغزالي وبعض علماء الجزيرة، مزيج مكون من أصول دينية وفلسفية تتداخل فيها الديانات السماوية والوثنية والوضعية والأهواء والرغبات دون أن تفقد صفة الإلحاد!!!

هنا، في صلب العقائد النصيرية، يمكن الوقوع على إجابات قوية لكل الضغائن والأحقاد والسلوك الوحشي الذي يمارسه النظام ضد المجتمع والدولة. فالنصيرية التي أسسها محمد بن نصير النميري في أواسط القرن الثالث الهجري حين ادعى النبوة:

• تؤمن بالحلول والتناسخ. فالله، سبحانه وتعالى، حلّ وتجلى، على مر الزمان، عددا من المرات في صورة مخلوقاته. فقد تجلى في صورة علي رضي الله عنه، وفي عدد من الأنبياء كـ ( شيث، سام، إسماعيل، هارون ). وأن عليا خلق محمدا، ومحمد خلق سلمان الفارسي، وسلمان خلق الأيتام الخمسة، الذين بيدهم مقاليد السماوات والأرض، والموت والحياة، وهم: المقداد - أبو ذر الغفاري- ، عبد الله بن رواحة، عثمان بن مظعون، وقنبر بن كادان. وهذا هو ثالوثهم العقدي الذي يرمزون له بالأحرف الثلاثة: «ع، م، س»، وتعني عندهم: ( ع ) : الرب والإله، ويسمى المعنى، وهو الغيب المطلق، و( م ): صورة المعنى الظاهر، وترمز لمحمد صلى الله عليه وسلم، و( س) صورة المعنى الظاهر أو طريق الوصول للمعنى، وهو سلمان الفارسي. وتبعا لذلك فقد انتقلت الربوبية إلى الإمام أبي الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر)، وهو الذي بعث النميري نبيا.

• تؤمن بإباحة نكاح المحارم، ونكاح الرجال بعضهم بعضا. وزعم النميري بأن ذلك من التواضع والتذلل، وأنه أحد الشهوات والطيبات المباحة من الله عز وجل!!!؟ كما تعتبر النصيرية شجرة العنب مقدسة، وبالتالي فالخمور من ذات الصفة.

• تؤمن بأن الجنة والنار هي الحياة الدنيا، وبالتالي لا تعتقد باليوم الآخر ولا بالحساب ولا بالجنة ولا بالنار.

هكذا، لا يحتاج المرء كثيرا من الجهد كي يجد تفسيرا لمظاهر الصور والتماثيل الضخمة، المنتشرة في أحياء المدن السورية وريفها، وفوق المؤسسات العامة والخاصة، وفي الساحات، وعلى جوانب الطرق، بصورة تدعو للدهشة، لمن لا يدرك أن هذه المظاهر تعكس، في الحقيقة، مزاعم الربوبية لدى الطائفة، التي ترى اليوم، في الرئيس بشار الأسد، ما رأته بوالده من قبل. وفي هذا أيضا تفسير لما احتوته الأشرطة المرئية، من تغني بربوبية الرئيس. أما سلوك الأمن السوري في إجبار الناس على التلفظ بتوحيد الأسد على توحيد الله سبحانه وتعالى فهو أقرب ما يكون إلى محاولة قسرية لحمل الناس على الإيمان بما يعتقدون.

إذا كانت الدنيا هي الجنة والنار، والرئيس هو الإله المعبود، فما من أحد له الحق في الاعتراض على مشيئة الرب. وما من أحد يمكنه منع النظام من ارتكاب الموبقات، وما من أحد يمكنه معاقبته!!! هذه هي الحقيقة التي يعرفها السوريون أكثر من غيرهم من أمم الأرض. لكن هل يعلم أفراد الطائفة بحقيقة معتقداتهم؟

أظن أن تجارب الحوار مع العامة من الطوائف لا تكذب. فلما كنا نناقش عامة الشيعة، مثلا، فيما يعتقدون كانوا يستعجبون مما نقول، ويشعرون بالإهانة. وفي إحدى المرات تعرفنا على شاب درزي كان يصوم الاثنين والخميس!! فغلبنا الفضول وفاتحناه بشأن عقيدته، فأبدى قدرا كبيرا من الغضب والغرابة. وهذا مؤشر على أن العامة لا تدرك ما تخفيه عقائدها. فزواج المتعة مثلا، بخلاف إيران، ظل خفيا في لبنان والعراق، أو محصورا في أطر صيقة، لكنه، كمعتقد، استحضر، بعد احتلال العراق، على نطاق واسع، في الحسينيات والمؤسسات وعلى المنابر ووسائل الإعلام والفضائيات، إلى أن غدا كارثة أخلاقية واجتماعية حتى في لبنان. المهم في القول أنه، وكأي جماعة باطنية، فإن العقائد غالبا ما تبدأ بالانكشاف كلما تعاظم الشعور بالقوة والتمكين.

هذا يعني أن العامة من النصرية، كالدروز مثلا، ليسوا مؤهلين للاطلاع على حقيقة مذهبهم إلا في حدود معينة. لذا قد نجد من بينهم من يصوم ويصلي رغم أنهم لا يصلون صلاة أهل السنة، ولا يرِدون مساجدهم، ولا يحجون البيت الحرام، ولا يلتزمون حدّا أو محرم. أما كبراء النصيرية وقادة الطائفة فهم على علم بعقائدها وأهدافها. وفي أسوأ الأحوال فإن ما يخفى من العقائد يظهر عادة في السلوك اليومي كثقافة على صورة عادات وتقاليد وأعراف وقيم. لذا تراهم في سوريا منكشفين أخلاقيا، ومنهمكين منذ عقود، في توطين عقائدهم اجتماعيا في صورة احتكار السلطة، وربوبية الرئيس، ووحشية الأمن، والتمتع بمعيار الامتياز حيث تواجدوا، والرشوة، والابتزاز، واستحلال المحرمات وإشاعتها، وانتشار الملاهي الليلة. ولعله من الطريف القول بأن تخزين الخمور وتعتيقها، أحب إلى الطائفة من الخزين الغذائي السنوي!!! ولمّا يكون هذا حالهم منذ عشرات السنين، فمن الأولى القول أن الأزمة الراهنة كشفت أغلب عقائدهم على الملأ.

في المحصلة، فإن الطائفة تشعر أنها تعيش مجدها في هذا الزمان. وعليه فإن العامة والخاصة معنيون ببقاء النظام، كونه يوفر لهم مجدا وعزة لم يحلموا بهما تاريخيا. فهي المرة الأولى التي يظفرون بها في الحكم. ولأنهم يعتقدون بأن الدنيا هي الجنة والنار، حيث لا حسيب ولا رقيب ولا رادع، فمن الطبيعي أن يلجؤوا للدفاع عما يعتبرونه مكتسبات لا يمكن التفاوض عليها. لذا لا يخلو الأمر من تأمل حين تقول المعارضة السورية أن النظام يحاور نفسه!!! أو حين يقول البعض الآخر أن النظام لا يمكن له أن يصالح، أو حين يؤكد السوريون أن المصالحة مع النظام مستحيلة!!!

أما أن الطائفة حليفة لليهود فهذا ليس بالأمر الجديد .. وبعيدا عن الموقف الشرعي من الطائفة وتاريخها، فلنترك الحديث، بلا تدخل منا، لإحدى وثائق الخارجية الفرنسية، والتي تحمل الرقم (3547)، والمؤرخة بـ 10/6/1936. وهي العريضة التي رفعها « زعماء الشعب العلوي»، كما أسماه سليمان المرشد، إلى حكومة الانتداب الفرنسية:

}« دولة لين بلوم، رئيس الحكومة الفرنسية:

إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني) ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.

إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين !! وأن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرفاه! ولم يوقعوا الأذى بأحد، ولم يأخذوا شيئا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود إنكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا، إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم للدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله، ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.

ونحن الشعب العلوي الذي مثَّلَه الموقِّعون على هذه المذكرة نستصرخ حكومة فرنسا ضمانا لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله، وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سندا قويا لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظيمة.

التوقيع:

سليمان أسد (جد رئيس الجمهورية الحالي حافظ الأسد) ، محمد سليمان الأحمد ، محمود أغا حديد ، عزيز آغا هواش ، سليمان مرشد ، محمد بك جنيد »{.

لهذا فالسوريون يدركون، أكثر من غيرهم، أنهم يواجهون مشروعي الصفوية والصهيونية معا. ولأنهم يدركون أيضا أن ما حل بأهل السنة في العراق، من غدر، ليس عنهم ببعيد .. ويعيشون مشاهد مماثلة لقتلاهم في مختلف الأعمار، وهي: مشوية أجسادهم، أو ممزقة أشلاءهم، أو متفجرة رؤوسهم، أو مسلوخة جلودهم، أو مقطعة أعضاءهم؛ فإن المنطق الوحيد السائد بينهم، صغارا وكبارا، وعلى اختلاف قومياتهم، هو منطق الاستمرار في الثورة. إذ: « ما دام فينا عرق ينبض فلن نسمح أن تثقب أجسادنا وتفقأ عيوننا وتغتصب نساؤنا كما حدث في العراق».

ثورتين لا ثورة

(3)

في الخمسة أيام الأولى للثورة السورية، لم يكن ثمة شعارات وصيحات إلا الانتقام من الطائفة النصيرية. وبعد ذلك اختفت هذه الدعوات إعلاميا، حتى أن صفحات الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي تبرأت منها. وحذر الكثير من خطر الانجرار إلى مربع النظام .. فالسوريون يعلمون أنهم ليسوا بحاجة إلى تصفية حسابات طائفية مهما حاول النظام فرضها، عبر الاستفزازات الأمنية أو السياسية أو عبر الجيوب النصيرية في المدن السورية ذات الكثافة السنية. كما يجهدون في تجنيب البلاد والمنطقة خطر الانزلاق في حرب طائفية .. ويصرون على سلمية الثورة وحتمية التعايش مع الطائفة بعد زوال النظام. لذا فهم حذرون من توتير الحياة الاجتماعية حاضرا ولاحقا.

هذه هي الواجهة الإعلامية البارزة للثورة السورية. لكن استنكاف العاصمة – دمشق ومدينة حلب، ذواتا الكثافة السكانية العالية جدا في البلاد عن الانحياز للثورة، كما بقية المدن، أوقع بعض المخاوف، في النفس، من قدرة النظام على احتواء الثورة سياسيا أو أمنيا. ولو أمعنا النظر جيدا في مسار الثورة السورية لتبين لنا قبضة الدولة ارتخت إلى حد كبير بسبب استنزاف النظام لكافة أوراقه الأمنية التي بدأت في استخدام قوى الأمن والشبيحة وانتهت بالدبابات والطائرات. فما الذي بقي للنظام ليستعمله ولم يفعل؟ وهل ثمة ما يبرر المخاوف؟

الثابت أن التوسع التدريجي للثورة جغرافيا وديمغرافيا يُحسب في صالح الثورة، التي لم تستهلك ذاتها، وليس عليها. فبالمقارنة مع الثورة اليمنية، التي تعاني جمودا رغم الكثافة البشرية الهائلة، تبدو وقائع الثورة السورية، في كل جمعة، كما لو أنها انطلقت للتو!!! فهي لم تستنفذ رصيدها الديمغرافي ولا رصيدها الجغرافي. فكيف لو انحازت ملايين دمشق وحلب إلى الثورة وخرجت على الشارع؟ فهل سيكون بمقدور النظام احتوائها.

المؤكد أنه لن يستطيع أبدا. ففي سوريا اليوم ثلاثة مناطق شبه محررة بالكامل. وهي حماه ودير الزور والبوكمال. فبعد مذبحة درعا التي خسر فيها السكان بحسب بعض الشهادات آلاف القتلى والجرحى، ممن دفنوا في مقابر جماعية، مقابل المئات من أفراد الشبيحة والجيش؛ نجحت هذه المدن بتحصين نفسها من الداخل كي لا تتكرر المأساة. فأغلقت الطرق بالمتاريس، ونشرت الحراسات واللجان الشعبية في الأزقة والشوارع، ونجحت في طرد أو تصفية العملاء والمخبرين فيها، ومنعت الأمن والجيش من اقتحامها، وهددت الرئيس السوري بمذبحة دموية إذا ما أقدم على اقتحامها. ثم زجت، وبقدر كبير من التحدي، بأكثر من مليون ونصف المليون في ساحاتها في الجمع السابقة، وسط هتافات وأهازيج في حماه (28) و دير الزور (29) ألهبت السوريين وكل من سمعها من العرب.

والحقيقة أن لهذه المناطق ميزات خاصة. إذ من غير المتصور بالنسبة لحماه أن تتكرر مذبحة عام 1982 التي ذهب ضحيتها نحو 40 ألفا من السكان. فللمدينة مع النظام جروح لا تندمل، وثارات عصية على النسيان. ولم تكن زيارة السفير الأميركي للمدينة لتضيف شيئا يذكر على واقع الحال. فلا هي استدعته ولا النظام منعه من الزيارة بقدر ما حاول استغلالها للطعن، عبثا، في نظافة الثورة السورية.

أما مناطق الدير، فالنظام يعرف قبل غيره، أنها مناطق الخط الأحمر الذي يصعب الاقتراب منه أو استفزازه. فالمنطقة محافظة جدا، وذات تركيبة قبلية على صلة وثيقة مع قبائل العراق من حيث المصاهرات، وحتى من حيث وجود السلاح التقليدي واستعماله، فضلا عن خبرة الأهالي في دروب المنطقة، وعلاقاتهم مع جماعات الجهاد في العراق لاسيما في منطقة الموصل. بل هي المنطقة الأكثر حصانة في أي صراع طائفي محتمل. ولعل في هذا ما يفسر إلى حد كبير سقوط بضعة شهداء في المنطقة طوال أشهر من الثورة، بخلاف المناطق الأخرى التي فقدت المئات من أبنائها في لحظات غدر مارستها قوى الأمن والشبيحة والفرقة الرابعة.

لكن، مقابل الثورة المدنية، ثمة ثورة خفية يديرها الجيش، وتلعب مع النظام بما يناسبه. ثورة وقائعها طاحنة دون أن يكون لأي طرف منها مصلحة في الإعلان عنها. هذه الثورة يدركها السوريون بأدق تفاصيلها، ومساهماتها في حماية الثورة واستمراريتها تبدو شبه حاسمة، في ظل الغياب الكبير لدمشق وحلب عن فعالياتها المدنية. ومع أن بعض الفضائيات، وربما بعض مواقع الثورة السورية، تلقت شرائط مصورة عن عمليات نفذتها وحدات منشقة من الجيش ضد الفرق الموالية للنظام والشبيحة، إلا أنها لم تجد طريقها للنشر، بحجة رفض شرائط تحتوي على مشاهد دموية للشبيحة، أو بسبب الخشية من المساس بسلمية الثورة على المستوى الإعلامي، طمعا في كسب المزيد من التأييد الدول!!!

ثورة الجيش بدأت في الإعلان عن نفسها عبر سلسلة من الشرائط المرئية لجنود وضباط انشقوا عن وحداتهم أو أجهزتهم الأمنية. أما أول الانشقاقات (30) الكبرى فكانت في مدينة درعا لدى دخول الجيش إليها، ورفض بعض الوحدات في الفرقة الخامسة أوامر صدرت إليهم بإطلاق النار على السكان. وبطبيعة الحال فقد وقعت اشتباكات طاحنة بين الفرقة الرابعة ومنشقي الفرقة الخامسة أسفرت عن مذبحة في الجانبين. بل أن كتيبة من الفوج 16، المرابطة بالقرب من مدينة الضمير، تعرضت قبل يومين من انشقاقها لقصف جوي (26/6/2011) أسفر عن مقتل العشرات من ضباطها وجنودها. لكن يبدو أن حركة الانشقاق كانت من القوة بما يكفي للإعلان عن تشكيل الأنوية الأولى لـ « لواء الضباط الأحرار» في منطقة إدلب، خاصة بعد انشقاق وحدات أخرى خلال صدامات جسر الشغور ومعرة النعمان شمالا.

ولا شك أن انشقاق الجيش في منطقة البوكمال (31) كان له وقع الصدمة على النظام. فقد التحمت الوحدات المنشقة مع السكان ( قرابة مائة عنصر من الاستخبارات الجوية، أعلى سلطة استخبارية في النظام)، ووجهت مدافعها نحو الوحدات المهاجمة. ولا شك أيضا أن سكان المدينة نجحوا في طرد قوى الأمن والشرطة منها واستولوا على مخازن السلاح فيها. ومن جهتها حاولت الدولة حفظ ماء الوجه فقامت بإنزال جوي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكنها في النهاية اضطرت للدخول في مفاوضات مع مشايخ وأعيان المدينة لتسليم الأسلحة وعناصر الجيش. أما السكان الذين وافقوا على تسليم الأسلحة فقد رفضوا بشدة تسليم أي جندي للنظام أو توقيع أيا من أبنائهم على تعهدات بعدم التظاهر أو معارضة النظام.

والحقيقة أن أعنف المواجهات وقعت في مدينة حمص كانت ليلة الخميس (7/7/2011)، قبل يوم من جمعة « لا للحوار». ففي حين ظهرت حماه بأشد ما يكون التحدي، كانت حمص أشبه ما يكون بالبركان الثائر تحت الرماد. إذ سربت مصادر في الجيش معلومات تفيد بأن طائرات نقل إيرانية مدنية صغيرة هبطت في مطار حماة الصغير، وأفرغت حمولتها من المعدات والأسلحة والجنود للجيش السوري، وحذرت من أن المدينة قد تتعرض لمجزرة. وفعليا تلقت فضائيات عربية الخبر، لكنها امتنعت عن نشره. وبعد يومين اتجه الجيش السوري فعلا لمحاصرة حماة، ودخلت عناصر أمنية إلى المدينة وقتلت نحو 27 مواطنا من بينهم المنشد إبراهيم القاشوش. مع ذلك لم يكن الهدف مدينة حماه بل حمص.

ففي منطقة حمص وقعت انشقاقات في الجيش لضباط مع جنودهم. وفي تلك الليلة (7/7/2011) نفذوا كمينا قاتلا في منطقة الرستن ضد حافلات تنقل المئات عناصر الشبيحة. الأمر الذي أثار غضب النظام، مما دفعه لمحاصرة حماة خشية لجوء الوحدات المنشقة إليها للاحتماء فيها، وشرع في التحضير لمواجهة طائفية مفتوحة تمكنه من التدخل بقسوة بدعوى وأد الفتنة الطائفية.

المعروف أن المدينة تعرضت على مرّ العقود إلى هجرة نصيرية باتجاهها، ضمن مسعى من النظام وكبراء الطائفة، لتحقيق تواجد سكاني كثيف، يسمح بتحويل المدينة، وقت الضرورة، إلى عاصمة للطائفة. لذا فهي تأوي أعدادا لا بأس بها من النصيرية. وهو ما يسمح للنظام، في مثل هذه الظروف، باستغلال هذا التواجد، وزجه في الصراع بحيث تصير المواجهات المدنية بين طائفة وطائفة وليس بين الجيش والمدنيين. ولا ريب أنها لحظة ضعف للنظام، تكشف عن حالة عجز في مواجهة انشقاقات الجيش أو الثورة المدنية. أما الفتنة فقد بدأت باختفاء ثلاثة أفراد من الطائفة، من سكان حمص، ثم ظهرت جثثهم يوم 16/7/2011 أمام منازل ذويهم. وبطبيعة الحال تم اتهام السنة بقتلهم، وبدأ النظام بعملية تحشيد طائفي لإنجاح الفتنة. وفي الليل دفع بفرق الشبيحة لمهاجمة المدينة (32) الذين غابا ما يمارسون ضربا وحشيا (33)، وحتى الموت (34)، حيث قاموا بعمليات تخريب واسعة، شملت نهب المحلات وتكسير السيارات وقتل الناس والاعتداء على مملكات السنة بينما الجيش والأمن يراقبان وقائع الهجوم وما سينتج عنه.

وفي خضم الهجوم تمكن الجيش وقوات الأمن من الدخول إلى كل حي في المدينة. وثمة أكثر من سبب يفسر المراهنة على الفتنة بين السكان. أولها الكثافة السكانية للنصيرية، والتي يمكن أن تعرقل الإجراءات الدفاعية للسكان أو تتسبب باحتكاكات طائفية. وثانيها، وهو الأهم، أن حجم المدينة كبير، بحيث يصعب تطهيرها كليا من العملاء والمخبرين كما حصل في مدن حماة والدير والبوكمال.

في ظل هذه الأجواء المتفجرة تناقلت وسائل الإعلام، عن شهود عيان، نبأ انفجارين وقعا فجر السبت (23/7/2011) في الكلية الحربية في المدينة بالتزامن مع سماع أصوات رصاص، ودخان تصاعد من المبنى. والطريف في الخبر أن السلطات السورية كعادتها نفت وقوع الحادث من الأصل، رغم أن طائراتها المروحية لم تفارق المنطقة!!! ورغم وجود شهود عيان نقلت عنهم وكالة « رويترز» للأنباء أنهم شاهدوا سيارات إسعاف وهي تتجه نحو المجمع في منطقة الوعر القديمة لنقل الجرحى باتجاه المستشفى العسكري فضلا عما قاله شاهد عيان: « يبدو وكأنها عملية من نوع ما» .. «عملية»، بحسب شهادات محلية متفرقة، نفذها 27 ضابطا سوريا، شارك فيها طلبة يمنيين وسودانيين، وأسفرت عن وقوع أكثر من 150 قتيلا بينهم 58 ضابطا من ضباط الكلية.

من جهتها علقت صحيفة « ديلي تلغراف – 24/7» البريطانية على الحادث، معتبرة إياه: » أول هجوم من نوعه منذ بدء حركة الاحتجاجات«، فيما ذكرت بعض المصادر أن الكلية تعرضت، بداية، إلى هجوم بقذيفتي RBJ من الخارج، بينما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن فرضية أن يكون الهجوم شنه « جنود تمردوا على الجيش بسبب الحملة الأمنية العنيفة في حمص»، مع الإشارة إلى: »معلومات عن فرار أكثر من 50 مجنداً من وحدات عسكرية بجانب الكلية الحربية في المدينة«. وألمح بيان المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان إلى: » انشقاقات في الكلية الحربية تارة وعن خلافات ومشادات بين طلابها على خلفية سياسية تارة أخرى«.

في كل الأحوال؛ فإذا كانت المعلومات المتوفرة تشير إلى تعرض الكلية لهجوم منسق، بهذا الحجم، قاده منشقون في الداخل والخارج، فالمؤكد الأول: أن الهجوم كان عسكريا وليس مدنيا، أما المؤكد الثاني: فيتعلق بسيارات الإسعاف التي لم يعرف، من مصادر طبية، إن كان ما نقلتهم إلى المستشفى العسكري كانوا من الجرحى أم من القتلى، والمؤكد الثالث: أن الهجوم كان مباغتا في إصابته، بمقتل، ما يفترض أنه موقع حصين. مما يعني أن قبضة النظام « بدت مهتزة» بفعل الهجوم، كما قالت الـ « ديلي تلغراف»، والمؤكد الرابع: أن الغضب في الجيش وصل حدا لا يطاق بسبب ممارسات النظام الوحشية. إذ من المستحيل أن يكون الهجوم من تدبير جنود، في مؤسسة نخبوية من هذا النوع، تضم مئات الضباط والطلبة أكثر مما تضم جنودا.

مع الساعات الأولى لليلة الجمعة (29/7/2011)، بدأت الأنباء تتوالى تباعا عن سلسلة من الانشقاقات المنسقة قادتها وحدات من الجيش في عدة مدن سورية ابتداء من انشقاق كتيبة المدرعات من اللواء 71 في منطقة الدير والبوكمال شمالا إلى حوران جنوبا .. انشقاقات تعرض فيها النظام لأكبر خسائره، وقتل فيها محافظ الدير مع واحد من أعتى مجرمي النظام اللواء جامع جامع رئيس الأمن العسكري في الدير. كما سيطرت القوى المنشقة على المطار لمنع هبوط الطائرات التي يمكن أن تنقل إمداداتها لقوات النظام التي بدأت بقصف الدير والهجوم على البوكمال.

في الحقيقة هذه الانشقاقات كانت متوقعة منذ أكثر من شهر. فقد بلغ التوتر في الجيش مدى من الحنق والغضب لا يمكن تحمله، حتى صار الحصول على إجازة فرصة للانشقاق. والأهم في الأمر أن المواجهة الخفية بين ثورة الجيش والنظام صارت اليوم مكشوفة، وباتت مرشحة على أسوأ الاحتمالات. والأهم أن الثورة العسكرية لا تمس من سلمية الثورة المدنية باعتبار أن ما يجري هو مواجهة داخلية بين عسكريين وليس تحولا في مسار الثورة. فكيف يمكن المواءمة بين ثورة مسلحة وأخرى مدنية؟ وما هي خيارات النظام في مثل هذه الحال؟

ختاما

ثمة فرق بين المصالح السياسية ومصالح الأمة. وثمة فرق بين النظام السياسي والنظام الطائفي. أما الأمة فلم تعد معنية بمصالح النظم السياسية واستقرارها أيا كانت هويتها. لكن إذا ما اضطرت لذلك فلن تغفر أبدا. وفي هذه اللحظة من التاريخ فالأمة في لحظة هجوم، أما غيرها ففي حالة دفاع مستميتة. ورغم الهجمات المضادة، والمنسقة، على الثورتين المصرية والتونسية، إلا أن الشوارع شديدة الحيوية. فالضحك على الأمة وأساليب الخداع لم تعد تجدي. وهذا رادع لكل من يحاول قطع الطريق على الأمة في التخلص من الاستبداد والهيمنة.

الثورة السورية قدمت نموذجا خلاقا، ودرسا ثريا، وإسنادا عجيبا، للثورات العربية لا يقدر بثمن. فهي ثورة شعب مميز ضد مشروع نظام حكم طائفي مدمر، يحظى بكل الدعم الدولي والعربي والإقليمي والوطني والقومي واليساري واللبرالي!!! ومع أن الشعب السوري يدرك أن كل من حوله أعداء، إلا أن ثورته انطلقت نظيفة، دون أن تنتظر عونا من أحد، ودون أن تسمح بأي تدخل أجنبي فيها. وقدمت تضحيات هائلة، وسط طوفان من الأكاذيب والنفاق والصمت والتجاهل لم تنل من عزمها وإصرارها، ولم يلوث نقائها غدر أو خباثة كزيارة السفير الأمريكي لمدينة حماه .. هكذا قدم الشعب السوري نفسه، فاكتشفته الأمة .. شعبا عزيزا، شامخا، شجاعا، نبيلا، صبورا، صادقا وحازما .. فيا سعد أمة الإسلام به .. ويا تعس كل من خذله.

أما النظام السوري فلا يستطيع تجاهل المأزق الذي يعيشه، سواء في مواجهة الثورة المدنية أو ثورة الجيش، القوة الأشد رعبا للنظام. ولا يستطيع أن يتجاهل خطورة التسرب والانشقاقات الواقعة في الجيش، وهي تتوالى تباعا بالتوازي مع عمليات تنفذها الوحدات المنشقة، إما لتأمين الحماية والملاذ الآمن لها وإما لحماية السكان. ولا يستطيع النظام أيضا أن يستمر في الحكم دون أن يدفع الثمن سياسيا وشرعيا وأخلاقيا وقانونيا، عن تاريخه وحاضره المشين. ولا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يَحْمل الدولة والمجتمع على شرائعه الباطلة.

لكن إذا كان الحديث عن الحوار أو الانتقال السلمي للسلطة، عند المعارضة، تبرره، في أحسن الأحوال، الخشية من الانجرار إلى حرب طائفية؛ فإن يوميات المواجهة المدنية مع النظام، رغم شدة وحشيته، وصلت إلى قمة التحدي والسخرية (35) منه. ومن يتابع أهازيج الثورة، وشعاراتها، ونكاتها البالغة السخرية، على ألسنة العامة، يدرك الشعور العميق الذي بلغه السوريون، من نشوة، تجاه ما يعتقدون أنها « لحظة حرية (36)» لا يمكن التفريط بها، ولو بدماء أطفالهم.

« لحظة الحرية» هذه، فارقت السوريين أربعين عاما لكنها لم تفارق بواطنهم، ولا حناجرهم منذ اللحظة الأولى لاندلاع الثورة. فهم على النقيض من جماعات المقاومة والممانعة، الذين ظنوا أنهم صادفوا الحرية منذ أربعين سنة. فأي حرية ينعم بها ضيف لم يعرف لها المضيف يوما رائحة ولا لونا؟ فإن كان المقاومون نعموا، حينا ونسبيا، بحرية شرّعت للنظام بقاءه، فلأنهم لم يكونوا أزيد من أدوات عمل في ورشة الاستبداد والظلم. ومن يعتقد غير ذلك فليراجع حساباته على الساحة اللبنانية، ليقف على حجم الكوارث التي أوقعها النظام في القوى الفلسطينية والعربية واللبنانية، أيا كانت انتماءاتها. فبأي حق يكون النظام أرحم على شعبه إذا كانت أدواته لم تفلت من بطشه؟

مشكلة الأمة في جهل مثقفيها ونخبها أو في عمالتهم الصريحة أو في غرورهم وأهوائهم ومصالحهم. ومشكلة الأنظمة أنها مستبدة حتى لو أدركت أنها مجرد وديعة استعمارية. وفي الحالتين كان الصراع مع الأنظمة والنخب، على الدوام، دمويا، بدايةً ونهاية. هؤلاء الذين يدافعون عن النظام السوري، مثلا، سبق لهم وتقلبوا في المواقف منه في مناسبات عديدة .. سفك فيها دماءهم .. واعتقلهم .. وشردهم .. وغدر بهم .. وذبح شعبه، وخرّب عقائده .. ودمر مساجده .. ومع أن أعمارهم جاوزت الستين والسبعين إلا أنهم ما زالوا يتسلطون بآراهم وتحليلاتهم على الناس .. فماذا يختلفون عن النظم؟ وأي شرعية بقيت لهم، وقد ارتموا، زرافات ووحدانا، في أحضان « المركز» وما يهوى، وصاروا ركنا ركينا من « سايكس - بيكو»!!؟ نصرك الله أيتها « الفاضحة».

*****************************
• رابط الحلقة الأولى: وأد الفاضحة (1)
http://www.almoraqeb.net/main/articles-action-show-id-309.htm
************************************
أولا: روابط الفتاوى المتعلقة بالطائفة النصيرية:

(1) أبو حامد الغزالي، فضائح الباطنية.
http://www.ghazali.org/books/fadiah-qutb.pdf.
(2) فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيـبي،
http://www.oqlaa.com/?section=subject&SubjectID=189،
(3) فتوى الشيخ بن باز في النصيرية و نظام الأسد:
http://www.youtube.com/watch?v=S6iRz2c3xsU،
(4) الشيخ ممدوح بن علي الحربي: الشيعة النصيرية، محاضرة صوتية.
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson&iw_a=view&lesson_id=8089،
(5) وأيضا: موسوعة فرق الشيعة،
http://www.almeshkat.net/books/archive/books/mmdoh.zip + http://www.almeshkat.net/books/archive/books/m_h.zip .
ثانيا: روابط النص
(1) سعيد رمضان البوطي يصف الثوار بأنهم حثالة
http://www.youtube.com/watch?v=jib70X3OWFQ&NR=1
(2) فتوى البوطي رقم 15449 السجود على صورة بشار
http://www.naseemalsham.com/ar/Pages.php?page=readFatwa&pg_id=15449
(3) تخبط وزراء بشار الأسد أثناء صلاة العيد
http://www.youtube.com/watch?v=FuYAAQi72ws&feature=player_embedded
(4) دريد لحام: الجيش مهمته سلامة الوطن و السلم الأهلي
http://www.youtube.com/watch?v=U6dh4JwYLy4
(5) للكبار فقط الشهيد الطفل حمزة علي الخطيب
http://www.youtube.com/watch?v=TufrPOQnOFI
(6) آثار تعذيب الأمن السوري لشباب بانياس
http://www.youtube.com/watch?v=Sv9ft1_N6mg
(7) تعذيب رجل عجوز
http://www.youtube.com/watch?v=5lPfoH0ueTY
(8) إمام مسجد في حمص يتعرض للضرب في فرع الأمن العسكري
http://www.youtube.com/watch?v=KPvxqAF-oYU
(9) قتل طفل بالسكين
http://www.youtube.com/watch?v=ty5tVspp0iw&NR=1
(10 قطع الأرجل
http://www.youtube.com/watch?v=jnvXqMgw7T4)
(11) شنق طفلة طالبة مدرسة بعد اغتصابها
http://www.youtube.com/verify_age?next_url=http%3A//www.youtube.com/watch%3Fv%3DmzLm4TJPpZk
(12) شبيحة الموت بالسكاكين وضرب وحشي مدمي
http://www.youtube.com/watch?v=m4wQFjaoW-E&skipcontrinter=1
(13) اغتصاب فتاه سورية مسلمة من قبل الشبيحة
http://www.youtube.com/watch?v=lhQMy6LB2BQ
(14) الشبيحة يسرقون المحلات التجارية في حماه
http://www.youtube.com/watch?v=_3DTmvIChG4
(15) أخلاق الشبيحة حتى بائع البطيخ لم يسلم من النهب
http://www.youtube.com/watch?v=Pk9Y6BRe2vU
(16) أحد الشبيحة في سورية يضرب شرطي مرور
http://www.youtube.com/watch?v=yrmobZT6qE4&feature=player_embedded
(17) هذه هي أخلاق شبيحة الأسد ليراها وليسمعها العالم كله
http://www.youtube.com/watch?v=1Rx-5l3ngQI
(18) بشار الأسد رب البعثيين السوريين والبعث دينهم
http://www.youtube.com/watch?v=X45QOGY5Hyc
(19) السجود للرئيس السوري
http://www.syrianeg.net/wp-content/gallery/prostration/prostration-1.jpg
(20) فـضيحة مصطفى قواص عـميل حزب الله يسب رب العالمين
http://www.youtube.com/watch?v=Uzrkf5o5YLk
(21) ماذا فعل أمن بشار بالمساجد
http://www.youtube.com/watch?v=ZC-YwVnaTr8&feature=player_embedded
(22) سب الرب والكفر والضرب ومداهمة بيوت الله
http://www.youtube.com/watch?v=Zfb6h2r2Bh4
(23) حمص: قصف مئذنة في باب السباع
https://www.youtube.com/watch?v=_fn-ThlHWt4&feature=player_embedded
(24) هجوم الشبيحة على المتظاهرين داخل جامع آمنة
https://www.youtube.com/watch?v=7bOGAy0xcBo&feature=player_embedded
(25) لا إله إلا الله ( فقط ) وليخسأ بشار
http://www.youtube.com/watch?v=AgYEv-aiMgM
(26) شيخ مشايخ دير الزور حذاء الأسد يساوي الدنيا
http://www.youtube.com/watch?v=5XM5kx5nP1o
(27) استمع إلى مستوى انحطاط أخلاق شبيحة أسد
http://www.youtube.com/watch?v=xzq4oyMnt_o
(28) يا بشار طز فيك وطز ياللي بيحييك - مظاهرة حماة
http://www.youtube.com/watch?v=Q3gmqM2d_Lg
(29) الثورة السورية بدير الزور مظاهرة مسائية
http://www.youtube.com/watch?v=bnlWmf6b2jA
(30) الجيش ينضم الى الثورة في درعا للذين لم يصدقوا
http://www.youtube.com/watch?v=q7W57-3tevc
(31) انشقاق كامل الجيش الموجود في البوكمال
http://www.youtube.com/watch?v=GU3arWNDNfU
(32) حمص عصابات النظام الشبيحة يعتدون على المواطنين بوحشية
http://www.youtube.com/watch?v=8959k-sdSD0&feature=related
(33) ضرب بالعصي حتى الموت
https://www.youtube.com/watch?v=_8vqzMEs-0c&feature=related
(34) عصابات الأمن السورية تقتل شاب جريح بعد إصابته برصاصة
https://www.youtube.com/watch?v=WSxKRgvTqh8&feature=related
(35) مسخرة صار الأسد مسخرة - الثورة السورية
http://www.youtube.com/watch?v=fYNq1SDWj1M&playnext=1&list=PL62BDA94DFA788840
(36) اعتصام ساحة العاصي وأهزوجة سوريا بدا
http://www.youtube.com/watch?gl=JO&v=fw82kPgnm5s

(107)    هل أعجبتك المقالة (118)

ابو زباد الحمصي

2011-07-30

الله يعطيك العافية دكتور اكرم ...والله ابلغت واجزت ...فعلا هادا الواقع الصح يلي عم نعيشو...بعض الفضائيات تسميه ازمة ..والنظام يسميها ازمة ..ولكنها ثورة ..او كماقلت انهاالفاضحة.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي