أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قطار الثورة سيصل ساحة الأمويين وإن تعثر في حمص

القطار الذي انحرف عن سكته فجر السبت الماضي في حمص، لم يتعرض ومنذ أول رحلة له، لمثل هذه الحادثة، إلا اليوم. فهو بالنسبة للكثير من السوريين وسيلة آمنة أكثر من غيرها، رغم كل علاته، وحالات النهب والسرقة التي طالت المؤسسة منذ عهد مديرها السابق، محافظ حمص المخلوع محمد إياد غزال، وحتى اللحظة.


السؤال المطروح: من له مصلحة في تفكيك سكة الحديد؟ لماذا يريد متظاهر مثلا -المتظاهر بمنطق النظام عضو في عصابة مسلحة- قتل 500 إنسان، كانوا على متنه، وبينهم المدني والطالب والعسكري، وربما جميعهم يحلمون بالحرية مثله؟! ما صحة الأنباء عن كون الحادث عرضيا، استغله النظام لاتهام الجماعات المسلحة، التي لا وجود لها سوى في مخيلته؟
يبدو واضحاً أن النظام السوري لا يتورع في فعل أي شيء مقابل البقاء في السلطة، فمن يجتز الحناجر ويقتلع عيون الأطفال، ويحفر اسم «بشار» على ظهور المعتقلين بالكي والسكاكين -جميع هذه الحالات موثقة- لا يصعب عليه استغلال أو تدبير حادثة القطار، التي كادت تودي بحياة هؤلاء الأبرياء وإلا كيف نفسر صدور نتائج التحقيقات بعد ساعة واحدة من الحادث، ونشرها على وكالة الأنباء السورية «سانا»؟ في حين لم تظهر حتى اللحظة نتائج التحقيقات بالمقابر الجماعية التي اكتشفت في درعا، وتعذيب الطفل حمزة الخطيب حتى الموت، وغيرها من المجازر والانتهاكات التي شكل النظام لجاناً للتحقيق فيها!!


في الأيام القليلة الماضية، حاول النظام أن يفتعل حرباً أهلية في محافظة حمص، أحد معاقل الاحتجاجات الرئيسة في سوريا. لولا أن المدينة بكافة طوائفها تصدت لهذه المحاولات البائسة، التي سعى النظام من خلالها إلى الخروج من أزمته، بعد مرور خمسة أشهر على ثورة الحرية والكرامة، عاثت فيها جحافل الجيش والأمن وقطعان الشبيحة، قتلا واعتقالا وترهيبا، لكنه فشل في قمع الاحتجاجات السلمية، بل على العكس ازدادت حدة المظاهرات واتسعت رقعتها، وكل بلدة أو مدينة شهدت عملية عسكرية وأمنية، خرجت ثانية كطائر الفينيق بإصرار وتحدٍ أكبر.


حمص، هذه المدينة المشهورة بنكتتها وبساطة أهلها، واجهت كل آلة القتل والقمع بالنكتة، وها هي اليوم تواجه محاولات النظام افتعال توتر طائفي بين جميع مكوناتها بالسخرية أيضا، فأهل حمص، كما بقية السوريين، واعون تماماً لمآرب النظام. وعلى الفور أصدر أهالي المدينة والناشطون فيها بيانات موقعة من كافة الطوائف، تؤكد نبذ الطائفية والحفاظ على سلمية الثورة، وتحميل النظام مسؤولية اللعب بهذه الورقة.
بعد أن فشل النظام في افتعال الفتنة حمص، قرر مواصلة حملته الأمنية العسكرية، لإخماد الاحتجاجات قبل حلول شهر رمضان، فقتلت أجهزته الأمنية عشرات الشهداء، واعتقلت مئات الشباب، ولم يكتف بذلك بل شنت ميليشيات الشبيحة حملة شرسة لترهيب السكان، فاقتحمت المنازل بشكل عشوائي، وخربتها ونهبت محتوياتها، فضلاً عن سرقة المحال التجارية وتدميرها بالدبابات.


خطورة وحساسية ما تتعرض له حمص، دفع بسائر المحافظات والمدن الأخرى، إلى التضامن معها، بخروج مظاهرات يومية لنصرتنها، ومن ثم تخصيص يوم الجمعة الماضي (جمعة الوحدة الوطنية، أحفاد خالد بن الوليد)، لفك الحصار عنها، والتأكيد مجددا على قدسية الوحدة الوطنية، واعتبارها خطا أحمر، على النظام التوقف فورا عن المساس به وسحب كافة قوى الأمن والجيش من المدينة. وعدم التعرض للمظاهرات اليومية. حينئذ سنرى كافة الطوائف تتظاهر في ساحات حمص كما جرى في اعتصام الساعة الجديدة، الذي ارتكب بحقه مجزرة راح ضحيتها أكثر من مئة شهيد. وكما قال أحد الزملاء: «لو لم تتعرض ساحة الاعتصام للقمع، لكانت شهدت حالات زواج بين شباب وشابات من طوائف مختلفة».
جمعة الوحدة الوطنية شهدت تظاهرات تجاوزت المليون ومئتي ألف، في دير الزور وحماة فقط، رغم الضغط الأمني والعسكري غير المسبوق.


هذه الأعداد الهائلة، أرعبت النظام، فأفردت وسائل إعلامه ساعات طويلة من بثها، حول ساحة العاصي، وراحت تقاريرها تطرح وتجمع وتقسم، في عملية حسابية تؤكد أن الساحة لا تتسع سوى لـ45 ألف متظاهر؟! فيما يقول طالب إبراهيم إن «حماة أو دير الزور ليستا سوريا كلها»، ويتحدث بمناسبة وبدون مناسبة عن فتنة طائفية، لم يسمع بها السوريون الذي أكدوا الوحدة الوطنية منذ أول يوم في الثورة، إلا على شاشات النظام السوري.


بات بديهياً أن النظام السوري ماضٍ في طريق الحل الأمني والعسكري إلى النهاية، فالعملية العسكرية مستمرة في كناكر بريف دمشق وفي حمص، خاصة مع زيارة وزير الداخلية محمد إبراهيم الشعار التي لا تساهم إلا في تأجيج الاحتجاجات، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تؤدي إلى التهدئة، لما لهذا الوزير من تاريخ أسود، وفعلاً ما إن حطت قدماه حمص، حتى تم تصعيد الحملة الأمنية العسكرية على المدينة.
كل هذا يحصل في ظل صمت عربي ودولي مطبق، يتجاهل مقتل أكثر من ألفي شهيد، واعتقال عشرات الآلاف، الذين يعانون أبشع أنواع التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية. هؤلاء المعتقلون يحتاجون كل الدعم، فهم لا يمتلكون شهرة الفنانين والمثقفين. إنهم أناس بسطاء خرجوا بكل جرأة وشجاعة للمطالبة بحريتهم وحقوقهم المشروعة. فكان مصيرهم التغييب في المعتقلات، رغم صدور فرمانات العفو الرئاسي -تسميها وسائل إعلام النظام منحة- التي ما زالت حبراً على ورق.


هنا لا بد أن نشير إلى أهمية أن تتحمل المعارضة السورية مسؤولياتها، بالاتفاق على برنامج واضح ومحدد، وأن تلقي بخلافاتها جانبا. التنوع والاختلاف طبيعي ومطلوب، لكن ليس هذا وقت الخلافات بين أطياف المعارضة التي عجزت حتى الآن عن تشكيل ذراع سياسية حامية للثورة وداعمة لها.


ربما لن تكون حادثة القطار هي الأخيرة في حمص، وليس من المستبعد، اعتماد أسلوب التفجيرات بحق الأبرياء، وهذا ما يهدد به النظام عبر الناطقين باسمه، من أمثال المحلل السياسي محمد ضرار جمو، رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب، الذي قال خلال حديثه لقناة العربية مساء الأحد الماضي، إنه ليس من المستبعد «احتجاز مصلين داخل المساجد، وتفجير بعضها، في شهر رمضان، وأن القصد من وراء ذلك إلصاق التهمة بالنظام». لكن الشعب السوري واعٍ لهذه المحاولات الفاشلة، ويحمل النظام المسؤولية الكاملة عن أي حادث من هذا النوع.


رحلة القطار لم تكتمل. تعثرت في حمص، لكنها ستستمر، ولن يفوته القطار سوى من وضع العصي في عجلاته.. سوى النظام وشبيحته.

عمر عبد اللطيف - العرب القطرية
(105)    هل أعجبتك المقالة (117)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي