أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

زيارة السفير ... مازن كم الماز

الحقيقة أنه منذ قرابة 4 أشهر وقعت أعداد لا تحصى من المظاهرات و الفعاليات الاحتجاجية في معظم الشوارع السورية دون أن يحضرها لا السفير الأمريكي و لا الفرنسي و لا حتى أي شخص غير سوري , هذا يجعل واقعة زيارة السفير الأمريكي لحماة يوم الجمعة الماضي غير مؤثرة فعلا في مسار هذه الاحتجاجات و لا تعبر عنها بأي حال ..

هذا عدا عن حقيقة أن الزيارة نفسها لا تشكل عملا جادا ذا معنى مؤثر سياسيا , إنها في الواقع عمل مسرحي أكثر منه فعل سياسي حقيقي , لأن تحمل كل صفات العمل المسرحي في أنه يحقق مكسبا ما دون أي ثمن , مكسبا مجانيا , فقد أتاحت الزيارة للسفير و لإدارته أن تبدو كحامية للديمقراطية في منطقتنا التي تعج بالديكتاتوريات , و هي نقطة حساسة جدا في ممارسة الإدارات الأمريكية سمحت لها في الماضي و حتى اليوم باختراع وسائل و مبررات لحروبها التي وصفتها ب"الإنسانية" أو لتدخلها المباشر في كل مكان تفرض عليها مصالحها أن تتدخل , طبعا دفاعا عن هذه المصالح و عن مصالح كبرى شركاتها أساسا , و هي أيضا قضية حساسة في وعي الأمريكيين العاديين الذين هم في الحقيقة وقود تلك الحروب "الإنسانية" الذين يجب المحافظة على هذا الوهم في وعيهم ليقبلوا بدفع التكلفة الباهظة لهذا الدور الإمبراطوري لبلادهم و لجيشها و خاصة لاحتكاراتها الكبرى ... النظام من جهته يحاول استكمال ما بدأه مؤتمر السان جيرمان للتعويض عن عجزه عن القيام بأي إصلاح جدي , ليعوض عن افتقاده لمشروع حقيقي يمكن أن يقنع السوريين الذين مازال كثير منهم ينتظرون المهل التي كان النظام يضعها و يمددها باستمرار لوعوده بالإصلاح و الحوار ..

إن ممانعة النظام لا تختلف حقيقة عن إصلاحه أو عن حواره الوطني و لا تختلف أيضا عن صدق أو حقيقة دعم أمريكا للاحتجاجات في سبيل الحرية في سوريا و غيرها من الدول العربية التي تشهد حراكا شعبيا هائلا في سبيل انتزاع حرية تلك الشعوب من الديكتاتوريات التي تحكمها , إن ممانعة النظام ليست إلا شكلا مسرحيا من المقاومة , لا تعني أكثر من أنه يستخدم قوى المقاومة الحقيقية على الأرض في لعبة الأخذ و الرد مع القوى الإمبريالية لصالح بقائه أولا و أخيرا , تماما كإصلاحه المزعوم الذي "بدأ" عام 2000 و ما زال "يتقدم" و "يتقدم" حتى اليوم دون أن يصل بعد إلى أول محطاته .. طبعا الكلام يختلف تماما بالنسبة للمحتجين , لا أعنقد أن أي قوة سياسية سورية أو اي سوري حتى يمكنه أن يخاطبهم بطريقة أبوية , بطريقة ما يمكنهم أن يفعلوه أو ما لا يجوز عليهم فعله , هذا الشباب الذي خرج و يخرج بكل شجاعة ليواجه الرصاص بصدوره العارية أكبر من أن يخاطبه أحد بنبرة الأستاذ أو أن يحاول أي أحد أن يوجهه أو ينتقده , هذا ليس تأليها للانتفاضة أو للشباب المنتفض , بل تأكيد على حقيقة بسيطة جدا هي أن هذا الشباب الذي كسر كل الحواجز و هز كل شيء من النظام إلى المعارضة إلى السفارات التي كانت قد اقتصرت سابقا على إرضاء أو تهديد أو مخاطبة من في القصور , هذا الشباب هو الأدرى بثورته , هو أمل النصر , الأمل بالحرية , و بتضحياته يشق الطريق المستحيل لها بكل ثبات و قوة , هنا نتحدث جميعا كسوريين فقط , دون أن يكون لأي منا أية صفة أخرى أو أي حق إضافي , عن هؤلاء الشباب , أو عن أي سوري آخر , أنا هنا أتحدث فقط كسوري مثل باقي السوريين , و خاصة من منطق الحرص على الدماء التي سالت أو على التضحيات التي بذلت , خاصة و أن عملية استقبال السفير الأمريكي عندما تتم باسم الانتفاضة تحتاج إلى تنسيق مسبق مع شباب الانتفاضة في بقية الأماكن , و خاصة أن الزيارة لم تحمل أي بعد جدي أكثر من تجييرها لصالح إدارة واشنطن دون أن تعني تغيرا حقيقيا في موقفها من النظام السوري و لا من انتفاضة الشعب السوري , أقول بصفتي هذه أن المهم الآن هو إعادة تنظيم الصفوف فالمعركة ما تزال أمامنا و ضروري جدا الاستمرار في تنظيمها بنفس القوة , فما جرى لن يكون له أي تأثير جدي على نتيجتها أو على مسارها اللاحق , لقد ذهب الممثلون إلى بيوتهم و أسدلت الستارة , أمام الشباب و السوريين عموما الآن معركة قاسية يجب أن يواصلوها دون أية أوهام , صحيح أن ثقل المواجهة و التضحيات قد يدفع للبحث عن أي بصيص ضوء من أي مكان أتى لكن لا يجب السماح بخداع النفس أبدا , تحتاج الانتفاضة الآن لتجاوز الآثار التي تركتها هذه الزيارة عليها و على وحدتها أو قوتها و للإعداد الجاد للمعارك القادمة ... أخيرا , تحية لهذا الشباب الرائع , تحية لحماة , لحمص و لدرعا , لدير الزور , لدمشق , لركن الدين , للميدان و لكي ميادين الحرية

(94)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي