في مقابلة مع جورنال ستريت الأمريكية في الشهر الثاني من عام 2011 قدر السيد الرئيس بشار الأسد أن سورية بحاجة إلى أكثر من عشر سنوات للبدء بالإصلاح السياسي والاقتصادي , وأن شعبنا بحاجة إلى هذه المدة للوصول بوعيه السياسي الاجتماعي إلى ممارسة الديمقراطية .
بعد اقل من شهر على المقابلة , ظهرت بوادر احتجاج على خلفية اجتماعية في أكثر المدن السورية تمسكا بحزب البعث , ومنها عدد كبير من المسؤلين الأساسيين في الدولة (درعا ) .
ورفعت شعارات تعبيرا عن التذمر من ممارسة الأجهزة الأمنية مطالبة بالإصلاح , ولجم تلك الأجهزة عن الكثير من الممارسات السلبية التي أوصلت الوضع إلى ما هي عليه اليوم من احتقان, والذي أدى إلى ظهور الرئيس السوري ثلاث مرات على التلفزيون لتقديم ما يعتبره النظام إصلاحات , بعد أن صعدت الحركة الشعبية شعاراتها من الإصلاح إلى الإطاحة بالنظام وإسقاطه,وكانت قرارات السيد الرئيس أقل من تطلعات المحتجين وطموحاتهم , التي ارتفعت مع تأخر التفاعل والاستجابة لما يريده المتظاهرون .
وكان أساس الخطابات , الحديث عن مؤامرة خارجية تريد النيل من السلطة على خلفية ممانعتها للمشاريع الاستعمارية في المنطقة .
تدرجت الاتهامات للمتظاهرين من مندسين إلى سلفيين الى عصابات مسلحة , وفي كل الاتهامات لم يكن دليل مادي واحد باستثناء بعض الأشخاص الذين عرضهم التلفزيون السوري بوصفهم أشخاص قتلوا جنودا سوريين ومدنيين وأمنيين , ومستودعات أسلحة فردية بأنواع مختلفة تم ضبطها معهم .
من خلال المقابلات لم نجد سلفيا واحدا ولا عصابة منسجمة قامت بالتخطيط لما يجري على الساحة السورية بل مارسوا ما مارسوه نتيجة تاريخهم مع الدولة عينها , ولم يكن لأي منهم هدف سياسي واحد , بل بعض عناصر الإجرام كانت تعبث فسادا بوجود عناصر الأمن ,كم نحن كمجتمع مدني بحاجة لإنهاء هكذا عصابات نمت وترعرعت بظل السلطة , والفساد الذي لم يزل سائدا والتغطية الأمنية لمثل هؤلاء المجرمين من قبل الأجهزة ذاتها , فعندما يقول السيد الرئيس في خطابه الثالث أن هناك خمس وستون ألف مطلوب للعدالة , من حقنا أن نسأل سيادته أين كانت الأجهزة الأمنية في ملاحقتهم ؟
لذلك يمكننا التأكيد على قول السيد الرئيس أن أكثر من ثمانين بالماية هي مشاكل داخلية تفاعلت مع تطور الأحداث وتقاعس السلطة , تقديرا منها أن ماجرى في درعا لايحتاج لبذل جهد لإصلاحه قبل فوات الأوان .
وعلى ذلك يمكننا القول بأن الشعب السوري كان ينام على جرح أليم لم تحسب له السلطه حساب , وما أن كسرت درعا حاجز الخوف وتمردت على السلطة , حتى لحق بها الكثير من المظلومين والمضطهدين من قبل الأجهزة بمختلف اختصاصاتها .
عذرا أيها السيد الرئيس فالزمن الذي ذكرته في المقابلة المشار إليها في البداية و الذي كانت سورية بحاجة إليه من أجل الإصلاح تقلص الى عدد من الشهور لايتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة , فالأعوام العشرة أصبحت أقل من عشرة شهور وهي الفترة الزمنية التي قدرتها أنت شخصيا في خطابك الأخير على مدرج جامعة دمشق , أين يكمن الخطأ سيادة الرئيس ؟
لم تعد الممانعة والشعارات الوطنية الكبيرة هي المحرك الأساس للجماهير , التي عانت وتألمت الكثير من التقصير في الرد على الاعتداءات الصهيونية على أرض سورية الحبيبة , والتي كان الرد بحاجة الى وقت وزمن تختاره القيادة السياسية ولم يحن وقته بعد , ولكن في الرد على الاحتجاجات المشروعة التي اعترفت بها سيادتك , كان رد القوات جاهزا في أكثر من موقع ومدينة , فلو توجهنا تحت قيادتكم لمحاربة الصهاينة وكنا صفا واحدا في الرد على العدوان المتكرر على سيادتنا الوطنية , لكنا حررنا أرضنا بقوة جيشنا الذي اشترى سلاحه ورواتبه من عرقنا .
لا نريد لجيشنا أن يستمر في معارك هو بالأساس بغنى عنها وليس معدا لها أصلا وليعود الى هدفه الأساس الذود عن حياض الوطن وحفظ كرامة الإنسان وتحرير جولاننا الحبيب .
كفى الحديث عن المؤامره ومدبريها ومحركيها فشعبنا انتفض على الظلم والفساد وتوزيع الثروة الغير عادل والذي حظي بها غالبية من هم حول قصر الشعب .
التاريخ لايعود الى الوراء , بقدر ما تصبح احداثه ذكرى وعبره لمن يريد النهوض من كبوة ألمت به في غفلة من الزمن , ولم يع كافيا النوم على تاريخ ومجد عظيم لأن الماضي لايغفر للحاضر بل الحاضر هو من يزيل الماضي برواسبه ومآسيه .
فما جرى بالأمس من لقاء لشخصيات معارضة في فندق السمراميس ,هو خطوة بالاتجاه الصحيح ولو كانت بوحي من قيادتكم , ولكن الأمر يحتاج سرعة أكبر في ترجمة خطاباتكم الى أفعال , كي لا نصل الى تقديرات لم تكن دقيقة بفعل ما يردكم من تقارير , وكما كان تقدير سيادتكم بان سورية بحاجة الى عشر سنوات للبدء بالإصلاح , وما هي إلا أيام حتى أقدمتم وأقررتم بضرورة الإسراع بتطوير الأنظمة والقوانين وتحديث المراسيم , فالزمن يسير مسرعا والهوة تتسع بينكم وبين جماهيركم , ولا يغرنكم خروج الملايين في مسيرات تأييد وشعارات الافتداء بالدم وما شابه , ولا نتمنى أن تسوء سمعتنا أكثر على الصعيد العالمي والإنساني فنحن قوم نحب الحياة ونحب الحرية ونحب العيش بكرامة وسلام .
2862011
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية