سؤال أساسي اليوم يطرح نفسه , فنحن بحاجة لفهم ما هو الأساس الذي يحدد على أساسه هذا المثقف أو ذاك , هذه القوة السياسية أو تلك , موقفه ( أو موقفها ) من النظام , و بالتالي موقفهم من الاحتجاجات الشعبية في سوريا اليوم , و ما هو تشخيص هذا المثقف أو ذاك , هذه القوة السياسية أو تلك لطبيعة النظام السوري , هذا إذا كانوا راغبين بالإجابة على هذا السؤال أساسا , هذا السؤال الذي يغيب تماما تقريبا عن مقاربة هؤلاء للوضع السوري اليوم , لكننا كمحكومين يهمنا أن نحدد طبيعة النظام الذي يحكمنا منذ عقود , أليس هذا ضروريا لأي مقاربة منطقية و عقلانية يدعي الجميع أنه وحده من يمارسها اليوم و يلزم الآخرين باستنتاجاته على هذا الأساس , لنأخذ اليسار السوري , الرسمي مثلا , يفترض بالمثقف و السياسي اليساري أن يبرر موقفه طبقيا , فبعد أن يحدد لنا الطبيعة الاجتماعية و الطبقية للنظام السوري الذي يتحالف معه في الجبهة و الحكومة و بعد أن يحدد أيضا الطبيعة الطبقية و الاجتماعية للشباب الذي يتظاهر اليوم مطالبا بالحرية , فالمفروض بهذا اليسار مثلا أن يقف في أضعف الأحوال إلى جانب الطبقات المضطهدة , لكن هل هذا ما يفعله اليسار السوري اليوم ؟ لكن الملاحظ أن كل من يدافع عن النظام يتجنب الحديث عن النظام مباشرة , عمدا على الأغلب , و ينتقل مباشرة للحديث عن أعداء النظام أو عن مخاطر سقوطه , لا يطرح المدافعون عن النظام أبدا سؤال من هو النظام السوري و لا يحاولون أساسا الإجابة عن هذا السؤال رغم مركزيته و أهيمته في فهم الواقع السوري اليوم , لكن بالنسبة للسوريين العاديين , أي من يحكمهم هذا النظام , فهذا الجواب ذا أهمية استثنائية في فهم واقعهم و مشاكلهم و حلولها , لذلك سنحاول هنا الإجابة عن هذه الأسئلة بقدر ما هو متاح و ممكن أو على الأقل أن نستعرض الأجوبة المحتملة و سأترك في النهاية اختيار الإجابة الأكثر صحة لك , و لنبدأ بالنظام , طبقيا و اجتماعيا من هي الطبقة الحاكمة اليوم في سوريا ؟ و بالمقابل من أية طبقات اجتماعية جاء الشباب الذي بدؤوا و يستمرون بالتظاهر اليوم ؟ هل العلاقة بين الطبقة الحاكمة و الطبقات الشعبية هي علاقة استغلال أم لا ؟ هل تتعرض الطبقات الشعبية في سوريا للاستغلال , للتهميش السياسي و الاقتصادي , و إذا كان الجواب نعم فمن الذي يستغلها , و لصالح من ؟ ما هي درجة مشاركة الطبقات الشعبية في آليات اتخاذ القرار سواء على المستوى المحلي أو على صعيد مؤسسات الإنتاج و التوزيع أو على صعيد المجتمع ككل , أو لأي درجة تسمح الطبقة الحاكمة للناس , أي لهذه الطبقات الشعبية , بالمشاركة في مثل هذه الآليات , و أساسا و قبل أي شيء , ما هي المصالح التي تعبر عنها القرارات التي يتخذها النظام , هل هي مصالح الناس , مصالح الطبقات الشعبية , أم مصالح فئات اجتماعية أخرى ؟ لنحاول الإجابة أولا على السؤال الأهم : من هي الطبقة الحاكمة في سوريا اليوم ؟ هل هي طبقة الفلاحين التي جاء منها ضباط البعث الأوائل الذين قاموا بثورة أو انقلاب 8 آذار , هل هي طبقة العمال التي "ضمن" لها الدستور الحالي مع الفلاحين 51 % من مقاعد مجلس الشعب ؟ لا أعتقد أن الموضوع بحاجة لنقاش طويل , فالطبقة الحاكمة اليوم في سوريا هي أعلى هرم البيروقراطية , الدولتية ( من الدولة ) , العسكرية و الأمنية , هي في الواقع التي تتخذ كل القرارات و ترسم كل السياسات بما يتوافق مع مصالحها , عمليا لا يوجد تمثيل حقيقي لا للعمال و لا للفلاحين في أعلى هرم النظام و لا تؤخذ مصالحهم في الاعتبار عند رسم السياسات العليا للنظام , لننتقل الآن إلى الشباب الذين يتظاهرون اليوم , من أية طبقات جاؤوا ؟ هل ينتمون لطبقات تستغل الآخرين , أم من طبقات يقع عليها الاستغلال , هل جاؤوا من طبقات تهمش الآخرين و تحرمهم المشاركة في تقرير شؤونهم الخاصة أم من طبقات يقع عليها التهميش و الإقصاء ؟ الأكيد أن الجواب الثاني هو الصحيح , إن الشباب الذي يهتف اليوم للحرية جاء من فقراء الريف و المدينة و من العاطلين عن العمل أو من الطبقات الوسطى في الريف و المدينة في أفضل الأحوال و مطالبهم التي يرفعونها تعبر عن مصالحهم و مصالح طبقاتهم الشعبية هذه , لننتقل الآن إلى شكل الحكم في سوريا , ما هو شكل الحكم في سوريا ؟ هل هو ديمقراطية برجوازية , أي إلى أي درجة توجد هناك انتخابات حرة تقوم على حياة حزبية أي أحزاب برجوازية تمثل التنافس داخل و بين النخب الاجتماعية , أم أنه نظام يقوم على مجالس العمال أو ما كان يسمى في الثورتين الروسيتين 1905 و 1917 بالسوفييتات أو الكومونة كما في ثورة عمال باريس 1871 و العديد من الثورات الاجماعية و السياسية التي تلتها , أم يقوم على نظام الحزب الواحد الستاليني الذي يكاد يتطابق مع نظام الحزب القائد , أم يقوم على نظام بوليسي , أي يعتمد على أجهزة الأمن في تثبيت نظامه و استمراره , بحيث تتمتع أجهزة البوليس هذه بصلاحيات مطلقة فوق أي قانون , بل أن تكون إرادتها هي القانون , لحساب استمرار النظام طبعا , أي من أشكال الحكم هذه هي التي يمارسها النظام السوري , يجب القول أننا الآن اقتربنا جدا من فهم و وضع تعريف محدد لسؤال من هو النظام السوري , أعتقد أن لديك أساسا كل المعلومات التي سبق و ذكرتها و كل ما قمت به هنا هو فقط تذكريك بها , كل سوري يعرف كل هذا و أنا هنا أساعده فقط على تنسيق هذه المعلومات و لا أضيف إليه أي جديد في الحقيقة , يبقى هناك سؤال مهم جدا لليسار السوري , و للقوى السياسية الأخرى التي تدافع عن النظام , و للمثقفين الذين يدافعون عن النظام , أن يقولوا لنا كيف يرون هم النظام السوري حتى يؤيدوه بهذا الشكل و حتى يتهموا الشباب الذي يتظاهر بتلك الاتهامات التي يطلقونها كيفما اتفق , لكن لسبب ما أعتقد أن من يدافع عن النظام السوري أو يتحالف معه , يساريا كان أم رجل دين من أية طائفة كان أو مثقفا علمانيا كان أو متدينا , سيستمر بتجاهل هذا السؤال , بتجاهل أي حديث عن من هو النظام السوري و سيواصل الكلام فقط عن مخاطر أن تتمتع الطبقات الشعبية السورية بأي درجة من الحرية , حرية هذه الطبقات الشعبية تعني بالنسبة له حربا أهلية أو استسلاما لمشاريع خارجية أو أية مصيبة من التي ما تسمعونها في الإعلام الرسمي , وحده النظام الذي لا يجيبوننا عن ماهيته و طبيعته و أي شكل من الأنظمة هو , وحده هو ضمانة "السلام الأهلي" أو الوحدة الوطنية أو الممانعة , بينما حرية الطبقات الشعبية السورية هي مصدر الخطر عند هؤلاء على السلم الأهلي و سواه و ليس قمع هذه الطبقات أو نهبها , بل يبدو هذا القمع و ذلك النهب و كأنهما الضمانة الوحيدة لمثل هذا السلم أو لتلك الوحدة الوطنية أو لهذه الممانعة , عند هؤلاء القمع و النهب هما من يحققان الاستقرار أما الحرية فهي تعني فقدان هذا الاستقرار , لكنهم على حق إلى حد ما فالحرية أيضا قد تكون مصيبة , إن لم تكن أكبر المصائب , بالنسبة للبعض ...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية