عــراق ما بـــعـد ((المســمــوط))... معتصم الصالح

"المسموط :
هي اكله عراقيه شهيرة عفا عنها الزمن, انقرضت كما انقرضت أغاني وحيده خليل وسيتا هاكوبيان ,
وانقرضت الخردة التي كانت تخرخش في جيوبنا .
وكماانقرضت سيارات مثل النيرن المسماة محليا دك النجف ولم نعد نشاهد اعمدة دخانها المشابه لدخان تنانير زمان في سماء مدننا وقرانا .


اود ان اعرفكم في معنى كلمة مسموط :
هو السمك المجفف بعد تنظيفه وغسله جيدا وازالة اجهزة كامله منه كالدوران والهضمي والتنفسي والبولي . ليتبقى فقط الجهاز الحركي بشقيه العضلات والعظمي ,,محاطه الاديم الظاهر وهو الاكتودرم أي الجلد ومشتقاته ثم تملح السمكه جيدا وتُنشر في الهواء الطلق بعد تربط مع اخواتها من نفس النوع والعشيرة بخيوط او حبال اشبه بمسبحه خرزاتها السمكات وتترك لتجف في الهواء الطلق منعا للتلوث البكتيري .

المسموط في اللغه كثيرا جدا منها (سمط )أي سكت و حلف ومنها وربما الاقرب (سمطا الشيء) أي علقه و(سمط) بكسر السين سموط الخيط مادام الخرز او اللؤلؤ منتظما فيه و(المسموط )او (السميط) الاجر القائم فوق بعضا البعض وايضا سمط البن أي تغيرت حلاوته .
وربما اراد من سمى المسموط بهذه التسميه استخدام صيغه مبالغه لاسم مفعول به لكن فعل به جدا وبقوة مفرطه من حرارة الشمس ولهيب القيظ .اما الاساس العلمي للمسموط فهو ان وجود الملح قرب بتماس مع خلايا السمكه بعد سمطها يعمل على فقد لاية خليه بكتيريه اوفطريه اواي كائن طفيلي لماء ايضه الخلوي ويعاني من ضاهرة الانكماش والبلزمه ثم موت الطفيلي بلجفاف ...

هذه الحقيقه العلميه تؤكد سبق العراقيين القدماء لويس باستير في هذا المجال .

لقد وجدت اثرا طيبا لكثير من العراقيين لهذه الاكلة , وكثيرا ماشهدت في قرى الريف العراقي (نشرات) المسموط تزين سطوح المنازل وشرفاتها ,
وعندما تجمعنا أللقاءات مع الاحباب والاصحاب وربما حتى مجالس الاغراب نذكر شيئا عن المسموط التي تابى رائحة كلامه الان تعبق في المكان وتترك سحرا دافئا في نفوسنا تعيد لنا الايام الخوالي السعيده,
ربما الفضل لذكريات المسموط الذي يعيب علينا (فرويد) ورفاقه عشقنا للماضي بقولهم انه من خداع النفس ان نرى الماضي سعيدا وهو ليس بذلك وهو يحمل ذكريات مؤلمه لكن لاتبقى الاالسعيده رأفتا بنا بني البشر .
أن المسموط علامه عراقيه مسجله دون ان نمنح احدا حق الامتياز او التصدير او التقليد كما السجاده أو(الزوليه) العراقيه ,والقيثارة السومريه. لان الاساس التاريخي للمسموط يقول بان السومريين الاوائل هم اول من ابتكر صناعة المسموط .واول من عرفها. فبعد ان قدم العراقيون الاوئل العجله والكتابه المسماريه والجندول والاختام الاسطوانيه والقوانين والشرائع كانوا أي السومريون اول من شرب ماء بارد مبرد زلال على وجه الكرة الارضيه انذاك لانهم اخترعوا( الحَب الفخاري )وقدم اولى الثلاجات في التاريخ .
كما صنعوا باقي الاواني الفخاريه .

ولما كانوا يعيشون على ضفاف الانهار كان السمك اكلهم المفضل ولكثرته وصعوبة الاحتفاظ به طازجا بعد ان كان يتلف بسرعه وتخرج رائحته النتنة المزعجه. لذاك انبرت الحاجه (ام الاختراع )وهي صناعة المسموط .

العراقيون في الماضي القريب , يسمون المسموط ( لقمة الجوعان )لانه شارك الفقراء تحديدا موائدهم اما ابناء الذوات والترف البترولي فهجروه الى السمك الكبيرالمشوي و المسقف بالمطيبات والمعزز بانواع السلطات والمخللات ومن اسماء فرنجيه عجيبه غريبه تطلق على انواع مزركشه ملونه لأكلات تولد يوميا وتختفي وتاتي غيرها .
ولا انسى ذكر رفيق أكلات السمك وهو الخبز الحار ورؤؤس فحول البصل اليانعه . لكنه أي السمك المسقف لم يهزم المسموط فلكل عشاق, ومعجبين وملتهمين .

ان المسموط يستمد سر قوته وعظمته وسر خلوده من بساطه وسهولة طهيه فهو لايحتاج سوى ا لقليل من السمنه البلدي و وريقات بصل وماء وبهارات ورشة ملح, وتضاف للمائده بعد الطهي اعواد من الفجل و الريحان .ولايحتاج مايحتاج اليه السمك المسقوف مثل ماتحتاجه العمليات السياسيه للترتيش والتلميع والاسناد في مطابخ الشيراتونات الفخمه والقصور الفارهه , كما يحتاج السمقف من الخبز سخونته يكتفي المسموط ببارد الخبز وقديمه يفيد بالغرض ....

ان للمسموط فضلا على أبناء الرافدين كما كان لل((الفول) فضل على ابناء النيل . ربما نجد ان اكثر ابناء العراق من مفكرين ومبدعين ومؤلفين وكتاب وشعراء ومغنيين كلهم من بيئات عاشت وتغذت من المسموط , لذلك اضاف لهم هذا الساحر العجيب سموا فكريا وصفاء نفسيا جعلهم يبدعون فيما يبدعون...

ايضا للمسموط تاثير على البناء الاجتماعي للعراقيين واثر في حياتهم وجعلهم لا يماثلون اقرانهم في دول عديده. فالمطباخ العراقيه من اكبرالغرف في البيت ليجتمع افراد العائله في احلى جلسات السمر على موائد المسموط ومشتقاته لاننا نعلم ان كل اكلات العراق اشتقت من المسموط كالتشريب والدليميه والحميس والتبسي ... وهذا اثر ايضا في جعل العراقيون الوحيدون في العالم المتمدن لايستخدون الشوكه والسكين في اكلاتهم لانها لاتتلائم مطلقا مع تناول هذه الوجبات من ادوات وملاعق بل الافضل هو كم الاردان والضرب الخمسه اصابع لسرعة مراده او للذة مجابة ..

كما ان لي ان انوه الى علاقة الاسماك ببيوضها ذات القيمه الغذائيه العاليه والتي تسمى محليا (الثروب)ومن الجدير بالذكر ما الى هذه البيوض من اهمية اقتصاديه قصوى ولعل اشهر الماكولات العالميه واغلاها ثمنا هي بيوض سمك التونه المسماة (الكافيار )والتي تعتبر ثروة قوميه لدول حوض بحر قزوين واهمها روسيا وايران .. وكان محرمأً في ايام قبضة الدوله الشيوعيه السوفيتيه العتيده صيد هذه الاسماك او بيع اوشراء الكافيار الابكميات محدوده, حيث كانت تحتكره الدوله لغرض تصديره وفرض شروط قاسيه على المستوردون واغلبهم من الغرب الرأسمالي .لأسباب سياسيه اكثر منها اقتصاديه ....

في هذه الايام في وقت قريب كادت ان تندلع حرب بين روسيا وايران حول مناطق صيد سمك التونه وتجارة الكفيار لولا ان اثرت ايران ان تضحي بمصالحها في هذه الثروة لقاء مساندة روسيا في صراعها مع الغرب ودعم صناعاتها النوويه .

وكنا في العراق ولدينا من الطاقات البشريه والعلميه الكثير ان نكتشف في ((ثروبنا ))ما يفوق كافيارهم وزنه وطعما ومذاقا وثمنا لو عرفنا قواعد اللعبه ولعبناها صح ....واضيف من عندي اني لم اتناول الكافيار يوما لكن سمعت ممن يتعاطونه مع شربهم انه لايستحق هذه الشهرة والمجد التي هو بها , بل يمكن جدا عادى كما بدا اول مره لي المسموط العظيم غير مستساغ الطعم, رغم ولع العراقيون به .

.لكن يبدو انا اننا نقبل دائما بالخسارة مثلما خسرنا زعامة العالم القديم واستبيحت بابل وخسرنا صدارة العالم الاسلامي عندما كانت بغداد حاضرة الدنيا وتنازلنا عن قمة هرم المجد وقبعنا في حفر العصور المظلمة بعد سقوط الدوله العباسيه,, والتراجع والتردي في الاحوال التي اخرها احتلال بغداد الاخير وخراب البلاد ووشيوع الفساد .

لقد كسدت عن عمد وسابق اصرار وترصد صناعات مثل الاسمده والحديد والصلب والاسمنت العراقي الارقى عالميا , وكذلك صناعات غذائيه عديده ,,وانتقل البؤس الى الجانب الزراعي بعد ان هجر الفلاح ارضه بسبب الجفاف وانتسابه الى الاجهزة الامنيه ذات المهيات الخياليه واغرقت البلاد بانواع الصناعات والمنتجات الزراعيه واصبحنا سوق للدول كانت سابقا تاكل من خيرات دجله والفرات .وتصطاف في البصرة وتسمع حضيري وداخل حسن اكثر منا .. وتعرف عنا اكثر من انفسنا التي مسخت وشاخت وهرمت وان وقت وفاتها وهي لاتستحق الحياة ...

لانها نسيت وتنكرت الى المسموط,


(177)    هل أعجبتك المقالة (171)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي