عن الفوضى و الفوضويين سجال مع التلفزيون السوري ... مازن كم الماز

من العبارات المفضلة اليوم عند مذيعي التلفزيون السوري عبارة الفوضى و الفوضويين , طبعا إلى جانب المندسين و الإرهابيين و اصحاب الأجندات الأجنبية , و لما كان ذم التلفزيون السوري يشكل مديحا عند كثير من الناس , و لأن التلفزيون السوري لا يستضيف بين ضيوفه أي من هؤلاء الفوضويين و يكتفي بعرض "اعترافات" بعضهم من حين لآخر , كان لا بد عندها من أن يتطوع أحد ما ليلعب دور محامي الشيطان الذي تلاحقه عناصر الفرقة الرابعة شمالا و جنوبا منذ 3 شهور دون جدوى حتى الآن .. خلافا لما يريد التلفزيون السوري أن يظهره فإن الفوضوية بالفعل تعني لاحكومة لكنها لا تعني أبدا لا نظام , لكن التلفزيون السوري لا يستطيع أن يفهم هذا الفرق , النظام عنده يعني بالضرورة وجود حكومة و فرقة رابعة و إعلام تكون كلها حرة بشكل مطلق في فعل و قول ما تشاء و قتل من تشاء , صحيح تماما أنه إذا أخذنا تعريف النظام السوري و تلفزيونه الرسمي عن النظام فإن الفوضويين من دون شك أعداء ألداء لمثل هذا النظام ...

 يرى الفوضويون أن الحكومة المسلحة بقوى القمع هي مؤسسة مصطنعة , أنها ليست تعبيرا عن النظام الإنساني الاجتماعي القائم على الحرية و التضامن و المساواة بين البشر و أنها ليست مؤسسة ضرورية للاجتماع الإنساني القائم على هذه القيم بل أنها مؤسسة تعبر عن هيمنة أقلية على البشرية و إخضاعها بالقوة لمصالح تلك الأقلية , أما النظام الذي يتحدثون عنه فهو نظام يقوم بين بشر أحرار و متساوين , لا سادة فيه و لا عبيد , بشر يديرون شؤون حياتهم من خلال مؤسسات قائمة على الحرية و المشاركة الطوعية للجميع , يخضع فيه الناس طوعا و دون إكراه أو أجهزة قمع أو عقاب لتنظيم اجتماعي يحقق أعلى درجة من الحرية و التطور الشخصي لكل فرد في إطار من التضامن و المساواة ...

 ظهرت الفوضوية بشكلها المعاصر في أواخر القرن 18 في كتابات الانكليزي ويليام غودوين و كتاب آخرين مع المراحل الأخيرة من الثورة الفرنسية و من ثم في كتابات ميخائيل باكونين خصم ماركس في الأممية الأولى الذي اتفق مع ماركس على الهدف البعيد و اختلف معه بشدة على الوسيلة لتحقيق ذلك الهدف و تنبأ بان الديكتاتورية "الحمراء" التي سيقيمها الماركسيون ستكون أكثر همجية من أغلب أنظمة الاستبداد حتى اليوم .. ظهر في بعض الأوقات ماركسيون وصفوا أنفسهم بالتحرريين كانوا في الحقيقة أقرب للفوضوية من الماركسية , ظهروا في عدة مراحل من التاريخ خاصة مثلا بعد الثورة الروسية عام 1917 حيث تبنوا فكرة مجالس العمال التي ظهرت أثناء تلك الثورة و سموا لذلك شيوعيين مجالسيين و اعتبروا هذه المجالس الشكل الأساسي في بناء المجتمع الجديد بعد الثورة و اختلفوا مع النهج أو التوجه اللينيني نحو إقامة ديكتاتورية الحزب و اعتبروا النظام القائم في الاتحاد السوفيتي يومها نظام رأسمالية دولة بيروقراطية ( ينطبق هذا التحليل الطبقي أيضا على النظام السوري نفسه ) و ظهروا أيضا بعد الحرب العالمية الثانية في مجموعات يسارية صغيرة مثل مجموعة مجلة اشتراكية أو بربرية و أممية مبدعي المواقف في فرنسا و مجموعة التضامن ثم الإضراب العام ( وايلد كات ) في بريطانيا .. حاول الفوضويون وضع أفكارهم موضع التطبيق في الثورة الإسبانية 1936 – 1939 عندما كانوا يشكلون أغلبية بين العمال و الفلاحين الإسبان في عدة مناطق منها كاتالونيا و آراغون حيث أقاموا تعاونيات و مجالس محلية و شعبية قبل أن تسحق قوات فرانكو الثورة , بعد ذلك سادت الأفكار التي يمكن وصفها بالستالينية اليسار العالمي بعد الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفيتي و دول أوروبا الشرقية , قبل أن تعود الفوضوية بقوة إلى ساحة الأفكار العالمية من خلال دورها في الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية , و مشاركتها المؤثرة في الاحتجاجات على اجتماعات مؤسسات العولمة الاقتصادية و السياسية كقمم الثمانية و قمم العشرين أو اجتماعات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و مؤسسة التجارة العالمية , من بين الفوضويين المعروفين اليوم عالم اللغات الأمريكي المناهض للحرب نعوم تشومسكي , لكن الكثير من الذين يؤمنون بتنظيم المجتمع الإنساني على أساس الاتحاد الطوعي بين البشر القائم على الحرية و التضامن لا يسمون أنفسهم فوضويين و لو كانوا يؤمنون بهذه الأفكار أو بالجزء الأكبر منها , كما أن الكثير من الثورات تستخدم تكتيكاتهم دون أن تصف نفسها بالفوضوية , مثلا يستخدم الشباب السوري اليوم وسائل الاحتجاجات الفوضوية المناهضة للعولمة و التي يسميها الفوضويون أساليب العمل المباشر Direct Action أي التظاهر و المواجهة المباشرة مع أجهزة حماية النظام القائم , لكن هذا ليس إلا توارد خواطر , فأساليب المقاومة هذه طورها الناس في مواجهاتهم مع الأنظمة المختلفة منذ بداية عصر الثورات المعاصر مع اندلاع الثورة الفرنسية 1789 ....

صحيح تماما أن الفوضويين , كما يقول التلفزيون السوري , لا يساومون مع القمع , و لا يقبلون التحليل الذي يعتبر مؤسسات القمع ضرورية لكي يعيش الناس مع بعضهم بسلام , السلام بين الناس يأتي من خلال الحرية بالنسبة للفوضويين و ليس من خلال القمع , لذلك من المنطقي القول أن من يريد مجتمعا يقوم على الحرية لا القمع جدير بلفظ الفوضوي دون شك , لكن مرة أخرى , ما لا يقوله التلفزيون السوري , أن الفوضوي , السوري هذه المرة أو الثائر السوري , الذي استحق لقب الفوضوي لأنه يهتف للحرية , هو اليوم كما الفوضوي على مدار تاريخ الفوضوية الحديث , يرفض الحكومة القائمة على القمع لكنه يصر على النظام الذي يقوم على الحرية , و هو شيء يستحق ذم التلفزيون السوري من دون شك

(101)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي