أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من هذه الأم السورية العظيمة؟.. محمد جمول

في اللقاء الذي جمع الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد بخيتان قبل أيام بفعاليات مختلفة من جامعة دمشق، كان الحدث الأبرز بالنسبة لي على المستوى الشعبي والسياسي، تلك المرأة التي لم أر فيها سوى أم لكل شباب وأطفال سورية لما بدا من الصدق والحماس في كلامها. هذه حالة فريدة نرى فيها مواطنا سوريا يتحدث بهذا الحماس والصدق في مواجهة مسؤول كبير وسط هذه الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا التي لا يخرجها منها سوى حرص أبنائها وصدقهم وحبهم لها.


كان جميلا أن نسمع هذه اللهجة الحازمة في توجيه الأسئلة إلى مسؤول نراه لأول مرة "مسؤولا" فعلا، وبالمعنى الفعلي الذي تقتضيه صيغة الفعل ليصبح على وزن " مفعول" أمام المواطن الذي أراه لأول مرة على وزن " فاعل" أي أنه في المكانة الأرفع، المكانة التي تجعله قادرا على توجيه السؤال ومحاسبة المسؤول. لقد طرحت تلك الأم أسئلة كل الأمهات السوريات اللواتي دفعن ثمن طعامهن ودوائهن لتأمين نفقات الدروس الخصوصية لأبنائهن كي لا يكونوا محرومين من التعليم الذي يطمحن له بعد أن تحولت المدرسة إلى مكان لا يجد فيه المتعلمون ما يتعلمونه مع تحول المدرسين إلى مقاولي مجموعات خاصة ودروس منزلية، وبعد تحول المدرس إلى عامل لتوصيل خدمة التعليم المأجور إلى المنازل. وبعدما تحولت المعاهد والمدارس الخاصة إلى كوابيس تقض مضاجع الأهالي بفواتيرها التي حولتهم إلى حالمين يكتفون باجترار الحديث عن أيام مجد مدرسة الدولة ومكانة معلمها المحترمة التي ساهم مسؤولون رسميون في قتلها.
وكم كانت هذه السيدة أماً عظيمة وهي "السائلة" التي توجه كلامها ل" المسؤول" عن دوره وأين كان حين كان وزير التعليم العالي يعبث بنظام الجامعات ويعيد تفكيكها وتركيبها ليحولها إلى بازارات يضيع فيها أبناؤنا بين الجامعات الخاصة والجامعات الرسمية التي صرنا نسمع أن النجاح فيها بقدر الدفع ولكل مادة ثمنها ولكل أستاذ سمساره إلا ما رحم ربي.


من هذه الأم السورية الرائعة التي ستعلمنا كيف نطرح الأسئلة الصحيحة باللهجة المناسبة لأن الأسئلة في كثير من الأحيان أهم من الإجابات. وبذلك ستكون لدينا القدرة على توجيه أسئلة مثل: لماذا وجدنا أنفسنا فجأة أمام لحظة يصبح فيها قتل السوري على يد السوري مجرد مشهد تلفزيوني؟ ومن المسؤول عن تراكم كل هذا الحقد في نفوس شبابنا بشكل يحولهم إلى ضحايا مخيفة للكراهية والحقد اللذين يجعلان من عملية التمثيل بجسد شخص حي وهو يموت وليمة مفعمة بالحماس والفرح؟ ومن جعل بعض رجال الدين يتحولون إلى دعاة للكراهية والحقد والقتل بدل أن يعلمونا المحبة والتسامح والوطنية واعتماد الحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي أحسن؟
هل ستعلمنا هذه الأم السورية الرائعة كيف نسأل: ما السبيل إلى أن لا يكون ابني أو إبنك أو ابنه هو هذا الشخص الذي يتلقى طعنات السكاكين من أبناء وطنه على أرض وطنه والكل يتبارك بطعنه وكأنه زنجي في حي سكانه من البيض قبل مائة سنة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما السبيل إلى التفريق بين معنى قتل الجندي على يد عدو الوطن وابن الوطن؟


كم سأكون سعيدا أن أعود إلى سوريا الحبيبة وقد تعافت من جراحها لأجد المسؤول، أي مسؤول وقد انضبط مع الأصل الاشتقاقي الذي يحدد معنى موقعه كمسؤول عن عمل محدد وفي مكتب معين يجعله خادما للشعب بالمعنى الواسع ليكون المواطن في موقع "السائل" القادر على محاسبته عند أي خطأ أو تقصير لأنه هو الذي يدفع راتبه وتعويضاته ونفقات مكتبه وسيارته. وعندها كم سأشعر بالسعادة وأنا أتصالح مع كل موظف كنت أحسب ألف حساب قبل أن أصطدم به لأنه يشعرني أنه باشا أو آغا كلما أنجز لي عملا روتينيا هو من أبسط حقوقي، وهو الذي جعله موظفا أو " مسؤولا" في هذا المكان.


وعندها سأقول لهذه الأم السورية شكرا. وسأزداد اقتناعا بأن الأمهات هن من يحافظن على الحياة والحضارة والبقاء لأنهن صانعات الحياة والأكثر تقديرا واحتراما لقيمتها . فقد أثبتن دائما أنهن يعرفن قيمة من حملن وأرضعن وربّين ليكونوا حماة هذا الوطن وبُناته، وأنهن الأكثر تعلقا بالعش ـ الوطن الذي احتضن أطفالهن ومعرفة بأهمية استمراره وبقائه دافئا نظيفا، في حين كثيرا ما يكون الرجال منهمكين بالبناء والقتل والحروب والتدمير.

(92)    هل أعجبتك المقالة (119)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي