حيثما تجولت في مدينة دمشق أو نظرت إليها من مكان عال تتداخل عليك العديد من مظاهر التشوه البصري التي تكونت بشكل تراكمي وعبر سنوات عديدة بفعل الإهمال في تطبيق الإجراءات المحددة والقوانين الناظمة للسياسة المعمارية.
وتعتبر اللواقط الفضائية وخزانات المياه المنتشرة بشكل عشوائي على الأسطح وتداخل أسلاك وأعمدة الكهرباء اضافة إلى التباين في ألوان المباني وتخطيطها وتنظيمها والانتشار العشوائي للوحات الدلالة الإعلانية للشركات والمحلات وأصحاب المهن والملصقات الإعلانية ابرز المظاهر المشوهة للمنظر العام للمدينة وتؤدي إلى تضارب الرؤية عند الزائر فيما يتعلق بعراقتها وأصالتها وبشكل مساير لتقدمها في مجالات التطور المعماري والاقتصادي والسياحي.
ويرى الدكتور محمود شاهين عميد كلية الفنون الجميلة بدمشق أن التشوه البصري في المدينة يحدث تأثيرا مغايرا للصورة التي ترتسم لدى الكثيرين عن المدينة وتاريخها وأهميتها وحضارتها معتبرا ان السبب الرئيسي لهذا التشوه يكمن في ضعف القوانين المحددة للسياسة المعمارية الحديثة التي تنسجم مع النسيج العمراني لكل منطقة اضافة إلى عدم التقيد بالمخططات التنظيمية الموضوعة لهذه الغاية.
وأشار شاهين إلى أن عملية تجميل المدينة تتطلب تعاونا بين جميع الجهات المعنية مبينا ضرورة وجود تعاون مشترك بين كلية الفنون الجميلة والعمارة بجامعة دمشق والمحافظة يتم من خلاله تقديم رؤية فنية وتجميلية لكل منطقة أو حي وبما ينسجم مع خصوصية كل مكان وتتضمن وضع خطة لتجميل المباني من الخارج وتجميل الساحات العامة والشوارع الفرعية والرئيسية بطريقة علمية ومدروسة ومنسجمة مع طبيعة كل منطقة.
وأشار عميد الكلية إلى أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة في تسليط الضوء على هذه المشكلة وتوعية المواطنين لأهمية الحفاظ على المظهر الحضاري للمدينة من خلال التقيد بتعليمات وزارة الإدارة المحلية بهذا الشأن والتجاوب مع الإجراءات التنفيذية لمحافظة دمشق المتضمنة خطوات عملية لتحسين الواقع الجمالي للمدينة داعيا الى تنظيم عملية الإعلان الطرقي ومنع أي إعلانات مشوهة ومخالفتها وبالتالي تامين بدائل مناسبة للوحات والإعلانات والملصقات المختلفة في الأمكنة التي يرتادها عدد كبير من الناس يوميا بحيث تتوافق مع محيطها وتؤدي الغاية المنوطة بها وهي تقديم الإعلان أو الملصق بيسر وسهولة وبالشكل الحضاري اللائق.
وأشار شاهين إلى ضرورة إزالة التشوهات الموجودة حاليا في واجهات الأبنية واعتماد طريقة حضارية لمد أسلاك الهاتف والكهرباء ووضع لوحات الدلالة الإعلانية ومنع ظاهرة تحويل الوجائب لاسيما في الدوائر الحكومية إلى مستودعات تضم التالف من الأثاث ما يشكل اعتداء صريحا على الذوق العام.
ولفت إلى ضرورة توظيف العمل الفني بشكليه المجسم والمسطح في العمارة والساحات والشوارع ومداخل المدينة لأهمية الدور الذي يلعبه الفن في تقديم صورة حضارية عن المدينة منوها بضرورة طلاء وتجميل الأعمدة وأسقف الجسور وواجهات العديد من الأبنية السكنية والخدمية التي فقدت بريقها بفعل العوامل الجوية.
أما عن رؤية الجمعيات الأهلية في هذا المجال بينت أمل محاسن أمينة سر جمعية أصدقاء دمشق ان التشوه البصري للمدينة أحدث جملة من النتائج العكسية لتطور الواقع السياحي فيها نتيجة الكثافة الكبيرة في مظاهر هذا التشوه معتبرة ان التعدي على الوجائب الخضراء للأبنية نتيجة المخالفات أثرت بشكل عكسي على التطور الحضاري للمدينة.
وأشارت محاسن إلى ان دور الجمعية يقتصر على الجانب الإعلامي التوعوي لأنها ليست جهة تنفيذية حيث تقوم بشكل دوري بندوات وورشات عمل محاضرات وحملات أهلية مثل تنظيف بردى وتنظيف جدران المدينة من الملصقات الإعلانية المشوهة.
وأبدت أمينة السر الحرص على ان تكون المدينة بأفضل حالاتها وأبهى مظهر يعبر عن حضارتها وتاريخها العريق داعية الجميع لتحمل مسوءولية الحفاظ على المدينة وإزالة التعديات والمظاهر المشوهة لها.
وبما أن محافظة دمشق تعتبر الجهة التنفيذية والمسؤولة بشكل مباشر عن تجميل وتحسين المظهر العام للمدينة فقد أحدثت دائرة التجميل والإعلان واللوحات الطرقية حيث تشير المهندسة بارعة أبو وطفة رئيس الدائرة الى ان المحافظة وضعت خطة تتضمن إجراءات محددة لمعالجة التشوه البصري للأبنية من خلال تقدم مالك العقار أو لجنة البناء بطلب دراسة لتجميله وتحسين مظهره الخارجي ويجب ان تكون الدراسة منسجمة مع الواقع المجاور للبناء وتشمل مواد البناء والواجهات والاكساء ولون المبنى وبشكل يراعي المنظر العام ويشكل نسقا واحدا من حيث المواصفات الخارجية بالتكامل مع الأبنية المحيطة.
وبينت أبو وطفة أن المحافظة تلزم أي طلب رخصة بناء حديث بدراسة لتوضع أجهزة الطاقة الشمسية وبشكل يراعي عدم التشويه لافتة الى وجود مشروع حالي لإعداد دراسة تجميل مناطق معينة مثل شارع بغداد وشارع مرشد خاطر حيث يتم وضع دراسة تجميلية لكامل المنطقة وفي حال نجاحها سيتم التعميم على كامل أرجاء المدينة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية