يحكى أن الفنان الإسباني الشهير بيكاسو كان في السبعين من عمره حين دخل المصعد مع زوجته حين انتبهت الأخيرة إلى أن زوجها بدا مشدوها ومشدودا إلى جمال امرأة شديدة الجمال كانت في المصعد. ولشدة إعجابه بجمال المرأة ظل طوال الوقت يركز نظره على وجهها مما أغاظ امرأته فعمدت خلسة إلى قرص المرأة الجميلة، فما كان من تلك المرأة إلا أن صفعت بيكاسو على وجهه.
ذكر هذه الحادثة مرتبط بما يحكى باستمرار عن نظرية المؤامرة. ولكي لا أتهم بالتخلف وضعف العقل وأني أنتمي لسلالات ملعونة في جيناتها الوراثية، أعلن أن كل من يؤمن بوجود نظرية المؤامرة يجب أن يذهب إلى إحدى المصحات العقلية إلى أن يتعافى ويعود سويا يقر من دون إكراه أن معاهدة سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وغزو فلسطين، على سبيل المثال، كانت أعمالا إنسانية قامت به جمعيات خيرية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وناشطون حقوقيون تضافرت جهودهم جميعا لتحقيق عمل نبيل كانت نتيجته تقسيم البلاد العربية إلى غنائم للدول الغربية التي لم تكن استعمارية في يوم من الأيام، وتهجير شعب بكامله وقتل قسم كبير منه خدمة للحق والإنسانية. وأعلن أن الدول التي قامت بهذا العمل لم تنفذ مؤامرة، وإنما فعلت كل ما فعلته بناء على طلب الشعوب المستضعفة الطيبة وخدمة لمصالحها، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. وكل ما تقوم به هذه المؤسسات الخيرية أنها من حين لآخر تقوم بقرص أحد الطرفين خلسة وبخفة.
ولأني ضد كل من يؤمن بوجود نظرية المؤامرة منذ القدم وحتى الآن، أعتبر ما يجري في ليبيا، وما جرى في العراق من قبل، ليس سوى استمرار لأعمال الجمعيات الخيرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها. فهذه الجمعيات كانت ولا تزال تقدم أغلى ما عندها من الأسلحة خدمة لهذه الشعوب التي تستحق كل خير. ولذلك تقدم لها الصواريخ التي يبلغ ثمن الواحد منها مئات آلاف الدولارات، أي ما يعادل ثمن عشرات الأطنان من القمح أو الأرز. وفي السنوات الأخيرة أدخلت تحسينات كبيرة على خدماتها حين أصبح اليورانيوم المنضب جزءا مما تقدمه هذه البلدان. وذلك يعني أن هذه الخدمات ستشمل عشرات الأجيال القادمة من أبناء هذه البلدان. ومن هنا قد لا تكون بحاجة إلى قرص أحد ذات يوم.
كل شخص عاقل يؤمن بالله واليوم الآخر على الطريقة الأمريكية، ينفي وجود أي مؤامرة منذ آدم حتى يومنا هذا. المرحومة جدتي كانت تقول دائما الكبار يا إبني لا يكذبون، وكلمتهم مثل ليرة الذهب "العصملي" يثق بها الناس أينما كانت. وحين كبرت أدركت فعلا أن المستر ديفد والمستر آدمز والمستر بوش والمسيو فرانسوا لا يكذبون ولا يتآمرون، وأنهم دائما يمشون وعلى أكتافهم أكياس الخبز والحلوى ودمى الأطفال. وما يقولونه في السر يقولونه في العلن. فهم لا يكذبون ولا يغدرون. وقد تأكدت من هذا أكثر حين عشنا فترة التحضير لتدمير العراق والمنطقة بكاملها. فقد قالوا إنهم يريدون تخليصنا من أسلحة الدمار الشامل التي لم يشكك أحد بوجودها لأن المستر بوش أكد وجودها، مثلما أكد المستر باول وجود تنظيم القاعدة في العراق. وبالطبع كانوا صادقين رغم عدم العثور على شيء مما ادعوه. والحق في ذلك على العراق لأنه تآمر ودمر ذاته فحرم المستر بوش وأعوانه من فرصة تحديد مكان الهدفين.
ولأن المؤامرة غير موجودة، وبالتالي يجب محاسبة من يؤمن بوجودها، لا بد من فهم الأعمال الخيرية التي تقوم بها بعض الدول الفاضلة مثل الولايات المتحدة وحلفائها على ضوء المتغيرات الجديدة التي أخذت بعين الاعتبار ضرورة العمل عن بعد ومن دون المشاركة المباشرة. وهذا يعني جعل الشعوب تقوم بمهمة العم سام عن طريق خلق الفتن التي تؤدي إلى اقتتال داخلي يؤدي إلى إبادة ذاتية بتمويل من الجمعيات الخيرية الأمريكية والأوروبية.
وهكذا علمنا من وثائق ويكيليكس كما قالت صحيفة واشنطن بوست أن "مؤسسة الخارجية الأمريكية الخيرية" منحت معارضين سوريين مبلغ ستة ملايين دولار لتأسيس فضائية " بردى" من أجل تكليف مراسليها ومصوريها في سورية بالبحث عن الفقراء والمحتاجين والمرضى العاجزين عن تأمين العلاج، وإجراء مقابلات معهم لمعرفة ما يحتاجون إليه لتقديم المساعدات اللازمة من المبالغ الأخرى المخصصة لخدمة الشعب السوري. ومن هذا المنطلق عرض محسنون آخرون على هيثم المناع تزويده بالأسلحة التي يمكن للشعب السوري استخدامها في الدفاع عن نفسه في حالات الإعتداء عليه من أي جهة أخرى أو لإبعاد عصافير الدوري عن حقول الفلاحين لأن هذه الطيور تقضي أحيانا على مواسمهم، وخصوصا موسم دوار الشمس.
ومن الطبيعي أن تعكّر الأعمال الخيرية بعضُ الشوائب والأخطاء التي يجب الاعتذار عنها، لأن المحسنين الغربيين متحضرون ولا يخافون الاعتذار عن الأخطاء كما اعتذرت رويترز عن السهو الذي وقعت فيه عندما نشرت فيديو من لبنان على أنه حدث في سوريا. وقد أقسمت رويترز، وصدقها الشعب السوري كله، أن هذه هي المرة الوحيدة التي يحدث فيها مثل هذا الخطأ عن طريق الصور المنشورة أو إفادات "شهود العيان" الذين يعرف الشعب السوري كله أن كل مشاهداتهم كانت صادقة أكثر من مائة في المائة، وأن شهيدا واحدا لم يسقط إلا وكان عند رأسه واحد منهم، بينما شاء سوء الحظ والمصادفة أن لا يكون أي واحد منهم حاضرا عند سقوط شهداء الجيش والأمن الذين يعرف كل الشعب السوري أنهم عبارة عن دمى بلاستيكية ليس لهم آباء وأمهات ولا وطن.
لهذه الأسباب كلها أنا عدو كل من يقول بوجود نظرية المؤامرة، وضد كل من يشكك بالنوايا الحسنة والخيرة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ومن المؤسف أن هناك من لا يزالون يشككون بالأعمال الإنسانية التي قام بها هؤلاء، وتحديدا قتل شعوب بكاملها مثل الهنود الحمر أو تدمير العراق وأفغانستان واحتلال فلسطين واستخدام القنابل النووية في هيروشيما وناغازاكي. ومن هنا أؤكد إيماني بأن دموع جون ماكين وليبرمان وفتاوى الشيخ اللحيدان بجواز قتل ثلث الشعب السوري والقرضاوي في فتوى" ومالو" ليست سوى أعمال خيرية لأشخاص يؤرقهم وجود مواطن سوري واحد يمكن أن ينام أطفاله من دون طعام. وبناء عليه، لا بد من إدانة كل من يشكك بالنوايا الطيبة للولايات المتحدة وحلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، تجاه كل الشعوب وفي طليعتها الشعوب العربية، وتحديدا الشعب الفلسطيني.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية