غلطة عمر ... هادي عباس حسين


رفعت وشاحها الأسود ولاح لي وجهها الأبيض الدائري وتلك العيون الواسعة اختلطت برموش سوداء طويلة,كان ثوبها اشد سوادا من وشاحها الذي بدأت الريح تداعبه بحركات رتيبة ,بقت واقفة للحظات حتى أشعرتني بالخجل وانأ تائهة بصورتها البهية التي لم تفارق مخيلتي أبدا,لذا تعثرت بكلماتي ونطقت بصعوبة
_ تفضلي بالجلوس,هيا لماذا أنت واقفة ...
أحلام غريبة تترائي لعينيها الرائعتين وتنهدات محبوسة بين أضلع صدرها,تركت حقيبتها ونظارتها وموبايلها على الطاولة ورمت جسدها الذي مازلت أحفظ تفاصيله على الغيب وأجابت
_ اعذرني على التأخير,كنت مترددة بالحضور لكن اتصالاتك العديدة أجبرتني ...
استقرت مفاتيح سيارتها بجوارها هاتفها النقال ورتبت من جلستها وكأنها ذاهبة إلى امتحان شفوي,واضطراب اتضح على تقاطيع وجهها,لعله كانت مجبرة بالفعل على الحضور بهذا المكان وتحقيق هذا الموعد,وخطوط خيبة أمل مرتسمة على شكلها الكلي لذا أضافت بالكلام
_ لا استطيع أن اتاخراكثر ...
رمقتها في نظرة سريعة وقلت
_ أنت وصلت ألان ...
انطوائها على نفسها ما زال باقيا منذ أن افترقنا قبل سنوات,حينما ركبت قطار الزواج العائلي المرتب وانطلق بها صوب حياة روتينية هادئة وتكرار تواريخ تتحرك ببطى,شفتي التوت بهدوء والكلمات تجمعت عند باب حنجرتي التي أحس بجفاف أصابها, تدرجت بصوت متقطع وقلت
_ ما بك ... يا حبيبتي ...
رايتها انتفضت وكأن صاعقة سرت بداخلها وقالت
_ أرجوك سيد مراد ... لا تلفظ هذه الكلمة ثانية وتخاطبني بها ...
_ ولماذا ؟
_ لان زوجي لم يمضي على وفاته أكثر من سنتين ...وانا مخلصة له وعاهدته...
نعم من حقها فكانت حياتها طعمها مرا وبلا هدف,فالزوج كان يكبرها بعشرين عام,وقد تجاوز الحد الفاصل وخطى في دروب الشيخوخة الجازمة,كان جسده خاويا من إي روح وإحساس مجرد روتين قاتل ينهمش بالجسدين في أن واحد,وكنت أنا السبب الوحيد في رميها بين أحضان هذا الطاعن بالسن ,لأنني لم أدافع عن حبي قطعيا,فحينما سألتني قبل زواجها بيومين
_ هه,مراد ماذا فعلت ...
أجابها وبكل حقارة
_ لا شي,فانا لم استطيع أن أتزوجك ألان ...
أن ردي عليها كان طامة كبرى ومأساة ظللت نادما عليها ومتأثرا بنتائجها التي جعلتها أن تستسلم لإرادة والديها وعقد قرانها على رجل ثري,ولا ادري ما السبب حينما يتقدم رجل ثري لخطبة أي امرأة تنهال المواقف المبدئية بل الدائمية لأجل أن يكون الجواب بالموافقة الجازمة,مثلما دفعت التي تجلس إمامي ثمنا لهذه المراهنة الخاسرة منذ بدايتها,كانت حياة خاوية بل هدف حقيقي بل أخرست كل عواطفها بصورة كلية تجاه إنسان لا تربطها به سوى عقد زواج,كان يوم رحيلها من بيتها ممطر وبقيت واقفا ارتقب هيئتها وهي ترتدي ملابس الزفاف قطرات الماء النازلة من السماء بللت كل جسدي وحتى أكتافي ويداي وبدا يتفطر من سروالي الأسود ,حواسي آنذاك مقتولة,وذاكرتي امتلأت بالأحلام التي رسمتها وخططت لها لكن لم يتبادر لذهني أن أتصورها ستسافر إلى محافظة أخرى,انتبهت على كلام عامل المطعم مستفهما
_ ماذا تأمرون ؟؟؟
حركت خصلات شعرها,وأغمضت عيناها وكأنها توددت تسرح وتتخلص من ما سمعته فأجابت
_ كاس برتقال ...
التفت لي متابعا
_ وأنت يا أستاذ ...
_ كذلك كاس برتقال ...
قرأت كل شي يدور في مخيلتها حتى قلت لها
_ بماذا تفكرين ...
_ بسبب دعوتك لي ...
_ الم تشتاقي لرؤيتي ...
_ نعم ولكن أنت تعرف انك تتركني في أول الطريق وانطلقت لوحدك مع أحلامك
_ كانت غلطة عمري الكبيرة ؟؟؟
_ ودفعت أنا ثمنها ؟
علي أن لا أتسرع بل اتامل وأتحلى بضبط النفس لكني لم اقدر لان ما في داخلي من ثورة هوجاء تود أن تفجر جسدي فقلت
_ أنا مازلت احبك ؟
بقت لحظات تنظر في وجهي مليئا قائلة
_ وغلطة العمر ...
_ نصلحها ؟؟؟
_ لقد فات الأوان ...
_ ولماذا ...
_ لأنني لا أريد تكرار الذي وقعت فيه ...
_وبماذا وقعت ...
_ لأنني صدقت كل ما قلته لي أيام زمان..
كلماتها كانت مخيفة لي,وحركت في أعماقها الآهات والحسرة فاجبتها بنبرة حزينة
_ لنبدأ من جديد ...
_ وولدي الصغير والأخر الذي يتحرك في أحشائي ...
_ يكونان معنا
رفعت أصابعها وأجابت
_ لا ... لا تدعني أغلط مرة أخرى ...
فقد عاهدت المرحوم على الوفاء لذريته..
لم تتحمل أكثر فقد حلمت مبايلها ومفاتيح سيارتها وحقيبتها وقالت بعد صمت وجيز
_ لقائي اليوم هو غلطة عمري الثانية ...

(124)    هل أعجبتك المقالة (116)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي