رزمة المراسيم التي أعلنها الرئيس السوري بشار الأسد، من رفع حال الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدول العليا ومعها مباشرةُ إعداد القوانين الإصلاحية التي وعد بها، كلها لم تكن كافية لاحتواء الحركة الشعبية التي تظهّرت أمس على شكل تظاهرات في عموم الأراضي السورية، ووصلت للمرة الأولى إلى قلب دمشق القديمة، ما أدى إلى مواجهات أدت إلى قتلى وجرحى، تضاربت الأنباء بشأن أعدادهم.
ونقلت وكالة «فرانس برس»، عن «ناشطين حقوقيّين» و«شهود عيان» قولهم إن أكثر من 70 شخصاً قُتلوا وأُصيب العشرات في عدة مدن سورية. وبحسب المصادر نفسها، سقط 14 قتيلاً على الأقل في مدينة إزرع في محافظة درعا وقتيل في منطقة الحراك في المحافظة نفسها، بينما قُتل تسعة آخرون في ضاحية دوما القريبة من دمشق، وقتيل آخر في حرستا المجاورة لها، كذلك قُتل أربعة أشخاص في حمص واثنان في اللاذقية واثنان أيضاً في حماة، كما أفادت المصادر. وسقط العديد من القتلى في مناطق ضمن العاصمة دمشق، عرف منهم ثلاثة في المعضمية واثنان في البرزة.
ولعل الحصيلة الأكبر لعدد القتلى، تلك التي نقلتها قناة «الجزيرة» عن مصادر حقوقية أفادت بأن الرقم بلغ 81 قتيلاً، علماً بأن السلطات السورية تتهم هذه القناة بتلفيق الأخبار بشأن ما يجري في سوريا.
وأفادت «فرانس برس» بأن الآلاف خرجوا في شوارع دوما بعد صلاة الجمعة مردّدين هتافات تدعو الى إسقاط النظام. وأضافت إنّ «قوات الأمن أطلقت النار أولاً في الهواء لتفريقهم ثم مباشرةً على المتظاهرين».
وفي حمص، أفاد الناشط الحقوقي نوار العمر للوكالة نفسها بأنّ قوات الأمن «أطلقت النار على ثلاث مجموعات من المتظاهرين كانت في طريقها الى الميدان» للتجمع فيه في وسط المدينة. وأضاف إنّ «شخصين على الأقل أُصيبا بجروح». وأكد أن عدد المتظاهرين الذين خرجوا بعد صلاة الجمعة متوجّهين في مجموعات إلى الساحة الرئيسية «بلغ عشرات الآلاف».
وفي مدينة القامشلي (شمال غرب)، ذكرت وكالة «فرانس برس» أنّ تظاهرة ضمت ستة آلاف شخص نُظّمت في هذه المدينة، بعدما انطلقت من أمام جامع قاسمو. وأضافت إنّ التظاهرة «تضم عرباً وأكراداً وآشوريين ووجهاء من عشائر شمر وطي وهم يحملون أعلاماً سورية ولافتات كبيرة كتب عليها «عرب وسريان وأكراد ضد الفساد»»، وهتف بعض المتظاهرين شعارات باللغة الكردية «ازاتي، بيراتي» وتعني «حرية، أُخوّة».
وفي درعا، قالت «فرانس برس» إنّ «بين سبعة آلاف متظاهر وعشرة آلاف خرجوا من جميع الجوامع باتجاه ساحة السرايا في مركز مدينة درعا». وأشار ناشط الى أن المتظاهرين ردّدوا هتافات تطالب «بحل الأجهزة الأمنية وإسقاط النظام»، داعين أيضاً إلى «إلغاء المادة الثامنة من الدستور».
وفي بانياس، قال الشيخ محمد خويفكية لوكالة «فرانس برس» إن «نحو عشرة آلاف شخص تجمعوا في مركز المدينة يدعون الى الحرية والوحدة الوطنية»، مشيراً الى «انضمام عدد كبير من أهالي قرية البيضا الى التظاهرة».
وفي دمشق وريفها، أفاد ناشط حقوقي بأن نحو مئتي شخص خرجوا للتظاهر الجمعة في حي الميدان الواقع في قلب العاصمة بعد أدائهم الصلاة وهم يهتفون «حرية حرية». وهذه هي المرة الأولى التي تصل فيها الحركات الاحتجاجية إلى قلب الأحياء القديمة في العاصمة السوريّة.
وتحدّث رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، عبد الكريم ريحاوي، لوكالة «فرانس برس» عن «خروج نحو ألف متظاهر في حرستا» في ريف دمشق. وقال إن «تظاهرة جرت في مدينة الجديدة (10 كيلومترات غربي دمشق) شارك فيها نحو 150 شخصاً هتفوا «الله سوريا حرية وبس»».
وفي الزبداني، أفاد ناشطون حقوقيون بأن أكثر من 3 آلاف شخص خرجوا للتظاهر من الجامع الكبير في منطقة الجسر في البلدة القديمة هاتفين بشعارات ..... و«الشعب السوري واحد».
وفي الرقّة (شمال)، قال المحامي عبد الله الخليل لـ«فرانس برس» إن «التظاهرات التي قامت في الرقّة انطلقت من ثلاثة أمكنة هي جامع الفردوس وجامع الفوال والجامع الكبير في الساحة الرئيسية»، قبل أن يفرّقها «بلطجية».
وفي اللاذقية، أشار الناشط رباح الشعار لوكالة «فرانس برس» إلى «أن قوات الأمن فرّقت تظاهرات انطلقت في معظم الأحياء بإطلاق الأعيرة النارية والقنابل المسيّلة للدموع»، مشيراً إلى أن التظاهرات جرت في الشوارع الفرعية «نظراً إلى وضع متاريس سدت الطرق الرئيسية».
وإضافةً إلى شهادات الناشطين، أظهرت تسجيلات مصوّرة بثتها شبكة «شام»، أن متظاهرين في داريا، التابعة لمحافظة ريف دمشق، حطموا تمثالاً للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ورفعوا العلم السوري، وهم يرددون شعارات «................». وفي جبلة الأدهمية قرب اللاذقية، ظهر متظاهرون في شريط مصور يحيّون مختلف مكوّنات الشعب السوري من سنّة ومسيحيين وعلويّين وأكراد وعرب. ومن حلب، أظهر شريط وقوع مواجهات بين مناهضين للرئيس الأسد ومؤيدين له.
من جهتها، أشارت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) الى وقوع «بعض الإصابات خلال الاشتباكات». ولفتت الى حدوث الإصابات عندما «تدخلت قوات الأمن جزئياً في حرستا والحجر الأسود (ريف دمشق) وفي حماة (وسط) والقامشلي (شمال شرق) بواسطة خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع لفض إشكالات وقعت بين المتظاهرين وبعض المواطنين». وذكرت أنّ «تظاهرات محدودة خرجت في عدد من المحافظات»، وذلك على الرغم من «الحملة التحريضية الواسعة التي تتعرض لها سوريا».
وأفاد مراسلو الوكالة «بأن أعداد المتظاهرين تفاوتت من مدينة إلى أخرى، حيث سجلت بعض مناطق ريف دمشق ومحافظات حماة (وسط) ودير الزور (شمال شرق) والحسكة (شمال) وبانياس (غرب) تجمعات لأعداد محدودة من المواطنين عقب صلاة الجمعة هتف المشاركون فيها للحرية والشهيد». وأضافت إن «مدينة درعا شهدت تظاهرة شارك فيها الآلاف هتفوا للحرية والشهيد».
ونقلت الوكالة عن وزارة الداخلية حضّها «المواطنين على عدم التظاهر إلا بعد الحصول على إذن مسبق من الجهات المختصة، وذلك تطبيقاً لقانون التظاهر السلمي الذي أصبح معمولاً به في البلاد، وحرصاً على ضمان سلامة المتظاهرين، وممارسة هذا الحق على نحو حضاري».
في واشنطن، دعا المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، الحكومة السورية إلى «التوقف والكف عن استخدام العنف ضد المحتجين» والوفاء بوعود الإصلاح، معرباً عن أسفه لاستخدام العنف.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية