لا شك أن القوى الطائفية موجودة لكن هذا شيء و ان يكون هذا مبررا مثلا لتغول أكبر لأجهزة الأمن أو لتكريس وضعيتها الخارجة على القانون شيء آخر , يجب أن نذكر أن الحديث عن وجود فكر و أشخاص طائفيين يجري بعد قرابة ثلاثة عقود على أحداث حماة و على المواجهة الدموية بين النظام و الإخوان , بعد ثلاثة عقود من السيطرة الكاملة لأجهزة الأمن على كل شيء , إذا كان هذا لم يكف لمنع عودة الطائفية للظهور فكيف بالمزيد و المزيد من هذا القمع و الانفلات و ربما المجازر , إذا كانت هناك مشكلة طائفية فعلى المجتمع أن يحلها و هو قادر على حلها , أنا أجزم أننا أجمل بكثير من الصورة التي رسمها الإعلام الرسمي و الخطاب الرسمي عنا و عن المجتمع السوري , و التي تكرس الخوف من الآخر , السني من العلوي و العلوي من السني , و التي تريد تكريس هذه الوضعية الاستثنائية إلى الأبد , من سيحمي العلويين من أي متطرفين ليسوا الشبيحة , الشبيحة بممارساتهم يثيرون نار الكراهية الطائفية , و لا أجهزة الأمن و لا الرصاص الذي يطلق دون حسيب أو رقيب , أنا اقول هذا مع ملاحظة أنني كشيوعي تحرري أيضا في مدى نيران المتعصبين , لكن هذا لا يعني أن أقبل بوضعية تحت إنسانية أو بأن يتنازع على قمعي أو الحق في قتلي قوتين مع بقائي صامتا أو ما هو أفظع , أن أصفق لأحدهما على أنها من يحميني من الآخر , يمكننا أن نحمي أنفسنا , و علينا أن نفعل ذلك سواء من البلطجية و الشبيحة الطائفيين و من أجهزة الأمن المهووسة بالقمع , العلويون في تركيا مارسوا فكرة اللجان الشعبية قبل أن تلجأ إليها الثورات العربية لحماية انفسهم في مواجهة نظام متواطئ و قوى طائفية أيضا , و لنذكر جميعا عدة حقائق : أولا أن التنازلات الأخيرة من جانب النظام و حتى الزيادة المتواضعة في الرواتب التي كانت الحكومة الماضية قد نشفت حلق الجميع و هم يطالبون بها قد جاءت فقط بعد الحراك في الشارع , ثانيا أنه بعد وعود مماثلة بالإصلاح في عامي 1979 و 1980 في خضم الصراع مع الإخوان وجد كل الطيف السياسي نفسه ( بما في ذلك اليسار غير المنضوي في الجبهة إلى القوميين المنشقين عن أحزاب الجبهة , باختصار أي ناشط سياسي ) في السجون لعقد كامل من السنين و فرض الصمت على الجميع , على المجتمع اساسا و قامت دولة بوليسية و استشرى الفساد لدرجات غير مسبوقة و زادت السياسات النيوليبرالية الطين بلة , وصل الفقر نتيجتها إلى مستويات أيضا غير مسبوقة . أكرر أن الخوف من الآخر سببه انعدام الحوار الحر و التفاعل الحر و هذا الغياب يسمح لأجهزة الإعلام الرسمية و للإعلام و الخطابات الطائفية المضادة بان تصور الوضع كما تريد , نحن أجمل بكثير من هذه الصورة , لكن الحرية وحدها ستكشف عن هذه الحقيقة , القمع و ممارسات الشبيحة و أجهزة الأمن ستزيد فقط من التشوه النفسي و القصور الإنساني داخل كل منا و يكرس وضعنا جميعا كأنصاف بشر , كاشياء ليس لها ثمن , تقتل و تسجن لعقود دون أي حسيب أو رقيب , يجب أن نلاحظ أيضا حقيقة أن اليسار و القوى العلمانية هي التي تراجعت في سنوات الصمت هذه بينما كانت القوى الأصولية , حتى لو حاول النظام إبقائها تحت سيطرته الأمنية , هي التي تزداد شعبية , في ظل القمع تكرست مؤسسة المسجد أساسا كمؤسسة موازية لمؤسسات الدولة خاصة الأمنية و كمؤسسة يعجز النظام عن إخضاعها بالكامل عكس كل مؤسسات اليساريين أو العلمانيين الحزبية و المنظمات الشعبية التي اصبحت مجرد منظمات أمنية بيروقراطية فقط , نقطة أخيرة , أنا اعرف الوضع تماما في درعا , أعرف أن الإسلاميين هناك ليس لهم أي دور حقيقي , الحراك عفوي إلى حد كبير و حتى الوجهاء و القيادات التقليدية و العشائرية هي تتمتع باحترام الشارع لكنها لا تقود الحراك هناك , و هناك يساريون من مشارب مختلفة يشاركون في هذا الحراك و قد اعتقل من جملة من اعتقل الرفيق وليد فارس مسؤول تيار قاسيون في درعا , حتى دوما أيضا لا يلعب الإسلاميون دورا ذا شان فيها رغم طبيعة أهلها المحافظة , لا يمكنني الكلام فيما يتعلق ببانياس , لكني عرفت في الماضي أطباء من بانياس و أسرهم , أي من يتهمهم أبي حسن في مقاله عن بانياس بشكل مقزز من الطائفية , و أعرف أنهم بعيدون تماما , أقول هذا عن معرفة شخصية , عن هذا المستوى المقرف من الطائفية الذي يصفه في مقاله , و إذا كانوا قد تغيروا في هذه الفترة فهذا تم في ظل القمع المطلق لكل شيء في البلد , أي أن هذا دليل أقوى على أن القمع هو في الواقع طريق مسدود , إلا إلى المقبرة فقط , ايضا فإننا , نحن اليساريين و العلمانيين , الذين هزمهم القمع و دفعتهم مواقف قياداتهم و صراعاتها المخجلة إلى الإحباط , نحن نشكل اليوم قوة لا يستهان بها لكنها محبطة و مشتتة و فاقدة للهدف في ظل تغييب كامل للناس عن شيء اسمه سياسة , نحن قادرين على أن نخوض حوارا حرا مع كل المجتمع و أن نكرس وضعية جديدة , علاقات جديدة بين كل السوريين , تقوم على الحرية و العدالة و المساواة....لقد هزم نظامان عربيان استبداديان , ادعيا العلمانية و حاربا الأصوليين بالحديد و النار , لكن الأصوليين لم يستطيعوا رغم كل التهويل السابق أن ينقضوا على المجتمع بعد سقوط أجهزة أمن هذين النظامين , حتى الإخوان اليوم في مصر و النهضة في تونس مضطرون كل يوم ليؤكدوا على أنهم لا يسعون للسيطرة على السلطة و فرض آرائهم , ما نراه هو أن الحرية الجديدة , الناس في الشارع الذين كان النظام يتهمهم بالتخلف و السير كقطيع وراء رجال الدين , هم من يلجمون هذه القوى و يفرضون سقفا واحدا فوق الجميع هو سقف الحرية , و المساواة , للجميع , هناك باختصار طريقتين لمحاربة الطائفية , واحدة بطائفية معادية , و الأخرى بالعلمنة الحقيقية القائمة على حرية الجميع و المساواة بين الجميع , و هناك طريقتين لمحاربة العنف الطائفي , إما عن طريق عنف أجهزة امن و قوى أخرى خارجة على القانون منفلتة و همجية في درجة قمعها و الأخرى هي عن طريق حراك شارع حر مستعد لفعل أي شيء للدفاع عن حريته , و أخيرا هناك فقط طريقتين لكي نعيش : إما احرارا أو عبيدا , و لا يوجد بينهما نصف حالة ابدا
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية