تشهد سوريا حراكاً سياسياً واجتماعياً يعبر عن نفسه بمظاهر متنوعة (تظاهرات، احتجاجات، مطالب) وبوسائل الاتصالات الحديثة مما لا يترك مجالاً لمخلص الوقوف متفرجاً. فبلادنا وصلت إلى مفترق خطر دفعت إليه عوامل عديدة، خارجية وداخلية، وصار لزاماً أن نفتح كتاب وطننا ونسجل في صفحة منه رأينا:
في البدء، إن المطالب العادلة في الحرية والإصلاح واجتثاث الفساد ونزاهة القضاء وإلغاء قانون الطوارئ أو بمعنى آخر اللحاق السريع بقطار العصر هي مطالب محقة، وأكثر من ذلك هي ضرورة تاريخية ووطنية واجتماعية وتنموية للمجتمع والدولة وللوحدة الوطنية. وبمعنى أدق وأوضح إن سوريا تحتاج إلى عقد وطني جديد. وإنه لمن المدهش أن شعب سوريا نزل إلى الساحات ليقول بدون تردد "نثق ثقة كاملة أن الرئيس بشار الأسد هو الجدير بتنفيذ هذه المطالب" رافعاً سقف التحدي والجدارة الوطنية والقومية إلى درجة المقاومة الشاملة لأي تدخل خارجي في الشأن الوطني، وقاطعاً الطريق على الخطة المعلنة من قبل خصوم سوريا الدوليين والإقليميين - واسرائيل في صلبهم - مجدداً المضي نحو غاياته الوطنية النبيلة موحداً متماسكاً شجاعاً وموجهاً صفعة قاسية للخصوم بدرجة عالية من الاستجابة السريعة للتحدي معلناً بوضوح لا لبس فيه أن "سوريا لن تركع".
إن الثورة السياسية التي أدارها الرئيس الأسد بوجه الخصوم الخارجيين لا بد أن تترافق الآن مع ثورة داخلية تطال جميع جوانب حياتنا الوطنية. وهنا نعلن أن منجزات كثيرة تحققت على المستوى الوطني والاجتماعي ونحن الآن بحاجة لنقلة كبيرة تمس حياتنا الوطنية وترسخها بثبات نهائي.
إن الوقفة الرائعة التي وقفها الشعب السوري الذي عبر بشجاعة عن تمسكه بوحدته الوطنية وتجاوزه المذهل لمحاولات الاقتناص والحرب الإعلامية المجرمة التي تشهد فتنة في أخص محرماته الوطنية، يجب أن تكون درساً وعبرة يبنى عليها مستقبل وطننا كله. ولهذا كمواطن قبل أي اعتبار أرى:
1 - أنه لا مجال بعد الآن للمنطقة الرمادية لا بد أن يعرف الشعب ما جرى من تآمر على بلادنا، ومن حاول طعنها في قلبها. يجب أن يعرف شعبنا مواقفنا كلنا ولا يزايد أحد على أحد فإن نسبة ساحقة من السوريين تريد وبدون تأخير التغيير والإصلاح الجذري ومحاربة الفساد وآليات واضحة لحرية التعبير والتمثيل والانتقال إلى وطن ديمقراطي حقيقي.
كان شعبنا واضحاً: نريد كل ذلك بقيادة الرئيس بشار الأسد، فالوقوف في المنطقة الرمادية لبعض النخب والجهات تكاد الآن تشبه الخيانة، نريد أن نعرف: من حاول اغتيال شعبنا ووطننا ولماذا؟
2- ما حصل في سوريا (ورب ضارة نافعة) فتحت باباً واسعاً أمام الشعب والرئيس للتخلص من الكثير من القيود والرموز الفاسدة والآليات المتخلفة والأنماط التي عفا عليها الزمن التي تحد من حراك الرئيس والشعب معاً المندفع إلى الأمام (الضربة لم تكسر ظهر سوريا) وقد شكلت فرصة لكلام واضح لا لبس فيه:
كل من يشكل عائقاً أمام تطوير سوريا وتحديثها وانطلاقها يجب التخلص منه. والأهم أن الكلفة الكبرى دفعت ولا مجال لحساب الأكلاف الصغيرة بعد الآن.
إن أي رمز يحاول الالتفاف على المنجزات أو الالتحاق السريع بالركب الهادر لإفساده من داخله يجب التخلص منه. والأهم أنه لا بد من إبتكار الآليات وبسرعة مدروسة بحيث يستطيع الشعب التخلص من جميع المتسللين والانتهازيين والفاسدين والمتخلفين لأنهم قد يعيقون الحراك ويحرفونه عن مساره.
لابد من لفت النظر إلى أن الشعارات والأهداف الوطنية الكبرى التي تطرح بالأسلوب العتيق هي أيضاً يجب أن تخضع للتحديث. وهنا لا بد من ضرب الأمثلة الفساد؟
لم يعد يكفي أن نقول: إننا نريد ضرب الفساد.
بل المهم والحاسم ما هي الآليات لضربه، وما هو دور المجتمعات الأهلية في ذلك؟ لا بد من التركيز على التفاصيل في حياة المواطنين. كيف أتعلم وأين؟ كيف أعمل؟ من سأراجع من أجل حقوقي؟ أين أجد مسكناً؟ كيف أحاسب هذا الفاسد وذلك اللص وهذا المرتكب؟ كيف أمارس حريتي؟ كل هذه الأسئلة يجب أن تجد أجوبة لها، في القانون والدولة والمجتمع الأهلي والأحزاب المتحالفة في الحكم والقضاء وكل جهات الدولة.
"الشعار" إذا لم يتحول إلى تفاصيل ومرجعيات صار عبئاً. نريد آلية لتنفيذ الشعار.
لقد انتهى ذلك الزمن الذي نطلب فيه من المواطن فقط ونصرخ فيه: هذا واجبك. يجب على المواطن أن يعرف حقوقه. والأهم يجب أن نعلمه وبشكل يومي ما هي حقوقه. وبهذه التفاصيل ومتابعتها نقطع الطريق على الخصوم الألداء في التقاط الناس من حاجاتهم وتجهيلهم بحقوقهم وهكذا نخلق ذلك الحبل المتين بين الناس وبلادهم في الواقع وليس في الشعار فقط.
لقد آن الأوان لكي ينتهي استخدام النفوذ والعلاقات بين أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين في الدولة للإثراء غير المشروع على حساب الشعب والتهرب من الضرائب وتحصيل الثروات من وجوه يعلم الله فقط كيف يتم تحصيلها. يجب أن يخضع الجميع لقانون واضح وشفاف لا لبس فيه. وهذا من ضرورات المرحلة المقبلة. لن يقبل الشعب بعد الآن بتلك العلاقة المريبة بين أطراف الفساد لأخذ بلادنا إلى الهاوية. يكفي.
وهنا لا بد من لفت النظر إلى تلك الفوبيا التي يبديها بعض النخب حول نظرية المؤامرة ولا بد من توضيح المفهوم. لا بأس. فلا توجد مؤامرة وإنما هناك خطة صريحة من الولايات المتحدة واسرائيل ودول وقوى عربية يعرفها الجميع. تعبر عن نفسها من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام المعروفة وغايتها تحطيم سوريا من خارجها وداخلها. وللرد على هذه الخطة المعلنة والصريحة لا بد من خطة وطنية يشارك فيها شعبنا بأسره ويضع عناوينها وتفاصيلها لهزيمة خطة الخصوم الذين ما تورعوا يوما ولن يتورعوا عن ارتكاب كل المحرمات لإركاع سوريا ومحاولة ضربها وتظليلها وطنياً وحتى جغرافياً وثقافياً.
نعم هنالك مؤامرة. خطة برنامج سموها ما شئتم لضرب هذه القلعة "سوريا بكل ما تمثل" وطنياً وثقافياً وتاريخياً وموقفاً قومياً لاستهداف كل منجزاتها والسيطرة على قرارها الوطني. إن معركتنا السياسية الآن هي وبلا لبس الحفاظ على قرارنا الوطني المستقل الحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية لشعبنا وبلادنا وقطع الأيادي التي تتدخل في شؤوننا الداخلية والانطلاق في ثوابتنا الوطنية ذاتها لتطوير حياتنا كلها والتي ستشكل عاملاً حاسماً في الانتقال إلى موقع الهجوم دفاعاً عن شعبنا ووطننا ومواقفنا المشرفة.
إن الحرية ومحاربة الفساد وإلغاء قانون الطوارئ والانتقال إلى حالة ديمقراطية وطنية هي قيمة مضافة في معركتنا وليس العكس وعلى (جميعنا) أن يدرك ذلك في مختلف المواقع.
لقد مرت سوريا والرئيس الأسد شخصياً في اختبارات غاية في الخطورة والحساسية منذ عام 2001 وبلا يوم واحد لالتقاط الأنفاس. ولقد أثبت الشعب والرئيس أنهما على قدر عالِ من الشجاعة والمسؤولية والالتزام الوطني. وإنني متأكد أنهما سينجحان معاً في صد الغارة الوحشية الجديدة. وهنا فشعبنا يدرك وبدقة ووعي الفرق الحاسم بين مطالب الإصلاح والتغيير وإطلاق النار على المواطنين من قبل الارهابيين، ولا بد في هذا المدخل من تذكير الجميع بأن السكوت عن إرهابي يقتل الناس ويروعهم يعرض المطالب العادلة ذاتها للسقوط، بل إن الأخوة الذين خرجوا للمطالبة بالإصلاح هم أول من يجب أن يتصدى لأولئك المتطرفين الذين لا يهمهم البتة لا الإصلاح ولا التغيير ولا الوطن ذاته إذ كيف يمكن أن أصلح البلد وأنا أسكت على تمزيق نسيجه الوطني؟
إن ما نطالب به الدولة نطالب به المعارضة أيضاً. إنني وأنا أطالب رجل الأمن بالتعامل الحضاري مع محتج يرفع الصوت مطالباً بالحرية والعدالة والإصلاح، أطالب المعارض بأن يتصدى وبلا هوادة لراكب موجة الاحتجاج والذي يريد جر البلاد كلها إلى الهاوية. لا يمكن بأي حال القبول بجرائم هؤلاء. ليمعن شبابنا النظر فيما حصل في مصر وتونس. هل قبل شباب الثورتين بأن يكونوا معبراً للقتل والمذهبية البغيضة وتمزيق النسيج الوطني؟ وهل بعض الفضائيات التي تنشر الأخبار والتلفيقات والأكاذيب هي أحرص على شعبنا ووطننا؟ مهلاً أيها الأخوة لا يمكن أن يلتقي القتل والعدالة والحرية بأي حال من الأحوال. شعبنا كله يريد التغيير وهو سينجز برنامجه الإصلاحي الجذري. ولا بد من إشتراك الجميع في رفض "القاتل، والفاسد، والمتطرف، واللص". هذا واجبنا جميعاً بل التحدي المطروح علينا جميعاً والأهم يجب علينا احترام اختيار شعبنا الواضح: الشعب يريد الإصلاح والحرية والعدالة بقيادة الرئيس بشار الأسد في هذه اللحظة التاريخية.
في اللحظات الوطنية المفصلية لا مجال لوأد الحقيقة "الشعب يريد الرئيس قائداً لبرنامج الإصلاح المنشود" وهنا لا مجال للعواطف الشخصية والخرافات الحزبية. كما احترم إرادتك يجب عليك احترام إرادتي واختيار شعبي.
وبما أنني فنان أعمل في الدراما التلفزيونية لا بد من تنويه واضح، إن الدراما السورية تمر في لحظة حاسمة ومنعطف خطير فهي إما أن تتلاشى ويسقط دورها أو تتقدم وتنتزع الريادة من جديد وأرى إن شرط ذلك هو الحرية. حرية الإبداع خارج قيود الرقابة البالية. حرية مسؤولة تدافع عن حقوق الشعب وخياراته وبرنامجه ووحدته الوطنية وتاريخه المضيء ومستقبله الحي وانتمائه النبيل لوطنه وقومه وأمته وشرف الدماء التي أراقها في سبيل حرية أمته واستقلاله طيلة قرن من الزمان بل طيلة قرون شجاعة أبهرت العالم.
لم يعد مقبولاً أن أقول لا للفساد (شعاراً). يجب أن أفضح آليات الفساد. يجب أن أعري مكامن الظلام. يجب أن نضع كل خطأ وخطيئة وارتكاب تحت نور ساطع كالشمس والواضح. أننا لا بد أن نتحرك إلى الأمام ونعمل من أجل تحديث أدواتنا وتوليد افكارنا وأن نسقط جدار الخوف والوهم والخرافة والكذب والدجل والمحسوبية وثقافة الطغيان إلى الأبد هذا حقنا وواجبنا والتحدي المطروح أمامنا. ولا يوجد أمامنا إلا خيار واحد.
الفوز بمصيرنا مرة واحدة وإلى الأبد. وإلا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية