كأن المنطقة العربية دخلت المرحلة التي وعدنا بها المحافظون الجدد في عهد الرئيس بوش الإبن، وهي مرحلة "الفوضى البناءة" مع التذكير أنها إذا ما نجحت ستكون بناءة للمشروع الصهيوني الأمريكي لأن هذا بالضرورة يعني ترك المنطقة فريسة للفوضى والخراب. وهذا سيكون الضمانة الأخيرة لتحول إسرائيل إلى دولة عملاقة وسط مجموعات من القبائل والطوائف المتناحرة التي لا بد لها من اللجوء إلى إسرائيل لحل خلافاتها ومشاكلها.
هذه نقاط لا بد من استعراضها في لحظة استثنائية فعلا من تاريخ سورية التي نخشى أن تنزلق إلى أي فوضى، سواء بحسن نية الذين يرفعون مطالب محقة إلى أقصى الحدود أو بفعل الذين أرادوا استغلال هذه المطالب العادلة ليدخلوا على الخط ويحققوا ما يريدون من مس بوحدة سوريا وأمنها واستقرارها. ومع الحزن الشديد على كل من فقدوا حياتهم بقصد شريف وبنية التصدي لما واجهوه من ظلم وفساد هنا أو هناك، نعرف أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة في كثير من الأحيان. ومن المؤكد كان هناك من أرادوا استغلال هذه النوايا الحسنة للوصول إلى غايات غير حسنة.
الآن، وأنا أعيش خارج بلادي، أشعر أن الوطن مستهدف بقوة. شيء واضح تؤكده وسائل إعلامية وقنوات فضائية لا شغل لها إلا النفخ في رماد الفتنة. فهي لا ترى ولا تنقل إلا ما تريد رؤيته وما يخدم هدفها. ولذلك كان أهم ما تعتمده هو" شاهد العيان" الذي لا يحتاج في كثير من الحالات لا إلى شاهد ولا إلى تفكير عميق لكشف أنه شاهد كذاب هو والقنوات التي امتهنت الكذب والتزييف.
ومثلها هذا الفيض الغامر من أخبار الفيسبوك التي تزود الجميع بأخبار ودعوات وصور غير معروفة الأصل والنسب. وبالتالي، فإن كل من اعتمد على هذه المصادر لابد أنه اكتشف كم هو مخدوع ومضلَّل، وخصوصا بعد مرور أيام وبعد أن وجدت نفسها مضطرة، وعلى استحياء، لنقل صور مسيرات التأييد التي ضمت الملايين ممن لا يمكن إخراجهم إلى الشارع بهذه الكثرة إلا برضاهم. وحتى لو تم إخراجهم بالقوة، من يمكن أن يضمن ألا يتصرفوا ويتحركوا بشكل مختلف لو كان لهم رأي آخر؟
مع الإقرار بعدالة مطالب المواطنين ومع الاعتراف بقدسية دماء الشهداء الذين سقطوا، ومع الاعتراف أيضا بأن القيادة السورية استجابت لكثيرمما هو مطلوب وضروري ومستحَق من أجل سورية، مع ذلك كله سنسمع من سيقول إن هذا غير كاف. وحتى مع تحقيق المطالب المتعلقة بقانون الطوارئ والأحزاب والإعلام وما هو أبعد منها، سنظل نسمع من يقول هذا غير كاف. ونحن نؤمن أنه غير كاف فعلا لمن كان هدفه تحقيق الأهداف الخارجية وتفتيت سورية وبدء الحروب الدينية والطائفية والعرقية في بلادنا. فهؤلاء لن يكفيهم ما هو أقل من المصير الذي وصله العراق قبل سنوات أو المصير الذي تعيشه ليبيا وغيرها حاليا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية