أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الطغتور .. ايوب الغيمات

بما أنه موسم الانتفاضات والاعتصامات وتخليص الحقوق، فيطيب لي اليوم أن أكشف النقاب عن مرض أعاني منه منذ أكثر من ثلاثين عاما، وذاك المرض يدعى (الجلطة النحوية) التي تربكني وتربك حياتي، فسرعان ما تظهر أعراضها عندما اشرع في تدريس أولادي اللغة العربية.

وحتى ساعة إعداد هذا المقال ما زلت أصاب برعشة في لساني، وسرعان ما تمتد إلى يدي وتنتقل تدريجيا إلى أقدامي التي تبدأ مباشرة في (الرفس) والتأرجح ومحاولة الهرولة شمالا ويميناً!

والسبب كل السبب يعود لمدرس اللغة العربية الأستاذ « جودت ح » و(جودت ح) هذا (طغتور) بكل معنى الكلمة، وطغتور منحوت من الكلمات التالية (طاغية)، (دكتاتور)، بل إن كلمة (طغتور) قليلة عليه لما يتمتع بها من صفات لا تختزن بين دفتي كتاب أو يافطة احملها فوق صدري أمام باب بيته؛ فكان يطبق حرفيا سياسة العصا لمن عصى -ومن لم يعص في بعض الأحيان- كما كان يمارس سياسة الأرض المحروقة -ولا تسألوني كيف- فتحولت المدرسة إلى غوانتانمو.

هذا (الطغتور) كان عنيفا شرساً وله علاقة واضحة بالكلب الذي كان يقتحم أحلامي وكوابيسي لهرس عظمي وهو يلعق دمي صائحا: ما هو تقدير الضمير المختفي؟.

عبثا حاولت رغم صغر عمري أن أصل إلى أرضية مشتركة أو تكوين منطقة منزوع السلاح بيننا فلم أفلح؟، فكان في كل مرة يستخدم القوة الغاشمة ويجتاح دفاتري وحقيبتي وباطن يدي ووجهي وتذهب قرارات وزارة التربية والتعليم أدراج الرياح.

ذلك الكابوس المدمر استمر فترة طويلة فكان (الفك المفترس) يتحف أيدينا والأقدام برسوماته العبثية عليها في حصة العروض وحصة التعبير وحصة النحو وحصة الدين حيناً، وأحياناً كثيرة في حصة الرياضة حيث كان يجيد ضربة (الشلوت) الحرة المباشرة.

نعم  يا (جودت ح) لقد جعلتني أكره الأسماء التي اشتقت من اسمك أو منه دنت، حاولت أن أحب الإعراب ولم أستطع.

حاولت أن ابحث عن الضمير الغائب فوجدت أن تقديره خبر ماض.

حاولت أن تعرف على المبتدأ فم أتلق منه خبرا.

حاولت أن أبحر في بحر العروض.. فوجدت أن الغرق تقديره مضارع لا محالة.

فصرت أتجنب قراءة كل كتاب به تشكيل وحركات زائدة، بل إني اكره أن أشاهد على التلفزيون (نكاية بالتلفاز) أحفاد أبي الأسود الدولي (نكاية بالدؤلي) الذين يتحدثون بالعربية المقعرة!

وأخيرًا، أقولها: منك لله يا (طغتور) أنت السبب في كل ما يحدث لي، فبعد كل هذه السنوات لا أميز بين المفعول به والفاعل المتواري عن الأنظار.

(103)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي