أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ميلاد ... ليلى بوتبغة

كي تكبر الأحلام و تنتشي .
كي لا تتدمر الحروف .
كي لا تنتهي القصص.



عندما مر القطار حاملا كل الوجوه التي يطل الموت من عيونها ،ماسحا تقاسيم الربيع من القلوب ،كاتما كل الأسرار المشرقية عن الشتاء، وقفت على سجادة الصلاة تبحث عن السكينة التي ذهبت بها الرياح إلى الجانب الأخر من الأرض.
تغني العصافير كل يوم على نافذتها و تحمل لها الأسرار الكبيرة ;أسرار الأرض والسماء فتبتسم لها و هي تمشي في الحقل كبار بارا برست. الفرق أن السماء لم تكن تمطر على الأرض كما كانت تمطر على برست.
اتجهت إلى المقبرة حيث القبور بيضاء، تعلوها الورود، يتقمص جسدها القبور، تصبح هي الأموات و هي الورود و هي الجسد الضائع في التراب و في المطر.تتأمل الجدار المكتوب بطبشورة لونها ابيض تختلط بطعم الألم ،تفحصت الأسطر و بكت ...و تعود الذاكرة إلى الوراء بعيون طفل يطلب منها أن تلده من جديد ،ليعانق الأرض و السماء .كان لها طفل بعمر الورد و الندى و الربيع و كان يحلم بالمدرسة و السبورة السوداء و الطباشير و كانت تغني له كل مساء.و لم تكن لتفكر بأنها ستتوقف يوما عن الغناء ,إلى أن جاء اليوم الذي انحبس فيه صوتها و لم يعد طفلها قادرا على الحلم .في ذلك الصباح الربيعي كان 'ميلاد' يجمع زهور الياسمين و يخلط رحيقها بماء الغدير و كل العصافير احترفت الصمت لتنصت إلى شذوه الربيعي ...و علا الصوت و ارتفع إلى أن وصل إلى الضفة الأخرى حيث لا احد يغني و يحلم..و لم تفتح النوافذ و لم يطرب الصغار .و أحب 'ميلاد' التراب و أحب الأرض و أحب ..الوطن و رسم للوطن صورا بالرمل و الماء و شيد المجد و الحرية صرحا تهتف من أعلاه الأعلام ولون القلوب بالأخضر ،و الفراشات تلاعب شعره و تذكر الغابات بابيه الذي لم يبق منه سوى رائحة الدم والقيح المخثر في المزارع و القبور .يبتعد 'ميلاد' عن الضفة الآمنة و فيه شيء يذكر بالإنسان ..كان يبحث عن' حدود أصابعه' في الضفة الأخرى حاول أن يكمل فيها أغنيته ... لم تسمعه أمه و هو يسير بين التفاصيل... ابتعد عن نفسه و اقترب من نزيفه ..و من منفاه .. ومن ميلاده ..أولم يكن ابن 'حيفا' الشهيد؟ صرخت أمه لكي لا يسرقوه من الصدى و من الصوت الشذى و من وطنه ..و لم يسمعوها و احرقوا صوته أولا ثم سرقوا دمه و سمموا الإنسان فيه...و لأول مرة انفتحت نوافذ الضفة الأخرى لأنهم يعشقون الرصاص لا الأغاني و رأوه و لم يبكوا و لم يغنوا اسمه كما فعلت أمه ...مات 'ميلاد' و مات الظل إلى الأبد و رفضت الفراشات أن تسافر و صعدت العصافير إلى العيون و بكت..و لوحت الوجوه في القطار و كانت مناديلهم تحمل اسمه ..و بقي صوته صامدا كما حيفا....

(107)    هل أعجبتك المقالة (97)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي