أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وجهان .... ليلى بوتبغة

أتعبتنا لعبة السارد و الكائن الورقي التي كنا غارقين فيها لنكتب نصا نكون فيه معا; الأنثى الشبق و الطيف الذي يحرك هذا الشبق. فقد اختلط علينا الأمر: الورق و اللحم و الدم، ولم نعد نعرف إن كان الحب الذي نكتب عنه ونحلم به و نلونه ألوان الطيف حبا و رقيا أيضا أم تسلل بعض من سحره إلى قلبينا الباردين آنذاك.كانت الرسائل التي نرسلها إلى بعضنا تمتص منا واقعيتنا و تدخلنا في مغامرة الحلم باللقاء في أرض الزيتون التي تصبيني رائحة زيتونها المعصر بالغثيان، تلك الرسائل الطويلة الملئ بأشياء ما استطعنا أن نسميها .ترك في أثرا هلاميا جعلني أغادر زمني مقررة الخوض في المستحيل علني ألامس بعضا من الحقائق التي مات في سبيل اكتشافها أناس كثر.كان يقول لي في لحظات البهاء "إنك لا تشبهين نفسك أبد، إنك التلون ذاته ، إنك أشبه بسحابة لا تكاد تتشكل حتى تفقد شكلها"، وكنت أفرح لزئبقيتي ، لم يكن يستطيع أن يدركني في تحولي و انفلاتي، لذك أراد أن يكتبني رواية و يسميني غير اسمي و يبدل ملامحي و جنسيتي ووطني ، كان يراني امرأة متعددة..و لكن تعددي كان يزعجه لأنه لم يفلح في القبض علي أبدا .
لكني قتلته ، رغما عني أو لأني لم أكن أريده أن يستحوذ علي ، ولكني لم أعد أذكر إن كنت فعلت ذلك في الرواية أو في الواقع الرديء الذي كان يجمعنا معا. قتلته خنقا في تلك الغرفة الضيقة التي تخترقها رائحة الزيتون في مدينة التراب الأحمر.استوحيت الطريقة من إحدى الكتب التي كان يضعها على الرف.استدرجته إلى القبو مدعية أني أرغب في أن أشخص اللحظة الأخيرة من الرواية التي ستنتهي بموت البطل على يدي أنا الورقية الحربائية الماكرة و المجنونة."الفضيلة هي الطريق المؤكدة للدمار"*
وافق على مضض ، لكنه لم يكن يستطيع أن يقاوم سحر الورق ..و تقدمني بخطى تابثة ، تخيل لي لحظة أنه يعلم ما أنا مقدمة عليه إذ كانت في عينيه نظرة حزينة و نادمة..لقد كان يحبني و كان يعلم أني لا أحتمل حبه لأنه كان يطبق على أنفاسي ، وكان يحبني لكن حبي كان يتعبه ..مل مطاردتي و نهري و تركي ثم العودة إلي منكسرا.أراد أن يحقق رغبتي الدفينة في الحرق و في الوقت نفسه أراد أن يرتاح مني .لذلك لم يزعجه قراري .
لم أقتله .لقد انتحر ..فقد استلقى ، وأغمض عينه وطلب مني أن أتخلص منه..لم أتردد فخنقته.
لم تكن هناك رواية على الأغلب، أو أنها كانت و ما عدت أذكر ذلك .. كل ما أذكره هو أنه فارق الحياة ربما في القبو أو في مكان آخر .. ربما السنة التي مضت أو التي ستأتي.. وأني الآن أكتب شيئا أقرب إلى الهذيان من هذه الغرفة الضيقة بأحد مستشفيات مدينة الزيتون ، وجدت فيها منذ زمن لم أعد أتذكره.



*الجملة مأخوذة من رواية "عالم بلا خرائط" لجبرا إبراهيم جبرا و عبد الرحمان منيف

كاتبة من المغرب
(96)    هل أعجبتك المقالة (96)

khalil bekkari

2013-12-19

تبارك الله على الدكتورة و أستاذتنا العزيزة ليلى بوتبغة : نريد أن نسمع المزيد ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي