ما أجملَ ما يدورُ بشوارع أوطاننِا و مشاعرِ شبابِنا في خضمِّ هاته الأيام العصيبة.. !
و ما أتعسَها من مشاهدَ تلوحُ بأفقٍ كئيبٍ أمامَ عينَيّ الأبيِّ الباكي ، الـمتأسّفِ على إنجازاتِ وطنِه ؛ متحسّرًا على انهيار حضارته!
إنّ المتابعَ لسلسلةِ الثــّوراتِ هنا و هناك لَيتساءلُ عنْ الذي يجري في الميدان ، و يقف بينَ موقفين متناقضيْن ؛ أحدهما مُرٌّ سلسٌ و ثانيهما حُلْوٌ عَسِرٌ . و كانَ ما يطفو إلى سطح الأحاسيس - في أثناء هذين التّناقضين - أنْ لابدَّ مِن طرْح السُّؤال التـّالي :" هل التّغييرُ يعني مَسْحَ كلِّ ما أُنـْجِزَ ؟ أم إنّه تعديلٌ في مسَار العَرَجِ الذي نأملُ تقويمَه في سياستنا و أفكارنا، و نُبقي على ما اسْتَحْسَنَّا في ما لم نفكّرْ في تغييره..و كان بمأمنِ الرِّضَا لدينا..؟ "ونحنُ نهيبُ بتلكَ اللّحظاتِ التي قرّرَ الشّعبُ أنْ يأخذَ مكانَه و يُسْمِعَ ثورتَه لِـمَنْ أمدَّهُ صوتـَه فخانـَه، و ألجمَه بعدَ أن قَضى من ثروته وَطَرًا،بعد سنواتِ الخُنْع والذّلّة!
في معادلةِ " الثــَّروةِ والثــَّورةِ " تتباينُ الـمواقفُ إزاءَ تقديرِ حَجْمِ الـمُرتقَبِ منهما بعد زوالَ الغيُوم ؛ أو بمعنى أوضحَ ستكونُ المعادلةُ صعبةَ الحلِّ أو على الأقلِّ ستحتاجُ إلى وقتٍ أطولَ إذا كان البديلُ لمْ يَطْفُ بعدُ إلى خيالِ الحالمِ الثـَّائر بقدْرِ الـمَأمُولِ منه حلاًّ للمعادلة.. وستمرُّ الأيامُ و ترجعُ الـمياهُ إلى مجاريها ، و ستنقشعُ الغيومُ و يؤوبُ إلى السّماءِ الصّافيةِ عُصفورُها الحزينُ بعد لهْثٍ مريرٍ عن فرحتِه المغتصبة ؛ و لكنَّ الثـّورةَ الحمراءَ سيبقى لهيبُها يُطاردُ كلَّ مَنْ سجَدَ لتلكَ الأصنامِ ، واهبًا ثرواتِ الشّعبِ – و قبلَ ذلك ضميرَهُ و شرفَهُ – طمعًا في خلودٍ – مهما طالتْ سنواتُ بذخِه - سيُخرجُه حتمًا من الدُّنيا مخزيًّا ذليلاً.و قد أتى إليها سَعيدًا مُكرَّما.
لا عجَبَ في غرُورِ و تجبُّر كلِّ مَنْ غرَّهُ تسليمُ قومِه لِسَوطِه ، و أُجْريَتِ الأنهارُ تحتَ نـَعْليْهِ ، و عُلّقَتِ الجِنانُ فوقَ تاجِهِ ، و هو يرَى كلَّ هذا بعينِ القوّةِ و الخلودِ ..و لكنَّ البُؤْسَ الذي طالَ - و مازالَ - ما دونَهُ كان كافيًا لِـيُقِيمَ الله عليه حجَّةً يُقَوَّمَ بها جبروتَه البائسَ ، فيُدركَ نفسَه من الضّياع قبلَ أنْ يضيعَ و يبقى آيةً لِـمَنْ خلفَه. و الـمنطقُ الجديدُ لِفهْم الشّعوبِ يُوحي في غير التباسٍ بأنَّ عهدَ الفراعنةِ و الأباطرة و الجبابرة قد ولَّى ، و أنّ الكلمةَ لنْ تكونَ سوى للشّعبِ ..ذلك البركانُ الخامدُ الذي لنْ يبقيَ أو يذرَ ما في طريقه حينما تصطلي نارُ عنفوانِه الغافية .
الجُرحُ الذي أجَّجَ ألمَ الكرامةِ في مشاعرِ شبابِنا هُوَ نفسُه باعثُ الكرامةِ في ألم شوارعالأمّةِ..و لا غروَ أنَّ الحريّةَ التي نطاردُها في خيالاتِنا بأشعارِنا و أغانِينا و أحلامِنا و بصوتِنا الخافتِ الـمَبْحُوحِ ، ستتحَرَّرُ منْ قيدِ الرُّؤى السّاحرةِ السَّرابيّةِ ،لـتُشَيِّدَ مراسيَها القارّةَ بانتفاضاتِ شبابنا.على أنْ نُفوِّتَ الفرصةَ على كلِّ مُترصّدٍ - قريبًا كان أم بعيدًا- لينالَ مأربَه منْقلبِ الثـَّرْوةِ ، و يدُكَّ غيرَهُ في فمِ الثـَّورة ، و ينسينا القضية الأم.
فيا شبابَ الثـّورةِ الحمراءِ ؛ حافِظوا على ثورتِكُم بقدْر محافظتكم على ثروةِ و ميراثِ ومكتسباتِ أوطانِكم ..بلْ بقدْر إيمانِكم العميق بأنَّ هذا الوطنَ العزيزَ لنْ يأتي أبناءٌ آخرونَ من قارّاتٍ أُخَرَ ليبنوه و يحموهُ و يـُحِبُّوه..و لْـنُغَنِّ سويــًّا :
يا شـعْبُ .. ليْلُـكَ مُقْــــمِــرٌ
و نـهارُكَ السَّـــاجي انْفـلـق ْ
سيَّــانَ..ليـْلٌ.. أو ضِيـَــا
ءٌ .. أو شـُــروقٌ .. أوشَفــقْ
فالعِــــــزّةُ الــــحمْـراءُ.. هَـا صُنْهـَـا، و لَـوِّنْ ما سَبـَـقْ
و أعُــوذُ مــن شيْطانِــــهـا
إنْ سـَوَّدَتْ وجْـــــــهَ الأفُــــــقْ
الجزائر / 25 فيفري 2011
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية