أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حذار من المؤامرة على ليبيا ... رشيد شاهين


بينما يشتد أوار الثورة في ليبيا العزيزة، ويتقدم الثوار من موقع إلى آخر بعزيمة ثابتة وقلوب يملؤها الإيمان والتصميم على إزاحة صنم آخر من تلك التي ابتليت بها أمة العرب، تتصاعد نداءات وأصوات مشبوهة في بقاع مختلفة من العالم وخاصة العربي، من اجل وضع حد "لبلطجة" القذافي ودمويته التي فاقت كل تصور، وكان من بعض السيناريوهات، تلك التي "تتحدث" أو "تدعو" إلى تدخلات عسكرية غريبة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.

إن الترويج لمثل هذه السيناريوهات إنما يأتي تجسيدا لما تم ترديده من قبل البعض ممن استحوذت على عقولهم فكرة "نظرية المؤامرة"، هؤلاء الذين أصابهم من اليأس كما البؤس الشيء الكثير، وتشكلت لديهم قناعة تتلخص في ان هذه الأمة، لم يعد بمقدورها ان تثور على الظلم والجور والطغيان الذي استشرى منذ عقود طويلة من الزمن، فصارت نظرتهم السوداوية إلى الأمور تسود في كل صغيرة وكبيرة، ففقدوا الأمل كما البوصلة، وصار الإحباط هو من يقود تحليلاتهم وفهمهم لكل هذا الذي يحدث في وطن العرب.

ان دعاة التدخلات الأجنبية إذا ما وجدوا – تحت يافطة الحرص على دماء أبناء الشعب الليبي- وهم قلة على أية حال، إنما يتساوقون مع من يتبنى موضوعة "نظرية المؤامرة"، القائلة بأن لا شيء يتحرك في هذا العالم إلا من تحت الإبط الأمريكي، ومن خلال المظلة والرعاية الأمريكية، في محاولة للإيحاء بأن الولايات المتحدة أصبحت قدر الأمة والعالم.

على أية حال، وبرغم كل ما يمكن ان يقال عن إمكانية التدخل الأمريكي وسواه، فان التصريحات التي سمعها العالم من أبناء ليبيا ورفضهم الجاد والأكيد لأي تدخل أجنبي مهما كان نوعه، واستعدادهم العالي لمواجهة التدخلات الأجنبية، كانت بمثابة الرد على كل هذه "المساخر" التي تحاول تخويف الشعوب العربية من ان محاولاتهم التخلص من الطواغيت إنما قد تكون المقدمة لإعادة الأقطار العربية إلى حقبة الاستعمار التي سادت خلال القرن الماضي.

المقارنة بين ما جرى في العراق وبين ما يجري في ليبيا ليس من الواقعية ولا من الموضوعية في شيء، فليس هناك أية مقارنة بين التجربة العراقية وبين ما يجري في ليبيا وغيرها من الأقطار العربية، ما جرى في العراق كان من خلال تآمر الأنظمة العربية الموجودة، والتي يثور أبناء الشعوب العربية ضدها، تلك الأنظمة التي ظلت تتآمر على العراق مع أعداء الأمة إلى ان سقط العراق في أيدي الغزاة، وتبين بعد ذلك غياب أية خطط أو برامج أو سيناريوهات بشأن بالعراق فيما يتعلق بمرحلة ما بعد سقوط صدام، بعكس ما كان لدى أعداء العراق والأمة من خطط وبرامج جاهزة وقد ثبت هذا على ارض الواقع.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول ان احد الأسباب الكامنة وغير المباشرة للثورات هو تآمر الأنظمة العربية وقادتها على العراق، - هذا إضافة إلى القمع وغياب الحريات والأوضاع الاقتصادية والمعيشية البائسة وغيرها- ، كان وراء قيام الثورات ضد تلك الأنظمة العربية التي لم تفعل شيئا من اجل درء الأخطار عن العراق.

ان "الولولة واللطم" على العراق بعد ثمانية أعوام من احتلاله، ومحاولة تخويف الشعوب العربية من تكرار التجربة العراقية، إنما يأتي ضمن مسلسل التآمر على الأمة سواء بحسن أو بسوء نية، بقصد أو بدون، ويجب ان يتوقف كل من يروج لمثل هذه "النظريات" لأنها غير دقيقة ولا تخدم سوى من يرغب في بقاء الأمة تغط في نومها وسباتها الأبدي.

الدعوات إلى مساعدات – على شكل تدخل عسكري بشكل خاص- من الخارج لوقف شلال الدم، تأتي في سياق مؤامرة خبيثة لا تخدم أهداف الثورة، ولا ما سيليها من ثورات قادمة بالتأكيد في أقطار عربية أخرى خلال فترة ليست بعيدة، وهي محاولة لضبط إيقاع الغضب العربي ضد أنظمة الفساد والظلم والاضطهاد التي تتحكم في رقاب الأمة.

مثل هذه الدعوات التي تبدو وكأنها حريصة على الدم الليبي، ليست سوى دعوات للإحباط، كما ان محاولات الترويج بان القذافي "استمات" وانه فاعل أي شيء قبل ان ينتهي أو يزول، هي أيضا محاولات لترويج الخوف والتردد. يجب التوقف عن محاولات بث الرعب والترويع، فالقذافي انتهى بكل المقاييس برغم ما يقال عن وقوف قبيلته وراءه، على الرغم من ان هذه المقولة ليست بالضرورة صحيحة، خاصة وان هنالك الكثير من الأنباء التي تشير إلى تردد يسود قبيلة القذافي في الوقوف معه ومساندته.

ان من غير الصحيح أو الدقيق، ان أنظمة الأقطار العربية تستطيع ان تقوم بدور ايجابي في ما يجري بليبيا، وقد أثبتت التجارب العديدة انها أنظمة عاجزة لا تمتلك من شانها ومن قرارها الكثير، والدعوات لتدخلات عربية تبقى دعوات فارغة وربما مشبوهة وغير مفيدة.

ليس من المعتقد بأن أحدا يرغب في رؤية المزيد من الدم الليبي يراق على أيدي الطغاة والمرتزقة، إلا ان منطق الأشياء يقول بان للحرية ثمن لا بد منه، لقد دفع أبناء ليبيا ثمنا غاليا على مدى سنوات حكم القذافي، وكان يتم دفع هذا الثمن بصمت وبدون ضجيج أو دعاية أو وسائل إعلام وكاميرات تغطي الأحداث بشكل مباشر كما هو حاصل الآن،، وإذا ما تم استذكار حجم الضحايا على امتداد سنوات هذا الحكم فان بالإمكان معرفة كم من الضحايا ذهبوا غدرا وبصمت، وعليه فان البحث عن الحرية لا بد من ثمن له قد يكون غاليا وغاليا جدا.

28-2-2011




(103)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي