أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الديكتاتوريات العربية : بداية النهاية ...

لا بد من أن يكون الزعيم الليبي معمر القذّافي قد بدأ بحساب «ساعاته الأخيرة» وهو يرى تراجع حدود سلطته لتصل إلى أطراف العاصمة طرابلس، التي تعدّ حصنه الأخير. منطقة الزاوية كانت عنوان يوم أمس، الذي شهد مجموعة من المؤشّرات إلى اقتراب الثورة الليبية من لحظاتها الحاسمة، ولا سيما مع الكلمة التي ألقاها «العقيد»، صوتاً بلا صورة، وخصصها لمخاطبة «أهالي الزاوية».

غياب الصورة طرح جملة من التساؤلات حول مكانه، وخصوصاً أنه في اليومين الماضيين كان يحرص على الظهور أمام منزله في العزيزية لتأكيد بقائه في طرابلس، وهو ما فعلته ابنته عائشة أول من أمس أيضاً.
مصير القذافي بات رهينة تطورات الساعات المقبلة، سواء في الداخل أو الخارج، ولا سيما مع ارتفاع نغمة التدخل العسكري الأميركي ـــــ الأوروبي في ليبيا، البلد النفطي، وهو ما بدأ بإعلان بريطانيا إعداد قوة تدخّل خاصة «لإجلاء الرعايا»، وعدم استبعاد الولايات المتحدة أيّ خيار للتعامل مع الوضع الليبي، بما فيه التدخل العسكري، بحسب الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني، الذي أعلن أنّ الاتصالات قائمة حالياً لبحث «فرض منطقة حظر جوّي فوق ليبيا». حظر جوي أعاد إلى الأذهان المشهد العراقي، الذي انتهى بالغزو الأميركي والدولي.
تدخّل تفرضه حال الذعر في الأسواق الدولية مع وصول سعر برميل النفط إلى مشارف الـ120 دولاراً، والمخاوف من أن يصل خلال أشهر قليلة إلى 220 دولاراً، ولا سيما مع بيان وكالة الطاقة الدولية، الذي أشار إلى أن الأزمة في ليبيا حجبت عن السوق ما بين 500 ألف إلى 750 ألف برميل يومياً من النفط، أي أقلّ من 1 بالمئة من الاستهلاك اليومي العالمي.
وتركّزت المواجهات أمس في مصراتة والزاوية، التي تبعد 45 كيلومتراً عن العاصمة طرابلس. وقُتل 16 شخصاً على الأقل وأصيب أكثر من أربعين آخرين في اقتحام نفّذته قوّات موالية للزعيم الليبي للمدينة الواقعة غربي العاصمة، بينما هاجمت قوات أخرى تجمعات لمحتجّين يسيطرون على مدينة مصراتة شرقي العاصمة، وقتلت عدداً منهم.
ونقلت قناة «الجزيرة» عن شهود قولهم إن «كتائب القذافي» هاجمت المعتصمين في ميدان الشهداء في الزاوية بأسلحة ثقيلة، ما أدّى إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى. وروى شاهد عيان لـ«الجزيرة» أن الهجوم استهدف نحو ألف معتصم كانوا يواصلون اعتصامهم في ميدان الزاوية للمطالبة برحيل العقيد القذافي. وأضاف أن نحو ثلاثمئة من كتائب القذافي هاجموا المعتصمين مستخدمين أسلحة ثقيلة. وأن سكان الزاوية انتفضوا بعد هذه المجزرة وخرجوا إلى الشوارع وقد أصبحوا أكثر إصراراً على رحيل القذافي.
ونقلت «الجزيرة» عن شاهد عيان قوله إن 40 ألف متظاهر كانوا لا يزالون حتى بعد ظهر أمس يسيطرون على المدينة ويعتصمون في ميدانها بعد دحر المهاجمين، فيما أشار شاهد عيان آخر إلى تجمّع للمرتزقة في مكان يبعد سبعة كيلومترات عن المدينة، الذين خاضوا معارك كرّ وفرّ مع سكان المدينة.
وفي مصراتة، هاجمت قوّات من «كتائب القذافي» تجمّعات لمحتجّين يسيطرون على المدينة، وقتلت عدداً منهم. وذكرت صحيفة «قورينا» أن إحدى الكتائب الأمنية التابعة للقذافي شنّت أمس هجوماً على مطار مصراتة. وأضافت أن المتظاهرين تصدّوا للكتيبة التي حاولت السيطرة على المطار وأجبروها على الهرب خارجه.
وأمام الواقع الميداني الذي لا يصبّ في مصلحة القذافي، عمد الأخير إلى محاولة رشوة القبائل. ونقلت صحيفة «ليبيا اليوم» عن مصدر تأكيده اتصال الزعيم الليبي بمشايخ قبيلة الزنتان، مشيرة إلى أنه عرض عليهم الوقوف إلى جانبه مقابل مبلغ 250000 دينار ليبي لكل عائلة. وأكد المصدر أن الأهالي في مدينة الزنتان أصرّوا على المضي في ثورتهم «إلى أن يسقط هذا النظام الفاقد للشرعية ولو أحضر لهم مال قارون».
وفي تطور آخر إلى الغرب من طرابلس أيضاً، قالت وكالة «رويترز» إن لجاناً شعبية سيطرت على مدينة زوارة (ذات الغالبية الأمازيغية)، التي شهدت تظاهرات حاشدة ضد القذافي.
في المقابل، دعت المعارضة الليبية «المواطنين في كل مدن الجماهيرية، الى الخروج بعد صلاة الجمعة اليوم في تظاهرات مليونية سلمية للمطالبة بإسقاط النظام... وإلى أن يتحرك الشرفاء في الجيش الليبي بحماية المتظاهرين سلمياً من قوات المرتزقة التابعة للقذافي»، حسبما جاء على موقع «المنارة»، فيما دمّر سكان مدينة بنغازي الشرقية الغاضبون ثكنة مرتزقة أفارقة استخدمهم القذافي في قتال محتجّين على حكمه.
الضغط الشعبي والسقوط المتتالي للمدن، دفعا القذافي إلى الظهور الثاني خلال أقلّ من 48 ساعة. ظهور صوتي هذه المرة بلا صورة، اتهم فيه تنظيم «القاعدة» بالوقوف وراء ما يجري في بلاده. وجدّد اتهامه للمحتجّين على نظامه بتعاطي الحبوب المخدرة، التي قال إن تنظيم «القاعدة» يوزّعها عليهم. ووصف ما يحدث في الزاوية بـ«المهزلة»، وقال لسكانها «إذا أردتم أن تعيشوا هذه الظاهرة فأنتم أحرار.. تقتلوا بعضكم.. لكن المنطقة تتبرأ منكم».
وتابع الزعيم الليبي، الذي تحدث بنبرة هادئة مقارنة بخطابه الأخير، إن زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن هو العدوّ الذي يتلاعب بالناس وإن «القاعدة» تسعى إلى إقامة دولة إسلامية في ليبيا. ودعا الليبيين إلى طاعة ولي الأمر وعدم اتباع «عملاء بن لادن المجرم» والإصغاء إليهم.
ودعا القذافي إلى الهدوء، زاعماً أنه ليس مسؤولاً عما يجري من تخريب وتدمير، وأن السلطة بيد الشعب ولجانه الثورية. وأشار إلى أنه لا يملك سلطة فعلية بل أدبية، وأنه سلّم السلطة إلى الليبيين منذ 1977. واستشهد بملكة بريطانيا وملك تايلاند اللذين لا يحكمان فعلياً بل إن منصبهما شرفي معنوي منذ عشرات السنين.
وفي محاولة أخرى للتقليل من حجم الأحداث، قال سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي، إن «ليبيا ستكون مفتوحة أمام كل الصحافيين من جميع أنحاء العالم لنقل مجريات الأوضاع وتوضيح الحقائق». وأضاف، في تصريحات بثها التلفزيون الليبي الرسمي، أن «التحدي أمام الصحافيين الذين سيأتون إلى ليبيا بالمئات يتمثل في الكشف عن أي مكان تعرض للقصف الجوي الذي ادّعت وسائل الإعلام أنه نُفذ ضد عدد من أحياء طرابلس».
كذلك، ظهرت عائشة القذافي على شاشة التلفزيون الليبي في أعقاب التقارير التي أشارت إلى أنها حاولت مغادرة البلاد عن طريق مالطا لكنها منعت من دخولها. واتهمت القنوات التي تبثّ مثل هذه التقارير بالخيانة.
غير أن صورة تماسك العائلة، التي يسعى القذافي إلى إضفائها، خرقها ابن عمه أحمد قذّاف الدم، الذي أعلن، في اتصال من مكتبه في القاهرة مع «الجزيرة»، تخلّيه عن منصبه منسّقاً للعلاقات الليبية ـــــ المصرية، وطلبه اللجوء السياسي إلى القاهرة، وذلك بعد عودته من زيارة سريعة لدمشق.
في هذا الوقت، انضمّ السفير الليبي لدى الأردن، محمد حسن البرغثي، إلى قائمة السفراء المستقيلين من مناصبهم احتجاجاً على المجازر، والمنضمّين إلى ثورة الشباب.
حركة الشارع المتسارعة في ليبيا، جاءت مع تسارع حراك آخر خارج الحدود، ولا سيما من الولايات المتحدة، التي بدأت ترفع سقف خيارات التعامل مع نظام معمر القذافي. فبعد تأييد واشنطن لطرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارني، لدى سؤاله عمّا إذا كانت الولايات المتحدة تدرس خيارات عسكرية، «لا أستبعد خيارات ثنائية». وأضاف «لا أستبعد أي شيء». وقال إن الوضع في ليبيا «يتطلّب تحركاً سريعاً».
وقال كارني إن أوباما اتصل برئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمناقشة الإجراءات من جانب المجتمع الدولي لإرغام نظام حكم القذافي على وقف العنف ضدّ المحتجين. وأشار إلى أن أوباما يريد جهداً دولياً متناغماً وواسعاً في ليبيا.
وانضمّ أعضاء في الكونغرس الأميركي إلى البيت الأبيض في دعوته إلى التعامل العسكري مع الوضع في ليبيا. وقال العضو الديموقراطي في مجلس النواب الأميركي هاوارد بيرمان، إنه ينبغي على المجتمع الدولي النظر في جميع الإجراءات «لإنهاء أعمال القتل، بما فيها فرض منطقة حظر جوي لحماية المواطنين الليبيين».
مؤشّر تدخّل آخر كشفت عنه هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، التي ذكرت أمس أن الحكومة البريطانية وضعت وحدة من القوّات الخاصة على أهبة الاستعداد للمساعدة في إنقاذ البريطانيين العالقين في ليبيا. وقالت إن وحدة القوات الخاصة البريطانية اتخذت الاستعدادات المطلوبة للانتشار في حالات الطوارئ في أجزاء من ليبيا بدعم من مظليين من مجموعة الإسناد في القوات الخاصة.
في هذا الوقت، برز موقف دولي معارض لمساعي واشنطن وسائر الدول الأوروبية، عبّر عنه خصوصاً رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، الذي حذّر الغرب من أن أي محاولات للتدخل في ثورات العالم العربي قد ينتج منها وصول متطرفين إلى السلطة. وقال، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل مع رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو، «يجب أن تمنحوا الناس فرصة ليحددوا مصائرهم ومستقبلهم بأنفسهم». وحذّر من أن محاولات سابقة «لفرض الديموقراطية» عززت الثورة الإسلامية في إيران وساهمت في تحقيق انتصارات انتخابية لمتشدّدين يكافح الغرب الآن لاحتوائهم.
وفي أنقرة، قال رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا تعارض فرض عقوبات على ليبيا لأن مثل هذه الإجراءات تعني معاقبة الشعب الليبي، فيما أعلن اللأمين العام لحلف شمالي الأطلسي، أندرس فو راسموسن، أن «الحلف في حد ذاته ليست لديه خطط للتدخل» في ليبيا، مضيفاً «لم نتلقّ أي طلب بهذا الخصوص. وعلى أية حال ينبغي أن يستند أي تحرك إلى تفويض واضح من الأمم المتحدة».
وفي الإجراءات، قالت سويسرا إنها ستجمّد أي أصول قد تكون في البلاد للزعيم القذافي وعائلته. لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية السويسرية، قال إنه لم يتّضح ما إذا كان للقذافي والأطراف القريبة منه أصول مالية فعلاً في سويسرا. وأضاف أنه سيعلن ذلك خلال الأسابيع المقبلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرتزقة أفريقيا «يردّون الجميـل» لـ «ملك الملوك»

شهيرة سلّوم

استدار العقيد معمر القذافي مرةً أخرى نحو القارة السمراء، لكن هذه المرة ليس لتفجير جنون العظمة وشغف السلطة، اللذين بلغا حدّ تنصيب نفسه «ملك الملوك»، بل كي يستقدم مرتزقة لذبح شعبه. وهؤلاء بطبيعة الحال ليس لديهم عقيدة أو انتماء، يعملون وفق منطق السوق السوداء، وتحرّكهم شهوة المال ويتخذون من القتل سبيلاً للعيش. استقدمهم من القارة التي عمل على مدى سنوات خلت على شراء النفوذ داخلها بأمواله النفطية بهدف تشييد مملكة يتربّع على عرشها.
وقد تحدثت مصادر متعددّة عن استخدام العقيد القذافي المرتزقة الأفارقة لمقاتلة الأهالي، وذلك ما دفع ببعض قوات الجيش الى الانشقاق والانضمام الى المحتجّين. وقال السفير الليبي لدى الهند علي العيساوي إن «المرتزقة من أفريقيا ويتحدثون الفرنسية ولغات أخرى».
وروى الأهالي وضباط انشقوا عن صفوف الجيش أن المرتزقة دمّروا المباني وأتلفوا خطوط أنابيب النفط وسمّموا المياه. كما تحدث مصريون عائدون من ليبيا عن المرتزقة الذين ذبحوا العشرات من مواطنيهم باستخدام السيف في منطقة البريقة في الجنوب. وتدفق هؤلاء المرتزقة بكثرة عبر مطار معيتيقة شرقي طرابلس. أما الجهات التي يأتي منها هؤلاء المرتزقة، فهي متنوعة. وتحدثت تقارير عن وضع إعلانات في غينيا ونيجيريا تطلب مرتزقة للقتال في ليبيا مقابل 2000 دولار لليوم الواحد.
ويبدو أن الوقت قد حان لحركات التمرد الأفريقية كي ترد الجميل لمعمر القذافي، بعدما مدّها بالعتاد والسلاح والأموال على مدى سنوات. وقيل إن الأفارقة السودانيين جزء أساسي من مرتزقة العقيد، ولا سيما حركة خليل إبراهيم، العدل والمساواة السودانية المتمردة في دارفور، التي ينشط أفرادها داخل الأراضي الليبية بدعم من العقيد.

الاخبار - زمان الوصل - رويترز - يو بي اي
(123)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي